مجال الأنثروبولوجيا

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: مجالات العلوم الاجتماعية - المجموعة د - أ.عيبود
Livre: مجال الأنثروبولوجيا
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Monday 22 July 2024, 23:29

Description

تخصص الأنثروبولوجيا ووظائفه - موضوع

1. تمهيد

   يعد علم الأنثروبولوجيا في شكله الجديد من العلوم الحديثة نظرا لأن الانسان يثير دائما مجموعة من التساؤلات عن نفسه وعن أصله وقد أخذ علم الانسان فترة طويلة من الزمن حتى ظهر كعلم مستقل وقد ساعده في ذلك تقدم الانسان والاكتشافات العلمية وأساليب الاتصال ووسائل المواصلات الحديثة في تقدم العلم ونموه.

والملاحظ أن معظم المشكلات الانسانية تنطوي على حدوث تغيرات في السلوك، والاتجاهات، والنظم ، والعلاقات الاجتماعية، لذلك يتعين على الأنثربولوجيين اليوم توجيه مزيد من الاهتمام بالحياة العصرية للإنسان وتنمية ميدان الدراسة الأنثربولوجية،  خصوصا تلك المتعلقة بالتغيير الثقافي ودراسة العمليات الثقافية وحرص الباحثين على تحديد برامج البحوث التي ترتبط ربطا سليما بالمشكلات النظرية بمشكلات التنمية الواقعية.

2. تعريف الأنثروبولوجيا

   ترجع كلمة الأنتربولوجيا (Anthropologie ) أساسا إلى كلمة يونانية الأصل تتكون من مقطعين أولهما( Anthropos)   وتعني الانسان، والثاني ( Logy, Logos, Logia ) يعني العلم، وبهذا تعني الكلمة الأجنبية في اللغة العربية (علم الانسان)، والحقيقة أن ترجمة اسم العلم الأنثربولوجي إلى اللغة العربية أثبتت عدم جدواها واتضح أنه أمر غير علمي.

إلا أننا حينما نستخدم الكلمة العربية المقابلة – أي علم الانسان- للمصطلح الأجنبي، فإننا نحدث نوعا من اللبس بين ما تعنيه الأنثربولوجيا وتهتم به، وبين ما تدرسه العهلوم الأخرى التي تدرس الانسان كعلم الطب والبيولوجي وعلم النفس والاجتماع والسياسة... وعلى هذا الأساس ساد استخدام المصطلح اجنبي كما هو( Anthropology) في اللغة الانجليزية و(Anthropologie) في اللغة الفرنسية خاصة بعد اشتقاقه من الكلمة اليونانية.

يتضح من هذا الشرح أن مصطلح الأنثربولوجيا يعني دراسة الانسان، أما من حيث موضوع العلم فاننا نجد من استعرض الدراسة الأنثربولوجية في ماضيها وحاضرها أن رجال هذا العلم قد أخذوا التعريف اللفظي لعلمهم مأخذ الجد، ومن هنا أصبح موضوع هذا العلم بحق هو دراسة الانسان وأعماله، أي كل منجزاته المادية والفكرية، أي الدراسة الشاملة  للإنسان،

كما تم تعريفها: الأنثربولوجيا بأنها دراسة للإنسان وإنجازاته.

فالإنسان هو ذلك المخلوق العجيب الذي تفرد له الدراسات مجالا هاما دون تقيد بالزمان والمكان فيقوم المتخصص في هذا الفرع بدراسة أجداده وأصوله وأسلافه منذ أقدم العصور حتى يومنا هذا كما أنه يدرس الانسان في أي مكان من العالم الذي أصبح بفضل التقدم العلمي قريبا جداً.

3. تاريخ تطور الأنثربولوجيا

لقد قسم المؤرخون الأنثربولوجيون تطور علم الأنثروبولوجيا إلى مرورها بثلاثة عصور تعاقبت عليهاوهي :

3.1. الأنثروبولوجيا في العصر القديم

    يجمع معظم علماء الاجتماع والأنثربولوجيا ، على أن الرحلة التي قام بها المصريون القدماء في عام 1493 قبل الميلاد  إلى بلاد بونت ( الصومال حاليا) بهدف التبادل التجاري، تعد من أقدم الرحلات التاريخية في التعرف بين الشعوب.

وذلك بهدف تسويق بضائعهم النفيسة التي شملت البخور والعطور، ونتج عن هذه الرحلة اتصال المصريين بأقزام افريقيا، وتأكيداً لإقامة علاقات معهم فيما بعد، فقد صورت النقوش في معبد الدير البحري، استقبال ملك وملكة بلاد بونت لمبعوث مصري.

أما عند الاغريق اليونان فيعد المؤرخ الاغريقي هيرودوتس Herodotus ، الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد أول من صور أحلام الشعوب وعاداتهم وطرح فكرة وجود تنوع وفوارق فيما بينهم، من حيث النواحي السلالية والثقافية واللغوية والدينية، حيث قام بوصف ثقافات الشعوب وحياتهم وبعض نظمهم الاجتماعية، ينطوي على بعض أساسيات المنهج (الاثنوجرافي) المتعارف عليه في العصر الحاضر باسم (علم الشعوب).

أما عند الرومان امتد عصر الامبراطورية الرومانية حوالي ستة قرون، تابع خلالها الرومان ما طرحه اليونانيون من مسائل وأفكار حول بناء المجتمعات الانسانية وطبيعتها ، وتفسير التباين والاختلاف فيما بينها، ووجهوا دراساتهم نحو الواقع الملموس والمحسوس.

 وقد استطاع المؤرخ الروماني لوكرتيوس أن يتصور مسار البشرية في عصور حجرية ثم برونزية، ثم حديدية، وذلك من حيث رؤية التقدم والانتقال من مرحلة إلى أخرى، في إطار حدوث طفرات مادية، وإن كان مدرها في النهاية إلى عمليات وابتكارات عقلية.

أما عند الصينين القدماء: لم يخل تاريخهم من بعض الكتابات الوصفية لعادات الجماعات البربرية والتي كانت تتسم بالازدراء والاحتقار، لذلك اهتم فلاسفة الصين القدماء، بالأخلاق وشؤون المجتمعات البشرية، من خلال الاتجاهات الواقعية العملية في دراسة أمور الحياة الانسانية ومعالجتها، لأن معرفة الأنماط السلوكية التي ترتبط بالبناء الاجتماعي في أي مجتمع، تسهم في تقديم الدليل الواضح على التراث الثقافي لهذا المجتمع والذي يكشف بالتالي عن طرائق التعامل فيما بينهم من جهة، ويحدد أفضل الطرائق للتعامل معهم من جهة أخرى.

3.2. الأنثربولوجيا في العصور الوسطى

  يجمع معظم المؤرخين أن هذه العصور، تمتد من القرن الرابع عشر ميلادي، وقد اصطلح على تسميتها بالعصور الوسطى لكونها ارتبطت بتدهور الحضارة الأوروبية وارتداد الفكر التخلف والتدهور في شتى المجالات، ولأنها وقعت بين عهدين هما : نهاية ازدهار الفلسفات الأوروبية القديمة ( اليونانية والرومانية)، وبدية عصر النهضة الأوروبية ( عصر التنوير) والانطلاق إلى مجالات جديدة من استكشاف العلوم الأخرى، وإحياء التراث الفكري القديم، وإبداعات في الفنون والآداب المختلفة، في الوقت الذي كانت فيه الحضارة العربية الاسلامية تزدهر وتتسع لتشمل مجالات العلوم المختلفة.

أما العصور الوسطى في أوروبا: يذكر المؤرخون أنه كانت تعيش عصر الظلمة وتدهور التفكير العقلاني، أدينت أية أفكار تخالف التعاليم المسيحية، أو ما تقدمه الكنيسة من تفسيرات للكون والحياة الانسانية، يضاف إلى ذلك التوسع في دراسة القانون (بجامعة بولونيا) ودراسة الفلسفة واللاهوت( بجامعة باريس)، مما كانت له آثار واضحة في الحياة الأوروبية العامة في مختلف المجالات، مما أدى في هذه المرحلة إلى ظهور عدة محاولات للكتابة عن بعض الشعوب إلا أنها اتسمت غالبا بالوصف التحليلي، بعيدة عن المشاهدة المباشرة على أرض الواقع، وذلك مما قام به السقف" إسيدور" (560-636) حيث أعد في القرن السابع الميلادي موسوعة عن المعرفة وأشار فيها إلى بعض تقاليد الشعوب المجاورة وعاداتهم، ولكن بطريقة وصفية عفوية تتسم بالسطحية والتحيز.

 في حين العصور الوسطى عند العرب: واتي تمتد من منتصف القرن السابع الميلادي حتى نهاية القرن الرابع عشر تقريباً حيث بدأ الاسلام في الانتشار، وبدأت معه بوادر الحضارة العربية الاسلامية بالتقدم والازدهار، حيث كان لها تأثير في الحياة السياسية والاجتماعية والعلاقات الدولية، وقد اقتضت الأوضاع الجديدة التي أحدثتها الفتوحات العربية الاسلامية، الاهتمام بدراسة أحوال الناس والبلاد المفتوحة وسبل إدارتها حيث أصبح ذلك من ضرورات التنظيم والحكم.

حيث أبرر البيروني حقيقة أن الين يؤدي الدور الرئيس في تكبيل الحياة وتوجيه سلوك الأفراد والجماعات ، وصياغة القيم والمعتقدات.

كما كانت لرحلات ابن بطوطة وكتاباته خصائص ذات طابع أنثروبولوجي، برزت في اهتمامه بالناس ووصف حياتهم اليومية ، وطابع شخصياتهم وأنماط سلوكياتهم وقيمهم وتقاليدهم

كذلك تعتبر مقدمة ابن خلدون عملا أصيلا في تسجيل الحياة الاجتماعية لشعوب شمال افريقيا، ولاسيما العادات والتقاليد والعلاقات الاجتماعية، إلى جانب بعض المحاولات النظرية لتفسير كل ما رآه من أنظمة اجتماعية مختلفة، شكلت اهتماما رئيسيا في الدراسات الأنثربولوجية، كالاهتمام بالعلاقات بين البيئة الجغرافية والظواهر الاجتماعية ، اختلاف البشر في ألوانهم وأمزجتهم النفسية وصفاتهم الجسمية والخلقية، إلى البيئة الجغرافية التي اعتبرها أيضا عاملا هاما في تحديد المستوى الحضاري للمجتمعات الانسانية، كما تناول مسألة قيام الدول وتطورها وأحوالها، وبلور نظرية (دورة العمران)، بين البداوة والحضارة على أساس المماثلة بين حياة الجماعة وحياة الكائن الحي. .  

ومنه يمكن القول أن الفلاسفة والمؤرخين العرب أسهموا بفاعلية خلال العصور الوسطى في معالجة كثير من الظواهر الاجتماعية التي يمكن أن تدخل في الاهتمامات الأنثربولوجية، ولاسيما التنوع الثقافي (الحضاري ) بين الشعوب، سواء بدراسة خصائص ثقافة أو حضارة بذاتها، أو بمقارنتها مع ثقافة أخرى.

 

3.3. الأنثروبولوجيا في عصر النهضة الأوروبية

    يتفق المؤرخون على أن عصر النهضة في أوروبا، بدأ في نهاية القرن الرابع عشر ميلادي، حيث شرع الأوربيون بعملية دراسة انتقائية للعلوم والمعرف الاغريقية والعربية، مترافقة بحركة ريادية نشطة للاستكشافات الجغرافية، وتبع ذلك الانتقال من المنهج الفلسفي إلى المنهج العلمي التجريبي، في دراسة الظواهر الطبيعية والاجتماعية، إن هذه التغيرات مجتمعة أدت إلى ترسيخ عصر النهضة أو ما يسمى ( عصر التنوير)، وبالتالي أسهمت في بلورة الأنثروبولوجيا في نهاية القرن التاسع عشر، كعلم يدرس تطور الحضارة البشرية في إطارها العام وعبر التاريخ الانساني.

4. منهج البحث الأنثروبولوجي

   تعتمد الدراسات الأنثروبولوجية على عدة مناهج وأساليب خاصة في إجراء البحوث والدراسات الأنثروبولوجية، من أهمها:

1- المنهج التاريخي: يستخدم مصطلح التاريخ الاجتماعي للاشارة إلى دراسة مايطرأ على المجتمع وسبكة العلاقات الاجتماعية الخاصة به، وتطور النظم الاجتماعية والتحول في المفاهيم والقيم الاجتماعية، ويرجع الفضل في ذلك إلى كل من العلامة العربي ابن خلدون، والعالم الايطالي فيكو vico في وضع أصول التاريخ الاجتماعي، وقد أوضح ذلك فيكو في مؤلفه الشهير" العلم الجديد" حيث استطاع أن يحول الاهتمام في التاريخ السياسي للحروب والمعاهدات إلى دراسة العادات والقوانين والأنظمة الاقتصادية والاجتماعية.

أما ابن خلدون فقد عرف التاريخ تعريفا اجتماعيا في مقدمته بقوله "يهدف التاريخ إلى إعطائنا صورة واضحة عن الحياة الاجتماعية للإنسان، يعني حضارة الإنسان، ويهدف كذلك إلى تعريفنا للظواهر الاجتماعية التي ترتبط بهذه الحضارة، وإلى معرفة الحياة البدائية والأخلاق، وروح الأسرة والفبيلة وفوارق الطبقات وجميع التغيرات التي تحدثها الطبيعة الخاصة بتلك الأشياء على أعضاء المجتمع.

ومنهج التاريخ الاجتماعي عند ابن خلدون، أو الدراسة  الاجتماعية للتاريخ يعد منهج ديناميكي بالضرورة يسير مع حركة التاريخ ويستوعب تطور الحياة الاجتماعية، وانتقالها من حالة إلى أخرى.

وفي أو علم الانسان يؤكد أصحاب المدرسة التاريخية على أهمية مفهوم التاريخ الثقافي فيذهب العالم ميتلذ Maitland إلى أن الأنثروبولوجيا عليها أن تختار بين أن تكون تاريخية أو لا تصبح شيئا على الاطلاق

ويعتمد علماء الأنثروبولوجيا والمهتمين بتاريخ الشعوب على ثلاث مصادر ومناهج رئيسية في تحقيق أهدافهم هي:

أ‌- الوثائق المكتوبة: فبرغم الصعوبات التي تواجه الاعتماد على هذه الوثائق وخاصة في المجتمعات التي لا توجد فيها وثائق مدونة، إلا أن محاولات حديثة تبذل لجمع مادة يمكن الاعتماد عليها في تكوين بعض المعلومات المنظمة عن هذه المجتمعات.

ب‌- التراث الشفهي: حيث يغطي التراث الشفهي أنواع متعددة من الظواهر والأنظمة والعلاقات الاجتماعية، ويمكن أن نعثر على التراث الشفاهي من دراسة هذه الظواهر الاجتماعية حيث تكشف عن أهمية الاعتماد على هذا المصدر في البحوث التاريخية الأنثروبولوجية.

ت‌- البحث الحقلي: حيث يمثل البحث الحقلي القائم على الملاحظة بالمشاركة وجمع البيانات من الواقع مصدراً رئيسياً للمعلومات، وجزاء رئيسيا من تدريب الباحث الأنثروبولوجي، وذلك بهدف إبراز الوظائف المختلفة للأنساق الاجتماعية والعلاقات المتبادلة بينها إلى جانب تقديم وصف دقيق ومتكامل للحياة الاجتماعية في مجتمع أو ثقافة معينة، وهذا لن يتم إلا من خلال إجراءات وأساليب البحث الحقلي.

2-  المنهج المقارن: إن أي بحث أنثربولوجي ينطوي على بالضرورة على مقارنات بين بعض المتغيرات، ويكتسب المنهج المقارن دلالة خاصة في البحث الأنثروبولوجي، حيث يقصد به عادة دراسة توزيع الظواهر الاجتماعية في مجتمعات مختلفة ، أو أنماط محددة من المجتمعات، وكذا مقارنة النظم الاجتماعية الرئيسية من حيث استمرارها وتطورها والتغير الذي يطرأ عليها، أو حتى مقارنة مجتمعات بعضها ببعض.

أما عن مجالات البحث المقارنة في الأنثروبولوجيا فهي تتلخص فيمايلي:

-  دراسة أوجه الشبه والاختلاف بين الأنماط الرئيسية للسلوك الاجتماعي، وكذا دراسة السلوك الاجرامي ومعدلات الجرائم في المجتمع وأنماطها في مجتمعات مختلفة.

- دراسة نمو وتطور مختلف أنماط الشخصية، والاتجاهات السيكولوجية والاجتماعية في مجتمعات مختلفة وثقافات متعددة وتمثل هذه الدراسات بحوث الثقافة والشخصية ودراسة الطابع القومي.

- دراسة النماذج المختلفة من التنظيمات وخصوصا التنظيمات البيروقراطية مثل النقابات العمالية والتنظيمات السياسية والصناعية والمهنية في مجتمعات مختلفة.

-  دراسة النظم الاجتماعية ، والتي بالضرورة تنقسم إلى أقسام فرعية، مثل تحليل المعايير النظامية العامة أي دراسة نظم الزواج والأسرة والقرابة، ثم دراسة الأنساق الثقافية قبل المعتقدات الدينية، ودراسة العمليات التي تطرأ على المجتمع مثل التحضر والديمقراطية، ودراسة النظم الفرعية مثل العادات والفولكلور، وهي دراسات ذات صلة وثيقة بالأنساق الثقافية.

-  تحليل ومقارنة مجتمعات بأكملها ، فعادة ما تتم المقارنة بين المجتمعات وفقا للنمط الرئيسي  السائد للنظم الاجتماعية والثقافية الموجودة فيها.

أما الصعوبات المنهجية والنظرية، فإن بناء الأنماط من أجل المقارنة يطرح عدداً من المشكلات المنهجية والنظرية يمكن تلخيصها فيمايلي:

-  مشكلة اختيار وحدة المقارنة التي على أساسها سوف تتحدد المتغيرات الرئيسية في البحث.

-  مشكلة تحديد المؤشرات التي تقارن على أساسها بين المتغيرات، حيث تختلف هذه المؤشرات تبعا لاختلاف وحدة المقارنة.

-  مشكلة امكانية المقارنة بالنسبة لكل وحدة من وحدات المقارنة.

-  مشكلة المعاينة، فالعينات الصغيرة نسبيا لوحدات المقارنة تثير تساؤلا عن مدى امكانية صياغة مقارنات متعمقة تجريبية، والمشكلة المنهجية القائمة بالنسبة للعينات عموما هي مدى تمثيل هذه العينات للمجتمع الأصلي.

3- المنهج البنائي الوظيفي: بعد أن تطورت الأنثروبولوجيا في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، ظهرت إتجاهات جديدة تحاول أن تتجنب الصعوبات والمشكلات التي صاحبت استخدام وتطبيق المنهج المقارن تطبيقا تقليديا، وبذلك ظهر ما يعرف الآن في الدراسات الأنثروبولوجية باسم "الاتجاه الوظيفي" الذي أخذ أصحابه يؤكدون على أنهم يدرسون الظواهر في إطارها وسياقها الكلي.

ففي الوقت الحاضر أن العلماء الوظيفين لازالو يعتبرون المقارنة عظيمة الفائدة بل يصعب الاستغناء عنها في دراساتهم، فالاتجاه الوظيفي يهدف إلى التوصل إلى تعميمات تتعلق بالصلات المتبادلة بين النظم في المجتمعات ذات الطبيعة الخاصة، وإلى تصنيف هذه المجتمعات حتى يمكن إدراك التشابه بينها، والمقارنة بينها في محاولة لاكتشاف بعض مظاهر التماثل بين هذه الوحدات البنائية.

لذلك حاول المنهج البنائي الوظيفي المزاوجة بين المنهج المقارن، والاتجاه الوظيفي في الدراسات والبحوث الأنثروبولوجية، حتى يتمكن من دراسة الظواهر الاجتماعية في سياقها الكلي من ناحية، والتعرف على الأدوار والوظائف التي يؤديها كل نظام من النظم الاجتماعية من ناحية أخرى، لمعرفة طبيعة البناء الاجتماعي للمجتمع ككل.

حيث يوجه " راد كليف براون " اهتمامه إلى دراسة المجتمع لا إلى الثقافة، فيؤكد أن المحتمع يتكون من أجزاء متداخلة وظيفيا، وهو بذلك يسعى إلى تحقيق الأهداف التالية:

- الوصف الدقيق للأداء الوظيفي للأبنية الاجتماعية الموجودة في المجتمعات الانسانية مؤكداً على دورها في الحفاظ على البناء الاجتماعي.

- التصنيف المنهجي للظواهر الاجتماعية.

- صياغة القوانين العامة التي تحكم الظواهر الاجتماعية.

لذلك فإن المنهج البنائي الوظيفي يهتم اهتماما كبيراً ببناء الثقافة، والعلاقة القائمة بين أجزائها، كما يهتم أيضاً بدراسة المجتمع والثقافة والعلاقات المتداخلة والمتشابكة بينهما، والتي تتساند مع بعضها تساندا وظيفياً.

5. أقسام الأنثروبولوجيا

 يقسم علم الأنثروبولوجيا إلى ثلاثة أقسام وهي:

1- الأنثروبولوجيا البيولوجية (الطبيعية): تهتم بدراسة التنوع البشري والتكيف، وظاهرة الثقافة بالذات، فمن الواضح أن الانسان يشترك في كثير من السمات البيولوجية مع بقية العالم الحيواني، حيث تعرض الانسان واسلافه لبعض التغييرات البيولوجية من أجل التكيف مع الظروف البيئية الجديدة أو المتغيرة، وقد أتاحت هذه القدرة التكيفية الجديدة للإنسان أن ينمو عددياً، وأن يشغل كثيرأ من البيئات الأكثر تنوعا كما أتاحت له القدرة على التأثير في سرعة تطوره البيولوجي.

وتنقسم البحوث الكثيرة في الأنثروبولوجيا البيولوجية إلى ميدانين رئيسيين هما: دراسة الانسان كنتاج لعملية التطور، ودراسة تحليل الجماعات البشرية، فكلا الاتجاهين يركز على موضوع مشترك هو التنوع البشري، وهذا الموضوع بدوره ذو أهمية جوهرية لفهم عمليات تكيف الانسان، التي تمثل مشكلة أساسية، وكنتاج لعملية التطور يتطلب قدرا من فهم تطور أشكال الحياة كافة وكذلك فهم طبيعة الحياة نفسها.

ومن الأجزاء الهامة والحديثة نسبيا في الأنثروبولوجيا الطبيعية دراسة العمليات الفعلية التي عن طريقها تحدث التغيرات البيولوجية في الانسان، وكانت إحدى المراحل المبكرة في دراسة هذا الموضوع تتضمن دراسة نمو الانسان من الحمل إلى البلوغ وتأثير الظروف البيئية المختلفة على هذا النمو، أما المرحلة الأحدث في هذه الدراسة فتقوم على دراسة الوراثة البشرية، يعني ميكانيزمات الوراثة، وأساليب تعديل الصفات الوراثية، وأساليب تكييف الكائنات البشرية بيولوجيا مع الظروف الجديدة، سواء على مستوى الفرد الواحد أو على مستوى النوع بأكمله.

2- الأنثروبولوجيا الثقافية:

تدرس أصول المجتمعات والثقافات الانسانية وتاريخها، فتتبع نموها وتطورها وتدرس بناء الثقافات البشرية وأداءها لوظائفها في كل زمان ومكان، فالأنثروبولوجيا الثقافية تهتم بالثقافة في ذاتها سواء كانت ثقافة أسلافنا أبناء العصر الحجري، أو ثقافة أبناء المجتمعات الحضرية المعاصرة في أوروبا وأمريكا، فجميع الثقافات تستأثر باهتمام دارس الأنثروبولوجيا لأنها تسهم جميعا في الكشف عن استجابات الناس المتمثلة في الأشكال الثقافية للمشكلات العامة التي تطرحها دوما البيئة المادية ( الطبيعية)، وعن محاولا الناس الحياة والعمل معاً، وتفاعلات المجتمعات الانسانية بعضها البعض.

حيث تدرس الأنثروبولوجيا الثقافية ، جانبين، فالجانب الأول هو الدراسة المزامنة أو في زمن واحد( أي دراسة المجتمعات والثقافات في نقطة معينة من تاريخها، والجانب الثاني هو الدراسة التتبعية (أو التاريخية) أي دراسة المجتمعات والثقافات عبر التاريخ.

حيث شهدت الفترة التي نعيشها الآن إزدهار الأنثروبولوجيا الاجتماعية على حد سواء، واهتمامها بدراسة كل المجتمعات الانسانية التقليدية والقروية والحضرية بمناهجها وأساليبها المتميزة، كما شهدت أيضا تعاونا بينها وبين فروع علم الانسان الأخرى بل وبينها وبين العلوم الاجتماعية والانسانية كعلم الاجتماع وكعلم النفس بالخصوص.

3-  الأنثروبولوجيا الاجتماعية: موضوع الأنثروبولوجيا الاجتماعية هو دراسة المبادئ العامة للسلوك الانساني، وتعدد فروع الأنثروبولوجيا الاجتماعية بتعدد الأنساق والنظم الاجتماعية التي تكوِن بنية المجتمع.

فهي تدرس السلوكات الاجتماعية التي يتخذها في العادة شكل نظم اجتماعية كالعائلة ونسق القرابة والتنظيم السياسي والاجراءات القانونية والعبادات الدينية وغيرها، كما تدرس العلاقة بين هذه النظم ، سواء في المجتمعات المعاصرة أو في المجتمعات التاريخية التي توجد لدينا معلومات عنها سواء مناسبة من هذا النوع، ويمكن معها القيام بمثل هذه الدراسات.

وتولي الأنثربولوجيا الاجتماعية البناء الاجتماعي فهي تحلل هذا البناء في المجتمعات الانسانية، وخاصة المجتمعات البدائية والبسيطة التي يظهر فيها تكامل البناء الاجتماعي ووحدته بوضوح. كذلك يزداد الاهتمام من قبل علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية بالقطاع الاجتماعي للحضارة، والدراسة التفصيلية للبناء الاجتماعي، وتوضيح الترابط المتبادل بين النظم الاجتماعية.

فالأنتربولوجيا الاجتماعية هي إذن الدراسة التكميلية المقارنة القائمة على ملاحظة السلوك الانساني في مضمونه الاجتماعي، فهي دراسة تكاملية لأنها تتبنى المنهج الكلي الذي يسعى لإدراك الاطار الاجتماعي العام الذي توجد فيه الظاهرة، والاحاطة بالعوامل التي تؤثر فيها وتتأثر بها، وهي دراسة مقارنة بمعنى أها تدرس النظام القرابي أو الاقتصادي في مجتمع معين، ثم تقارن بين هذا النظام ونظيره في مجتمع أخر، بقصد الوقوف على مظاهر التشابه وجوانب التباين، وبالتالي الوصول إلى المبادئ العامة أو القوانين التي تحكم هذه الظاهرة.

 

 

6. طرق وأدوات البحث الأنثروبولوجي

   لقد أصبحت الأنثروبولوجيا علماً يعتمد على مناهج متخصصة في البحث، إلى جانب أنها أصبحت فنا بممارستها بعض الطرق والأدوات الفنية الدقيقة في إجراء بحوثها الحقلية، هذا فضلا عن النظريات الخاصة به كعلم متخصص من العلوم الانسانية، حيث أصبحت الفكرة القائلة "بأنه يتعين على الأنثروبولوجي أن يبحث بنفسه عن البيانات التي تحتاج إليها دراساته بدلاً من الاعتماد على كتابات الرحالة.

حيث أن الدراسة التكاملية في الأنثروبولوجيا لن تتحقق إلا إذا اتصل الباحث اتصالا مباشراً ووثيقا بالمجتمع والثقافة التي يتناولها، وهذا ما يعرف بالدراسة الحقلية أي أن الباحث عليه أن يعايش المجتمع ويلاحظ نظمه ملاحظة مباشرة ودقيقة. 

وبالتالي فإن أهم الطرق والأدوات المستخدمة في البحث الأنثروبولوجي يمكن ذكرها على النحو التالي:

1-  الملاحظة بالمشاركة: وتعني أن يعيش الباحث أو القائم بالملاحظة مع الأشخاص المطلوب ملاحظتهم لفترة زمنية طويلة نسبيا، قد تمتد إلى ما يقارب سنة من الزمن وذلك للتعمق في فهم خصائصهم الاجتماعية والثقافية والسلوكية والاقتصادية، وقد استخدمت هذه الطريقة في البحوث الأنثروبولوجية وبخاصة في دراسة مجتمعات كلية وثقافات وأحياء ومدن ومصانع وجماعات، ويتعين على الباحث قدر المستطاع أن يصوره تصويرا موضوعياً.

2- الاقامة في مجتمع البحث: حيث تتطلب بالضرورة أن يتعلم الباحث اللغة التي يتحدث بها مجتمع الحث المدروس لكي يسهل التواصل ومعرفة ثقافتهم ونظمهم الاجتماعية وبالتالي يفهم معاني كل كلمة وطريقة استعمالها في مختلف المواقف والمناسبات.

3-  الاعتماد على الاخباريين: من خلال الاستعانة ببعض المرشدين أو بعض الاخباريين الذين يكونون في العادة من السكان الأصليين للمجتمع نفسه، ويقومون بدور أساس يتمثل في تقديم المجتمع للباحث، وتعريفه بمختلف ظواهره، ومن بين المواد التي يفيد فيها الباحث الأنثروبولوجي، والتي يحصل عليها بعض الأخباريين، تلك المادة المسجلة سواء فوتوغرافية، أو أشرطة تسجيل مسجل عليها مواد ثقافية عديدة، أو أفلاما لبعض الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، يمكن أن تفيد الباحث فائدة محققة في إجراء بحثه والإلمام بعناصر البناء الاجتماعي لمجتمع بحثه.

4- إجراء المقابلات: فالمقابلة هي أداة للبحث تمثل الحوار اللفظي الذي يتم وجها لوجه بين الباحث القائم بالمقابلة وبين شخص آخر أو مجموعة أشخاص أخرين.

عموما فإن المقابلة تتكون من ثلاثة عناصر متميزة هي:

أ‌- القائم بالقابلة.

ب‌- المبحوث

ت‌-موقف المقابلة.

وهناك ارتباط وثيق بين العناصر الثلاثة على نحو يؤثر في النتائج العامة للمقابلة، ويتوقف نجاح المقابلة إلى حد كبير على مهارة الباحث القائه بها،ومدى فهمه لدوافع السلوك، مبلغ وعيه وإدراكه لمختلف العوامل في الموقف المحيط به.

5- الأدوات المستخدمة  في البحث الأنثروبولوجي: فهذه الأدوات متعددة تبدأ بالتسجيل اليومي الكتابي، في جمع المادة الأنثوجرافية من الميدان يتخللها استخدام مجموعة مختلفة من أدوات جمع المادة، سواء كانت أدوات تستخدم للتسجيل الصوتي( كاست) أو تصوير فوتوغرافي للحياة اليومية في المجتمع ، حتى ايضا التصوير المرئي او ما يعرف بالأنثربولوجيا المرئية.

6-  دراسة الحالة: فهي تمثل أداة تحليلية للسلوك والمواقف الاجتماعية، وطريقة للتعمق الكيفي في فهم الظواهر، والحالة التي يدرسها الباحث قد تكون شخصا أو جماعة مثل السرة أو مجتمع محلي، والهدف من دراسة الحالة هو البحث التفصيلي لكافة جوانب الحياة المراد دراستها، ويمكن استخلاص أهم خصائص دراسة الحالة كمايلي:

-  أنها طريقة للحصول على معلومات شاملة عن الحالة المدروسة.

-  أنها طريقة للتحليل الكيفي للظواهر والحالات.

-  أنها طريقة تهتم بالموقف الكلي وبمختلف العوامل المؤثرة فيه والعمليات التي يشهدها.

-  أنها طريقة تتبعيه، أي أنها تعتمد على اعتماد كبيراً على عنصر الزمن، ومن ثم فهي تهتم بالدراسة التاريخية.

-  أنها منهج ديناميكي لا يقتصر على بحث الحالة الراهنة.

7. علاقة الأنثروبولوجيا ببعض العلوم الأخرى

  تعتبر الأنثروبولوجيا العامة علما اجتماعيا تربطه علاقة وثيقة بالعلوم الاجتماعية الأخرى، وهي التي تمثل حلقة الوصل بين العلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية، وبتطور العلوم في مجتمعنا المعاصر يوضح اعتماد الفروع العلمية المختلفة على بعضها، وهذا بسبب تشابك الظواهر الاجتماعية والطبيعية والثقافية، وتعقد الحياة وتعدد العوامل المؤثرة في الظاهرة موضوع الدراسة، تؤكد على أهمية العلاقة بين العلوم المختلفة وضرورتها.

1- علاقة الأنثروبولوجيا بعلم الاجتماع:

إن الواقع يؤكد على أن العلمين –الاجتماع والأنثروبولوجيا الاجتماعية- يشتركان معا في الكثير من مجالات الدراسة، ولذلك تتزايد بينهما والمهج المستخدم في دراسة مجال كل علم.

فعلى سبيل المثال فقد تناول ماكس فيبر (MAX Weber) دراسة العلاقة بين النظام الديني وبين النظام الاقتصادي الرأسمال، واستخدم المادة التاريخية التي قدمها علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية وعلماء التاريخ على السواء، وقام بتحليلها وتفسيرها وخرج منها بنظريته عن العلاقة بين الدين والاقتصاد، فهو أثار عدة مشكلات اهتم بتناولها علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا الاجتماعية معا في المجتمعات ت المعاصرة.

فعلم الاجتماع كان ولا يزال ذا تاثير واضح في توجيه الأنثروبولوجيين الاجتماعيين إلى التحليل الوظيفي، وتمثل في ذلك اسهامات " هربرت سبنسر" و " إميل دوركهايم" التي أثرت على مجرى الأنثروبولوجيا الاجتماعية. ويؤكدان على وجود التساند الوظيفي والاعتماد التبادل بين النظم الاجتماعية في كل مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي.

فعالم الأنثروبولوجيا الاجتماعية فيهتم بالدراسة المتعمقة لطابع العلاقات القرابية السائدة داخل كل نمط من الأنماط، وارتباط ذلك بالجوانب الاقتصادية والسياسية في المجتمعات المحلية، وفي المجتمع الصناعي وذلك بتأثير الصناعة على الأسرة، فإن الأنثروبولوجي الاجتماعي بمنهجه المتميز يمكن أن يركز على فكرة محدودة مثل تغير أدوار الزوجين أو نوعية المشكلات الأسرية في مجتمع محلي تأثر بالصناعة.

2- علاقة الأنثروبولوجيا بعلم الأركيولوجيا (علم أثار ما قبل التاريخ):

يهتم علم الأثار بدراسة الانسان لتحديد وتتابع التغير الحضاري والثقافي على مر العصور، وبالتالي يحتم عليه أن يستخدم السجلات المكتوبة ، كما في مصر القديمة والصين، وذلك لإعادة رسم صورة ثقافات بالعصور الغابرة بالاستعانة بمخلفاتها المادية، كالأدوات والأواني المدفونة وبعض الرسوم والنقوش الحجرية ...... وبالتالي يستطيع وصف جانب من الثقافة القديمة وربطها ببيئتها الطبيعية التي عاشت فيها.

فعلم الأثار يساهم بنصيب في إثراء معرفتنا بتاريخ الثقافات وتطورها، فمنه نعلم أين اكتسب الانسان الثقافة لأول مرة ومتى كان ذلك؟. ومنه نقف على جانب من تاريخ الشعوب، كما نتوصل إلى قدرات من المعرفة بتطور الثقافات البشرية أو الأساليب التي تعاقب نمطاً ثقافيا بعد آخر في مختلف مجتمعات العالم.

3- علاقة علم الأنثروبولوجيا بعلم الاقتصاد:

إن عالم الاقتصاد يدرس النظام الاقتصادي أساساً بما يضمه من مجموعة النظم الفرعية كالانتاج والاستهلاك والتوزيع والتبادل، فهو يركز على على رؤية المشكلات الاقتصادية كجزء من نسق فكري وسلوكي معزول.

وفي نفس الوقت نجد علم الأنثربولوجيا الاجتماعية يدرس النظام الاقتصادي في المجتمعات البسيطة، وفي المجتمعات الحديثة في الوقت الحالي، باعتباره جزءاً من النسق الاجتماعي العام للمجتمع، علاوة على أنه يركز على النظام الاقتصادي ومجموعة النظم الفرعية التي يحتويها، ويلقي الضوء على علاقتها ببقية النظم الأخرى.

4- علاقة الأنثروبولوجيا بعلم الجيولوجيا والجغرافيا:

تساعد الدراسات الجيولوجية التاريخية في تحديد الفترات الزمنية التي عاش فيها كل نموذج من أنواع الجنس البشري، نظرا لوجود البقايا العظمية للأسلاف، على شكل بقايا مستحاثة حفرية بين ثنايا القشرة الأرضية الرسوبية والمنضدة بعضها فوق بعض، وفق خاصية النشوء والتقادم لكل منها، بحيث يكون أسفلها أقدمها وأعلاها أحدثها وهكذا يمكننا معرفة الفترة الزمنية التي عاش فيها ذلك الانسان الحفري، إلى جانب معرفة العالم الحيواني الآخر الذي كان يحيط به، من خلال التعرف على البقايا العظمية المستحاثية للأنواع الحيوانية التي كانت تعاصره في بيئة جغرافية واحدة، كما أننا نستطيع التعرف على الظروف المناخية التي كانت سائدة عندما كان يعيش هذا الانسان أو ذاك، في تلك الأزمنة السحيقة من تاريخنا البشري، كذلك النواحي الطبيعية، من تضاريس ومياه، إلى جانب الظروف المناخية التي تتفاوت من منطقة إلى أخرى، فهذه العوامل كلها تؤثر في حياة الانسان بجوانبها المختلفة، العضوية والاجتماعية والثقافية، لذلك فإن الأحوال المعيشية، والبنى الاجتماعية عند المجتمعات البشرية، ليست متشابهة بسبب تباين الظروف الجغرافية التي توجد فيها تلك المجتمعات.

وهكذا تشكل الأنثربولوجيا مع العلوم الأخرى ولاسيما العلوم الانسانية منظومة من المعارف والموضوعات التي تدور حول كائن موضوع الدراسة، ألا وهو الانسان ويأتي هذا التشابك (التكامل) بين هذه العلوم بالنظر إلى تلك الأطر المعرفية والمناهج التحليلية، التي تنظم العلاقة المتبادلة والمتكامكلة بين المجالات المعرفية المختلفة التي تسعى إليها هذه العلوم.

5- علاقة الأنثربولوجيا بعلم السياسة:

باعتبار أن النظام السياسي جزء من البناء الاجتماعي للمجتمع إلا أن شدة موجات التغير الاجتماعي والثقافي في هذه المجتمعات جعلتهم يوجهون مزيدا من الاهتمام بدراسة النظام السياسي، ومزيدا من الاستفادة بمفاهيم ونظريات علم السياسة، وهكذا تدعمت الصلة والعلاقة العلمية بين العلمين، فهذه العلاقة لم تقم من طرف واحد فقط، بمعنى أن الأنثربولوجيا لم تكن تعتمد على علم السياسة وتستفيد بمفاهيمه ونظرياته وقضاياه دون أن يعتمد عليها هذا العلم، حيث سعى علماء السياسة للحصول على المعلومات الأنثروبولوجية التي جمعها الأنثربولوجيون من المجتمعات البسيطة، حول نظم الحكم والنسق السياسي عموما، والعلاقات بين النظام الأيكولوجي ( البيئي) والنظام السياسي.(رابح دراوش،2012 ص68).

6- علاقة الأنثروبولوجيا بالقانون:

تدرس الأنثروبولوجيا الاجتماعية مجموعة النظم الاجتماعية التي تشكل معا البناء الاجتماعي، ويأتي نظام الضبط الاجتماعي من بين هذه النظم الذي يهتم بدراسته الأنثربولوجيون الاجتماعيون في المجتمعات البسيطة والتقليدية، والواقع أن الدراسات التي أجراها الأنثربولوجيون على أنساق القانون ووسائل الضبط الاجتماعي ومقارنتها مع النظم القضائية في المجتمعات الحديثة، الأوروبية والأمريكية قد أسهمت بشكل مباشر في مجال الدراسات القانونية المقارنة، وبالتالي صار علماء القانون يهتمون بما تقدمه لهم دراسات الأنثربولوجيا الاجتماعية حول القانون والضبط الاجتماعي، وصاروا أكثر ميلا لدراسة القانون وعلاقته بالعمليات الأخرى للضبط الاجتماعي سواء في الهيئات القضائية الرسمية، أو في الواقع الاجتماعي.

7- علاقة الأنثروبولوجيا بعلم النفس:

تشترك الأنثروبولوجيا مع علم النفس عموما في دراسة مشكلات السلوك البشري، ومع ذلك فإننا نلاحظ أن علم النفس قد ظل لفترة طويلة من تاريخه يقصر اهتمامه على مشكلات السلوك الفردي في المقام الأول، في حين كان علماء الأنثروبولوجيا يميلون نحو وضع تعميمات عامة وجماعية وعلى الجماعات الانسانية في ضوء الأسس الثقافية.

والواقع أن العلاقة بين الأنثروبولوجيا وعلم النفس لم تصل إلى درجة التوثيق والعمق، إلا حينما بدأ علماء الأنثروبولوجيا يوجهون اهتمامهم للعلاقة بين الثقافة والفرد، وذلك للاستفادة من علم النفس بطرق شتى، على أساس اقتناعهم بأن هذا العلم كفيل بتزويدهم بحلول مقنعة لكثير من مشكلاتهم.