7. علاقة الأنثروبولوجيا ببعض العلوم الأخرى
تعتبر الأنثروبولوجيا العامة علما اجتماعيا تربطه علاقة وثيقة بالعلوم الاجتماعية الأخرى، وهي التي تمثل حلقة الوصل بين العلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية، وبتطور العلوم في مجتمعنا المعاصر يوضح اعتماد الفروع العلمية المختلفة على بعضها، وهذا بسبب تشابك الظواهر الاجتماعية والطبيعية والثقافية، وتعقد الحياة وتعدد العوامل المؤثرة في الظاهرة موضوع الدراسة، تؤكد على أهمية العلاقة بين العلوم المختلفة وضرورتها.
1- علاقة الأنثروبولوجيا بعلم الاجتماع:
إن الواقع يؤكد على أن العلمين –الاجتماع والأنثروبولوجيا الاجتماعية- يشتركان معا في الكثير من مجالات الدراسة، ولذلك تتزايد بينهما والمهج المستخدم في دراسة مجال كل علم.
فعلى سبيل المثال فقد تناول ماكس فيبر (MAX Weber) دراسة العلاقة بين النظام الديني وبين النظام الاقتصادي الرأسمال، واستخدم المادة التاريخية التي قدمها علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية وعلماء التاريخ على السواء، وقام بتحليلها وتفسيرها وخرج منها بنظريته عن العلاقة بين الدين والاقتصاد، فهو أثار عدة مشكلات اهتم بتناولها علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا الاجتماعية معا في المجتمعات ت المعاصرة.
فعلم الاجتماع كان ولا يزال ذا تاثير واضح في توجيه الأنثروبولوجيين الاجتماعيين إلى التحليل الوظيفي، وتمثل في ذلك اسهامات " هربرت سبنسر" و " إميل دوركهايم" التي أثرت على مجرى الأنثروبولوجيا الاجتماعية. ويؤكدان على وجود التساند الوظيفي والاعتماد التبادل بين النظم الاجتماعية في كل مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي.
فعالم الأنثروبولوجيا الاجتماعية فيهتم بالدراسة المتعمقة لطابع العلاقات القرابية السائدة داخل كل نمط من الأنماط، وارتباط ذلك بالجوانب الاقتصادية والسياسية في المجتمعات المحلية، وفي المجتمع الصناعي وذلك بتأثير الصناعة على الأسرة، فإن الأنثروبولوجي الاجتماعي بمنهجه المتميز يمكن أن يركز على فكرة محدودة مثل تغير أدوار الزوجين أو نوعية المشكلات الأسرية في مجتمع محلي تأثر بالصناعة.
2- علاقة الأنثروبولوجيا بعلم الأركيولوجيا (علم أثار ما قبل التاريخ):
يهتم علم الأثار بدراسة الانسان لتحديد وتتابع التغير الحضاري والثقافي على مر العصور، وبالتالي يحتم عليه أن يستخدم السجلات المكتوبة ، كما في مصر القديمة والصين، وذلك لإعادة رسم صورة ثقافات بالعصور الغابرة بالاستعانة بمخلفاتها المادية، كالأدوات والأواني المدفونة وبعض الرسوم والنقوش الحجرية ...... وبالتالي يستطيع وصف جانب من الثقافة القديمة وربطها ببيئتها الطبيعية التي عاشت فيها.
فعلم الأثار يساهم بنصيب في إثراء معرفتنا بتاريخ الثقافات وتطورها، فمنه نعلم أين اكتسب الانسان الثقافة لأول مرة ومتى كان ذلك؟. ومنه نقف على جانب من تاريخ الشعوب، كما نتوصل إلى قدرات من المعرفة بتطور الثقافات البشرية أو الأساليب التي تعاقب نمطاً ثقافيا بعد آخر في مختلف مجتمعات العالم.
3- علاقة علم الأنثروبولوجيا بعلم الاقتصاد:
إن عالم الاقتصاد يدرس النظام الاقتصادي أساساً بما يضمه من مجموعة النظم الفرعية كالانتاج والاستهلاك والتوزيع والتبادل، فهو يركز على على رؤية المشكلات الاقتصادية كجزء من نسق فكري وسلوكي معزول.
وفي نفس الوقت نجد علم الأنثربولوجيا الاجتماعية يدرس النظام الاقتصادي في المجتمعات البسيطة، وفي المجتمعات الحديثة في الوقت الحالي، باعتباره جزءاً من النسق الاجتماعي العام للمجتمع، علاوة على أنه يركز على النظام الاقتصادي ومجموعة النظم الفرعية التي يحتويها، ويلقي الضوء على علاقتها ببقية النظم الأخرى.
4- علاقة الأنثروبولوجيا بعلم الجيولوجيا والجغرافيا:
تساعد الدراسات الجيولوجية التاريخية في تحديد الفترات الزمنية التي عاش فيها كل نموذج من أنواع الجنس البشري، نظرا لوجود البقايا العظمية للأسلاف، على شكل بقايا مستحاثة حفرية بين ثنايا القشرة الأرضية الرسوبية والمنضدة بعضها فوق بعض، وفق خاصية النشوء والتقادم لكل منها، بحيث يكون أسفلها أقدمها وأعلاها أحدثها وهكذا يمكننا معرفة الفترة الزمنية التي عاش فيها ذلك الانسان الحفري، إلى جانب معرفة العالم الحيواني الآخر الذي كان يحيط به، من خلال التعرف على البقايا العظمية المستحاثية للأنواع الحيوانية التي كانت تعاصره في بيئة جغرافية واحدة، كما أننا نستطيع التعرف على الظروف المناخية التي كانت سائدة عندما كان يعيش هذا الانسان أو ذاك، في تلك الأزمنة السحيقة من تاريخنا البشري، كذلك النواحي الطبيعية، من تضاريس ومياه، إلى جانب الظروف المناخية التي تتفاوت من منطقة إلى أخرى، فهذه العوامل كلها تؤثر في حياة الانسان بجوانبها المختلفة، العضوية والاجتماعية والثقافية، لذلك فإن الأحوال المعيشية، والبنى الاجتماعية عند المجتمعات البشرية، ليست متشابهة بسبب تباين الظروف الجغرافية التي توجد فيها تلك المجتمعات.
وهكذا تشكل الأنثربولوجيا مع العلوم الأخرى ولاسيما العلوم الانسانية منظومة من المعارف والموضوعات التي تدور حول كائن موضوع الدراسة، ألا وهو الانسان ويأتي هذا التشابك (التكامل) بين هذه العلوم بالنظر إلى تلك الأطر المعرفية والمناهج التحليلية، التي تنظم العلاقة المتبادلة والمتكامكلة بين المجالات المعرفية المختلفة التي تسعى إليها هذه العلوم.
5- علاقة الأنثربولوجيا بعلم السياسة:
باعتبار أن النظام السياسي جزء من البناء الاجتماعي للمجتمع إلا أن شدة موجات التغير الاجتماعي والثقافي في هذه المجتمعات جعلتهم يوجهون مزيدا من الاهتمام بدراسة النظام السياسي، ومزيدا من الاستفادة بمفاهيم ونظريات علم السياسة، وهكذا تدعمت الصلة والعلاقة العلمية بين العلمين، فهذه العلاقة لم تقم من طرف واحد فقط، بمعنى أن الأنثربولوجيا لم تكن تعتمد على علم السياسة وتستفيد بمفاهيمه ونظرياته وقضاياه دون أن يعتمد عليها هذا العلم، حيث سعى علماء السياسة للحصول على المعلومات الأنثروبولوجية التي جمعها الأنثربولوجيون من المجتمعات البسيطة، حول نظم الحكم والنسق السياسي عموما، والعلاقات بين النظام الأيكولوجي ( البيئي) والنظام السياسي.(رابح دراوش،2012 ص68).
6- علاقة الأنثروبولوجيا بالقانون:
تدرس الأنثروبولوجيا الاجتماعية مجموعة النظم الاجتماعية التي تشكل معا البناء الاجتماعي، ويأتي نظام الضبط الاجتماعي من بين هذه النظم الذي يهتم بدراسته الأنثربولوجيون الاجتماعيون في المجتمعات البسيطة والتقليدية، والواقع أن الدراسات التي أجراها الأنثربولوجيون على أنساق القانون ووسائل الضبط الاجتماعي ومقارنتها مع النظم القضائية في المجتمعات الحديثة، الأوروبية والأمريكية قد أسهمت بشكل مباشر في مجال الدراسات القانونية المقارنة، وبالتالي صار علماء القانون يهتمون بما تقدمه لهم دراسات الأنثربولوجيا الاجتماعية حول القانون والضبط الاجتماعي، وصاروا أكثر ميلا لدراسة القانون وعلاقته بالعمليات الأخرى للضبط الاجتماعي سواء في الهيئات القضائية الرسمية، أو في الواقع الاجتماعي.
7- علاقة الأنثروبولوجيا بعلم النفس:
تشترك الأنثروبولوجيا مع علم النفس عموما في دراسة مشكلات السلوك البشري، ومع ذلك فإننا نلاحظ أن علم النفس قد ظل لفترة طويلة من تاريخه يقصر اهتمامه على مشكلات السلوك الفردي في المقام الأول، في حين كان علماء الأنثروبولوجيا يميلون نحو وضع تعميمات عامة وجماعية وعلى الجماعات الانسانية في ضوء الأسس الثقافية.
والواقع أن العلاقة بين الأنثروبولوجيا وعلم النفس لم تصل إلى درجة التوثيق والعمق، إلا حينما بدأ علماء الأنثروبولوجيا يوجهون اهتمامهم للعلاقة بين الثقافة والفرد، وذلك للاستفادة من علم النفس بطرق شتى، على أساس اقتناعهم بأن هذا العلم كفيل بتزويدهم بحلول مقنعة لكثير من مشكلاتهم.