3. الإفتراضات الأساسية للنظرية المثالية
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى قدمت المثالية فرضية تقول بأن الحرب قامت بسبب عدم التفاهم بين الدول، فالمثالي يبدأ بفرضية وجود معيار أخلاقي يتعين على جميع الدول إتباعه، وينبع المعيار من الفضيلة المفطور عليها الإنسان مع التسليم بأن شخصية الدولة في واقع الأمر انعكاس للمواطنين فيها. ويرد المثالي فشل الشعوب في العيش بسلام إلى انعدام التفاهم والجهل بما تنطوي عليه الأخلاقية الدولية من عقلانية.
وبناءا عليه وقف المثاليون موقف الرفض من مجموعة المبادئ السائدة في العلاقات الدولية،كمبدأ توازن القوى المرتبط تاريخيا بأوربا ومبدأ استخدام القوة في الشؤون الدولية والمعاهدات السرية للحلفاء والتقسيم المجحف للعالم خلال الحرب العالمية الأولى، وطرحوا مبادئ مقابلة تمثلت في الحقوق والالتزامات القانونية الدولية والتناسق الطبيعي بين المصالح القومية كوسيلة للحفاظ على السلام العالمي والتركيز على دور العقل في إدارة الشؤون العالمية.
فالمثاليون يسلمون بـ "إنسجام المصالح" (Harmony Interests)، أي أن هناك توافق طبيعي بين المصلحة العليا للفرد والمصلحة العليا للجماعة، وفي إطار السياسة الدولية قامت نظرية تطابق المصالح على اعتبار أن جميع الدول لها مصلحة في السلم وأي دولة تريد أن تعرقل السلم هي غير عقلانية وغير أخلاقية.
كما يرى المثاليون أن الحكم على العلاقات بين الأمم يجري وفقا لقاعدتين هما:
الأولى الامتثال أوالانتهاك للقانون الدولي والثانية هي التعاون والإسهام في تنشيط وتعضيد جهود العصبة لتلطيف العلاقات.
وعليه واستنادا لما سبق فإن المثالية تنطلق من الافتراضات الأساسية التالية: الاعتقاد الجازم بحتمية انتشار المؤسسات الديمقراطية، والتجانس الكامل في المصالح بين الشعوب،والأساس الرشيد للسلوك الإنساني.
لكن ومع ذلك فإن هذا الاتجاه في التحليل الدولي بدأ ينحسر ويتراجع في الثلاثينات فالمثالية واجهت مشاكل حقيقية في الواقع الدولي، ومن أهم تلك العوائق إن مثل هذا النظام المثالي لا يمكن أن يظهر للوجود إلا في حالة إتباع المجتمع الدولي لمبادئ أخلاقية، بدلا من استخدام القوة. وهذا الشرط لم يتم تطبيقه ويحدث العكس غالبا من الدول.
وفي الوقت ذاته أخذ يقوى الاتجاه الواقعي الذي ينادي بضرورة تجاوز اعتبارات القانون والأخلاق والانطلاق منها للبحث عن عوامل جديدة أكثر ديناميكية وواقعية في تفسير القوى والأسباب التي تؤثر في مجرى العلاقات الدولية، وكما تسببت صدمة الحرب العالمية الثانية في إفلاس المثالية التي فشلت في إرشاد صانع السياسة الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة لردع ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية واليابان العسكرية، مما قاد إلى اندلاع الحرب، فكل هذه العوامل أدت أو عملت على بروز النظرية الواقعية كاتجاه جديد في التحليل الدولي.