4. النظريات الاقتصادية في علم السكان

4.1. النظرية الاقتصادية الكلاسيكية

شكلت المدرسة الكلاسيكية النظرية الاقتصادية الأبرز، وذلك على مدار الفترة الممتدة ما بين القرنين 18 ومطلع القرن 20، وهي التي تلخص فحواها في الدعوة إلى عدم تدخل الدولة في أي وجه من أوجه النشاط الاقتصادي، باعتبار أن نشاط الأفراد أفضل بكثير من نشاط الدول، نظرا لما يمتازون به من فعالية ومقدرة على استغلال الموارد، لذا جاء تعرضها للمسألة السكانية من حيث ارتباطها بالحالة الاقتصادية، وذلك من منطلق تركيزهم على دور الأفراد في استغلال الموارد المتاحة، وهو التعرض الذي سمح بطرح عدد كبير من الرؤى النظرية التي سنخوض في تفاصيل بعضها كما يلي:

-  نظرية مستوى الكفاف: وترى أن استمرار النمو السكاني، سيؤدي إلى زيادة المعروض من الأيدي العاملة في المجتمع، وبتالي سيؤدي ذلك بعد فترة طويلة قدرها 25 عاما، إلى هبوط الأجر الذي يحصل عليه العامل إلى دون مستوى الكفاف. ونتيجة لذلك سترتفع معدلات الوفيات بين العمال مما يسبب إنقاص المعروض من الأيدي العاملة في المجتمع، فيرتفع مستوى الأجور مرة أخرى إلى فوق مستوى الكفاف، وهو الذي تفترض فيه هذه النظرية انه سوف يؤدي تشجيع الزواج  وتزيد بذلك معدلات الولادة، وعندئذ سيزداد المعروض من الأيدي العاملة على المدى البعيد مرة أخرى، وعندئذ سيتكرر ما حدث سابقا من هبوط مستوى الأجور ثم التوازن مرة أخرى وهكذا. وأهم المنتسبين إلى هذه النظرية نذكر جون ستيوارت ميل، والذي سلم بأن مستوى الأجر الذي يحصل عليه العامل يعتمد على معدل السكان المتزايد مقسوما على رأس المال المتزايد والمستخدم في العملية الإنتاجية، فإن زاد هذا الأخير وأصبح أكثر كفاية أمكن عندئذ رفع مستوى الأجور، وعلى العكس من ذلك إذا زاد عدد السكان فقط، وبالتالي زاد عرض الأيدي العاملة دون زيادة رأس المال المستخدم، فإن الأجور العمالية المدفوعة مالت نحو الانخفاض.

- نظرية الوضع الساكن: وأهم روادها ساي، فون، سبنيور ... و تنص على أن الزيادة المستمرة في رأس المال والعمال ستؤدي لهبوط عائد رأس المال المستخدم في العملية الإنتاجية، مما يصبح فيه المخزون من رأس المال ثابتا، بينما تصل مستويات الأجور إلى نقطة تتعادل عندها مع مستوى المعيشة السائد في المجتمع، وهذا سيخلف أثار خطيرة على الأوضاع اقتصادية أهمها:

  • توقف الثروة القومية ورأس المال المستخدم.
  • انخفاض الطلب على العمال.
  • انخفاض أجورهم.
  • نظرية الغلة المتناقصة: يعد العالم الاقتصادي ديفيد ريكاردو، أول من بحث في مشكلة الغلة المتناقصة وأثرها على التنمية الاقتصادية،مشيرا بأن هذه القانون يبرز إلى الوجود بسبب زيادة السكان، دون أن يقابل ذلك زيادة في الأراضي الصالحة للزراعة.

وقد شهدت السنوات العشر التي تلت وفاة ريكاردو (1823-1833)،هجوما ضاريا على أفكاره من قبل عدد من الاقتصاديين ، والذين يأتي على رأسهم هنري كاريه (1739-1879) وريتشارد جونز(1790-1855) ، والذين طرحوا على  بساط البحث  قضية  ما إذا كانت المبادئ  التي  أشار  إليها ريكاردو صحيحة، حيث يعتقد الأول أن السكان قاموا بزراعة الأراضي الأقل خصوبة وليست الخصبة كما افترض ريكاردو، وبهذا فإن التزايد السكاني لا يشكل أية مشكلة في الأجل الطويل على النمو الاقتصادي. أما الثاني فلا  يؤمن بالصفة الأبدية لقانون الغلة المتناقصة، فالإنسان حسبه من خلال زيادة معارفه وعلومه وتطوير التكنولوجيا، يستطيع ابتكار أدوات وأساليب إنتاجية تخفف من مفعول هذا القانون، ولاسيما أنه يتسم -أي الإنسان- ببعد النظر، والميل إلى تجديد حاجاته الضرورية والكمالية، مما يدفعه إلى الحد من تكاثره طواعية .