النظرية المثالية في العلاقات الدولية

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: نظرية العلاقات الدولية
Livre: النظرية المثالية في العلاقات الدولية
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Friday 17 May 2024, 10:08

Description

 تعتبر النظرية المثالية احدى نظريات الاتجاه المعياري في دراسة العلاقات الدولية، وهي نظرية تشدد على المتغيرالأخلاقي والقانوني   والمؤسساتي في دراسة العلاقات الدولية.

1. تعريف النظرية المثالية

تسمى المثالية أحيانا بـ "الطوباوية" (Utopianismوهي مقاربة للعلاقات الدولية تشدد على أهمية القيم الأخلاقية والمعايير تسمى القانونية وانسجام المصالح لتكون الموجهة لرسم السياسة الخارجية بدلا من المصلحة القومية والقوة.وهي تبحث فيما يجب أن تكون عليه الحياة الدولية وليس فيما هو كائن فهي تقوم على أساس معرفة "كيف يجب" أن يتصرف السياسيون في العلاقات الدولية، لا على أساس "كيف يتصرف هؤلاء فعلا".

          فبعد الحرب العالمية الأولى، وكنتيجة مباشرة للصدمة العنيفة التي تولدت عن مأساة هذه الحرب التي كانت أول سابقة من نوعها في تاريخ العلاقات الدولية على الإطلاق، فإن أكثر المداخل شيوعا في دراسة العلاقات الدولية وبخاصة في الجامعات الأمريكية، تركزت أساسا حول أفكار القانون الدولي والتنظيم الدولي.

    

2. الأسس الفكرية للنظرية المثالية

تستمد  المثالية أساس رؤيتها من الأديان السماوية والفلسفات الإنسانية التي تهتم بوضع الضوابط والمعايير الأخلاقية العامة للسلوك الإنساني والأسس المرجعية للفكر المثالي في العلاقات الدولية تعود إلى أكثر من منبع، فهي ورثت التفاؤل الفكري الذي أتى به عصر التتوير في القرن الثامن عشر من جهة ليبرالية القرن التاسع عشر من جهة ثانية والمثالية الويلسونية في القرن العشرين.

         لذلك فالمثالية تعتمد بالأساس على جملة من المبادئ والقيم والمثل التي يعتنقها دعاتها، وقد حاولوا أن يقيموا وفق تصوراتهم نظاما دوليا مثاليا يتلاءم مع تلك القيم والمثل ومن أبرز تلك المبادئ: "الإنسانية" ( Humanism) و "الأممية"( Nationalism).

         فالمثالية تعتقد أن بإمكان الإدارة الإنسانية أن تقضي على الحرب بواسطة التأثير في بيئة الإنسان وذلك من خلال المؤسسات والهياكل، وتنطلق المثالية في ذلك من الاعتقاد بان الطبيعة الإنسانية تقوم على الإحسان والمساواة بين الناس والدول بوصفهم لاعبين في السياسة الدولية، فهي ترى بأن الدول هي امتداد للإنسان وتسعى من أجل تحقيق الإنسان المثالي، لذلك تركز في المقام الأول على مخاطبة عقل الإنسان وقلبه

في الوقت نفسه، واستثارة الجوانب الخيرة في الطبيعة البشرية بهدف الارتقاء بالسلوك الإنساني، والعمل على أن يأتي هذا السلوك متماشيا مع القواعد الأخلاقية التي تحث على التعاون بدلا من الصراع، وعلى السلام بدلا من الحرب وعلى العدالة بدلا من الظلم، وعلى الحب والإخاء والكرم بدلا من الكراهية والحقد واللا إنسانية.

          وهذه النظرة التفاؤلية لدى المثاليين دفعت بهم إلى اقتراح حلول قانونية لتسوية القضايا السياسية مطالبين بالخصوص:

          - بإقامة حكومة عالمية.

          - نظام الأمن الجماعي.

          - نزع التسلح واعتبار السلام قضية لا تتجزأ، وإدانة الحرب، وتحقيق السلام بواسطة القانون الدولي.

   لذلك يسمى المثاليون كذلك بأنصار النزعة القانونية.



3. الإفتراضات الأساسية للنظرية المثالية

     بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى قدمت المثالية فرضية تقول بأن الحرب قامت بسبب عدم التفاهم بين الدول، فالمثالي يبدأ بفرضية وجود معيار أخلاقي يتعين على جميع الدول إتباعه، وينبع المعيار من الفضيلة المفطور عليها الإنسان مع التسليم بأن شخصية الدولة في واقع الأمر انعكاس للمواطنين فيها. ويرد المثالي فشل الشعوب في العيش بسلام إلى انعدام التفاهم والجهل بما تنطوي عليه الأخلاقية الدولية من عقلانية.

     وبناءا عليه وقف المثاليون موقف الرفض من مجموعة المبادئ السائدة في العلاقات الدولية،كمبدأ توازن القوى المرتبط تاريخيا بأوربا ومبدأ استخدام القوة في الشؤون الدولية والمعاهدات السرية للحلفاء والتقسيم المجحف للعالم خلال الحرب العالمية الأولى، وطرحوا مبادئ مقابلة تمثلت في الحقوق والالتزامات القانونية الدولية والتناسق الطبيعي بين المصالح القومية كوسيلة للحفاظ على السلام العالمي والتركيز على دور العقل في إدارة الشؤون العالمية.

فالمثاليون يسلمون بـ "إنسجام المصالح" (Harmony Interests)، أي أن هناك توافق طبيعي بين المصلحة العليا للفرد والمصلحة العليا للجماعة، وفي إطار السياسة الدولية قامت نظرية تطابق المصالح على اعتبار أن جميع الدول لها مصلحة في السلم وأي دولة تريد أن تعرقل السلم هي غير عقلانية وغير أخلاقية.

       كما يرى المثاليون أن الحكم على العلاقات بين الأمم يجري وفقا لقاعدتين هما:

الأولى الامتثال أوالانتهاك للقانون الدولي والثانية هي التعاون والإسهام في تنشيط وتعضيد جهود العصبة لتلطيف العلاقات.

    وعليه واستنادا لما سبق فإن المثالية تنطلق من الافتراضات الأساسية التالية: الاعتقاد الجازم بحتمية انتشار المؤسسات الديمقراطية، والتجانس الكامل في المصالح بين الشعوب،والأساس الرشيد للسلوك الإنساني.

لكن ومع ذلك فإن هذا الاتجاه في التحليل الدولي بدأ ينحسر ويتراجع في الثلاثينات فالمثالية واجهت مشاكل حقيقية في الواقع الدولي، ومن أهم تلك العوائق إن مثل هذا النظام المثالي لا يمكن أن يظهر للوجود إلا في حالة إتباع المجتمع الدولي لمبادئ أخلاقية، بدلا من استخدام القوة. وهذا الشرط لم يتم تطبيقه ويحدث العكس غالبا من الدول.

    وفي الوقت ذاته أخذ يقوى الاتجاه الواقعي الذي ينادي بضرورة تجاوز اعتبارات القانون والأخلاق والانطلاق منها للبحث عن عوامل جديدة أكثر ديناميكية وواقعية في تفسير القوى والأسباب التي تؤثر في مجرى العلاقات الدولية، وكما تسببت صدمة الحرب العالمية الثانية في إفلاس المثالية التي فشلت في إرشاد صانع السياسة الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة لردع ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية واليابان العسكرية، مما قاد إلى اندلاع الحرب، فكل هذه العوامل أدت أو عملت على بروز النظرية الواقعية كاتجاه جديد في التحليل الدولي.