1. المبحث الثاني : حول الدعوى الإدارية

المبحث الثاني : حول الدعوى الإدارية

   بعد تطرقنا للإجراءات التي السابقة لمرحلة الدعوى الإدارية، سنتناول أدناه كل ما يتعلق بمرحلة الدعوى الإدارية، لذلك سنعرج على مفهوم الدعوى الإدارية (المطلب الأول)، شروط رفع الدعوى الإدارية (المطلب الثاني)، تصنيفات الدعاوى الإدارية (المطلب الثالث).

المطلب الأول : مفهوم  الدعوى (الإدارية)

   نتناول تحت هذا المطلب تعريف الدعوى الإدارية (الفرع الأول)، خصائص الدعوى الإدارية (الفرع الثاني) ثم تمييز الدعوى الإدارية عن التصرفات القانونية المشابهة (الفرع الثالث).

الفرع الأول : تعريف الدعوى الإدارية

   قبل تناول الدعوى الإدارية من الضروري التنويه إلى أن هناك طائفتين من القرارات الإدارية (محل الدعوى)، هذا التنويه مهم جدا من ناحية أن إحدى هذين الطائفتين لا يخضع مطلقا لرقابة القضاء.

أولا : القرارات الإدارية الخاضعة لرقابة القضاء

   وذلك من ناحية خضوع جميع الهيئات والسلطات العامة في الدولة للقانون في مفهومة العام (الشرعية الشكلية والشرعية الموضوعية) بخضوع أعمالها الإدارية لرقابة القضاء إلغاء وتعويضا وتفسيرا وفحصا للشرعية[6].

ثانيا : القرارات الإدارية التي لا تخضع لرقابة القضاء

   وهي طائفة القرارات الإدارية التي تشكل ما يعرف بنظرية أعمال الحكومة أو أعمال السيادة·، وكذا طائفة القرارات الإدارية التي لا تخضع لرقابة القضاء بناء على نص قانوني خاص[7].

   بعد هذا التفصيل نصل إلى تعريف الدعوى الإدارية، فهي كما عرفها بعض الفقه «الوسيلة أو المكنة التي يخولها القانون للشخص في اللجوء إلى القضاء الإداري للمطالبة بحقوق مستها تصرفات وأعمال وأضرت بها»[8]، وعرفها البعض الآخر بأنها «حق الشخص والوسيلة القانونية في تحريك واستعمال القضاء المختص، وفي نطاق مجموعة القواعد القانونية الشكلية والإجرائية والموضوعية والمقررة للمطالبة بالإعتراف بحق أو للمطالبة بحماية حق أو مصلحة جوهرية نتيجة الإعتداء على هذا الحق  أو هذه المصلحة بفعل الأعمال الإدارية غير المشروعة والضارة والمطالبة بإزالتها وإصلاح الأضرار الناجمة عنها»[9]، وعرفها جانب فقهي آخر بأنها «إجراء قانوني يستعمله مدعي أمام قاضي إداري مختص ضد عمل إداري»[10].

الفرع الثاني : خصائص الدعوى الإدارية

   تتميز الدعوى الإدارية بمجموعة من الخصائص كما يلي :

أولا : الدعوى الإدارية دعوى إجراءات تحقيقية Procédures inquisitoires      

   وبالتالي فخلافا للإجراءات الإتهامية Procédures accusitoires الذي يميز قانون الإجراءات المدنية بما لأطراف الدعوى من سلطات واسعة ففي تسييرها فإن الدعوى أو الإجراء القضائي الإداري يتميز بالطابع التحقيقي لدور القاضي الإداري في توجيه الدعوى مثل التبليغ أو الإتصال بالإدارة العامة وأمرها بتقديم مستندات (وهي في الغالب في مركز المدعى عليه)[11]، وكمثال آخر فإن القاضي الإداري يملك الرقابة الكاملة للتحقق من وجود المنفعة العمومية (في مادة نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية) بغض النظر عن ما توصلت إليه لجنة التحقيق المكلفة بالتحقق من مدى فاعلية المنفعة العمومية[12].

ثانيا : الدعوى الإدارية دعوى قضاء مستقل

   بمعنى أن الدعوى الإدارية لا تختص بها المحاكم العادية، بل تعهد إلى محاكم متخصصة في المادة الإدارية، وهكذا فإن القيام برفع هذا النوع من الدعاوى أمام المحاكم العادية سيؤدي إلى عدم قبولها[13]، فالدعوى الإدارية مستقلة كليا فيما يخص القواعد الموضوعية التي تنظم نزاعاتها (قانون إداري)، كما أن هناك قواعد شكلية تميز المنازعة الإدارية داخل قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فضلا عن تعدد مصادر هذه القاعدة الإجرائية  في قانون إداري يتميز بعدم تقنينه في مدونة واحدة[14].  

ثالثا : الدعوى الإدارية دعوى مصلحة عامة وخاصة

   تتسم الدعوى الإدارية بطابع الدفاع عن مبدأ المشروعية·، وبالتالي فبغض النظر عن النتيجة التي تستهدفها هذه الدعوى فإن النتيجة النهائية هي تحقيق المشروعية بإبطال التصرف القانوني المعيب، صحيح أن هناك تقسيم للدعاوى الإدارية إلى دعوى قضاء كامل ودعاوى شرعية، فإن ذلك لا يعني أن الصنف الأول غير معني بالدفاع عن مبدأ المشروعية، فالحصول على تعويض لا يعني أن المصلحة العامة (مبدأ المشروعية) غائبة، بل أن مجرد إلغاء القرار الإداري هنا هو تأكيد على حضور هذا الطابع بطريقة غير مباشرة، وبالتالي فهنا نتكلم عن مصلحتين عامة وخاصة، رغم أن الدعوى هنا هي دعوى شخصية ذاتية، فهي تنتمي إلى دعاوى قضاء الحقوق Le contentieux des droits أما الدعاوى التي تستهدف الدفاع عن مبدأ المشروعية بصفة مباشرة فهي دعاوى قضاء الشرعية Le contentieux de la légalité.

الفرع الثالث : تمييز الدعوى الإدارية عن التصرفات القانونية المشابهة

   نتناول تحت هذا الفرع تمييز الدعوى الإدارية عن مختلف التصرفات القانونية المشابهة، فنميزها عن الدعوى المدنية (أولا)، عن الدعوى الجزائية (ثانيا)، عن الخصومة الإدارية (ثالثا)، عن القضية الإدارية (رابعا) وأخيرا عن الطعن القضائي الإداري.

 أولا : تمييز الدعوى الإدارية عن الدعوى المدنية

    تختلف الدعوى الإدارية عن الدعوى المدنية في طبيعة الإدعاء القانوني· المعروض على المحكمة، فالإدعاء القانوني في الدعوى المدنية ذو طابع مدني أي صادر عن شخص عادي غير دولتي non étatique أو شخص دولتي لا يتمتع بصفة المؤسسة العمومية ذات الطابع الإداري (مثل الشركات الصناعية العمومية أو المؤسسات العمومية الإقتصادية)، أما الإدعاء القانوني في الدعوى الإدارية فهو ذو طابع إداري يهدف إلى إلغاء تصرف صادر عن إدارة عمومية ذات طابع إداري، كما أن الدعوى الإدارية ترفع أمام الجهات القضائية الإدارية (المحكمة الإدارية ومجلس الدولة)، في حين أن الدعوى المدنية ترفع أمام الجهات القضائية المدنية (المحكمة، المجلس والمحكمة العليا).

ثانيا : تمييز الدعوى الإدارية عن الدعوى الجزائية

   تختلف الدعوى الإدارية عن الدعوى الجزائية أيضا من خلال طبيعة الإدعاء المعروض أمام المحكمة، فالدعوى الأولى كما سبق بيانه ذات طبيعة إدارية (راجع أعلاه)، في حين أن الدعوى الجزائية ذات طابع جزائي وبالتالي فهي تهدف إلى الردع العام من خلال تطبيق قانون العقوبات، الدعوى الإدارية ترفع أمام الجهات القضائية الإدارية، في حين أن الدعوى الجزائية ترفع أمام الجهات القضائية الجزائية (بالمحكمة، المجلس والمحكمة العليا).

 

 

 

 

ثالثا : تمييز الدعوى الإدارية عن الحق الذي تحميه

   هناك عدة نظريات تدرس العلاقة بين الدعوى والحق، نذكر منها النظرية التقليدية التي ترى أن الدعوى هي الحق نفسه في إحدى حالاته[15]، فالدعوى مظهر من مظاهر الحق، وهكذا يقال أن "الحق هو حالة السكون، الدعوى هي حالة الحركة، لنفس المركز القانوني"[16] ( Le droit est l’état statique, l’action est l’état dynamique, d’une même situation juridique )

   وترى النظرية الحديثة أن سبب الحق هو الواقعة القانونية المنشئة له، أما سبب الدعوى فهو النزاع بين الخصوم حول الحق، كما يمكن أن يملك الدعوى شخص آخر غير صاحب الحق (الولي أو الوصي)، كما يوجد حق دون أن تحميه دعوى (الإلتزام الطبيعي)، وأن الحق الواحد قد تحميه عدة دعاوى[17].

   في الأخير فإن الدعوى ليست بذات الحق، كما أنها غير مستقلة عنه فهي جزء لا يتجزأ منه ولا يتصور لها وجود إن لم تستند إليه، كما لا يوجد حق دون أن تحميه دعوى[18] (الإلتزام الطبيعي لا تحميه دعوى وبالتالي فهو ليس حقا بالمعنى القانوني).

رابعا : الدعوى الإدارية وحق الإلتجاء إلى القضاء

   تتميز الدعوى الإدارية عن حق الإلتجاء إلى القضاء Le droit d’agir en justice من ناحية أن حق الإلتجاء إلى القضاء مفتوح أمام الجميع ليعرض مزاعمه، فلا يتصور قصر التقاضي على من توافرت لديهم شروط قبول الدعوى لأنه لا يمكن التحقق من توافر هذه الشروط إلا إذا عرضت أمام القضاء[19].

خامسا : تمييز الدعوى الإدارية عن المطالبة القضائية

   المطالبة القضائية هي الإجراء الذي يتم به رفع الدعوى إلى القضاء، ويتم -كقاعدة عامة- بإيداع عريضة مكتوبة لدى مكتب الضبط، فهي بالتالي وسيلة لرفع الدعوى[20].

سادسا : تمييز الدعوى الإدارية عن الخصومة الإدارية

    الخصومة هي مجموعة الإجراءات التي تبدأ بإقامة الدعوى أمام المحكمة بناء على مسلك إيجابي يتخذ من جانب المدعي، وتنتهي بحكم فاصل في النزاع، أو بتنازل أو صلح أو بسبب عيب أو خطأ في الإجراءات، وبأمر عارض فهي حالة قانونية تنشأ عن مباشرة الدعوى[21].

    فالدعوى هي إجراء قانوني والخصومة هي مصطلح يعبر على مرحلة قضائية تنطلق من تاريخ تسجيل القضية أمام الجهة القضائية المختصة وتنتهي عند النطق بما يقضي به القاضي[22].

سابعا : تمييز الدعوى الإدارية عن القضية الإدارية

   يعتبر تمييز الدعوى الإدارية عن القضية L’affaire من المسائل المختلف فيها فقها، فيرى الأستاذ خلوفي رشيد أن القضية هي مصطلح عام يعني الخلاف القائم بين شخصين، في حين أن الدعوى هي إجراء ووسيلة قانونية[23]، في حين يرى الأستاذ عوابدي عمار يرجح أن اصطلاح القضية يتطابق مع مفهوم الخصومة القضائية[24]، ويرى الأستاذ بوبشير محند أمقران أن الراجح هو أن تعبير القضية يستخدم بمعنى يشمل كلا من الدعوى والخصومة، ليعني مجموعة المسائل الموضوعية والإجرائية المعروضة أمام القضاء للفصل فيها[25]   

ثامنا : تمييز الدعوى الإدارية عن الطعن القضائي الإداري

   تتميز الدعوى الإدارية عن الطعن القضائي الإداري من ناحيتين[26]:

أ‌.        من الناحية الشكلية : فيطلق على رافع الدعوى تسمية "المدعي"، في حين أن رافع الدعوى يسمى بــــ "الطاعن".

ب‌.   من ناحية المضمون : تستهدف الدعوى الإدارية إلغاء و/أو إلغاء عمل إداري، في حين يرفع الطعن ضد مقرر قضائي.

 

 

 

 

    الفرع الرابع : تصنيف الدعاوى الإدارية

       بناء على التقسيم الحديث تصنف الدعاوى الإدارية إلى دعاوى قضاء الشرعية  Le contentieux de la légalité ودعاوى قضاء الحقوق Le contentieux des droits[27].

أولا : دعاوى قضاء الشرعية

 وهي مجموع الدعاوى القضائية الإدارية الموضوعية، يحركها ويرفعها أصحاب الصفة والمصلحة أمام الجهات القضائية المختصة، تؤسس وتقام على أساس مراكز وأسس قانونية عامة، تستهدف بالإضافة إلى حماية المصلحة الخاصة لرافعيها، تحقيق أهداف المصلحة العامة بواسطة حماية شرعية الأعمال الإدارية والنظام القانوني، وأهم دعاوى قضاء الشرعية تتمثل في :

  1. دعوى التفسير الإدارية.
  2. دعوى فحص شرعية القرارات الإدارية.
  3. دعوى الإلغاء.
  4. الدعاوى الإنتخابية.
  5. الدعاوى الضريبية.
  6. الدعاوى الزجرية أو العقابية بصورة استثنائية.

 أولا : دعاوى قضاء الحقوق

    وهي مجموع دعاوى القضاء الكامل الشخصية التي تتحرك وترفع من ذوي الصفة والمصلحة أمام السلطات القضائية المختصة على أسس وحجج قانونية ذاتية وشخصية، للمطالبة والإعتراف بوجود حقوق شخصية ذاتية مكتسبة في مواجهة السلطات الإدارية، أو للمطالبة بالحماية القضائية لحقوق شخصية ذاتية مكتسبة عن طريق الحكم بالتعويض الكامل والعادل، منها :

  1. دعوى التعويض او المسؤولية.
  2. دعاوى العقود الإدارية.
  3. دعوى التفسير التي تستهدف حماية حقوق شخصية.

 

 

 

المطلب الثاني : شروط قبول الدعوى الإدارية

   من أجل الوصول إلى حكم قضائي نهائي، ومن أجل عدم قطع الطريق أمام المتقاضي أو تطويل الإجراءات ومدة التقاضي، يجب على رافع الدعوى الإدارية أن يراعي جملة من الشروط الشكلية والموضوعية كما يلي :

أولا : الشروط السلبية والإيجابية

   ينظر القاضي أولا في الشروط الشكلية قبل التطرق إلى الشروط الموضوعية، لذلك إذا رأى القاضي أن المتقاضي لم يحترم هذا الجانب فلا يمكن الإنتقال إلى المرحلة الموالية وهي مرحلة النظر في الموضوع، وبالتالي سيحكم القاضي بــ"عدم قبول الدعوى شكلا".

أ‌.        انتفاء الشروط السلبية

    وذكر الأستاذ بوبشير[28] عددا منها :

  1. عدم فوات ميعاد الدعوى·،  طبعا في حالة عدم التبليغ يبقى الأجل ساريا (عدم تبليغ الإستئناف مثلا) وذلك حتو ولو بلغت مرحلة الإستئناف (إجتهاد قضائي للغرفة الإدارية للمحكمة العليا ثم مجلس الدولة) ، مع مراعاة "مبدأ العلم اليقيني" ونتائجه من خلال حلوله محل التبليغ (المكرس بالإجتهاد القضائي لمجلس الدولة ).
  2. عدم سبق الفصل في الموضوع، عدا حالات قابلية الطعن ضد تلك الأحكام.
  3. غياب الصلح.
  4. غياب التحكيم.
  5. عدم دفع الكفالة حالة نص عليها القانون (اعتراض الغير الخارج عن الخصومة ولتماس إعادة النظر).

ب‌.   القيام بالشروط الإيجابية (حال وجوبها)

   فضلا عن الشروط السلبية التي يجب أن يتأكد القاضي منها قبل التصدي في موضوع الدعوى الإدارية، هناك الشروط الإيجابية وهي إحدى مميزات التقاضي الإداري، ونذكر هنا :

  1. شرط التظلم : وقد سبق أن تناولناه أعلاه، إذ لم يعد العمل به لازما أمام الجهات القضائية الإدارية، فأصبحت بموجب القانون الجديد إختيارية،  غير أنه في المادة الضريبية فإنه يشترط وجود تظلم مسبق طبقا للمادة 337 من قانون الضرائب المباشرة، وأنه إجراء من النظام العام يتعين على القاضي إثارته تلقائيا[29].
  2. الطلب الثاني : بالمفهوم الذي تناولناه أعلاه أيضا، ففي منازعات البنوك، لن تقبل الدعوى أمام مجلس الدولة شكلا إلا إذا صوحبت بما يؤكد القيام بإجراء الطعن الثاني أمام مجلس النقد والقرض[30].
  3. تقديم ما يثبت القيام باختيار مقر بالنسبة للمحامي الأجنبي وذلك في حالة وجود بروتوكول قضائي ثنائي، وفي حالة غيابه يجب تقديم ما يثبت وجود الترخيص من نقيب المحامين المختص إقليميا (م 07 من قانون 13-07 مؤرخ في  29/10/2013 المتضمن تنظيم مهنة المحاماة).

   كما ذكر أستاذنا عصمت عبد الرزاق[31] :

  1. أن يكون متحصلا على الإذن اللازم وجوده.
  2. أن يدفع المدعي الأجنبي كفالة.
  3. القيام بشهر الدعاوى العقارية (المادة 17 ف 3)[32].

   كما أن هناك شرط :

  1. تأسيس محام لقبول الدعوى أمام كل الجهات القضائية الإدارية، وتستثنى فقط "الدولة" من ذلك الشرط[33]، فقانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد نص في المادة 905 على ضرورة تأسيس محام معتمد لدى مجلس الدولة، معفيا أشخاص المادة 800 من نفس القانون من شرط تأسيس محام ويوجد من ضمن أشخاص المادة "المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية، وبالتالي فإن كل أشخاص القانون العام معفية من وجوبية تمثيلها بمحام.

ثانيا : المصلحة

   عرفها البعض بأنها «المنفعة التي يجنيها المدعي من التجائه إلى القضاء»[34]، ولا يكفي مجرد توافر المصلحة فقط بل هناك جملة من الشروط الواجب توافرها فيها من أجل قبولها من طرف القاضي الإداري والقاضي عموما.

   تتمثل شروط المصلحة فيما يلي :

أ‌.        أن تكون المصلحة قانونية Intérêt juridique

   بمعنى أن تستند على حق أو مركز قانوني موضوعي أو إجرائي، وبالتالي لا تقبل الطلبات التي لا تستند إلى مصلحة اقتصادية أو أدبية أو مصلحة غير مشروعة[35].

ب‌.   أن تكون المصلحة شخصية مباشرة Intérêt personnel et direct

   بمعن أن يكون رافع الدعوى هو صاحب الحق المراد حمايته أو من يقوم مقامه، وأجاز المشرع ما يلي :

-        الدعوى غير المباشرة : من خلال استعمال الدائن لحقوق مدينه وهي نيابة لمصلحة الدائن لا المدين، فتصبح مصلحة الدائن هنا شخصية ومباشرة.

-        الدعوى المباشرة : من خلال إفامة الدائن لدعاوى ضد مدين مدينه[36]        

ت‌.   أن تكون المصلحة قائمة  وحالة Intérêt né et actuel

   بمعنى أن يكون حق رافع الدعوى قد اعتدي عليه بالفعل، أو حصلت له منازعة فيه فيتحقق الضرر الذي يبرر الإلتجاء إلى القضاء[37] .

ثالثا : الصفة

   يقصد بها أن يكون صاحب الحق محل الإعتداء هو الذي يباشر الحق في الدعوى التي ترفع من أجل حماية هذا الحق، أما بالنسبة لصفة المدعى عليه فالدعوى لا تقبل إذا كان لا شأن له بالنزاع، مثل أن ترفع على ولي أو وصي بعد أن زالت صفته بزوال الولاية أو الوصاية[38] .

   وهنا إذا تعلق الأمر بدعوى قضائية إدارية من طرف شخص معنوي فمن الضروري أن ترفع باسم ممثله القانوني وإلا فنهاية مسار الدعوى سيكون بعدم القبول الشكلي، بخرق الأشكال الجوهرية للإجراءات وهو من النظام العام[39].

مثال :

-        حل مؤسسة عمومية

-        استفادة العمال من تعويضات التأمين على البطالة

-        مطالبة العمال باكتساب أصول المؤسسة المحلة (من خلال الدفع بالمادة 23 من المرسوم التشريعي رقم 08/94 المؤرخ 26/05/1994)

-        قرار مجلس الدولة : لا صفة ولا مصلحة للعمال في المطالبة بحق في المركز التجاري للمؤسسة المحلة لأن المستأنفين اختاروا بعد حل المؤسسة إحالتهم على صندوق التأمين للبطالة[40].

   رفع الدعوى الإدارية يكون ضد مصدر القرار لا المستفيد منه، وهكذا فإن مقاضاة مديرية الضرائب للمستفيد من قرار لجنة الطعن للولاية القاضي بإبطال الزيادة المفروضة على المكلف بالضريبة سيؤدي بمجلس الدولة إلى إقرار "المصادقة على القرار المستأنف لأسباب أخرى" كنتيجة ل"عدم توجيه الدعوى توجيها صحيحا" (قرار مجلس الدولة رقم 007440 بتاريخ : 15/04/2003، مجلة مجلس الدولة ع 4-2003، ص 89).

رابعا : الأهلية

   أهلية التقاضي للمديريات مشروط بضرورة وجود تفويض بواسطة مرسوم يمنح أهلية التقاضي، من ذلك مثلا المرسوم التنفيذي رقم 98/143المؤرخ في 10/05/1998 والمقرر المتخذ تطبيقا له المؤرخ في 02/06/1998 المتضمن منح مديرية البريد والمواصلات الأهلية لتمثيل الإدارة أمام الجهات القضائية

   وهكذا فإن المكتب المكلف بالإشراف على انتخابات أعضاء مجلس نقابة لا يتمتع بأهلية التقاضي، الأهلية هنا ممنوحة لنقيب منظمة المحامين (قرار مجلس الدولة رقم 11053 بتاريخ 17/06/2003، مجلة مجلس الدولة ع 4-2003، ص 53).

   مديرية أملاك الدولة وأيضا مدير الحفظ العقاري يتمتعان بأهلية التقاضي بناء على المادة 02 من القرار الوزاري الصادر عن وزير المالية بتاريخ 20 فيفري 1999 والذي جاء كتوضيح للمادة 184 من المرسوم رقم 91/454 (قرار مجلس الدولة رقم 013334 بتاريخ 06/05/2003، مجلة مجلس الدولة ع 4-2003، ص 105).

 

  

 



  • ·  يقابل القضاء الكامل مصطلح قضاء الشرعية ، ويقصد بدعاوى القضاء الكامل le contentieux de pleine juridiction مجموع الدعاوى القضائية التي ترفع بهدف الطلب من السلطات القضائية الإعتراف بالحقوق المكتسبة وبالتالي تقرير التعويض الكامل لإصلاح الأضرار المادية والمعنوية ضد السلطات الإدارية (دعوى التعويض، دعوى المسؤولية ودعاوى العقود الإدارية)، فيما يقصد بدعاوى قضاء الشرعية les contentieux de la légalité مختلف الدعاوى القضائية الإدارية التي تقام –فضلا عن حماية المراكز القانونية لرافعيها- من أجل حماية فكرة دولة القانون ومبدأ الشرعية في الدولة (دعوى التفسير الإدارية، دعوى فحص شرعية القرارات الإدارية، دعوى الإلغاء، الدعاوى الإنتخابية، الدعاوى الضريبية والدعاوى الزجرية أو العقابية بصورة إستثنائية).

-          من أجل تفصيل أكثر يرجى مراجعة : أ.د. عوابدي، عمار (2002). قضاء التفسير في القانون الإداري، الجزائر : دار هومة، ص ص 97، 103. 

[1] . . د. عوابدي، عمار (2005). النظرية العامة للمنازعات الإدارية في النظام القضائي الجزائري، (ج 2) : نظرية الدعوى الإدارية، الجزائر : ديوان المطبوعات الجامعية، ص 454.

[2] . د. عوابدي، عمار، المرجع نفسه، ص 422 وما بعدها.

[3] . خلوفي، رشيد (2013). قانون المنازعات الإدارية (ج 2) : الدعاوى وطرق الطعن الإدارية، الجزائر : ديوان المطبوعات الجامعية، ص ص 128، 129.

 

[4] . غناي، رمضان (2009). «قراءة أولية لقانون الإجراءات المدنية والإدارية»، مجلة مجلس الدولة، ع 9-2009، ص 43.

[5] . قرار مجلس الدولة رقم 006325 تاريخ 25/02/2003، مجلة مجلس الدولة، 03 – 2003، ص 124 وما بعدها.

[6] . د. عوابدي، عمار (2007). القانون الإداري : ج 2 النشاط الإداري، قسنطينة : ديوان المطبوعات الجامعية، ص 128.

  • ·  يقصد بأعمال السيادة

[7] . د. عوابدي، عمار، المرجع السابق، نفس المكان.

[8] . أ.د. بعلي، محمد الصغير، مرجع سابق، ص 122.

[9] . د. عوابدي، عمار، مرجع سابق، ص 230.

[10] . خلوفي، رشيد (2013). قانون المنازعات الإدارية (ج 2)...، ص 5.

[11] . أ.د. بعلي، محمد الصغير، مرجع سابق، ص 124.

[12] . زروقي، ليلى (2003). «دور القاضي الإداري في مراقبة مدى احترام الإدارة للإجراءات المتعلقة بنزع الملكية الخاصة للمنفعة العمومية»، مجلة مجلس الدولة، ع 3-2003، ص 18.

[13] . أنظر مثلا قرار محكمة التنازع رقم 000128 بتاريخ : 12/06/2012، مجلة المحكمة العليا، ع1-2013، ص 415.

[14] . د. معاشو، عمار، عزاوي، عبد الرحمان (1999). تعدد مصادر القاعدة الإجرائية في المنازعة الإدارية في النظام الجزائري، ط 2، تيزي وزو : دار الأمل، ص 5.

  • ·  يقصد بمبدأ المشروعية الخضوع التام للقانون سواء من طرف الأفراد أو من طرف الدولة، راجع : أ.د. بوضياف، عمار (2011). الوسيط في قضاء الإلغاء، عمان : دار الثقافة للنشر والتوزيع، ص 20.
  • ·  يقصد بالإدعاء القانوني تأكيد شخص لحقه أو مركزه القانوني في مواجهة شخص آخر بناء على واقعة قانونية معينة، ويتم ذلك من خلال رفع دعوى قضائية، فالدعوى بالنسبة للمدعى تمثل حق عرض إدعاء قانوني على القضاء، حول الموضوع راجع :

-           بوبشير، محند أمقران، مرجع سابق،  ص 27.

[15] . عصمت، عبد الرزاق. محاضرات حول قانون الإجراءات المدنية، ألقيت على طلبة الكفاءة المهنية للمحاماة، السنة الجامعية 2005/2006، دفعة 2007، كلية الحقوق، جامعة الجزائر ، ص 13.

[16] . بوبشير، محند أمقران، مرجع سابق،  ص 14، نقلا عن :

-       E. GARSONNET, CH. CEZAR-BRU. Précis de procédure civile, Recueil Sirey, 9° éd., 1923, p. 86.

[17] . عصمت، عبد الرزاق، مرجع سابق، ص 13.

[18] . نفس المرجع والمكان.

[19] . نفس المرجع، ص 14.

[20] .  بوبشير، محند أمقران، مرجع سابق،  ص 29.

[21] . محكمة القضاء الإداري المصري في حكمها الصادر في 20/05/1957،

    حول الموضوع راجع :

-           د. عوابدي، عمار (2005). النظرية العامة للمنازعات الإدارية في النظام القضائي الجزائري : ج 2...، ص 226.

[22] . خلوفي، رشيد (2013). قانون المنازعات الإدارية (ج 2)...، ص 8.

[23] . نفس المرجع، ص 7.

[24] . د. عوابدي، عمار، المرجع السابق، ص 226.

[25] . بوبشير، محند أمقران، مرجع سابق،  ص 31، نقلا عن : د وجدي راغب فهمي، مبادئ القضاء المدني – قانون المرافعات، دار الفكر العربي، ط 1-1986، ص 82.

[26] . نفس المرجع والمكان.

[27] . عوابدي، عمار، المرجع السابق، ص 305 وما بعدها.

[28] . بوبشير، محند أمقران، مرجع سابق، ص  ص 34، 35.

  • ·  ينبغي التنويه إلى أن "الدعوى غير الموجهة توجيها سليما" يبقى أجل التقاضي فيها لمصلحة رافعها، وذلك طوال المدة التي تستغرقها الدعوى الموجهة أمام الجهة القضائية غير المختصة شريطة رفع الدعوى أمام هذه الجهة غير المختصة في الميعاد القانوني (أنظر قرار  مجلس الدولة رقم 004945 بتاريخ 17/12/2002، مجلة مجلس الدولة، ع 3-2003، ص 99، مع إضافة أن مصير الدعوى هنا هو "الرفض لسوء التوجيه".

[29] . قرار مجلس الدولة رقم 006325 تاريخ 25/02/2003، مجلة مجلس الدولة، 03 – 2003، ص 124 وما بعدها.

[30] . قرار مجلس الدولة رقم 006614 تاريخ 12/11/2001، مجلة مجلس الدولة، 06 – 2005، ص 61 وما بعدها.

[31] . عصمت، عبد الرزاق، مرجع سابق، ص 22 وما بعدها.

[32] . أنظر مثلا قرار المحكمة العليا رقم 194437 بتاريخ 26/04/2000 «حيث فعلا أن قضاة المجلس أسسوا قضائهم برفض دعوى الطاعنة شكلا على كون هذه الأخيرة لم تقم بشهر عريضتها لرفع الدعوى طبقا للمادة 85 من المرسوم 63/76 إلا أنه وبالرجوع إلى أحكام هذه المادة يتضح أنها تخص الدعاوى الرامية إلى النطق بفسخ أو إبطال أو إلغاء أو نقض حقوق ناتجة عن وثائق تم شهرها والحال أن دعوى الطاعنة إنما تتعلق بدعوى الأخذ بالشفعة في بيع العقار المشاع بينها وبين أختها والذي باعته هذه الأخيرة للمطعون ضدها وهي الدعوى التي خصها المشرع بأحكام خاصة وحدد شروط ممارستها ولا تدخل بالتالي ضمن الدعاوى المذكورة على سبيل الحصر في المادة 85 أعلاه ».

[33] . استقر اجتهاد مجلس الدولة في السابق (قبل صدور القانون الجديد) على أن ليس كل الكيانات الدولتية  ينطبق عليها وصف الدولة، وهكذا فإن الإجتهاد القضائي لمجلس الدولة توصل إلى أن المؤسسة العمومية ذات الطابع الإداري ليست "دولة"، وبالتالي وجوب تمثيلها أمام مجلس الدولة بمحام، تستفيد فقط من الإعفاء من دفع الرسم القضائي لا غير، فخضوع المؤسسة للقانون الإداري لا يمنحها بالضرورة صفة "الدولة" بمفهوم القانون، وبالتالي فعدم القيام بتأسيس محام هنا سيؤدي إلى عدم قبول الدعوى شكلا : أنظر قرار مجلس الدولة في قضية المديرية الولائية للبريد والمواصلات بقسنطينة ضد ع.إ (قرار رقم 004786 بتاريخ 18/03/2002، مجلة مجلس الدولة، ع 3-2003، ص 115)، وهكذا فبعد صدور القانون الجديد ودخوله حيز النفاذ فلا مجال بالطبع لبقاء هذا الإجتهاد القضائي ساري المفعول، فالنص القانوني الصريح أكثر قوة من الإجتهاد القضائي الذي سيصبح لاغيا من دون حتى تراجع صريح من الجهة القضائية المجتهدة.

[34] . عصمت، عبد الرزاق، المرجع السابق، ص 14.

[35] . بوبشير، محند أمقران، مرجع سابق، ص 38 وما بعدها.

[36] . عصمت، عبد الرزاق، المرجع السابق، ص 16.

[37] . نفس المرجع والمكان.

[38] . عصمت، عبد الرزاق، المرجع السابق، ص 17.

[39] . أنظر مثلا قضية مديرية الضرائب لولاية مستغانم ضد المؤسسة الوطنية للتموين بالمواد الغذائية (قرار مجلس الدولة رقم 207171 بتاريخ 09/04/2001، مجلة مجلس الدولة، ع 3-2003، ص 92. 

[40] . قضية عمال مؤسسة أسواق الفلاح بغليزان ضد رئيس المجلس الشعبي لبلدية غليزان ومن معه (قرار مجلس الدولة رقم 008547 بتاريخ 06/05/2003، مجلة مجلس الدولة، ع 3-2003، ص 164).