3. تاريخ نشأة علم الاجتماع

 كان لظهور الدول الحديثة واستقلالها والثورة الصناعية والمطالبة بالحرية والمساواة سببا في ظهور الفلاسفة والمفكرين الذين تناولوا الدولة وصلتها برعاياها والمجتمع، ونشاته وتطوره، ولقد كثر الجدل والنقاش حول كثير من الموضوعات.

وعلى الرغم من التاريخ الطويل للإنسان ومعرفته بالحياة الاجتماعية منذ نشأته الأولى إلا أن عمر علم الاجتماع قد لا يتجاوز  المائة عام وهو كما يقول: روبرت ميرثون" علم جديد جداً لموضوع قديم جداً".

لقد اعتمد الباحثون على ماركته الحضارات القديمة عند المصريين والبابليين والصينيين والهنود واليونان والرومان، وتؤكد معظم الكتابات القديمة على محاولات الانسان لفهم الحياة جماعته  وضبطها وأن هذه المحاولات الأولى كانت في المجالات الدينية والسياسية.

ويشير بعض المؤرخين إلى أن التفكير والفلسفة الصينية الاجتماعية مثلا تمثل أقدم تفكير منظم قيل عصر سقراط، وكما يقول بعضهم أن الفضل يرجع إلى فلاسفة اليونان في وضع أساس العقلانية الغربية وإلى ظهور أول تفكير منظم فتح باب الأساليب العلمية في الموضوعات الاجتماعية، كالملاحظة والمقارنة والنقد وغيرها، ولم يمسوا ماله علاقة بالعادات والأساطير والخرافات، بل ذهبوا يفتشون عن الحق الطبيعي في احترام الشخصية الانسانية ودافعوا عن الفرد، كما اهتموا أخلاقيا بالدفاع عن فكرة المساواة ومقارعة العبودية والوطنية الضيقة التي تمثلها المدن اليونانية (أسبارطة، أثينا)

لكن في المقابل لا يمكننا أن ننسى العلامة العربي ابن خلدون له الفضل في اعطاء التاريخ تعبيره الاجتماعي ،منذ بدأ مقدمته أنه يقوم بمحاولة غير مسبوقة، وهي علم الاجتماع أو ما سماه علم العمران البشري، وفي هذا يقول ابن خلدون: وكأن هذا علم مستقل بنفسه، فإنه ذو موضوع وهو العمران البشري والاجتماع الانساني، وذو مكسائل هي بيان ما يلحقه من العوارض الذاتية( القوانين) وهذا شأن كل علم من العلوم وصفيا كان أو عقليا

حيث يتضح أن ابن خلدون كان يهدف إلى تخليص البحوث التاريخية من الأخبار الكاذبة، فهداه تفكيره ذلك إلى اكتشاف علم جديد هو علم الاجتماع، ونجد انه أعطى عذرا للمؤرخين قبله وذلك أنه إلى عهده لم تكن ظواهر الاجتماع قد درست دراسة وصفية ترمي إلى بيان طبيعة الظواهر وما تخضع له من قوانين، وإنما درست هذه الظواهر لأغراض أخرى علمية، ويرى ابن خلدون أن لعلم الاجتماع أهداف كثيرة غير مباشرة وفي ذلك يشير إن كانت حقيقة متعلقة طبيعة يصلح أن يبحث عما يعرض لها من العوارض لذاتها (قوانينها)، وجب أن يكون باعتبار كل مفهوم وحقيقة علمه من العلوم يخصه وهذا ( علم الاجتماع).

ويندرج في هذا الاطار أهمية علم الاجتماع الخلدوني بالنسبة لنا كأفراد نعيش في المجتمع الذي كان ذات مرة ميدان دراسة ابن خلدون وتحليله الاجتماعي، وكان الأرضية النظرية في العمران البشري، كما يمثل النموذج النوعي في البحث الاجتماعي والبناء النظري التأسيسي لعلم العمران البشري.

لكن من أعطى التسمية الحقيقية والانطلاقة الفعلية لهذا العلم وأوجده إلى الوجود هو المفكر الفيلسوف الفرنسي أوجست كونت، حيث يرى أن علم الاجتماع هو نقطة بداية ونهاية في نفس الوقت للفلسفة الوضعية، فعلم الاجتماع كما نصوره كونت هو بمثابة درجة في الفلسفة الوضعية وهذه الأخيرة ستكتسب بسبب إنشاء علم الاجتماع طابع العموم الذي مازال ينقصها وستصبح بهذه الوسيلة قادرة على احتلال مكان الفلسفة اللاهوتية والميتافيزيقية.

ولقد أدرك كونت أهمية هذا العلم الجديد فكتب يقول إنه لينا فيزياء سماوية وفيزياء أرضية ميكانيكية أو كيماوية، وفيزياء بنائية حيوانية، وما زلنا بحاجة إلى نوع آخر وأخيرا من الفيزياء هو الفيزياء الاجتماعية، ذلك العلم الذي يتخذ من الظواهر موضوعا للدراسة باعتبار أن هذه الظواهر من نفس روح الظواهر الفلكية والطبيعية من حيث كونها موضوعا للقوانين الطبيعية الثابتة.

 فهناك العديد من العوامل التي ساهمت في بروز وتطور علم الاجتماع منها:

1-  العوامل الفكرية: وتمثلت في الآراء والأفكار والتيارات الفكرية  والاتجاهات  النقدية التي ظهرت في أوروبا خلال عصر التنوير، وظهرت فلسفة عصر التنوير نتيجة الآثار التي أحدثتها النهضة الأوروبية في تطوير المجتمع الأوروبي وتغييره، وقامت فلسفة عصر التنوير على حركة النقد الاجتماعي للواقع الأوروبي بكافة جوانبه، وواكبت انهيار النظام الاجتماعي القديم ( الاقطاع)، وصعود النظام الجديد ( المجتمع الصناعي الرأسمالي).

2-  العوامل الاقتصادية: وتتمثل في الثورة الصناعية التي أحدثت في القرن الثامن عشر والتي بدأت في انجلترا حيث أحدثت الثورة تغييرات في علم الاجتماع وتحديد مشكلاته وبلورة مفاهيمه في ظروف العمل والتحول الذي طرأ على نظام الملكية وظهور المدينة الصناعية والتقدم التكنولوجي ونظام المصنع الحديث والاستعمار وظروفه بالإضافة لظهور الثروات المعدنية.

3- العوامل السياسية: حيث تعتبر الثورة الفرنسية سنة 1889م الحدث البارز الذي أثر في مسيرة علم الاجتماع حيث انتقلت من عقول المفكرين إلى عقول المثقفين، ثم إلى العامة أنفسهم وترجمت الثورة اعلان حقوق الانسان والمواطن، ومبادئ الحرية والمساواة، وقد ظهر علم الاجتماع على يد علماء فرنسيين كاستجابة لأزمة المجتمع الفرنسي وأسسوا المدارس الفرنسية المتنوعة التي بحثت في علم الاجتماع.