3. المفاهيم الأساسية في التحليل الواقعي الكلاسيكي
اشتملت النظرية الواقعية على مجموعة من المفاهيم التي هي بمثابة وحدات تحليل للسلوك الإنساني ومنه السلوك الدولي في العلاقات الدولية، وهي مفاهيم مترابطة ومتداخلة فيما بينها وهي: مفهوم القوة، مفهوم المصلحة الوطنية ومفهوم توازن القوى.
- مفهوم القـوة:(Power)
تعد القوة بالنسبة لمفكري النموذج الواقعي مثل الطاقة بالنسبة للفيزيائيين ويعد مورغانتو من قلائل الذين عرفوا مفهوم القوة، والذي أعطاه صبغة وتأسيسا نفسيا عاما عالميا.
ووفقا لمورغانتو "قد تنطوي القوة على أي شيء يقيم سيادة الإنسان على الإنسان ويضمن الحفاظ عليها"، ويكون بذلك شاملا لكافة العلاقات الاجتماعية التي تهدف إلى تلك الغاية ابتداءا من العنف البدني وانتهاء بأكثر الروابط النفسية التي يسيطر بها عقل على عقل آخر.
فالقوة السياسية (Political Power) حسبه هي: علاقة نفسية بين من يمارسونها وبين من تمارس ضدهم، أي أنه يعرف القوة بأنها: "سيطرة فرد على عقول وأفعال غيره من البشر وبالمثل أيضا يرى "والتر" أن قوة أي فاعل تتحدد بمدى تأثيره في الآخرين بالمقارنة بتأثير الآخرين فيه.
إذن فالقوة السياسية التي تعنيها التحليلات الواقعية هي: مدى التأثير النسبي الذي تمارسه الدول في علاقاتها المتبادلة، وهي بذلك لا يمكن أن تكون مرادفا للعنف بأشكاله المادية والعسكرية، فالقوة حسبهم ليست القوة العسكرية التقليدية بل القوة القومية (National Power) بمفهومها الشومكوناتها المادية وغير المادي، فهي النتاج النهائي في لحظة ما لعدد كبير من المتغيرات المادية وغير المادية والتفاعل الذي يتم بين هذه العناصر والمكونات هو الذي يحدد في النهاية حجم قوة الدولة وبحسب هذا الحجم تتحدد إمكانياتها في التأثير السياسي في مواجهة غيرها من الدول.
لذلك يعتبر مورغانتو أن السياسة الدولية ككل سياسة هي صراع من اجل القوة ومهما تكن الأهداف النهائية للسياسة الدولية القوة هي دائما الهدف العاجل. وبالتالي فهو يعتبر علاقات الدول فيما بينها على متغير القوة إذ أن سلوكيات الدول تدفعها حوافز الحصول على مزيد من القوة والتنافس من أجل زيادة قوة كل دولة مهما كانت طبيعة الوسلئل المتبعة في ذلك.
ومن هنا تكون القوة وسيلة وغاية في نفس الوقت فالعلاقات الدولية محكومة دوما بعلاقات القوة والصراع من أجل القوة، وتبقى هذه الأخيرة الغاية الحاسمة التي تبرر الدول من خلالها سلوكها العدواني.
- المصلحة الوطنية:( National Interest)
على غرار مفهوم القوة يعد أيضا مفهوم المصلحة الوطنية ركيزة أساسية من ركائز التحليل الواقعي الكلاسيكي إذ يرفع مفهومها إلى القرن السادس عشر في إيطاليا والقرن السابع عشر في إنجلترا فهو مفهوم مشتق من مجموعة من المفاهيم إرادة الأمير مصالح السلالة الحاكمة، منطق الدولة القومية وانتقال الولاء لها.
وهما مفهومان مترابطان ومتداخلان مع بعضهما البعض ففي هذا الصدد نجد "إسماعيل صبري مقلد" يقول: "أن النظرية الواقعية تقوم على فكرة المصلحة (Interest) وفكرة القوة والمصلحة في مفهوم هذه النظرية تتحدد في إطار القوة التي تتحدد بدورها في نطاق ما يسميه مورغانتو بفكرة "التأثير" و "السيطرة".
ويعرف مورغانتو المصلحة الوطنية على أنها: "القوة بمعنى أنها ترتبط بقضية البقاء القومي ومن ثم فإنها جوهر السياسة أما "ولفرز" فيرى أن المصلحة الوطنية هي التي تقرر السياسة الخارجية ذلك أن تلك السياسة التي رسمها من أجل مصالح الأمة مجتمعة ولبس فقط مصالح كل فرد على حدة".
لذلك فقد اتخذ مورغانتو من مفهوم "المصلحة الوطنية" وحدة لتحليل السلوك الدولي فالدول لا تتصرف في المحيط الدولي إلا وفق ما تمليه عليها مصالحها الوطنية، فهو يرى بان المصلحة هي المقياس الدائم الذي يمكن على أساسه تقويم وتوجيه العمل السياسي، وهو ما يتجلى في صورة أكثر وضوحا في المبدأ الثاني للواقعية القائل بان: "القائد السياسي يفكر ويتصرف وفقا للمصلحة التي هي مرادف للقوة وهو ما يؤكده هنري كيسنجر في مقولته: "إن السياسة الخارجية الأمريكية براغماتية، فالمصلحة الأمريكية هي التي تمليها".
ويتفاوت هذه المصالح مفهومها من دولة لأخرى فهناك من الدول من لم تتجاوز الحد الأدنى من الأمن والسيادة والاستقرار، وبالتالي مصلحتها الوطنية تتركز حول قضايا الأمن وحماية السيادة وتحقيق الاستقرار والبحث عن الشرعية الدولية، ولكن هناك من الدول من تجاوزت هذه العقبات وهي بصدد البحث عن الهيمنة والنفوذ، وتوسيع مصالحها خارج حدودها، وهنا يأتي مفهوم المصلحة الوطنية مساويا لمفهوم القوة وعندئذ تكون المصلحة الوطنية تعني البحث عن القوة وزيادتها والحفاظ عليها.
فالواقعيون يرون أن القوة نفسها هي مصلحة هامة لكل دولة من الدول وتسعى بعض الدول إلى زيادة قوتها وتسعى بعض الدول إلى زيادة قوتها حتى بالمجازفة في إضرام نار الحرب وأخرى تقتنع بالاحتفاظ بما لديها من قوة ولكن لا ترضى دولة كبرى كانت أو صغرى بان تخفض قوتها وخاصة في وجه أعداء محتملين، فمورغانتو يؤكد على أن الحد الأدنى للسياسة الخارجية لكل دولة يجب أن تكون حفظ البقاء لان كل دولة مضطرة لحماية وجودها المادي والسياسي والثقافي ضد أي هجوم من الدول الأخرى فالمصلحة القومية تتطابق مع حفظ البقاء القومي وتشكلان معا هوية واحدة.
فهو يرى بأن استخدام مفهوم القوة في تعريف مصلحة الدولة هو المعلم البارز الذي يعين الواقعيين على تلميس طريقتهم في حقل السياسة الدولية، ذلك لأنه يعتقد بأن القوة سببا أصيلا للعلاقات كافة بين المتغيرات كافة لأن"صاحب القوة يؤثر في سلوك الفاعلين الآخرين وتوجهاتهم ومعتقداتهم وميولهم السلوكية".
لذلك فالعلاقات الدولية حسبه هي علاقات القوة لا تخضع إلا لقانون واحد هو قانون المصالح القومية.
- توازن القوى:(Balance Of Power)
يعد مفهوم توازن القوى أو ميزان القوى أيضا من بين المفاهيم الأساسية التي تقوم عليها الإطار المفهوماتي للواقعية الكلاسيكية إضافة لمفهوم القوة والمصلحة الوطنية.
فالميزان هو مفهوم تنظيمي ينصرف إلى ترتيب وحدات النسق الدولي في علاقاتها ببعضها البعض. ويتحدد الميزان على أساس كيفية توزيع المقدرات بين الوحدات الدولية وعلى درجة الترابط بين تلك الوحدات ويقصد بتوزيع المقدرات في هذا الصدد نمط توزيع الموارد الاقتصادية ونمط توزيع الاتجاهات والقيم السياسية بين مختلف وحدات النسق الدولي.
ويعني التوازن هنا الاستقرار ضمن إطار نظام يضم عددا من القوى المستقلة وعندما يتعرض هذا التكافؤ للاضطراب إما بفعل قوة خارجية أو نتيجة تبدل عنصر أو أكثر من العناصر التي تؤلف النظام، فإن هذا النظام يبدي ميلا إما لإعادة التكافؤ الأصلي أو لإقامة تكافؤ جديد.
ومن هنا يرى مورغانتو أن نظام ميزان القوى قد نجح في المحافظة على بقاء الوحدات الأطراف الأساسية فيه منذ انتهاء حرب الثلاثين سنة 1648 وحتى تقسيم بولندا في آخر القرن الثامن عشر.
فمفهوم ميزان القوى بالنسبة إليه هو مجرد مفهوم لما عليه من علاقات القوى الدولية من إتزان يتحقق ميكانيكيا بعامل قانون الفعل ورد الفعل، فهو ليس مسألة تخضع للاختيار السياسي وإنما هو طبيعي ولا مناص منه وهو يشبه آلية توازن السعر في السوق فتوازن القوى هو النمو الطبيعي للصراع على القوة وهدفه هو الاستقرار والمحافظة على جميع عناصر النظام.
لذلك يفترض مورغانتو أن ظاهرة الحرب ليست إلا ظاهرة اختلال في ميزان القوة بين الدول وأن الشرط المسبق لتحقيق الاستقرار الدولي هو الإبقاء على الاتزان الدولي القائم.
بالإضافة أيضا يرى مورغانتو أن وسائل وأدوات تحقيق توازن القوى التي تتبعها الدول فيما بينها تتخلص في أداتين رئيسيتين هما:
- سياسة فرق تسد: حيث تعتمد الدول المتنافسة إلى تبني سياسة إضعاف احدهما للآخر عن طريق الدعوة إلى تجزئة الدولة الواحدة وتقسيمها إلى دويلات صغيرة، وتشجع الأقليات الداخلية للانفصال وتظهر هذه الصورة في سياسة فرنسا اتجاه ألمانيا التي كانت تطالب بتقسيم ألمانيا إلى دويلات صغيرة منذ القرن السابع عشر وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
- الأداة الثانية في إيجاد توازن القوى هي لجوء الدولة "ب" إلى زيادة قوتها زيادة ذاتية، أو ضم قوتها إلى قوة دول أخرى تشاركها نفس السياسة نحو "أ" إلى ضم قوتها إلى دول أخرى تشاركها نفس السياسة اتجاه الدولة "ب".
فالسياسة الأولى المتمثلة في زيادة القوة تكون عن طريق سياسة التعويضات والتسلح ونزع الأسلحة أما بالنسبة للسياسة الثانية فتكون عن طريق سياسة الأحلاف ويشير مفهوم التعويضات(Compensation) في ميزان القوى إلى اتفاق بين القوى الكبرى على تقاسم مناطق النفوذ وتحقيقا لتوازن القوى.
كما يفضل مورغانتو نظام متعدد الأقطاب(Multipolar) بدلا من نظام القطبية الثنائية(Bipolarity) أو نظام القطبية الأحادية(Unipolarity) حيث يتسم هذا النظام بميزة أساسية وهي وجود مجموعة من الدول أو الأقطاب التي تمتلك موارد وإمكانات اقتصادية متكافئة تقريبا كما هو الحال في توازن القوى التقليدية كما أنه يتميز بوجود أكثر من صراع دولي رئيسي ومن أمثلته النظام الدولي الذي قام بين عامي 1648- 1789 والنظام الدولي بين عامي 1815- 1871.
ويُبرز "مورغانتو" فضائل هذا النظام في تحقيق الاستقرار الدولي ويرى أن نظام الثنائية القطبية الذي برزت فيه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي يحمل العديد من المخاطر.
فهو نظام يتميز بتركيز النفوذ الدولي في قطبين رئيسيين وذلك بسبب تركز توزيع المقدرات بين دولتين أو كتلتين رئيسيتين والاهم من ذلك يتميز بوجود صراع رئيسي يتمركز حول القطبين الدوليين.