3. تاريخ تطور الأنثربولوجيا

3.2. الأنثربولوجيا في العصور الوسطى

  يجمع معظم المؤرخين أن هذه العصور، تمتد من القرن الرابع عشر ميلادي، وقد اصطلح على تسميتها بالعصور الوسطى لكونها ارتبطت بتدهور الحضارة الأوروبية وارتداد الفكر التخلف والتدهور في شتى المجالات، ولأنها وقعت بين عهدين هما : نهاية ازدهار الفلسفات الأوروبية القديمة ( اليونانية والرومانية)، وبدية عصر النهضة الأوروبية ( عصر التنوير) والانطلاق إلى مجالات جديدة من استكشاف العلوم الأخرى، وإحياء التراث الفكري القديم، وإبداعات في الفنون والآداب المختلفة، في الوقت الذي كانت فيه الحضارة العربية الاسلامية تزدهر وتتسع لتشمل مجالات العلوم المختلفة.

أما العصور الوسطى في أوروبا: يذكر المؤرخون أنه كانت تعيش عصر الظلمة وتدهور التفكير العقلاني، أدينت أية أفكار تخالف التعاليم المسيحية، أو ما تقدمه الكنيسة من تفسيرات للكون والحياة الانسانية، يضاف إلى ذلك التوسع في دراسة القانون (بجامعة بولونيا) ودراسة الفلسفة واللاهوت( بجامعة باريس)، مما كانت له آثار واضحة في الحياة الأوروبية العامة في مختلف المجالات، مما أدى في هذه المرحلة إلى ظهور عدة محاولات للكتابة عن بعض الشعوب إلا أنها اتسمت غالبا بالوصف التحليلي، بعيدة عن المشاهدة المباشرة على أرض الواقع، وذلك مما قام به السقف" إسيدور" (560-636) حيث أعد في القرن السابع الميلادي موسوعة عن المعرفة وأشار فيها إلى بعض تقاليد الشعوب المجاورة وعاداتهم، ولكن بطريقة وصفية عفوية تتسم بالسطحية والتحيز.

 في حين العصور الوسطى عند العرب: واتي تمتد من منتصف القرن السابع الميلادي حتى نهاية القرن الرابع عشر تقريباً حيث بدأ الاسلام في الانتشار، وبدأت معه بوادر الحضارة العربية الاسلامية بالتقدم والازدهار، حيث كان لها تأثير في الحياة السياسية والاجتماعية والعلاقات الدولية، وقد اقتضت الأوضاع الجديدة التي أحدثتها الفتوحات العربية الاسلامية، الاهتمام بدراسة أحوال الناس والبلاد المفتوحة وسبل إدارتها حيث أصبح ذلك من ضرورات التنظيم والحكم.

حيث أبرر البيروني حقيقة أن الين يؤدي الدور الرئيس في تكبيل الحياة وتوجيه سلوك الأفراد والجماعات ، وصياغة القيم والمعتقدات.

كما كانت لرحلات ابن بطوطة وكتاباته خصائص ذات طابع أنثروبولوجي، برزت في اهتمامه بالناس ووصف حياتهم اليومية ، وطابع شخصياتهم وأنماط سلوكياتهم وقيمهم وتقاليدهم

كذلك تعتبر مقدمة ابن خلدون عملا أصيلا في تسجيل الحياة الاجتماعية لشعوب شمال افريقيا، ولاسيما العادات والتقاليد والعلاقات الاجتماعية، إلى جانب بعض المحاولات النظرية لتفسير كل ما رآه من أنظمة اجتماعية مختلفة، شكلت اهتماما رئيسيا في الدراسات الأنثربولوجية، كالاهتمام بالعلاقات بين البيئة الجغرافية والظواهر الاجتماعية ، اختلاف البشر في ألوانهم وأمزجتهم النفسية وصفاتهم الجسمية والخلقية، إلى البيئة الجغرافية التي اعتبرها أيضا عاملا هاما في تحديد المستوى الحضاري للمجتمعات الانسانية، كما تناول مسألة قيام الدول وتطورها وأحوالها، وبلور نظرية (دورة العمران)، بين البداوة والحضارة على أساس المماثلة بين حياة الجماعة وحياة الكائن الحي. .  

ومنه يمكن القول أن الفلاسفة والمؤرخين العرب أسهموا بفاعلية خلال العصور الوسطى في معالجة كثير من الظواهر الاجتماعية التي يمكن أن تدخل في الاهتمامات الأنثربولوجية، ولاسيما التنوع الثقافي (الحضاري ) بين الشعوب، سواء بدراسة خصائص ثقافة أو حضارة بذاتها، أو بمقارنتها مع ثقافة أخرى.