3. المطلب الثالث:الفئات المستثناة من حماية القانون الدولي الإنساني رغم انخراطها في النزاع المسلح:
هناك فئتان من الاشخاص لا يتمتعان بحماية القانون الدولي الإنساني هما:
1- الجواسيس:
الجاسوس هو من يقوم سرا أو باللجوء إلى بعض المظاهر الكاذبة بجمع معلومات عسكرية في الأراضي الخاضعة لسيطرة العدو، و بشرط ألا يكون مرتديا للزى العسكري للقوات المسلحة التي ينتمي إليها. و لكي يمكن الحديث عن تجسس يجب أن:
يتم الفعل سرا او تحت غطاء كاذب، و بالتالي فإذا تم ذلك بطريقة ظاهرة بواسطة أفراد من القوات المسلحة يرتدون زيهم العسكري فإننا بصدد جمع معلومات و ليس تجسسا.
و من المعلوم أن الأشخاص الذين يتم ضبطهم كجواسيس ليس لهم الحق في أن يتم معاملتهم كأسرى حرب (المادة 23 من قوانين الحرب البرية التي تبناها مجمع القانون الدولي عام 1880).كما أن من يتهم جاسوس يجب عدم معاقبته إلى أن تصدر السلطة القضائية المختصة حكما بشأنه(المادة 25). كذلك لا يسال الجاسوس الذي ينجح في الهرب من أعماله السابقة التجسس. إذا وقع مرة أخرى في الأسر هو إنما يعامل كأسير حرب إذا ضبط و هو يرتدي الزى العسكري لقواته المسلحة.تجدر الإشارة أن المقاتل (فرد القوات المسلحة) الذي يقع في قبضة الخصم أثناء قيامه بالتجسس لا يعد أسير حرب و بالتالي يمكن محاكمته كجاسوس إلا أن المقاتل لا يعد مقترفا للتجسس:
- إذا كان يجمع معلومات في إقليم يسيطر عليه الخصم إذا ارتدى زى قواته المسلحة أثناء أدائه لهذا العمل.
- أو إذا كان يقيم في إقليم يحتله الخصم و قام بجمع معلومات ذات قيمة عسكرية ما لم يرتكب ذلك عن الزيف أو تعمد التخفي(المادة 46 البروتوكول الأول ).
2- المرتزقة:
لا شك أن أنشطة المرتزقة Mercenary-Mercenaire تخالف العديد من المبادئ المستقرة في القانون الدولي العام مثل مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول مبدأ استقلال الدول و مبدأ السلامة الإقليمية و مبدأ عدم استخدام القوة و مبدأ العيش في امن و سلام. كذلك من شان المرتزقة عرقلة حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة و هي تتعارض من حرية الدول في اختبار نظامها السياسي و الاقتصادي. لذا يعد اللجوء إلى المرتزقة عملا ممقوتا من الناحيتين القانونية و الأخلاقية مهما كان الهدف المرجو منها.
من اجل ذلك يعتبر مبذا استمرار المرتزقة اهانة في جبين الإنسانية الأمر الذي يحتم ضرورة امتناع الدول عن تجميع و استخدام و تمويل و تدريب المرتزقة و اعتبار كل من يقوم بذلك مسؤولا من الناحية الجنائية. و يتميز المرتزقة عادة من أنهم يكونون من جنسية غير جنسية الدولة التي يتدخلون فيها.لذلك يميز معيار الجنسية بين المرتزقة و المعارضين السياسيين للدولة.
و نظرا للدور الخطير الذي يلعبه المرتزقة فقد تطرق إليهم البروتوكول الأول لعام:1977 في مادته 47:
1- لا يحق للمرتزق التمتع بوضع المقاتل أو الأسير.
2- المرتزق هو أي شخص:
أ- يجري تجنيده خصيصا محليا في الخارج ليقاتل في نزاع مسلح.
ب- يشارك فعلا و مباشرة في الأعمال العدائية .
ت- يحفزه أساسا إلى الاشتراك في الإعمال العدائية ، الرغبة في تحقيق مغنم شخصي و ليبذل له فعلا من قبل طرف في النزاع أو نيابة عنه و عد بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب و الوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم.
ث- و ليس من رعايا طرف في النزاع و لا متوطنا بإقليم يسيطر عليه احد أطراف النزاع.
ج- ليس عضوا في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع.
ح- و ليس موفدا في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفا في النزاع بوصفه عضوا في قواتها المسلحة.
و المرتزقة يشتركون في نزاعات مسلحة ذات طابع دولي،رغبة في الحصول على مزايا شخصية كذلك قد يتم الاستعانة بهم في وقت السلم لغزو بلد معين من اجل قلب النظام الحكم فيه أو لشل الحياة الاقتصادية أو لإرهاب السكان المدنيين، أو لمنع ممارسة شعب ما لحقه في تقرير المصير...........
و نظرا لأهمية موضوع المرتزقة فقد انشات الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة خاصة لإعداد اتفاقية دولية حول هذا الموضوع و قد انتهى عمل اللجنة بتبني الجمعية العامة في قرارها رقم 44/34 لعام 1989 الاتفاقية التي أعدتها اللجنة و هي الاتفاقية الدولية ضد استقدام أو استخدام أو تمويل المرتزقة.
حري بالذكر انه يزداد الطلب على المرتزقة في كل النقاط الساخنة في العالم باعتبار اللجوء إليهم يعد بمثابة حرب غير علنية أو هو أداة للتدخل المقنع تلجا إليه بعض الدول كقوة ردع أو إرهاب ضد دول لا تشاطرها ميولها السياسية أو الاقتصادية فهي إذن من الحرب الدائرة بين دولتين بواسطة أشخاص يتم وضعهم بينهما.كما انه إذا كان الجواسيس و المرتزقة لا يتمتعون بحماية القانون الدولي الإنساني إلا أنهم كأفراد لا يجوز إدانتهم أو توقيع العقاب عليهم إلا وفقا لمحاكمة عادلة تتوافر فيها الضمانات القضائية المعروفة.
المبادئ التي تخص الأشخاص المحميين:
تشكل المبادئ مجموعة القواعد واجبقانونا.ع وصولا إلى غاية معينة كفالة حقوق الأشخاص المحميين بقواعد القانون الدولي الإنساني بعبارة مختصرة تعد المبادئ وسيلة القانون الدولي الإنساني للوصول إلى غايته النهائية.كفالة الحماية المرجوة و المقررة قانونا .
و لا جرم أن المبادئ في إطار أي قانون وبصفة خاصة في إطار القانون الدولي الإنساني تعد ذات أهمية جد كبيرة
ونستطيع أن نؤكد أنه يحكم الفئات المشمولة بحماية القانون الدولي الإنساني من المبادئ التي يمكن تلخيصها فيما يلي :
ا_ مبدأ عدم جواز الخروج على أحكام الحماية المقررة للفئات المحمية :
يحكم هذا المبدأ قواعد ثلاث هي:
1_ قاعدة عدم الإضرار بالحقوق الممنوحة للفئات المحمية عن طريق عقد اتفاقات خاصة بين الأطراف المتحاربة :
من المعلوم أن الأطراف المتحاربة يمكن أن تبرم اتفاقات خاصة تتعلق بسير النزاع أو انتهائه أو كيفية معاملة الأشخاص المنخرطين فيه أو الذين قد يتأثرون بويلاته (مثال ذلك اتفاقيات الهدنة أو اتفاقات سنقل الجرحى أو المرضى وغيرها من الاتفاقات : انظر على سبيل المثال المواد 10/1 ، 15/2- 3 ، 23/ 2 – 3 ، 28/3 ، 31/ 2 ، 36 / 1 – 3 ، 37 /1 ، 52 من الاتفاقية الأولى ) ، مثل هذه الاتفاقات لا يجوز أن تضير بالحماية المقررة في قواعد القانون الدولي الإنساني للفئات المحمية .
معنى ذلك أن أي أتفاق يبرم في هذا الخصوص ((جائز)) إذا كان:
1- يؤكد نفس الحماية المقررة في قواعد القانون الدولي الإنساني للفئات المحمية .
2- أو يزيد من قدر الحماية وبالتالي يشكل معاملة أفضل.
3- أو لا يضير بوضع الأشخاص المحميين أو لا ينتقص من حقوقهم.ومن ثم فإن أي أتفاق يقلل من تلك الحماية يكون غير جائز كالإنفاق مثلا على حرمان الفئات المحمية من وجود سلطة حامية أو الاتفاق على الخروج على النهي عن العمل أو الفعل المرتبط بالعمليات العسكرية أو الخروج على إجبار أسرى الحرب على تطهير حقوق الألغام .
من اجل ذلك تنصص المادة السادسة من الاتفاقية الأولى على أنه " يجوز للأطراف السامية المتعاقدة أن تعقد اتفاقات خاصة أخرى بشأن أية مسائل ترى من المناسب تسويتها بكيفية خاصة ولا يؤثر أي إنفاق خاص تأثيرا ضارا على وضع المرضى و الجرحى أو وضع أفراد الخدمات الطبية والدينية ، كما حددته هذه الاتفاقية أو يقيد الحقوق الممنوحة لهم بمقتضاها "
2 - قاعدة عدم التنازل عن الحقوق بواسطة الفئات المحمية نفسها :
معنى هذه القاعدة أن الشخص الذي يتمتع بالحماية المقررة لا يجوز له أن يتنازل عن الحقوق المقررة له، ولو كان ذلك بإرادته إذ لا يجوز له كقاعدة أن يحدد هو " وضعه الخاص " في مثل تلك الأحوال. كذلك ترمي هذه القاعدية إلى منع ممارسة أي ضغوط مادية أو معنوية من قبل السلطة الحاجزة لحمل الشخص المحمي على التنازل عن حقوقه.
لذا تنص المادة السابعة من الاتفاقية الثالثة على أنه " لا يجوز للجرحى والمرضى وكذا أفراد الخدمات الطبية والدينية التنازل بأي حال من الأحوال جزئيا أو كليا عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الاتفاقية أو بمقتضى الاتفاقات الخاصة إن وجدت ".
ولا يخفى على أحد أن الغرض من حظر التنازل عن الحقوق يتمثل على ما يبدو في جعل هاته القواعد ذات تطبيق عام وكذالك سد الذرائع أمام الدول المتحاربة لتبرير عدم تطبيقها بدعوى وجود تنازلات تحصل عليها في الغالب تحصل عليها تحت تأثير القهر أو الإكراه .
يخدر الذكر أن عدم تنازل الشخص عن حقوقه يكون بالنسبة لتلك التي لا يجوز له التنازل عنها. أما إذا كان له حق الاختيار بين أكثر من وضع فإن إسقاطه لحق ما واختياره لحق آخر لا يدخل ضمن الحظر المقرر وفقا لهذه القاعدة، ولا يعد تنازلا عن حق تحظره الحماية المقررة له.
3 – قاعدة تمتع الفئات المحمية بالحماية الواجبة يجب مراعاته في جميع الأحوال:
يعني تمتع الفئات المحمية بالحماية الواجبة في جميع الأحوال in all circonstance ، أن تلك الحماية يجب احترامها والتقيد بها وعدم الخروج عنها تحت أي ظرف من الظروف ولأي سبب كان . فما دام الشخص محميا بقواعد القانون الدولي الإنساني فإنه يتمتع يتلك الحماية دائما، أي أنه لا استثناء في هذا الخصوص. معنى ذلك أيضا أن هذه الحماية يجب مراعاتها حتى ولو لم يكن هناك معاملة بالمثل reciprocity (المادة الأولى ، والثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربعة )
ب- مبدأ استمرار الحماية المقررة و للفئات المحمية حتى يزول سبب منحها .
من المعلوم أن الحماية المقررة تدور وجودا وعدما مع توافر سبب منحها: فإذا وجد هذا السبب يتم تطبيق الحماية وإذا زال زالت بزواله، فهي إذن تتواجد معه بداء واستمرارا وتنتهي بانتهائه.
من أجل ذلك تنص المادة الثانية المشتركة من الاتفاقيات جنيف الأربع غلى أنه:
تنطبق الاتفاقية أيضا في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم احد الأطراف السامية المتعاقدة حتى حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة ))وتنص المادة الثالثة من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 على أن: (( يتوقف تطبيق الاتفاقيات وهذا الملحق (( البرتوكول )) أطراف النزاع عند الإيقاف العام للعمليات العسكرية. وفي حالة الأراضي المحتلة عند نهاية الاحتلال .يستثنى من هاتين الحالتين حالات تلك الفئات من الأشخاص التي يتم في تاريخ لاحق تحريرها النهائي أو إعادتها النهائي أو إعادتها إلى أوطانها أو توطينها، و يستمر هؤلاء الأشخاص في الاستفادة من الأحكام الملائمة في الاتفاقيات و هذا الملحق "البروتوكول" إلى أن ينم تحريرهم النهائي أو إعادتهم إلى أوطانهم و توطينهم.
جدير بالذكر أن الحماية المقررة للأشخاص المحميين تتوقف إذا قاموا بأعمال ضارة بالعدو، و بشرط تقديم إنذار إليهم دون أن يلقي هذا الإنذار أية استجابة رغم مرور فترة معقولة.
أ- مبدأ الشك يفسر لصالح الشخص المحمي:
قد يثور شك حول ما إذا كان شخص ما له حق التمتع بالحماية المقررة أم لا ففي هذه الحالة القاعدة هي تمتعه بالحماية إلى أن يثبت العكس.مثال ذلك أن يقع شخص من أفراد العدو في قبضة الطرف الأخر، دون أن يكون معه إثبات شخصيته فهل يعامل كأسير حرب أم لا ؟ القاعدة هي اعتباره أسيرا إلى أن يثبت عكس ذلك.
في هذا الخصوص تنص المادة5/ 2 من الاتفاقية الثالثة :" و في حالة وجود أي شك بشان انتماء أشخاص قاموا بعمل حربي و سقطوا في يد العدو في إحدى الفئات المبينة في المادة الرابعة فان هؤلاء الأشخاص يتمتعون بالحماية التي تكفلها الاتفاقية إلى حين البت في وضعهم بواسطة محكمة مختصة "كذلك تنص المادة 50/1 من البروتوكول الأول على انه:"و إذا ثار شك حول ما إذا كان شخص ما مدنيا أو غير مدني فان ذلك الشخص يعد مدنيا".
خ- مبدأ خضوع الشخص المحمي لسلطان الدولة المعنية:
نظرا لان الحرب هي علاقة دولة بدولة، و ليت علاقة بين أفراد عاديين لذا من الطبيعي أن تكون الدولة الطرف في النزاع هي المسئولة عن كل ما يحدث للأشخاص المحميين التابعين للطرف الأخر.لذلك تنص المادة 12 من الاتفاقية الثالثة:"يقع أسرى الحرب تحت سلطة الدولة المعادية، لا تحت سلطة الأفراد أو الوحدات العسكرية التي أسرتهم. و بخلاف المسؤوليات الفردية التي قد توجد ،تكون الدولة الحاجزة مسؤولة عن المعاملة التي يلقاها الأسرى "
5 شرط ماتينز :
أساس هذا الشرط هو اقتراح لدبلوماسي روسي تم إدراجه بالإجماع في اتفاقيات لاهاي لعام 1999 – 1907 بخصوص قوانين وأعراف الحرب البرية وفي اتفاقيات جنيف 1944 تم إدراج نفس الشرط في المادة الخاصة بإلغاء الاتفاقية ( أنظر المواد 63/ الفقرة 4 ، 62 / 4 ، 142 /4 ، 158/ 4 على التوالي ) .
كذلك تم إدراج شرط مارتينز في الفقرة الثانية من المادة الأولى من البروتوكول الأول الإضافي لعام 1977 والتي تنص على ما يلي :" يظل المدنيون والمقاتلون في الحالات التي لا ينص عليها في هذا الملحق أو أي إتفاق دولي آخر ، تحت حماية وسلطان مبادئ القانون الدولي كما أستقر بها العرف ومبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام " .
يطلق أيضا على شرط مارتينز باسم المبدأ البديل أو الاحتياطي THE SUBSTITUT PRINCIPLE بإعتبار أنه يطبق عند عدم وجود نص يحمي الشخص أو الأشخاص المعنيين بخصوص مسالة أو حالة لم يرد بشأنها نص صريح . لذلك تنص اتفاقيات جنيف على الحالات التي لم ينص عليها (( على هدي المبادئ العامة )) الواردة في تلك الاتفاقيات طيقا لإحكام المادتين 45 – 46 من الاتفاقيتين الأولى والثانية.