1. الفرق بين القياس النفسي والمادي

الفرق بين القياس المادي والقياس النفسي

الإجابة عن هذا السؤال تقتضي التعرف على معنى ودلالة وطبيعة الخاصية النفسية والتربوية، ماذا نعني بمفهوم الذات، الثقة بالنفس، الدافعية، أو التحصيل الدراسي؟ وهل تختلف الخاصية النفسية والتربوية عن الخاصية المادية، وهل الإدراك والتعامل الحسي مع الخاصية أياً كانت شرط لوجودها من عدمه، ولو أخذنا بالتعامل الحسي مع الخاصية كشرط لوجودها من عدمه لانتفى وجود كثير من الخواص والصفات والظواهر، ذلك أنه في مجال علم النفس يصعب التعامل الحسي والمباشر كثير من الصفات والخصائص، فالذكاء لا يمكن رصده والتعامل معه بصورة حسية وما ينطبق على الذكاء ينطبق على الدافعية، الثقة بالنفس، الخوف، القلق...(الطريري، ع، 1997، ص06)، في حين العناصر والظواهر المادية والطبيعية ذات خصائص حسية يمكن رصدها والتعامل معها والتعرف عليها من خلال الحواس، وخاصية التعامل الحسي قد لا نجدها متوفرة في الصفات والظواهر النفسية.

إن التعامل مع الصفات والخصائص النفسية والتربوية يتم من خلال التعامل مع الآثار الناجمة عنها، فالذكاء سواء كان مرتفعا أو منخفضا تتضح آثاره على سلوك الفرد وحديثه والمصطلحات التي يستخدمها وتعامله مع الآخرين والتفاعل معهم، ولو قارنا بين شخص عادي في ذكائه وآخر يعتبر في عداد المتخلفين عقليا، فماذا يمكن أن نلاحظ؟ فالآثار الناجمة عن انخفاض مستوى ذكاء الفرد ستكون واضحة على كيفية كلامه وعلى طريقة مشيه ومحصوله اللغوي... إذن هذه بمثابة الآثار الناجمة والممكن توظيفها عند قياس الذكاء. والخصائص النفسية والتربوية يتم من خلال التعامل مع الآثار الناجمة عنها.

    وعند السؤال عن القلق ماهو؟ ما طبيعته ؟ ما ماهيته ؟ مثلا قد يكون من المستحيل وصفه بصورة حسية، إن كيف يمكن قياسه والحالة هذه؟ فعملية قياسه تتم بنفس الصورة التي ذكرناها حول الذكاء، إذ لابد من الاعتماد على الآثار المترتبة عليه، فالآثار المترتبة على القلق والدالة عليه كثيرة؛ منها ماهو سلوكي ومنها ماهو عقلي ومنها ما هو فيزيولوجي، فالآثار الناجمة عن القلق بصورة سلوكية تتمثل في كثرة الحركة وعدم الاستقرار في مكان محدد؛ مع تفريك الأصابع وشد الشعر، أما الآثار العقلية الناجمة عن القلق فيمكن القول أن تكون على شكل شرود الذهن وقلة التركيز، وعن الآثار الفزيولوجية قد تكون على شكل سرعة ضربات القلب، إفراز العرق بصورة كبيرة، وبرودة في الأطراف من الجسم، إذن من خلال الآثار الناجمة عن الصفة الدالة عليها يمكن الشروع في قياسها وذلك بمراعاة هذه الآثار والنواتج وأخذها في الاعتبار عند بناء وتطوير أداة القياس، إلا أنه لا يجب أن يسود الاعتقاد بأن الآثار الناجمة عن الظاهرة النفسية أو الدالة عليها فقط فما ذكرنا قد لا يعدو أن يكون نزرا يسيرا من الأمثلة عن الآثار المترتبة على القلق، لكن هناك من الآثار مالا يمكن ملاحظته أو الاستدلال عليه بصورة مباشرة (المرجع السابق، 10- 10 )،  يختلف القياس باختلاف الظاهرة المقاسة، ففي الفلك والفيزياء والكيمياء مثلا؛ يكون القياس أدق ما يمكن ولا يقبل بوجود أخطاء مهما صغرت، وذا انتقلنا إلى ميدان علم الأحياء، فإن القياس يصبح أقل دقة، لأن هناك عوامل مؤثرة أكثر عددا وقابليتها للتغير أكثر حدوثا، أما إذا انتقلنا إلى العلوم السلوكية فإن القابلية للتغير تكون أكثر، مما يجعل القياس أقل دقة، وأكثر عرضة للخطأ وتسامحا في قبوله، ويمكن أن نتجاوز عنه إذا كان لا يزيد عن 5 % ، إلا أنه يجب أن ننتبه إلى هذه الأخطاء وأسبابها، كي نستعمل أدوات القياس استعمالا ذكيا، ونفسر نتائجه تفسيرا صحيحا، ولهذا يقتضي أن نلم بخصائص القياس النفسي (معمرية، ب، 2002، ص 37) ، القياس النفسى أقل دقة من قياس الظواهر الطبيعية . وهذا معناه أننا لو قسنا ذكاء شخص ما ثم قسنا ذكاءه مرة ثانية بعد أسبوعين لما حصلنا على نفس الدرجة بل نحصل على درجة قريبة من الدرجة الأولى . إلا أن ذلك لا يحدث فى قياس الظواهر الطبيعية، فلم يحدث ( فى الظروف الطبيعية) أن تجمد الماء فوق الصفر أو تحت درجة (100) مهما كررنا عملية القياس . إن ذلك يرجع إلى أن الظاهرة النفسية تتأثر بالعديد من العوامل التى قد لا يمكن التحكم فيها مهما يستحيل معه الحصول على نفس التقدير عند قياسها أكثر من مرة . فعند قياس ذكاء الشخص للمرة الثانية يكون لألفته بالاختبار ودافعيته وعلاقته بالفاحص وظروفه الصحية وغير ذلك من العوامل التى تؤثر فى أدائه على الاختبار. ولذلك يسعى مصممو أساليب القياس إلى أن يتوفر غى أدواتهم خصائص معينة حتى يمكن تحقيق أقصى درجة من الدقة فى أدواتهم (شروط الاختبار الجيد) . ويوضح الشكل التالي رقم (02) باختصار خصائص القياسين: الفيزيائي والنفسي

القياس الفيزيائي

القياس النفسي التربوي

-       مباشر

-       غير مباشر

-       مطلق ومستقل

-       نسبي ومرتبط بغيره

-       أكثر ضبطاً ودقة

-       أقل ضبطاً ودقة

-       مقنن عالمياً (معير)

-       غير مقنن أو معير عالمياً

-       تتوفر وحدات محددة للقياس

-       لا تتوافر وحدات محددة للقياس

-       صدق الأدوات لا يشك فيها.

-       صدق الأدوات خاضع للشك.

 

 

 

 

 

1- ما الذي نقيسه ؟

إن القياس في علم النفس يتناول عددا كبيرا من المتغيرات والعمليات العقلية والاستجابات السلوكية التي تقع في مجال تخصص هذا العلم، وفيما يلي نذكر أهم ما ينصب عليه القياس في علم النفس:

1.1      قياس العمليات المعرفية:

 يقيس المتخصص في علم النفس الذكاء والقدرات العقلية ويميز بينها كميا تمييز دقيقا؛ فهو يقيس الذكاء ويميز فيه بين خصائصه المختلفة؛ فيميّز بين الذكاء اللفظي والذكاء الآدائي والذكاء الإجتماعي، ويميّز بين الذاكرة الحسية والذاكرة قصيرة المدى والذاكرة طويلة المدى، ويميّز بين التفكير التقريري والتفكير التغييري، كما يقيس قدرة الفرد على الاستدلال والتجريد والتعميم وتكوين المفاهيم وغيره (معمرية، ب، 2002، ص 38)

1.2      قياس السمات الشخصية:

يقيس السيكولوجي كذلك السمات المزاجية للشخصية، ليحصل على مقادير كمية لوجود هذه السمات، فيقيس سمات مثل التعاون السيطرة التوتر الانطواء العصابية الاجتماعية وغيرها

1.3      قياس المهارات الحركية: ويقيس السيكولوجي المهارات الحركية والدقة في أداء أعمال معينة أو السرعة الحركية (فرج، ص، 2007، ص91)

1.4     قياس الإضطربات النفسية والعقلية : ويقيس المختص النفسي أيضا مظاهر السلوك اللاسوي التي يبديها الفراد؛ فيقيس القلق والإكتئاب والوسواس القهري والفصام والبارانويا وغيرها

1.5      قياس الدافعية والاتجاهات والميول والقيم: يقيس السيكولوجي أيضا جوانب الدافعية عند الفرد كالدافع للإنجاز والدافع إلى العمل  والدافع للدراسة وغيرها، ويقيس السيكولوجي أيضا الاتجاهات نحو القضايا المختلفة كالاتجاه نحو العمل والاتجاه نحو الالتحاق بالدراسة الجامعية والاتجاه نحو الإنجاب وغيره ويقيس أيضا الميول المهنية والميول الدراسية ويقيس أيضا القيم ليتعرف على السائد منها والفروق بين الأفراد فيها كالقيم الدينية والقيم الخلقية  والقيم الاقتصادية وغيرها.

1.6     قياس التفكير الإبتكاري وحل المشكلات:  يتولى السيكولوجي أيضا قياس القدرات الإبتكارية وتحديد وجودها كميا، وكذلك الفروق بين الأفراد فيها: كالطلاقة والمرونة والأصالة والحساسية للمشكلات وغيرها، ويقيس أيضا استراتيجيات حل المشكلات؛ فيتعرف على الأساليب التي يسلكها مختلف الأفراد في سعيهم لحل المشكلات التي تعترضهم، والفروق بينهم في هذه الإستراتيجيات (معمرية، ب، 2002، ص 39-40).

يتناول القياس النفسي كل هذه العمليات، ويحاول أن يقيسها كميا مساهمة منه في تقديرها بشكل جيد وتحديدها بدقة أكبر، ولا يمكن للأخصائي النفسي أو المعلم أو أي باحث في هذا المجال تحقيق هذه الأهداف دون إخضاع هذه الظواهر للقياس الدقيق والموضوعي.

1-  لماذا نقيس السلوك والسمات النفسية والقدرات ؟

    رغم أن تكميم الخصائص المختلفة، أي التعبير عنها بالكميات، سمة مهمة من سمات التقدم العلمي إلا أنه لا يكفي أن نقول أننا نقيس السلوك والسمات والقدرات بهدف تحديدها كميا، فهذا التحديد الكمي ليس غاية في حد ذاته، ولكنه وسيلة تستخدم لخدمة أهداف بعيدة، ويمكن تحديد هدفين لعملية القياس بما تتضمنه من تكميم مقنن للوظائف والقدرات والسمات:

الهدف الأول: أن نقوم بتصنيف هذه الخصائص النفسية والتعرف على جوانبها والتغيرات ذات الصلة بها للوصول إلى القوانين التي تحكم سلوكنا وقدراتنا العقلية، ذلك أن عملية القياس في جوهرها عبارة ملاحظة مضبوطة نحصل من خلالها على معلومات كمية مقننة، ننتقل منها إلى تصنيف هذه الملاحظات وتنظيمها وفق أنساقا رياضية مختلفة تؤدي في نهاية الأمر إلى صياغة القانون العلمي؛ كما تؤدي من جانب آخر إلى الإيحاء بفروض مفسرة لجوانب جديدة أو التنبؤ في ضوء احتمالية إحصائية بمواقف جزئية لم تدخل في إطار أو نطاق الملاحظات الأولى التي استخدمت في صياغة القانون العلمي (فرج، ص، 2007، ص92) .

الهدف الثاني: استعمال نتائج القياس للحصول على معلومات محددة تفيد في توظيف العلم لصالح المجتمع، سواء على المستوى الجمعي أو على المستوى الفردي، فالسيكولوجي يواجه مطالب اجتماعية معينة من الضروري أن يقوم بها لتأدية دوره فهو مطالب أن يقيس الاستعدادات والقدرات والدوافع والقدرات والاتجاهات والميول والقيم، وسمات الشخصية والاضطرابات النفسية والعقلية لأنه مطالب بأن يساهم في وضع العامل المناسب في المهنة المناسبة، وأن يشكّل أفواجا دراسية متجانسة في الميول والقدرات، وأن يشخص حالات سوء التوافق من أجل تقديم العلاج والرعاية المناسبين، وأن يضع برامج للتدريب والتعلم فالسيكولوجي عليه أن يتواجد في المدرسة والعيادة والمصنع وفي كل المؤسسات الاجتماعية. (معمرية، ب، 2002، ص 41-42).

     يمثل الهدف الأول إذا مسار علم النفس الحديث؛ في سعيه للتعرف على قوانين السلوك والتفكير من خلال منحى الفروق الفردية، والمنحى الذي بدأ مبكرا من خلال أعمال فرنسيس غالتون   Galton وأعمال جيمس ماكين كاتل Cattell  والذي تدعّم بشكل حاسم من نظرية شارلز داروين Darwin.

  في حين يمثل الهدف الثاني في اتساعه العدد الكبير من الخدمات التي يقدمها القياس النفسي سواء في مجال قياس الذكاء أو القدرات النوعية الذي أصبح ضروري ومطلوبا سواء في المدرسة أو في عدد كبير من المجالات اختيار الأفراد، وقد أدى اتساع استخدام الاختبارات في هذه المجالات إلى التوصل إلى عدد من المحكات التشخيصية سواء للمتفوقين أو الموهوبين أو المتخلفين عقليا، وأصبح من الميسور الآن استخدام اختبارات القدرات العقلية في تشخيص حالات التخلف.

والهدف الأساسي استخدام اختبارات القدرات العقلية ومقاييس سمات الشخصية هو تقديم العون والإرشاد للأفراد في جميع المجالات التعليمية والصحية والاقتصادية، وتستخدم الاختبارات أيضا في تحديد مصادر وجوانب القوة والضعف في إمكانات الفرد؛ ليتمكّن من استثمار قدراته أو لتمكين المجتمع منى تقديم العون له سواء بوضعه في الفصل المناسب أو العمل المناسب أو الظروف المناسبة(فرج، ص، 2007، ص92)