القسم الثالث: آليات التسوية الودية في إطار قانون الإجراءات المدنية والإدارية
فرض التزايد المضطرد لحجم القضايا أمام القضاء وتعقيدها المستمر، وتكاثر الطعون التي رسمها القانون من أجل حماية الأفراد ومصالحهم، على المشرع إيجاد حلول قانونية وضع آليات من شأنها فض منازعات الخصوم أمام العدالة بأيسر الإجراءات وبأقل التكاليف، وفي وقت قصير ومعلوم تحقيقا وتدعيما لعدالة المنشودة بين الأفراد والجماعات.
ومن بين الوسائل التي نص عليها المشرع في قانون الإجراءات المدنية والإدارية بغرض المساهمة في تخفيف الضغط على الجهات القضائية واعتبرها حلولا بديلة لفض النزاعات، هي: التحكيم، الصلح، والوساطة. لكن هذه الحلول لا تعني ابدا تخلي الدولة عن ممارسة سلطاتها الدستورية في إصدار الأحكام، وحماية الأفراد، لذلك فقد نظم القانون بكيفية دقيقة اللجوء إلى هذه الطرق البديلة التي تم تحت رقابة القاضي.
وقد نص المشرع على هذه الوسائل البديلة لحل النزاعات في الكتاب الرابع من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، غير أنه خص الكتاب الخامس منه على الإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية الإدارية، حيث نص على الصلح والتحكيم لحل المنازعات الإدارية إجمالا، ولكنه لم يدرج الوساطة ضمن هذه الوسائل وهو ما يجعلنا نتساءل، هل تجوز الوساطة في منازعات الصفقات العمومية، وما مدى نجاعة هذه الآليات في تسوية المنازعات التي تثور عند تنفيذ الصفقات العمومية؟.
2. المحور الثاني: التحكيم كآلية لتسوية منازعات الصفقات العمومية
يعد التحكيم عملية قانونية مركبة تقوم على اتفاق أطراف النزاع على عرض خلافهم على محكم أو أكثر للفصل فيه[1]، ويقوم التحكيم على إجازة المشرع وإرادة الخصوم. وقد كانت الجزائر قد تبنت موقفا معرضا للتحكيم بشكل عام متأثرة بجملة من العوامل التاريخية، وقد اعكس ذلك على موقف المشرع في التحكيم في عقود الدولة وظهر ذلك جليا بنص قانوني واضح يحضر الأشخاص المعنوية العامة اللجوء إلى التحكيم، ولا يجيزه في منازعات العقود الإدارية الداخلية. غير أنه نظرا للتقدم العلمي والتكنولوجي وللمزايا التي يحققها التحكيم من بساطة الاجراءات وسرعة القرار وطابعه السري.
وعلى إثر تعديل قانون الصفقات العمومية وكذا صدور قانون الاجراءات المدنية والادارية تغيرت نظرة المشرع للتحكيم في مجال الصفقات العمومية واتجهت نحو اجازته وتشجيع استعماله في حل النزاع المتعلق بالصفقة العمومية.
لذلك سنتطرق في الجزء الأول لمفهوم التحكيم، ثم نتطرق في الجزء الثاني لتطبيق التحكيم في مجال منازعات الصفقات العمومية.
[1] - عبد العزيز عبد المنعم خليفة، التحكيم في منازعات العقود الإدارية الداخلية والدولية، ط 1، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2006، ص 12.