اختلف النقاد والمؤرخون حول مسألة النثر الفني في  بدايات الأدب العربي  بين مقرّ بوجوده وبين جاحد لذلك، فمعظم أهل الاستشراق ومن سار على نهجهم يميلون إلى نفي النثر عن فترة ما قبل الإسلام ، مع أن القرآن الكريم يقرّ صراحة ببلاغة العرب وفصاحتهم  ومقدرتهم على البيان ،ولوكان العرب من غير أهل البلاغة فكيف توصّلوا إلى تذوّق النص القرآني واعترفوا بتميّزه وقوّة أساليبه،غير أنّ ما يؤخذ عن العرب قدامى ومحدثين أنّهم لم يولوا  النثر أهمية كبيرة في تحديد ماهيته والتأصيل له، واشتغلوا بمسائل فرعية، مثل الأسبقية في الوجود ومسالة المفاضلة بينهما،وهي مسائل تستهلك جهدا كبيرا من غير فائدة كبيرة.

- المستشرقون يرون أن العرب في الجاهلية كانوا يعيشون حياة بدائية بسيطة ، لا تساعد على نشوء النثر الفني ، فالتفكير والعقل يرتبطان عادة بمسائل كبرى وقضايا معقّدة وأطارح مجرّدة ، وهو ما لم يكن مـــألوفا عند العرب الذين مالوا إلى لغة الــعواطف والتخيّلات والأوهام لبساطتها وملائمتها لطبيعة الحياة لديـــهم والمُيولات الفـــطرية والعقلية لهم آنذاك،ولسهــــولة حفــــظها في الـــــذاكرة واستحضارها وقــــت الحاجة، كما أن الإنسان العربي اهتـــمّ بذاته ومراقبة الظواهر الطبيعية ولم يتجاوزها إلى الاهتـــــمام بالمجتمع وقضاياه الكبرى، وهذا ما اشار إليه فيليهم ألفرت wilhelm Ahlwardt بقـــوله :" إنّ الإنسان العربي تهمّه ذاتيته ،وأنّه لم يستطع أن يخرج من قمقم الذاتية، فهو لم يكن مؤهّلا لفــــــهم الظروف والأشخاص وتصويرها ،فالإنسان العربي ينحصر في ذاته ، ولذلك فهو يعــــــــيش وجوده الذاتي وحسب، وهو في أعماله وأفكاره ينطلق من ذاته ويعود إليها

فهو يكتفي بزخم الحاضر وإنّ الماضي بالنسبة إليه عبارة عن فعل حدث وانقضى".

فالإنسان العربي تعوزه النظرة الكلّية للأشياء بل يتتبع الجزئيات فقط، حيث يقول ألفرت أيضا :" إنّ الإنسان العربي مشــغوف بعالم المرئيات أو الظواهر وهو لا ينظر إلى الأشياء نظرة كلّية وإنّما هو مشغوف بالجزئيات ،فهو لا يملك فهما كلّيا إطلاقا ،فالعربي تعوزه النظرة الموضوعية ، ولذلك فهو يفقد التعمّق الذاتي في مركز المادة التي يتعامل معها."

وغياب الفكر والنظرة الكلّية والماضي بحمولته الثقافية والمعرفية يصعب من إمكانية ميلاد نثر فني في تلك الفترة الزمنية، وهو ما يذهب إليه بعض المحدثين مثل طه حسين وزكي مبارك وغيرهم، وممّا لا شكّ فيه أن النثر الجاهلي إن وجد لم يصل إلينا لعدم العناية بروايته ولاشتغال العرب بالقرآن الكريم، كما أنّ هذا النثر القليل الذي وصل إلينا قد يعطينا صورة عن ذلك الفن الأدبي على الرغم ممّا لقيه من إضافات وتغيير فيبعض عباراته ومعانيه وأصوله، ويمكن تصنيف هذاالنثر في نمطيين رئيسيين:

أوّلهما المثل والحكمة : ويميل فيهما القائل إلى الإيجاز وبعض الصور البيانية ، ويعمد إلى نقل الخبرات والتجارب.

الخطب والوصايا والمحاورات والمنافرات والمناظرات التي تتطلّب شروطا في الكاتب وموضوعات كتابته.