7. تخصصات علم الاجتماع

1-  علم الاجتماع التربوي:

إن علم الاجتماع التربوي كتخصص من تخصصات الاجتماع علم حديث النشأة، حيث لم تحدد مجالاته وموضوعاته ومكانته بصفة نهائية إلا منذ سنة 1963، على الرغم من اهتمام علماء الاجتماع بميدان التربية، أمثال دوركهايم سنة 1992 في مؤلفه الشهير علم اجتماع التربية، والذي اعتبر فيه التربية نظام اجتماعي ، ومنذ ذلك الوقت تزايد الاهتمام بهذا الفرع كنظام علمي أكاديمي يهتم بالفهم السوسيولوجي للتربية.

   حيث يعتبر علم الاجتماع التربوي أحد فروع علم الاجتماع العام، وقد كانت الانطلاقة الأولى لهذا الحقل تحت اسم علم الاجتماع التربوي على يد "فريد كلارك" عام 1936، عندما أدرك أهميته في تطوير الفكر التربوي، وبعدها أخذ يتطور تطورا ملحوظا خصوصا سنة 1936، حين أصدر ولبر بروكوفر كتاب يحمل عنوان علم اجتماع التربية في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي كان يدرس فيه عملية التفاعل الاجتماعي بين الفرد وبيئته، وهو يستخدم مجموعة من الأدوات المنهجية في دراسة النظم التربوية، وذلك بهدف الوصول إلى الحقائق والمعارف وتوجيه المربين والمختصين في مجال التربية إلى المشكلات التي تصاحب عملية التغيير الاجتماعي كما نجد الكثير من المهتمين بهذا التخصص المعرفي قد وضعوا له الكثير من التعاريف منها:

يعرفه جون باين: على أنه العلم الذي يصف ويفسر النظم والطوائف والعمليات الاجتماعية ، ويقيم طبيعة العلاقات التي يكتسب الفرد فيها أو عن طريقها تجاربه ويقوم بتنظيمها.

كما يعرفه فرانسيس براون: هو العلم الذي يدرس واقعية التفاعل المتبادل بين الفرد وبيئته الاجتماعية التي لا يمكن أن ينفصل أحدهما عن الأخر.

    أهمية النظام التربوي: تكمن أهميته من خلال الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها والوظائف التي يقوم بها، فالهدف من التربية يجب أن يكون واحد في كل المجتمعات، وخاصة أن استمرارية المجتمع ونموه تعتمدان على التعليم، وكذا أهمية التربية كنظام اجتماعي مع تقدم المجتمع وازدهاره، فكلما سار المجتمع إلى طريق التصنيع والتحديث والتعقيد، أصبحت النظم التعليمية أكثر تعقيداً هي الأخرى وأشد اتصالاً بالمجتمع، ويصبح بذلك نظام التعليم مطلباً ضروريا من مطالب الاقتصاد بوصفه حلقة الاتصال بين حاجات العمل والقوى البشرية، كما يلعب النظام التعليمي دورا هاما في تحديد حجم وطبيعة القيم المراد توجيهها، وبهذا يسهم في التكامل الاجتماعي عن طريق عملية التنشئة داخل نسق قيمي مشترك تحدد فيه وظائف كل عضو.

2- علم الاجتماع الثقافي:

  يعتبر علم الاجتماع الثقافي أحد التخصصات الشابة لعلم الاجتماع الحديث، حيث تأخر ظهوره بسبب تهميش رواد علم الاجتماع الغربي لموضوع الثقافة، بعد أن كان لدور الثقافة بروزا في فكرهم السوسيولوجي المتعدد المفاهيم والنظريات، هو الشئ الذي جعل علم الاجتماع الثقافي يتطور شيئا فشيئا بين علماء الاجتماع الثقافيين في الولايات المتحدة الأمريكية ، من خلال نشر مجلة دورية تسمى" الثقافة" يسعون من خلالها ما ينشر فيها إلى تقدم علم الاجتماع الثقافي بواسطة إرساء مفاهيم وأدوات بحث ونظريات جديدة تمكن علم الاجتماع الثقافي من الفوز برهان المصداقية العلمية في البحوث الميدانية.

فعلم الاجتماع الثقافي هو علم يدور حول انشاء المعنى حيث يدرس كيف تحدث عملية إنشاء المعنى ولماذا تختلف المعاني وكيف تأثر المعاني في السلوك البشري الفردي والجماعي.

  كذلك يدرس التفاعل الثقافي والممارسات الثقافية، أي العلاقة بين البنى المعرفية أو الفكرية أو الثقافية أو الدينية في علاقتها بالأطر الاجتماعية، حيث يدرس ويعالج الكثير من القضايا والموضوعات الثقافية: كالعملية الاجتماعية للحضارة والثقافة، المظاهر الفكرية للحياة الاجتماعية، ظاهرة التغير الثقافي، الغزو الثقافي، الصراع الثقافي، منظومة الأفكار والقيم والمعتقدات التي تسود أو يختص بها كل أفراد المجتمع عن باقي أفراد المجتمعات الأخرى، التمازج الثقافي.

الخصائص الأساسية للثقافة: القد حاول المفكرون ذكر بعض الخصائص الأساسية للثقافة نذكر منها:

-  تنشأ الثقافة في مجتمع  ما وتظهر جليا من خلال أفعال أعضائه وسلوكاتهم التي تتأثر بذلك.

-          تتخذ بعض هذه السلوكات والتوجيهات والأفعال الشكل الرسمي، وتتمثل في أنماط سلوكية معترف بها ويعد الخروج عليها خروجا عن تقاليد المجتمع.

-   تنتقل هذه الطرق والأفعال والسلوكات شعوريا أو لا شعوريا من شخص لآخر ومن جماعة لأخرى، هذا بدوره يعطي للثقافة صفة الاستمرارية، وبالتالي تبنى على التراكمية.

-   أن الثقافة بالرغم من استمراريتها إلا أنها تتغير في الشكل والمحتوى.

-  أن الثقافة تمثل مقاومة تختلف شدتها من مجتمع لآخر ومن عصر لآخر، إلا أنها في عمومها تواجه تيار التغيير الذي يواجهه المجتمع.

3-  علم الاجتماع الحضري:

   إن دراسة الظاهرة الحضرية تدفعنا إلى الحديث عن المدينة مع أن الاهتمام بدراسة المدينة قديم قدم الحضارات الانسانية، إلا أن الدراسة الجادة لها كانت أحد النتائج الهامة المرتبطة بنشأة علم الاجتماع وتطوره بصفة عامة، وعلم الاجتماع الحضري بصفة خاصة، ونستطيع القول أن معظم الدراسات الأولى التي تناولت المدينة كموضوع للبحث كانت تنمتمي إلى علوم أخرى غير علم الاجتماع كالسياسة والاقتصاد والجغرافيا وغيرها، ولهذا كانت بعيدة عن طبيعة النظرية والمنهجية الخاصة بعلم الاجتماع، خاصة أن معظم التعاريف في هذا السياق كانت تصور المدينة على انها ذلك المكان العمراني الذي يشغل أغلب سكانها أنشطة لا تنتمي إلى قطاع الزراعي، في حين أن علم الاجتماع الحضري ينظر غلى المدينة ويحللها كظاهرة اجتماعية في ذاتها.

يعرف علم الاجتماع الحضري بأنه علم اجتماع حياة المدينة، وينظر إلى المدينة ويحللها كظاهرة اجتماعية في ذاتها إلى جانب دراسة المشكلات الخاصة بها، ولقد تطور تراث واضح ومميز لهذا العلم في أوروبا وأمريكا في أواخر القرن 19، وأوائل القرن 20 وظهور بين الباحثين الأوروبيين ميل إلى تبني منهج تاريخي، لكن مع ذلك فسرت المدينة بطريقة مختلفة، حيث نجد ماكس فيبر في كتابة المدينة يحاول تحليل طبيعة المدينة والبحث عن وظائفها السياسية والادارية واهتم بشكل خاص بحقوق وواجبات المواطنين وأهمية تمايز المكانة.

كما ذهب روبارت بارك، إلى أن المدينة عبارة عن بناء طبيعي له قوانينه ترتبط بالنظام الأخلاقي، وكذلك فقد اهتم بظاهرة توسع المدن وأثر ذلك على بنائها ايكولوجي، لذلك أشار مصطلح علم الاجتماع الحضري بشكل عام إلى الدراسة السوسيولوجية للمدن أو الحياة في المدينة أو الحياة الحضرية، وفي سياق هذا يهتم علم الاجتماع الحضري بالمدينة وما يتخللها من بناءات ودعائم ونظم وتيارات اجتماعية بالدراسة والتحليل، كما يقوم بتفسير المظاهر المميزة لتنظيم الاجتماع في مناطق الاقامة الحضرية، وتأثير الحياة الحضرية على السلوك الاجتماعي، كما يتناول الحياة الحضرية في نشأتها وتطورها ووظائفها وأجهزتها الادارية والفنية وتقسيمها الطبقي والمهني ومستوياتها التكنولوجية.

وقد قام روبارت بارك بتطبيقه وتناوله في مقاله المشهور " المدينة" بأنه يهتم ببحث السلوك في البيئة الحضرية .

فعلم الاجتماع الحضري هو علم كسائر العلوم يطبق مناهجه ونظرياته ومفاهيهه في دراسة المدينة وأحوالها، والظواهر الاجتماعية المرتبطة بها ومدى تأثير الحياة الحضارية على السلوك الاجتماعي.

مجالات الدراسة في علم الاجتماع الحضري: لقد تعددت مجالات الدراسة فيه ويمكن ذكر الأهم منها:

-  دراسة المدن والأماكن الحضرية.

-  دراسة البناء الاجتماعي للحياة الحضرية.

-  دراسة الايكولوجية الحضرية بمعنى العلاقة بين الكائنات الحية وبيئتها الطبيعية.

-  دراسة المدينة ودورها التاريخي وتطورها وبنائها.

- دراسة المشلات الاجتماعية في المدينة.

- دراسة التأثيرات الاجتماعية للحياة الحضرية ودراسة العلاقة بين الحضر والمجتمع  والتصنيع.

  وهكذا يتضح أن علم الاجتماع الحضري هو العلم الذي يهتم بدراسة المدينة بوصفها مركزا للحضر ودراستها في نشأتها وتطورها ووظائفها، ومستوياتها التكنولوجية والمشكلات التي تعاني منها مثل مشكلات السكان، شؤون الأسرة، النقل والمواصلات، الخدمات الاجتماعية، المرافق العامة، الاسكان، السلوك والتصرفات الاجتماعية بين الأفراد وغيرها...

4- علم الاجتماع السياسي:

   يرى البعض أن علم الاجتماع السياسي هو العلم الذي يهتم " بفحص ودراسة العلاقات بين السياسة والمجتمع، وبين البناء السياسي و البناء الاجتماعي، وبين السلوك الاجتماعي والسلوك السياسي"، وهناك من يرى أن علم الاجتماع السياسي ما هو إلا محصلة التعاون بين مختلف العلوم الاجتماعية التي تتوافق في شكل متساند على دراسة الظواهر المجتمعية.

فعلم الاجتماع السياسي يهتم بأثر المتغيرات الاجتماعية في تكوين بنية السلطة السياسية وتطور أنظمة الحكم في المجتمع، فالنظم الاجتماعية من وجهة نظر علم الاجتماع السياسي ليست عوامل متغيرة (أو متحولات) أو عوامل مسببة، وما أمور السياسة وشؤونها غير عوامل تابعة، تتأثر بالعوامل الاجتماعية وتتغير بتغييرها وعلى هذا فان أي فهم دقيق للنظم والمؤسسات السياسية تحليلا لمركزاتها الاجتماعية ورصد العناصر التغير في المجتمع.

5-  علم الاجتماع الجنائي:

    يمكن تعريف الانحراف بصورة عامة بأنه يمثل عدم الامتثال أو عدم الانصياع لمجموعة من المعايير المقبولة لدى قطاع مهم من الناس في الجماعة أو المجتمع ، ولا يمكن على هذا الأساس أن نضع خطا واضحا وفاصلا في أي مجتمع بين المنحرفين من جهة والممتثلين من جهة أخرى .ولا يمكننا أن نضع على قدم المساواة تصرفات مثل : المعاكسة بالهاتف ، ونشل محفظة أو حقيبة  في الشارع ، وسرقة قلم من ممتلكات مؤسسة ما  ، أو قيادة السيارة بسرعة فائقة في وسط المدين ، أو الاعتداء بآلة حادة ، وينبغي الإشارة إلى إن مفهومي الانحراف والجريمة  ليس مترادفين ومتطابقين في المعنى والأثر والنتائج ، رغم أنهما قد يكونان مترابطين ومتداخلين أحيانا.

   يتناول البحث، في علم الاجتماع الجنائي،"  أسباب الجريمة والانحراف والعوامل الاجتماعية الممهدة لكليهما، كما يدرس نسبة تواتر الجريمة وتعدد أساليبها وأشكالها، ويربط ذلك باختلاف المجتمعات وتباين النظم وباختلاف أحوال الأفراد المعيشية، وجملة العوامل والظروف الموضوعية والنفسية للموقف أو الحالة، أي الظروف التي على هذا النحو أو ذاك، كما يرجع إلى نمط التفاعلات في البيئة الاجتماعية. وباستخدام لغة البحث العلمي "  يمكن القول: إن جملة هذه الظروف هي متغيرات تعمل على تفسير أشكال الجريمة ودوافعها.

6- علم الاجتماع التنظيم والعمل:

   يعالج علم الاجتماع التنظيم مشكلات تطر على الحياة العملية داخل المؤسسات و التنظيمات العمالية بشكل عام ، لعل أبرزها  التسلسل الهرمي للسلطة ، طريقة إتخاذ القرارات  حوادث العمل ، البناء التنظيمي ، التغيب عن العمل ، الإضرابات العمالية وأسبابها ، المطالب العمالية وفرص تحققها ، الممارسة النقابية والدفاع على الطالب العمالية ، السلطة في التنظيم وطبيعتها ، طبيعة الاتصالات الرسمية وغير الرسمية ، تقسيم العمل ودوره في تحقيق الفعالية المرجوة لأهداف التنظيم.

7- علم الاجتماع الديني:

يتناول علم الاجتماع الديني بالتقصي والتحليل النظم والتيارات الدينية السائدة في المجتمعات الإنسانية على اختلاف العصور، واختلاف البيئة الاجتماعية لمجتمع ما في نمط معيشته أو في طبيعة العلاقات الاجتماعية فيه على السواء. و لأن علم الاجتماع الديني يرى في المجتمع العوامل التي تحدد شكل الأديان ووظائفها، لذا فإنه يعني تباين أثر العوامل الاجتماعية، وارتباطها مع الدين بصفته ظاهرةً لا يخلو منها أي مجتمع.