3. المبحث الثالث: إجراء العزل بسبب إهمال المنصب.
3.1. المطلب الأول: تعريف وضعية إهمال المنصب وحالات أخرى للعزل
سنتناول في هذا المطلب تعريف وضعية إهمال المنصب وشروطها (الفرع الأول)، وحالات أخرى للعزل ذكرتها بعض القوانين المقارنة كالقانون المصري واليبي والكويتي (الفرع الثاني)، فيما يلي:
الفرع الأول: تعريف وضعية إهمال النصب وشروطها.
سنتعرض فيه إلى بيان التعريف القانوني لوضعية إهمال المنصب والشروط الواجب توافرها:
أولاً- تعريف وضعية إهمال المنصب: عرفت المادة 02 من المرسوم التنفيذي 17 -321 وضعية إهمال المنصب بأنه: "يعتبر في وضعية إهمال المنصب كل موظف في الخدمة يتغيب خمسة عشر (15) يوماً متتالية، على الأقل، دون مبرر مقبول. يقصد بعبارة مبرر مقبول، كل مانع أو حالة قوة قاهرة خارجين عن إرادة المعني، مثبتين قانوناً، ويرتبطان على وجه الخصوص، بما يأتي: الكوارث الطبيعية، العجز البدني الناتج عن مرض أو حادث خطير، المتابعات الجزائية التي لا تسمح للمعني بالالتحاق بمنصب عمله"([1]).
كما نصت المادة 03 منه على أن: "العزل بسبب إهمال المنصب دون مبرر مقبول، إجراء إداري يتخذ بموجب قرار معلل من السلطة التي لها صلاحيات التعيين بعد الإعذار، بغض النظر عن الضمانات التأديبية والقانونية الأساسية"([2]). كما أكدت على ذلك المادة 184 من الأمر 06 - 03 بقولها: "إذا تغيب الموظف لمدة خمسة عشر (15) يوماً متتالية على الأقل، دون مبرر مقبول، تتخذ السلطة التي لهـا صلاحية التعيين إجراء العزل بسبب إهمال المنصب، بعد الإعذار، وفق كيفيات تحدد عن طريق التنظيم"([3]). ومن خلال نصوص هذه المواد نجد أن المشرع الجزائري قد اعتبر الموظف الذي ينقطع عن عمله لمدة خمسة عشر 15 يوما متتالية على الأقل دون مبرر مقبول مهملاً لمنصبه الوظيفي بحكم القانون، متخلياً عنه قاطعاً بذلك العلاقة الوظيفية التي تربطه بالإدارة المستخدمة.
ويقصد بالانقطاع الذي يؤدي إلى انتهاء الخدمة، الانقطاع الكامل عن العمل، والذي يتمثل في عدم الحضور أصلاً إلى مقر العمل خلال أوقاته الرسمية، و بالتالي فإن مجرد انصراف الموظف عن مقر العمل بدون إذن لا يعتبر انقطاعاً في حكم هذه المادة، مما يؤدي إلى إنهاء خدمة الموظف وإن كان ذلك لا يحول دون مساءلته تأديبيا، على اعتبار أن ذلك يعد إخلالاً بالانضباط العام، ويصنف على أنه خطأ من الدرجة الأولى([4]) يستحق عقوبة من نفس الدرجة([5]).
ثانياً- شروط وضعية إهمال المنصب: ويتضح مما سبق ذكره أنه يشترط لإمكان اعتبار الموظف العمومي مهملاً لمنصبه الوظيفي توفر شرطين أساسيين، و هما ذات الشرطين الذين تشترطهما التشريعات التي تعترف صراحة بالاستقالة الضمنية.
الشرط الأول: هو أن يكون انقطاع الموظف عن العمل لمدة 15 يوما متصلة، وبالتالي فإنه إذا عاد الموظف إلى مباشرة مهام وظيفته قبل انقضاء هذه المدة، ولو ليوم واحد مثلاً، فإن قرينة إهمال المنصب بالنسبة للتشريع الجزائري، وقرينة الاستقالة الضمنية بالنسبة للتشريع المصري والكويتي مثلاً، لا تسري في حقه، إلا إذا عاد وانقطع بعد ذلك مدة خمس عشرة (15) يوما متصلة أخرى([6]).
وتحسب مدة الانقطاع للموظف الموجود في عطلة أو غياب مبرر، أو الموجود في إحدى الوضعيات القانونية الأساسية كوضعية الانتداب والإحالة على الاستيداع والخدمة الوطنية، ابتداء من اليوم التالي لانتهاء الفترة المقررة لعطلته مهما كان نوعها، أو انقضاء مدة ترخيصه بالغياب، أو المدة المقررة لإحالته على إحدى الوضعيات القانونية الأساسية سواء المدة القصوى أو الدنيا التي يتوجب عليه طلب تجديدها فإن لم يفعل، اعتبر متخلياً عن منصبه.
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا صادف اليوم الموالي لانقضاء مدة انقطاعه المبرر عن ممارسة النشاط الوظيفي يوم عطلة رسمية، احتسب الانقطاع من اليوم الموالي مباشرة لانقضاء تلك المدة([7])، كون الآجال تحسب كاملة دائماً.
ويدخل ضمن حالات إهمال المنصب: حالة انقطاع الموظف العمومي عن أداء مهامه دون إعلام مسبق للإدارة ولنفس المدة المذكورة سابقاً دون عذر. وحالة الموظف العمومي الذي تم نقله سواء بناء عن طلبه أو إجبارياً لضرورة المصلحة([8])، ولم يلتحق بالوظيفة المنقول إليها في غضون الخمسة عشر (15) يوماً الموالية لتاريخ التحاقه الرسمي بها، فيعتبر ضمنياً متخلياً عن المنصب الجديد.
والشرط الثاني: لإمكان اعتبار انقطاع الموظف عن عمله لمدة خمسة عشر (15) يوما متتالية بمثابة استقالة، هو عدم تقديمه لعذر مقبول، أو تقديمه لعذر ولكن جهة الإدارة رفضت قبوله، بحيث تملك هذه الأخيرة سلطة تقديرية في قبول الأعذار المقدمة لها، فتقدر مدى جديتها فتقبلها وتعيد الموظف على إثرها إلى وظيفته، و لها أن ترفضها، مما تعتبر معه علاقة الموظف منتهية من تاريخ انقطاعه([9]). وبالتالي فانقطاع الموظف عن ممارسة نشاطه الوظيفي للمدة المشار إليها دون إذن يجب أن يكون اختيارياً، أما إذا كان انقطاعه نتيجة لأمر خارج عن إرادته فإنه لا ينهض قرينة على الاستقالة الضمنية ولا يفرق بالتالي بين الموظف ووظيفته([10]).
الفرع الثاني: حالات أخرى للعزل.
تضيف بعض التشريعات إلى الحالة الأولى كالتشريع المصري والكويتي والليبي، حالات أخرى يعتبر بموجبها الموظف العمومي مستقيلاً ضمنياً (معزولاً)، نذكر منها:
1- حالة انقطاعه عن ممارسة نشاطه الوظيفي بغير إذن تقبله جهة الإدارة أكثر من ثلاثين (30) يوماً غير متتالية في السنة، وتعتبر خدمته منتهية في هذه الحالة من اليوم التالي لاكتمال هذه المدة([11]). وحبذا لو يدرج المشرع الجزائري هذه الحالة في قانون الوظيفة العمومية، وذلك لحمل الموظف على الانضباط خوفاً من إنهاء مهامه إذا ما بلغت غياباته غير المبررة ثلاثين (30) يوماً غير متتالية في السنة.
2- حالة التحاق الموظف العمومي بالخدمة في حكومة أجنبية بغير ترخيص من حكومة بلده، ففي هذه الحالة تعتبر خدمة الموظف منتهية من تاريخ التحاقه بالخدمة في الحكومة الأجنبية([12]).
3- حالة الموظف الذي لم يتسلم وظيفته المعين فيها، أو المنقول إليها بغير سبب مقبول خلال خمسة عشر (15) يوماً من تاريخ إبلاغه قرار التعيين أو النقل([13])، فبحلول هذا الأجل يعتبر الموظف مستقيلاً ضمنياً، وهذه الحالة ينفرد بها المشرع الليبي.
أما بالنسبة للمشرع الجزائري فإن العون الذي عين في وظيفة عمومية ولم يلتحق بها، لا يعد أساساً موظفاً عمومياً، لأن من بين الشروط التي يجب أن تتوفر في العون حتى يكتسب صفة الموظف العمومي هو شرط الترسيم، وهو الإجراء الذي يتم من خلاله تثبيت الموظف في رتبته([14])، وذلك بعد اجتياز فترة التربص، التي قد تنتهي إما بترسيم المتربص في رتبته، أو بإخضاعه لفترة تربص آخر لنفس المدة ولمرة واحدة فقط، أو بتسريحه دون إشعار مسبق أو تعويض([15]).
([1]) أنظر: المادة 2 من المرسوم التنفيذي رقم: 17 – 321 المؤرخ في 13 صفر 1439ه الموافق 2 نوفمبر 2017م المحدد لكيفيات عزل الموظف بسبب إهمال المنصب (ج.ج.د.ش، ج.ر، السنة: 54، العدد: 66، بتاريخ: 23 صفر 1439ه الموافق 12 نوفمبر 2017م)، ص 11.
([6]) أنظر: علي محمد إبراهيم الدسوقي، حماية الموظف العام إدارياً، دار النهضة العربية، القاهرة، 2006 ،ص 197. ماجد راغب الحلو، القانون الإداري، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، 2008، ص311. سعد نواف العنزي، النظام القانوني للموظف العام، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2007، ص 340. عبد العزيز سعد مانع العنزي، مرجع سابق، ص 104.
([8]) للإطلاع على حول حركات نقل الموظفين، أنظر: المواد من 156 إلى 159 من الأمر رقم: 06 – 03، مصدر سابق، ص 14.
([9]) أنظر: المادة 184 من الأمر رقم: 06 – 03، المصدر نفسه ، ص 17. وأنظر أيضاً: عبد العزيز سعد مانع العنزي، مرجع سابق، الصفحة نفسها.
([11]) يشترك في هذه الحالة المشرع المصري والكويتي، بالنسبة للتشريع المصري أنظر: علي محمد إبراهيم الدسوقي، مرجع سابق، ص 197. ماجد راغب الحلو، مرجع سابق، ص 311. بالنسبة للتشريع الكويتي أنظر: سعد نواف العنزي، مرجع سابق، ص 340.