النظرية العامة لقانون البيئة

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: قانون البيئة والتنمية المستدامة
Livre: النظرية العامة لقانون البيئة
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Wednesday 8 May 2024, 01:53

1. التعريف بقانون البيئة وخصائصه

      يعتبر قانون البيئة من القوانين الحديثة من حيث النشأة لكن بالمقابل وفي السنوات الخيرة يعرف تطور كبير لذلك سنتاول في هذه النقطة تعرف به وتبيان خصاصه.

أ‌-     تعريف قانون البيئة:

       يعرف القانون البيئي بأنه النظام القانوني المقرر لحماية البيئة والمحافظة على عناصرها فهذا القانون يضع القواعد القانونية اللازمة لمنع الإضرار بالبيئة أو معالجة نتائج ذلك الإضرار في حال وقوعه من خلال نصوص تجريم الأضرار بالبيئة وتحدد أحكام مسؤولية الملوث

فقانون البيئة موضوعه تنظيم الشأن البيئي وهدفه حماية البيئة وحفظ التوازن البيئة في عناصرها ووسيلته في ذلك تنظيم النشاط البشري وتجريم الأفعال التي تلحق ضررا ودمارا بالبيئة وفرض العقوبات الجزائية، وتحديد مسؤولية مرتكبي السلوكات الضارة بالبيئة مدنيا عن طريق إلزامهم باتعويض عن الأضرار الناتجة عن نشاطهم وإعادة تأهيل البيئة المتضررة

      وبالتالي قانون البيئة ينظم الوسائل التي يتم بها توفير الحماية القانونية للبيئة بعناصرها وعليه يمكن تعريف قانون البيئة بأنه '' مجموعة القواعد القانونية التي تهدف إلى حماية البيئة والمحافظة عليها من خلالا إدارة وتنظيم النشاط البشري وتحديد السلوكات التي تشكل جرائم ومخالفات بيئية والعقوبات المقررة لمرتكبيها'' وعليه قواعد القانون البيئة ايا كان مصدرها تلتقي عند هدف واحد يتمثل في ضمان استدامة عناصر البيئة والمحافظة على توازنها وحماتها من كافة أشكال التدهور والتلوث والتدمير.

ب-خصائص قانون البيئة:

     يتميز قانون البيئة بمجموعة من الخصائص جعلت منه قانونا خصوصيا ويمكن إجمالها فيما يلي:

قانون البيئة حديث النشأة: القانون البيئة بمفهومه المعروف لم يظهر إلا في مرحلة متأخرة وهي مشارف النصف الثاني من القرن 20 حيث بدأت مبادئ هذا القانون في تبلور في صورة أحكام معاهادت دولية أو نصوص في تشريعات وطنية، ويمكن القول أن مؤتمر استكهولم 1972 كان له دور كبير في وضع المبادئ الأساسية لقانون حماية البيئة وحداثة ميلاد قانون حماية البيئة، اعترف بها جانب من الفقهاء واعتبر البعض أن هذه الخاصية هي التي تفسر النقص الذي يعتريه والتغيرات التي تحتويها قواعده ففي الجزائر لم يصدر قانون البيئة إلا سنة 1983.

1-قانون البيئة ذو طابع علمي وفني في مبادئه وأحكامه:

رغم كونها قواعد قانونية بالمعنى الإصطلاحي الدقيق لتوافر خصائص القواعد القانونية فيها، فإن ما يميز مبادئ وقواعد القانون البيئي هو الطابع الفني والتقني للكثير منها، وهو ما جعل المشرع في حاجة للإستعانة بالخبراء والفنين والمختصين في العلوم المتصلة أي أن صياغة قواعده تقوم على أساس المزج بين الأفكار القانونية والحقائق العلمية البحثية وتحديد نوعية الملوثات ومستويات التلوث وغيرها من المعلومات الكيميائية والفيزيائية التي يجب على القواعد القانونية استعابها.

2-قانون البيئة دولي النشأة :

      من ابرز الخصائص التي تهيمن على القانون البيئي أنه نشا دوليا فالقانون البيئي بالمعنى السائد حاليا نشأ بعد نضوج الحركة البيئية الدولية التي تعززت بعد نهاية ح ع2 إثر استخدام السلاح النووي ضد اليابان الذي كشف عن وجود مخاوف جديدة تتمثل في التلوث الإشعاعي فكان أن اكتسبت الحركة البيئة الدولية زخما جديدا في مواجهة المخاطر النووية بلغت ذروتها بانعقاد مؤتمر استكهولم أسفر على تبني إعلان استكهولم الذي تضمن مجموعة من المبادئ تبعه إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

وعليه فاغلب قواعد قانون البيئة هي قواعد اتفاقية عملت الدول من خلال الاتفاقيات الجماعية والثنائية على وضعها باعتبارها ليس فقط لأن الأخطار التي تهدد البيئة عالمية الثر والمضار بل أيضا لأن فعالية وسائل الحفاظ على البيئة تقتضي تنسيق سياسة دولية موحدة في مجال وضع القواعد والأنظمة المتعلقة بالبيئة.

      ولعل ما يفسر النشأة الدولية للقانون البيئي هو طبيعة المشكلات البيئية والآثار الناجمة عنها، فمعظم هذه المشكلات تؤدي إلى نتائج لا تتوقف آثارها السلبية على البية عند الحدود السياسية للدول، بل تمتد لتؤثر على إقليم دول أخرى، ولذلك يوصف التلوث بأنه عابر للحدود، ولا يعترف بالسياسة الجغرافية وعليه فإن أي تشريع بيئي لا يراعي هذه الطبيعة سيظل عاجزا عن تقديم الحلول الناجعة والنهائية لمشكلات البيئة.

3-القانون البيئة ذو طابع تنظيمي آمر:

لقد أصبغ على قواعد حماية البيئة طابعا آمرا وهذا بالنظر إلى الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه، وهذا الطابع الآمر لقواعده يختلف عن غيره من القواعد الآمرة الأخرى اختلافا تبرره الرغبة في إدراك الهدف الذي من اجله اكتسبت هذه القواعد ذلك الطابع الآمر ويتمثل هذا الإختلاف في أن هناك جزاء مدنيا وآخر جزائي يترتب على مخالفة قواعد حماية البيئة.

4-قانون البيئة ذو طبيعة مختلطة: يصعب تصنيف القانون البيئي ضمن الأطر التقليدية للقانون العام أو الخاص فالقانون البيئي في جزء منه هو قانون دولي ينطوي على مبادئ والقواعد القانونية التي تكرست في المعاهدات الدولية البيئية والإعلانات والمؤتمرات الدولية وفي جزء منه قانون وطني يتمثل في بعض الأحكام البيئية في الدساتير وتشريعات الدول المختلفة. لكن القانون البيئي في صوته الوطنية ينطوي أيضا على أحكام متصلة بالقانون الجزائي وأخرى بالقانون الإداري والمدني وبعضها متصل بأحكام القانون الدستوري كالنصوص التي توردها بعض الدساتير والمتعلقة بحق الإنسان في البيئة السليمة.

 

2. مصادر قانون البيئة

   لقانون البيئة مصادر تستمد منها قواعده وهو في ذلك لا يختلف عن باقي فروع القانون الأخرى في بعض المصادر، غير أنه يختلف عنها في بعض آخر وهذا الاتفاق والاختلاف يطبع قواعد ذلك القانون بخصائص معينة ومميزة فقانون البيئة خلاف للعديد من القوانين يستمد قواعده من مصادر :

أ-المصادر الدولية لقانون البيئة:

1-الإتفاقيات الدولية: تحتل المعاهدات الدولية مرتبة بارزة في النظام القانوني الداخلي للدول بما في ذلك النظام القانوني الجزائري وبتطبيق مبدأ سمو القانون الدولي '' المعاهدات '' على القانون الوطني جعلها جزء من نظامه القانوني في الجزائر فهي تسمو على التشريعات الوطنية بإستثناء مايتعارض منها مع الدستور حسب المادة 132 من دستور 1996 فالمعاهدات الدولية البيئية تسهم في معالجة الفراغ والقصور التشريعي في بعض مجالات حماية البيئة كما تعتبر من أفضل الوشائل نحو ارساء دعائم لقانون البيئة. ويرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل منها الطبيعة الدولية لمشكلة البيئة والتي تقتضي التعاون الجماعي ومنها وجود منظمات دولية عامة متخصصة تعمل على تقديم عون حقيقي في مجال إعمال قواعد حمائية  كمنظمة الأمم المتحدة، منطقة اليونسكو، منظمة الأغذية والزراعة، ومن الإتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية البيئة منها إتفاقية لندن عام 1972 الخاصة بمنع التلوث البحري بإإغراق النفايات والمواد الأخرى، إتفاقية جنيف عام 1979 المتعلقة بتلوث الهواء بعيد المدي اتفاقية فينيا لعام 1985 الخاصة بحماية طبقة الأوزون.

المبادئ القانونية العامة: هي عبارة عن مجموعة الأحكام والقواعد التي تقوم عليها، وتعترف بها النظم القانونية الداخلية للدول أعضاء المجتمع الدولي، ومن المبادئ التي نجدها في مجال حماية البيئة مثلا مبدأ حسن الجوار، مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق، مبدآ الملوث يدفع.

2-العرف والقضاء الدولي:

تحتفظ الأعراف الدولية بأهميتها النسبية في مجال حماية البيئة ومن هذه القواعد التي استمرت كأعراف ملزمة في العلاقات الدلولية ومبادئ في الإعلانات الدولية الخاصة بحماية البيئة واجب الدول في عدم السماح باستخدام أراضيها لإلحاق الضرر بالدول الأخرى، أما القضاء والفقه الدوليين في مجال وضع وتطوير قواعد القانون الدولي لحماية البيئة محدودا ولكنه مفتوح الإحتمالات على آفاق تبني بالتطور فقد بحثت محكمة العدل الدولية أواسط التسعينيات من القرن الماضي مبادئ هامة متصلة بحماية البيئة والقانون البيئي يتمثل في مبدأ التنمية المستدامة والعدالة بين الأجيال ومبدأ تقييم الأثر البيئة.

ب-المصادر الداخلية لقانون البيئة:

1- التشريع: يشمل التشريع كل نص قانوني حيثما ورد يهدف يشكل مباشر أو غير مباشر إلى حماية البيئة وفي النظام القانوني الجزائري للتشريع ثلاث مراتب:

التشريع الدستوري: لقد أضحى تلوث البيئة المحيطة بالإنسان باعتباره جرم يساهم في إهدار المقومات الجوهرية للحق في سلامة وأمن الشخص وحقه في العيش في بيئة ملائمة لذلك تعالت الأصوات في المحافل الدولية والندوات القانونية للمناداة بدسترة حق الإنسان في بيئة نظيفة التي تعتبر من المبادئ المنصوص عليها في معظم الدساتير باعتباره مصدر غير مباشر للتجريم في مجال جرائم تلويث البيئة منذ إعلان ستوكهولم الذي نص صراحة على هذا الحق.

      ويقصد بدسترة الحق في البيئة أو بالأحرى دسترة الحقوق البيئية: هو إعادة صياغة وتوسيع حقوق الإنسان والواجبات القائمة في سياق بيئي. ودسترة الحق في البيئة أدى إلى ظهور نقاش فقهي بين مؤيد لهذه الفكرة وبين معارض لها:

     فالإتجاه المؤيد لدسترة الحق في البيئة بزعامة الأستاذين " Buny et Brand" يريان بأنه من الضروري دسترة الحق في البيئة لأن الحماية البيئية المكرسة في الدستور تتمتع بمزايا عديدة مقارنة بتلك الحماية التي يكفلها القانون العادي ذلك أن التكريس للحقوق البيئية يسمح ببلوغ المرتبة العليا بين القواعد القانونية.أما الإتجاه المعارض يرى بأن التكريس الدستوري لأي حق من الحقوق الأساسية مهما كان نوعه يعتبر غير ديمقراطي لأنه يعتبر تقييدا للأغلبية فلا تكون عادلة ويمكن أن تكون هذه الحقوق غير مدسترة لأنه يمكن تحقيقها من خلال وسائل أخرى غير قابلة للتغير فوجود نص معين في دستور دولة معينة ليس في ذاته المحدد لقوة الحق

    لقد انتهجت الدول في دسترتها للحق في البيئة أسلوبين، فهناك من الدول من تنص صراحة على هذا الحق في دستورها كالدستور الفرنسي عام 2005 بقوله "لكل فرد الحق في العيش في بيئة متوازنة وصديقة للصحة، ودستور أفغانستان عام 2004 "الحق في حياة مزدهرة وبيئة معيشية سليمة لجميع سكان هذه الأرض"  ومن الدول من تنص بصفة غير مباشرة على الحق في البيئة منها الدستور الجزائري فبموجب دستور 1996 أوكلت مهمة التشريع بقواعد عامة متعلقة بالبيئة والإطار المعيشي والقواعد العامة المتعلقة بحماية الثروة الحيوانية والنباتية للبرلمان. كما أن الدستور الجزائري أكد على حق المواطن في الرعاية الصحية، النظافة وأكد على حقه في الأمن والصحة والنظافة أثناء العمل. غير أن دستور 2016 نص صراحة على حق الإنسان في بيئة نظيفة في كل من الديباجة بموجب المادة19،68.

والتشريع العادي: فقد صدرت العديد من القوانين الجزائرية التي عالجت في أحكامها مسائل متصلة بحماية البيئة والمحافظة عليها أو بمعنى أخر ورود العديد من المواد المتفرقة في القانون في القانون التي يمكن أن تنطوي على حماية للبيئة بشكل عرضي فهذه النصوص لم يكن المقصود منها حماية البيئة بالمفهوم الحديث بقدر ماهي حماية لمصالح أخرى ومن المواد ما تناولها قانون العقوبات في المادة 441 مكرر فقرة 6، المادة 462فقرة 5، مواد 457فقرة1،2، المادة 458 فقرة 3، المادة 462 فقرة5بالإضافة إلى القوانين الخاصة بالبيئة صدور القانون 03-10 المتعلق بحماية البيئة في إيطار التنمية المستدامة.

التشريع الفرعي: صدرت في إطار حماية البيئة العديد من المراسيم التنفيذية المتعلقة بالحماية المباشرة للبيئة نذكر منها على سبيل المثال: 06/198 الذي يضبط التنظيم المطبق على المؤسسات المصنفة لحماية البيئة، المرسوم التنفيذي رقم 06/104 المؤرخ في 25 فبراير 2006 الذي يحدد قائمة النفايات الخاصة الخطرة.

2-العرف: يقصد به في قانون حماية البيئة مجموعة القواعد القانونية التي نشأت في مجال مكافحة التعدي على البيئة والحفاظ عليها، وجرت العادة بإثباتها بصورة منتظمة ومستمرة بحيث ساد الإعتقاد بإعتبارها ملزمة وواجبة الإحترام، الإ أن دور العرف مازال ضئيلا في ميدان حماية البيئة، بالمقارنة بدوره في فروع القانون الأخرى ويرجع ذلك إلى حداثة الإهتمام بمشكلة حماية البيئة فلا توجد قواعد أو مقايس عرفية لحماية البيئة وإنما توجد فقط بعض المبادئ المبهمة العامة مثل الإستعمال المعقول،

 الضرر الجوهري.

3-الفقه: هو عبارة عن آراء ودراسات علماء القانون وتوجيهاتهم بشأن تفسير القواعد القانونية وقد لعب الفقه دورا كبيرا في مجال التنبيه إلى المشاكل القانونية التي تثيرها الأخطار التي تهدد البيئة وقد ظهر ذلك بصورة واضحة  أثناء انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة بمدينة استكهورلم حيث طرحت كثير من الآراء الفقهية للمناقشة حول القاعدة  القانونية التي ترسم ما ينبغي أن تكون عليه التدابير والسياسات التي تكفل صيانة البيئة والحفاظ على مواردها الطبيعية وتوازنها الإيكولوجي.

 

3. مبادئ قانون البيئة

: مبادئ قانون البيئة:

   يقوم قانون البيئة على مجموعة من المبادئ القانونية التي تشكل مرتكزات للأحكام القانونية البيئية ويمكن إجمالها فيما يلي:

أ-مبدأ التنمية المستدامة:

     يعتبر مفهوم التنمية المستدامة من ابرز المفاهيم التي ساهمت مازالت في صياغة التوجهات والسياسات الدولية والوطنية حيال مشاكل البيئة وحمايتها

      وضعت العديد من التعريفات للتنمية المستدامة وبطرق مختلفة ولكن يستند التعريف الشائع المستخدم على نطاق واسع إلى تقرير '' مستقبلنا المشترك'' الذي نشر أثناء عقد لجنة بروتنلاند  عام 1987 والذي نص بشكل أساسي على '' أن التنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية حاجاتها الخاصة.

      أما اللجنة العالمية للتنمية المستدامة فقد عرفتا على أنها '' التنمية التي تفي بإحتيادات الحاضر دون المجازفة بموارد أجيال المستقبل. وبناءا على هذه التعاريف يمكن تقديم الملاحظات التالية:

*مفهوم التنمية المستدامة ينادي بالعدالة بين الأجيال في استغلال الموارد والعدالة في إطار الجيل الواحد.

*مفهوم التنمية المستدامة غامض فأنصار حماية البيئة لهم فهمهم الخاص لهذا المبدأ يشدد على حماية البيئة وضرورة الترشيد في استغلال الموارد الطبيعية أما الإقتصاديون يركزون على تحقيق أعلى معدلات الإنتاج باعتبار أن ذلك –حسب وجهة نظرهم-هو المقياس الحقيقي للتنمية وهم يقولون باستحالة التنمية المستدامة بالمفهوم الذي يقرره البيئيون بحجة أن أي استغلال للموارد غير متجددة يعني إنقاص المتاح منها أمام الأجيال المستقبلية. أما الساسة فلهم مفهوم خاص يحاول من خلاله التوفيق بين النظرة الإقتصادية والبيئية والإجتماعية للتنمية.

*مفهوم البيئة المستدامة عابر للأجيال فلا يمكن تحقيق الإستدامة بإجراء مقارنة واقع البيئة والموارد الطبيعية وحجم العرض والطلب والإستهلاك بين جيلين على الأقل وبدون ذلك لا يمكن التحقق من النجاح في تطبيق فكرة التنمية المستدامة   

ب-مبدأ الوقائي:

      لا يوجد اتفاق على مفهوم احد لهذا المبدأ لكن المفهوم الأكثر رواجا في الوثائق الدولية الخاصة يبرز العناصر الأساسية لهذا المبدأ والمتمثلة بأنه في الحالة التي يكون فيها تهديد باحتمال وقوع أضرار بيئية خطيرة أولا يمكن معالجتها فإن غياب اليقين العلمي الذي يؤكد تلك الأضرار لا يجوز أن تكون سببا لعدم اتخاذ إجراءات للوقاية من تلك الأضرار المحتملة وذلك بمنع وقوعها أو التخفيف من آثارها ضمن تكاليف اقتصادية معقولة.

      وقد ظهر هذا المبدأ في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ثم إعلان ري ودي جانيرو عام 1992 حيث نصت المادة 15 من إعلان ريو على أنه '' حيثما وجدت تهديدات بأضرار خطيرة للبيئة لا يمكن إصلاحها رغم عدم ثبوت وجود التأثيرات السلبية علميا، فلا يجوز التذرع  بالافتقار إلى اليقين العلمي الكامل كحجة لتأجيل اتخاذ تدابير فعالة من حيث التكلفة لمنع التدهور البيئي أو اتخاذ الإجراءات المناسبة لتجنب أو التقليل من هذه الأضرار. 

 فهذا المبدأ يدعو للتحرك لمواجهة المخاطر البيئية المحتملة استباقيا لعدم انتظار اليقين العملي لإثبات سلامة الأنشطة أو المنتوجات لأن هناك من الضرار البيئية التي قد يؤدي وقوعها إلى استحالة معالجتها وإعادتها إلى ما كانت عليه سابقا.

ج-مبدأ الملوث يدفع:

    عرف هذا المبدأ لأول مرة على المستوى الدولي ابتداء من سبعينيات القرن الماضي حيث تم النص عله سنة 1972 كتوصية من منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية كمبدأ اقتصادي وكأهم المبادئ الرئيسية الكامنة وراء وضع سياسة بيئية فعالة حيث نصت التوصية على أن «الملوث يجب أن يتحمل تكاليف تدابير المنع ومكافحة التلوث من خلال التدابير التي اعتمدتها الحكومة أو السلطات المختصة لضمان حماية البيئة وهي في حالة مقبولة».    

وقد امتد تأثير هذا المبدأ إلى القوانين الداخلية منها. القانون الجزائري حيث تبنى المشرع الجزائري مبدأ الملوث يدفع من خلال: المادة 03 من القانون 03/10 المتعلق بحماية البيئة حيث يتم تطبيق هذا المبدأ من خلال الاستناد إلى قواعد المسؤولية المدنية لتحديد أساس التعويض عن الأضرار وفقا لمبدأ الغنم بالغرم

ومن أبرز خصائص هذا المبدأ ما يلي:

*أنه مبدأ اقتصادي يضمن توزيع تكاليف حماية البيئة بشكل منصف

*أنه مبدأ قانوني ينسجم مع فكرة العادلة من خلال إلزام محدث الضرر يتحمل تبعاته فتلويث البيئة لا يجوز ان يكون مجانا.

*يعتبر بمثابة أداة توفيق يساعد تبنيه على توحيد السياسات البيئية على المستوى الوطني والدولي

*أن نفاذ مبدأ الملوث يدفع يتسم بالمرونة، فهذا المبدأ يمكن نفاذه تشريعيا بوسائل جزائية أو مدنية أو إدارية أو حتى مالية

*أن هذا المبدأ يسعى لتحقيق هدفين بارزين، هما إلزام الملوث بدفع التكاليف والتعويضات المناسبة لمعالجة الأضرار البيئية التي نتجت عن نشاطه وكذلك إعطاء الأشخاص حافزا ماليا لتصويب نشاطاتهم وإتباع تقنيات صديقة للبيئة في ممارستها.