2. المرحلة الجديدة لسياسة التهيئة والتعمير في الجزائر
إنّ تطوّر نشاط البناء كان ضرورة ملحة لإعادة النظر في القوانين المتعلقة بالبناء والتعمير خاصة رخصة البناء، وهذا ما أدّى إلى صدور القانون رقم 90-29 المؤرخ في 01/12/1990 ([1]) وصدرت القوانين والمراسيم التطبيقية له فيما بعد للتفصيل في كل ما يتعلق بالتهيئة والتعمير خاصة فيما يتعلق بشهادات ورخص التعمير ومخططات التهيئة، ولتدارك النقائص في القانون 90-29 تمّ تعديله بموجب القانون رقم 04-05 وصدر أيضا القانون 08-15 المتعلق بتحقيق مطابقة البنايات.
الفرع الأول: واقع التهيئة والتعمير من 1990 إلى 2004
صدر القانون رقم 90-29 المتعلق بالتهيئة والتعمير في الجزائر لينظم بشكل تام وشامل مجال التهيئة والتعمير في ظل التطورات التي استوجبها صدور دستور 1989 الذي حدد نمط جديد للنظام السياسي في الجزائر وتغيرت بموجبه القوانين تطبيقا للنص الدستوري، حيث ألغي القانون رقم 90-29 القانون رقم 82-02، وتضمن وضع القواعد القانونية الجديدة الرامية إلى تنظيم إنتاج الأراضي القابلة للتعمير، وتكوين وتحويل المبنى في إطار التسيير الاقتصادي للأراضي والموازنة بين وظائف السكن والفلاحة والصناعة، وأيضا وقاية المحيط والأوساط الطبيعية والمساحات والمواقع المحمية على أساس احترام المبادئ أهداف السياسية الوطنية الجديدة للتهيئة والتعمير، وحدد الأحكام القانونية والتنظيمية وكل ما يتعلق بالنشاط العمراني من حيث:
- التعريف بأدوات التعمير والوظائف المسندة إليها وإجراءات إعدادها والمصادقة عليها والجهات الإدارية المختصة بالاستشارة وكذلك الأهداف التي تسعى لتحقيقها.
- تحديد المناطق المحمية والتعريف بها وقواعد وإجراءات حمايتها كالساحل المردود الفلاحي العالي أو الجيد والغابات.
- تحديد الجهات الإدارية المكلفة بالرقابة ووضع المخالفات والعقوبات المقررة لها واختصاصها الجهات القضائية في ذلك.
- النص على مختلف الشهادات والرخص الإدارية وطرق تسليمها وكذا الطعن فيها.
وتوالت القوانين والمراسيم التطبيقية للتفصيل في كل ما يتعلق بالتهيئة والتعمير خاصة رخص وشهادات التعمير، فصدر المرسوم التنفيذي رقم 91-175 المؤرخ في 28/05/1991([2])، حيث حدد القواعد الفنية العامة للأراضي العمرانية والمقاييس الواجب اعتمادها في البناءات كحد أدنى من الضوابط أو في حالة غياب أدوات التعمير والتي على أساسها تمنح رخصة البناء أو يرفض منحها أو تمنح ضمن أحكام وشروط خاصة أهمها:
- من حيث موقع البنايات والطرق المؤدية لها.
- من حيث موقع البنايات وحجمها.
- من حيث كثافة البنايات في الأرض عن طريق تحديد معاملات استغلال الأراضي العمرانية.
- من حيث المظهر العام للبنايات والشكل الخارجي.
- من حيث الإجراءات التي تطبق على العمارات ذات الاستعمال السكني.
وبعدها صدر المرسوم التنفيذي رقم 91-176 المؤرخ في 28/05/1991 المحدد لكيفيات تحضير شهادة التعمير ورخصة التجزئة وشهادة التقسيم ورخصة البناء وشهادة المطابقة ورخصة الهدم وتسليم ذلك المعدل والمتمم[3]، والذي يعد الإطار العام المتعلق بكيفية استغلال واستعمال الأراضي العمرانية وتحديد إجراءات وشروط تسليم الرخص العمرانية وشهادات التعمير.
بعدها ركزت المراسيم على مخططات التعمير، فصدر المرسوم التنفيذي رقم 91-177 المؤرخ في 28/05/1991 المحدد لكيفيات إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير والمصادقة عليه ومحتوى الوثائق المتعلقة به المعدل والمتمم ([4])، والمرسوم التنفيذي رقم 91-178 المؤرخ في 28/05/1991 المحدد لإجراءات إعداد مخطط شغل الأراضي والمصادقة عليها ومحتوى الوثائق المتعلقة بها المعدل والمتمم([5]) ويعد هذين المرسومين أهم التشريعات التي تحدد إستراتيجية الدولة في تحديد وإنتاج الأراضي القابلة للتعمير.
ثم صدر المرسوم التشريعي رقم 94-07 المؤرخ في 18/05/1994 المتعلق بشروط الإنتاج المعماري وممارسة مهنة المهندس المعماري، هذا المرسوم ألغى المواد 76 من القانون رقم 90-29 المتعلقة بمنع الشروع في أشغال البناء دون رخصة أو إنجازها دون احترام المخططات البيانية التي سمحت بالحصول على رخصة البناء، والمادة 78 التي تناولت صلاحية الجهات القضائية المختصة إما مطابقة المواقع والمنشآت مع رخصة البناء أو بهدم المنشآت وإعادة تخصيص الأراضي بقصد إعادة المواقع إلى ما كانت عليه من قبل وتم إلغاء هذه المواد من القانون 90-29 بموجب المادة 54 من المرسوم التشريعي 94-07.
وصدر المرسوم التنفيذي رقم 95-318 المؤرخ في 14/10/1995 المحدد لشروط تعيين الأعوان المؤهلين لتقصي المخالفات المتعلقة بقانون التهيئة والتعمير([6])، والذي ألغي بموجب المادة 20 من المرسوم التنفيذي رقم 06-55 المؤرخ في 30/01/2006([7])، وذلك لبسط الرقابة البعدية على البنايات المخالفة لأحكام التهيئة والتعمير في إطار القضاء على البنايات غير القانونية.
كل هذه القوانين والمراسيم حاولت تنظيم عملية البناء وضبط إجراءات الرقابة القبلية من خلال المخططات العمرانية ورخص البناء والرقابة البعدية من خلال محاضر المخالفات، غير أنها صدرت في فترة التسعينات التي عانت فيها الجزائر من وضع أمني سيء أثر سلبا على تفعيل هذه القوانين على أرض البناء وزاد التوسع العمراني على حساب الأراضي العمرانية.
ورغم الحلول القانونية التي جاء بها المشرع الجزائري بموجب القوانين السالفة الذكر للقضاء على البناء غير القانوني أو على الأقل للتقليل منه إلا أن زلزال بومرداس 21 ماي 2001 قد أظهر محدودية تلك الوسائل، مما جعل المشرع يتدخل من جديد ليعدل أحكام القانون 90-29 بموجب القانون رقم 04-05 المؤرخ في 15/08/2004 وتعديل المرسوم التشريعي 94-07 بمقتضى المرسوم رقم 04-06 وهذا لفرض قواعد أكثر فعالية.
الفرع الثاني: واقع التهيئة والتعمير في ظل التعديلات المستحدثة 2004 إلى يومنا هذا
نتيجة الأزمة الأمنية التي مرت بها الجزائر في التسعينات جعلتها غير متحكمة في التعمير والبناءات وكثرت البناءات الفوضوية وللحد من هذه الفوضى أصدرت في البداية حلولا ترقيعية لمطابقة البنايات وكانت غير ردعية في الحد من البناء غير القانوني المخالف لأحكام التهيئة والتعمير.
وبعد الاستقرار الأمني تتالت التعديلات لقوانين التهيئة والتعمير لتتلاءم مع توجه الجزائر نحو اقتصاد السوق الحر، وبناء سياسة عمرانية جديدة تستجيب لمستجدات التاريخ المعاصر، ويلاحظ أن القانون رقم 04-05 عدل كل من المواد 76 مكرر، 76 مكرر1، 76 مكرر2، 76 مكرر3 ، 76 مكرر4، 76 مكرر5، فقد جاء بإجراءات صارمة لتغطية جميع الثغرات التي كانت تستغل في تشييد بنايات مخالفة لقواعد التعمير، وقد حاول هذا التعديل تكريس آليات أكثر فعالية من خلال طرق البحث ومعاينة المخالفات عن طريق مفتشي التعمير وأعوان البلدية المكلفين بالتعمير...
وقد تم تعديل كل القوانين والمراسيم السابقة:
- المرسوم التنفيذي رقم 91-176 المحدد لكيفيات تحضير شهادة التعمير ورخصة التجزئة وشهادة التقسيم ورخصة البناء شهادة المطابقة ورخصة الهدم وسليمة ذلك، عدل وتمم بموجب المرسوم التنفيذي رقم 06-03 المؤرخ في 08/01/2006 الذي عدل وتمم هو الآخر بالمرسوم التنفيذي رقم 09-307 المؤرخ في 22/09/2009.
- المرسوم التنفيذي رقم 91-177 عدل وتمم بموجب المرسوم التنفيذي 05-317 الذي عدل وتمم هو الآخر بالمرسوم التنفيذي رقم 12-148 المؤرخ في 28/03/2012.
- المرسوم التنفيذي رقم 91-178 عدل وتمم بموجب المرسوم التنفيذي 05-318 الذي عدل وتمم هو الآخر بالمرسوم التنفيذي رقم 12-166 المؤرخ في 04/04/2012.
- أما المرسوم التشريعي رقم 94-07 عدل وتمم بموجب القانون رقم 04-06 الذي يتضمن إلغاء المواد 50-51-52-53-54 من المرسوم التشريعي 94-07.
وفي مجال تفعيل الآليات القانونية لضبط عملية البناء ومراقبتها البعدية أقر المشرع الجزائري المرسوم رقم 06-55 المؤرخ في 30/01/2006 المتعلق بشروط وكيفيات تعيين الأعوان المؤهلين للبحث عن مخالفات التشريع والتنظيم في مجال التهيئة والتعمير وكذا إجراءات المراقبة وألغي بمقتضى المادة 20 منه أحكام المرسوم التنفيذي 95-318.
وحصر المرسوم التنفيذي 06-55 المحاضر التي تحدد بشأن مخالفة قواعد التهيئة والتعمير في ثلاثة أصناف فقط: محضر أشغال بدون رخصة، محضر أشغال غير مطابقة لأحكام رخصة البناء ومحضر أشغال بدون رخصة هدم، وألزم رئيس المجلس الشعبي البلدي وكذا الأعوان المؤهلين قانونا بزيارة كل البنايات في طور الإنجاز والقيام بكافة المعاينات التي يرونها ضرورية وطلب الوثائق التقنية الخاصة بها لمعرفة مدى تطابقها مع القانون في أي وقت، وقد تم تعديل هذا المرسوم بموجب المرسوم رقم 09-343 المؤرخ في 22/10/2009 ([8]).
كما صدر المرسوم التنفيذي رقم 15-19 المؤرخ في 25/01/2015 والمحدد لكيفيات تحضير عقود التعمير وتسليمها ([9])، والذي ألغى أحكام المرسوم التنفيذي رقم 91-176 بحيث تم تبسيط الإجراءات واختصار الوقت من خلال تجميع الشروط المطلوبة لتراخيص أعمال التعمير والبناء وتطبيق فكرة الشباك الوحيد على مستوى الولاية والبلدية استنادا إلى نصي المادتين 58 و59 منه من خلال استحداث بطاقية إلكترونية تتفاعل مع طالبي تراخيص أعمال البناء والرد عليهم.
[1]- القانون رقم 90-29 المؤرخ في 01/12/1990 المتعلق بالتهيئة والتعمير.
[2]- المرسوم التنفيذي رقم 91-175 المؤرخ في 28/05/1991 يحدد القواعد العامة للتهيئة والتعمير، ج.ر 26.
[3]- المرسوم التنفيذي رقم 91-176 المؤرخ في 28/05/1991 يحدد كيفيات تحضير شهادة التعمير ورخصة التجزئة وشهادة التقسيم ورخصة البناء وشهادة المطابقة ورخصة الهدم وتسليم ذلك ج،ر26 معدل ومتمم بموجب المرسوم التنفيذي رقم 06-03 المؤرخ في 07/01/2006 ج،ر1 والمعدل والمتمم بموجب المرسوم التنفيذي رقم 09-307 المؤرخ في 22/09/2009، ج، ر55.
[4]- المرسوم التنفيذي رقم 91-177 مؤرخ في 28/05/1991 يحدد إجراءات إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير والمصادقة عليه ومحتوى الوثائق المتعلقة به ج،ر عدد 26، المعدل والمتمم بموجب المرسوم التنفيذي رقم 05-317 المؤرخ في 10/09/2005، ج،ر عدد 62 المعدل والمتمم أيضا بموجب المرسوم التنفيذي رقم 12.148 المؤرخ في 28/03/2012، ج ر عدد 19.
[5]- المرسوم التنفيذي رقم 91-178 مؤرخ في 28/05/1991 يحدد إجراءات إعداد مخططات شغل الأراضي والمصادقة عليها ومحتوى الوثائق المتعلقة بها ج،ر عدد 26، المعدل والمتمم بموجب المرسوم التنفيذي رقم 05-318 ج،ر عدد 62 المعدل والمتمم أيضا بموجب المرسوم التنفيذي رقم 12-166 المؤرخ في 05/04/2012، ج ر عدد 21.
[6]- المرسوم التنفيذي رقم 95-318 المؤرخ في 14/10/1995 المحدد لشروط تعيين الأعوان المؤهلين تتقضى المخالفات المتعلقة بقانون التهيئة والتعمير، ج،ر عدد 61 (ملغى).
[7]- المرسوم التنفيذي رقم 06-55 المؤرخ في 30/01/2006 المحدد لشروط وكيفيات تعيين الأعوان المؤهلين للبحث عن مخالفات التشريع والتنظيم في مجال التعيئة والتعمير، ج، ر عدد06.
[8]- المرسوم التنفيذي رقم 09-343 المؤرخ في 22/10/2009 يحدد شروط وكيفيات تعيين الأعوان المؤهلين للبحث عن مخالفات التشريع والتنظيم في مجال التهيئة والتعمير المعدل والمتمم للمرسوم التنفيذي 06-55.
[9]- المرسوم التنفيذي رقم 15-19 المؤرخ في 25 جانفي 2015 يحدد كيفيات تحضير عقود التعمير وتسليمها، ج.ر عدد07.