2. الفكر الاقتصادي في القرون الوسطى
في القرون من التاسع حتى الخامس عشر الميلادية ساد في أوروبا التكوين الاجتماعي الاقطاعي و يسمى هكذا كل تكوين اجتماعي يرتكز على طريقة للانتاج فيها من يزرع الأرض ، و قد كف أن يكون عبدا ، خاضعا لكل أنواع القيود غير الاقتصادية التي تحد من حريته و ملكيته الشخصية على نحو لا يكون معه لا انتاج عمله و لا قدرته على العمل محلا للمبادلة الحرة أي سلعة .[1]
و خلال هذه الفترة التي تعد مظلمة لم الاعتماد على الزراعة و كان الاقتصاد مغلق و كانت الكنيسة من تسير الحياة الاقتصادية ، لذلك لا نجد خلال هذه الفترة بروز المفكرين اقتصاديون بل نجد رجال الدين من لهم بعض الآراء خاصة فيما يخص الفائدة .
أفكار ابن خلدون :
عاش ولي الدين أبو عبد الرحمان بن محمد بن خلدون خلال القرن الرابع عشر (1332م /1406 م) (732ه/808 ه ) و هو مفكر عربي اسلامي على الرغم انه يحسب على علم الاجتماع الى كتابه مقدمة و ما يحتويه من العديد من الأفكار في الموضوعات الاقتصادية يجعله من أبرز المفكرين الاقتصادين الذين سبقوا عصرهم و سنلقي نظرة متواضعة على بعض ما جاء به فيما يخص العمل و القيمة لدقتها و موضوعيتها .
تلقى عنصر العمل اهتمام كبير عند ابن خلدون بحيث جعله المصدر الاساسي للثروة و المزيد منها قبقدر ما يبذل الفرد من المجتمع منه بقدر ما تكون ثروته و الغنى و النمو كل ذلك رهين بالانتاج و لا انتاج بغير عمل ، يقول ابن خلدون "أعلم أن الكسب انما يكون بالسعي في الاقتناء و القصد الى التحصيل فلا بد في الرزق من السعي و عمل و لو في تناوله و ابتغائه من وحوهه "قال تعالى : -فابتغو عند الله الرزق - و السعي اليه انما يكون لاقدار الله تعالى و الهامه فالكل من عند الله فلا بد من الأعمال الانسانية في كل مكسوب و مثمول ، لأنه ان كان عملا بذاته مثل الصنائع فظاهر ، و ان كان مقتنى من الحيوان و النبات و المعدن فلا لبد فيها من العمل الانساني كما نراه ، و الا لم يحصل و لم يقع به انتفاع "
و قد اشار الى تخصص و تقسيم العمل لكن سماها التعاون و توزيع الأعمال ، و لم يقف هنا بل اشار الى اهم الأسس و الظوابط التي يرتكز عليها و قد اشار في ذلك الى ضرورة توفر الارادة و القصد و التخطيط و التفكير الرشيد فالعمل يتطلب يدا و فكرا ، و كان بذلك يتطلع الى العمل الماهر المدرب ، كذلك اشار الى أهمية الاجادة و الاتقان و المواصلة و الاستمرارية ، هذا كله مع التأكيد أن ضابط الاساسي للعمل التعاون و توزيع الأعمال .[2]
أما من جانب القيمة فنجد ابن خلدون يفرق بين الثمن و القيمة بانهما مصطلحان مختلفا المضمون فيقول مثلا : فيبذلون في ذلك لأهل الأعمال أكثر من قيمة أعمالهم مزاحمة و منافسة في الاستثار بها "
حيث يرى أن القيمة و ان ارتبطت بالثمن الا أنها من حيث حقيقتها متميزة عنه فالثمن ظاهرة سوقية قد تعبر عن القيمة و قد لا تعبر حسبما تكون عليه السوق .
أما بالنسبة لمحددات القيمة فيرجعها للعمل و المنفعة و قد وردت عبرات كثيرة له تدل على ذلك منها فبالنسبة للعمل " ان هذه الأمول هي قيمة الأعمال الانسانية .
و في المنفعة يقول "....تقل المنفعة فيها بتلاشي الأحوال فترخص قيمتها و تتمللك بالأثمان اليسيرة " " ان الكسب قيمة الأعمال و انها متفاوتة بحسب الحاجة اليها فاذا كانت الأعمال ضرورية في العمران عامة البلوى كانت قيمتها أعلى "[3]