الواقعية الكلاسيكية في العلاقات الدولية

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: نظرية العلاقات الدولية
Livre: الواقعية الكلاسيكية في العلاقات الدولية
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Monday 25 November 2024, 13:55

Description

تعتبر الواقعية الكلاسيكية إحدى نظريات الإتجاه الواقعي في العلاقات الدولية، وهي نظرية تشدد على متغير: القوة،   المصلحة، وميزان القوى في تفسير العلاقات الدولية.

1. تعريف النظرية الواقعية الكلاسيكية

- الواقعية الكلاسيكية: (Classical Realism)

    ظهرت النظرية الواقعية كرد فعل على فشل التيار المثالي خلال الحرب العالمية الثانية فقد جاءت لتدرس وتحلل ما هو قائم في العلاقات الدولية وتحديدا سياسة القوة والمصلحة والحرب والنزاعات وحاولت تقديم نظرية سياسية لتحليل وفهم الظواهر الدولية.

  ويعود الفضل في إدخال الواقعية كمقترب لدراسة العلاقات الدولية إلى "هانس مورغانتو" (Morgenthau) من خلال عمله الشهير "Politics Among nations: the struggle for power and peace" سنة 1948، الذي أحدث ثورة في الدراسة الأكاديمية للسياسات الدولية.

  فالواقعيون لا يؤمنون بفضائل الطبيعة البشرية ولا بالعمل السياسي الذي يتم بوحي منها وقد حددوا مجموعة من المبادئ التي تقوم عليها السياسة الدولية وهي:

- الكائن الإنساني شرير في وجوده، وهو يميل إلى ارتكاب الذنوب.

- الرغبة في السيطرة والقوة جزء من غريزة الإنسان.

- هذه الرغبة في السيطرة تتجلى في النزاعات والحروب والصراع من اجل السلطة.

  وهذا يقود الدولة، وهي التعبير القانوني والسياسي  لهذه الغريزة الأنانية، إلى محاولة اكتساب القوة وممارسة السيطرة على الساحة الدولية التي تعمها نتيجة لذلك الفوضى وانعدام النظام.

2. الإفتراضات الأساسية للواقعية الكلاسيكية

     يرى كل من بول فيوتي (Paul R Viotti) ومارك كويبي(Mark V.kauppi) أن الواقعية تقوم على أربع افتراضات أساسية: 

أ- الدول هي الفاعل الأول أو الأكثر أهمية فالدول تمثل وحدة التحليل الأساسية، فمنذ توقيع "معاهدة واستفاليا" 1648 التي أنهت وجود الإمبراطورية الرومانية وأنهت شتات الدول المدن والمقاطعات الصغيرة التي تناثرت بالمئات على الجغرافيا الأوربية أصبحت الدولة القومية هي الوحدة الأساسية على المستوى الدولي وما عداها من منظمات وشركات ومؤسسات وأفراد لا تلعب إلا دورا هامشيا وثانويا.

   فالواقعيون يؤكدون على أن الدولة القومية ستستمر بشكلها الحالي إلى أمد غير منظور، وذلك ليس بسبب عجز الإنسان عن ابتكار كيان سياسي آخر، وإنما بسبب وجود الدولة القومية ذاتها، التي تشكل عقبة تشل محاولة لابتكار بديل عنها.

   وبالتالي سواء تعامل الواحد منا مع دولة المدينة في اليونان أو الدولة الوطنية الحديثة، فإن دراسة العلاقات الدولية هي دراسة العلاقات بين هذه الدول.

ب- ينظر إلى الدول كفواعل موحدة (Unitary Actors)، بحيث أن الواقعيين- لأغراض تحليلية ينظرون إلى الدولة ككتلة واحدة فالدولة عندهم تواجه العالم الخارجي كوحدة مندمجة،وليس كأطراف مجزأة والحكومة تتحدث بصوت واحد نيابة عن الدولة ككل، فهم يفترضون أن الدولة تتبنى سياسة واحدة في أي وقت وعلى أي قضية، مع وجود حالات استثنائية في بعض الأوقات، غير أن ذلك حسب الواقعيين لا يلغي القاعدة المؤكدة للفكرة العامة حول الدولة كوحدة مندمجة وفاعل موحد.

ج- الدولة فاعل عقلاني(Rational Actor)، فالدول أو صانع القرار في الدولة حسب الواقعيين تتصرف بشكل عقلاني ورشيد، فهي تنتهج سياسة عقلانية في رسم أهداف السياسة الخارجية والوسائل المتاحة لتحقيقها وأهم البدائل المتاحة  أمام صانع القرار مع اخذ قابلية وقدرات الدولة نفسها في الاعتبار،أي أن الدولة تسعى إلى غاياتها بطريقة عقلانية، لأنها ستقيس المخاطر والفرص والتكاليف والعوائد، وتبحث عن تحقيق أهداف مصلحتها القومية بغض النظر عن شكل حكوماتها ونظامها الاقتصادي.

د- يفترض الواقعيون أن الأمن القومي يحتل قمة أولويات القضايا الدولية، فأنصار هذه المدرسة ينظرون عادة  إلى القضايا العسكرية والأمنية والإستراتيجية باعتبارها قضايا السياسة العليا (High Politics) بينما يرون القضايا الاقتصادية والاجتماعية باعتبارها قضايا السياسة الدنيا الروتينية والأقل أهمية (Low Politics) لذلك نجد أن القوة هي المفهوم الأساسي بالنسبة للواقعيين.

    أما فيما يخص افتراضات الواقعيين حول طبيعة السياسة الدولية نجد أن الواقعية ترفض حجة النموذج المثالي بأن العلاقات الدولية تستند في جوهرها إلى التعاون والانسجام بين أعضاء المجتمع الدولي، فهي ترى بأن الدول تتعارض مصالحها إلى درجة تقودها إلى الحرب، لذلك تشدد من ناحيتها على التنافس والصراع والفوضى التي تعم العلاقات الدولية.

   فهي تنظر إلى المجتمع الدولي والعلاقات الدولية على أنها صراع مستمر نحو زيادة قوة الدولة واستغلالها بالكيفية التي تمليها مصالحها أو إستراتيجيتها بغض النظر عن التأثيرات التي تتركها في مصالح الدول الأخرى.

فمورغانتو يُحَاجِ بأن "السياسات الدولية... مثل كل سياسة هي صراع من أجل القوة، وهو يوضح الفروقات النوعية لهذا الصراع بين السياسات الدولية والداخلية حيث في هذه الأخيرة الدولة قادرة على عرقلة سعي الأفراد

    للبحث عن القوة بطريقة أقل عنفا، لأنها تتميز باكتمال والتضامن والتكامل بين أعضائها وهي مزودة بأجهزة وسلطات واضحة (السلطات الثلاث) بالإضافة إلى وجود قوات عسكرية وشرطة وقدرة في التوجيه السياسي يسمح لها بحسم النزاعات الداخلية وتحقيق الغلبة للوحدة الوطنية بينما المجتمع الدولي أو عالم السياسة الدولية يفتقر إلى كل ذلك.

    لذلك تفترض الواقعية بشكل عام أن السياسة الدولية تتميز بالفوضى (Anarchy)، طالما أنه لا توجد حكومة عالمية تسيطر على جميع الدول لتطبق عليهم قواعد عامة ولهذا فإن ظاهرة الحرب والصراع في السياسة الدولية ظاهرة طبيعية.

  فعدم وجود سلطة فوق قومية تمنع استخدام العنف بين الدول تدفع الدول كل على حدة لتكون لنفسها قوة تدافع

. بها عن نفسها من جهة وتتوسع في تحقيق مصالحها القومية إن وجدت فرصة لذلك

فسلوك الدولة حسب الرؤية الواقعية هو مجرد امتداد للسلوك الإنساني فسعي الدول لامتلاك القوة نابع من سعي الإنسان لامتلاكها والإنسان يبحث عن القوة إما بوصفها غاية أو وسيلة . لذلك إن لم تبحث الدولة عن القوة في سبيل غاياتها فإنها سوف تبحث عنها للحفاظ على الذات.

3. المفاهيم الأساسية في التحليل الواقعي الكلاسيكي

      اشتملت النظرية الواقعية على مجموعة من المفاهيم التي هي بمثابة وحدات تحليل للسلوك الإنساني ومنه السلوك الدولي في العلاقات الدولية، وهي مفاهيم مترابطة ومتداخلة فيما بينها وهي: مفهوم القوة، مفهوم المصلحة الوطنية ومفهوم توازن القوى.

- مفهوم القـوة:(Power)

 تعد القوة بالنسبة لمفكري النموذج الواقعي مثل الطاقة بالنسبة للفيزيائيين ويعد مورغانتو من قلائل الذين عرفوا مفهوم القوة، والذي أعطاه صبغة وتأسيسا نفسيا عاما عالميا.

ووفقا لمورغانتو "قد تنطوي القوة على أي شيء يقيم سيادة الإنسان على الإنسان ويضمن الحفاظ عليها"، ويكون بذلك شاملا لكافة العلاقات الاجتماعية التي تهدف إلى تلك الغاية ابتداءا من العنف البدني وانتهاء بأكثر الروابط النفسية التي يسيطر بها عقل على عقل آخر.

فالقوة السياسية (Political Power) حسبه هي: علاقة نفسية بين من يمارسونها وبين من تمارس ضدهم، أي أنه يعرف القوة بأنها: "سيطرة فرد على عقول وأفعال غيره من البشر وبالمثل أيضا يرى "والتر" أن قوة أي فاعل تتحدد بمدى تأثيره في الآخرين بالمقارنة بتأثير الآخرين فيه.

    إذن فالقوة السياسية التي تعنيها التحليلات الواقعية هي: مدى التأثير النسبي الذي تمارسه الدول في علاقاتها المتبادلة، وهي بذلك لا يمكن أن تكون مرادفا للعنف بأشكاله المادية والعسكرية، فالقوة حسبهم ليست القوة العسكرية التقليدية بل القوة القومية (National Power) بمفهومها الشومكوناتها المادية وغير المادي، فهي النتاج النهائي في لحظة ما لعدد كبير من المتغيرات المادية وغير المادية والتفاعل الذي يتم بين هذه العناصر والمكونات هو الذي يحدد في النهاية حجم قوة الدولة وبحسب هذا الحجم تتحدد إمكانياتها في التأثير السياسي في مواجهة غيرها من الدول.

    لذلك يعتبر مورغانتو أن السياسة الدولية ككل سياسة هي صراع من اجل القوة ومهما تكن الأهداف النهائية للسياسة الدولية القوة هي دائما الهدف العاجل. وبالتالي فهو يعتبر علاقات الدول فيما بينها على متغير القوة إذ أن سلوكيات الدول تدفعها حوافز الحصول على مزيد من القوة والتنافس من أجل زيادة قوة كل دولة مهما كانت طبيعة الوسلئل المتبعة في ذلك.

 ومن هنا تكون القوة وسيلة وغاية في نفس الوقت فالعلاقات الدولية محكومة دوما بعلاقات القوة والصراع من أجل القوة، وتبقى هذه الأخيرة الغاية الحاسمة التي تبرر الدول من خلالها سلوكها العدواني.

- المصلحة الوطنية:( National Interest)

     على غرار مفهوم القوة يعد أيضا مفهوم المصلحة الوطنية ركيزة أساسية من ركائز التحليل الواقعي الكلاسيكي إذ يرفع مفهومها إلى القرن السادس عشر في إيطاليا والقرن السابع عشر في إنجلترا فهو مفهوم مشتق من مجموعة من المفاهيم إرادة الأمير مصالح السلالة الحاكمة، منطق الدولة القومية وانتقال الولاء لها.

     وهما مفهومان مترابطان ومتداخلان مع بعضهما البعض ففي هذا الصدد نجد "إسماعيل صبري مقلد" يقول: "أن النظرية الواقعية تقوم على فكرة المصلحة (Interest) وفكرة القوة والمصلحة في مفهوم هذه النظرية تتحدد في إطار القوة التي تتحدد بدورها في نطاق ما يسميه مورغانتو بفكرة "التأثير" و "السيطرة".

ويعرف مورغانتو المصلحة الوطنية على أنها: "القوة بمعنى أنها ترتبط بقضية البقاء القومي ومن ثم فإنها جوهر السياسة أما "ولفرز" فيرى أن المصلحة الوطنية هي التي تقرر السياسة الخارجية ذلك أن تلك السياسة         التي رسمها من أجل مصالح الأمة مجتمعة ولبس فقط مصالح كل فرد على حدة".

    لذلك فقد اتخذ مورغانتو من مفهوم "المصلحة الوطنية" وحدة لتحليل السلوك الدولي فالدول لا تتصرف في المحيط الدولي إلا وفق ما تمليه عليها مصالحها الوطنية، فهو يرى بان المصلحة هي المقياس الدائم الذي يمكن على أساسه تقويم وتوجيه العمل السياسي، وهو ما يتجلى في صورة أكثر وضوحا في المبدأ الثاني للواقعية القائل بان: "القائد السياسي يفكر ويتصرف وفقا للمصلحة التي هي مرادف للقوة وهو ما يؤكده هنري كيسنجر في مقولته: "إن السياسة الخارجية الأمريكية براغماتية، فالمصلحة الأمريكية هي التي تمليها".

   ويتفاوت هذه المصالح مفهومها من دولة لأخرى فهناك من الدول من لم تتجاوز الحد الأدنى من الأمن والسيادة والاستقرار، وبالتالي مصلحتها الوطنية تتركز حول قضايا الأمن وحماية السيادة وتحقيق الاستقرار والبحث عن الشرعية الدولية، ولكن هناك من الدول من تجاوزت هذه العقبات وهي بصدد البحث عن الهيمنة والنفوذ، وتوسيع مصالحها خارج حدودها، وهنا يأتي مفهوم المصلحة الوطنية مساويا لمفهوم القوة وعندئذ تكون المصلحة الوطنية تعني البحث عن القوة وزيادتها والحفاظ عليها.

   فالواقعيون يرون أن القوة نفسها هي مصلحة هامة لكل دولة من الدول وتسعى بعض الدول إلى زيادة قوتها وتسعى بعض الدول إلى زيادة قوتها حتى بالمجازفة في إضرام نار الحرب وأخرى تقتنع بالاحتفاظ بما لديها من قوة ولكن لا ترضى دولة كبرى كانت أو صغرى بان تخفض قوتها وخاصة في وجه أعداء محتملين، فمورغانتو يؤكد على أن الحد الأدنى للسياسة الخارجية لكل دولة يجب أن تكون حفظ البقاء لان كل دولة مضطرة لحماية وجودها المادي والسياسي والثقافي ضد أي هجوم من الدول الأخرى فالمصلحة القومية تتطابق مع حفظ البقاء القومي وتشكلان معا هوية واحدة.

فهو يرى بأن استخدام مفهوم القوة في تعريف مصلحة الدولة هو المعلم البارز الذي يعين الواقعيين على تلميس طريقتهم في حقل السياسة الدولية، ذلك لأنه يعتقد بأن القوة سببا أصيلا للعلاقات كافة بين المتغيرات كافة لأن"صاحب القوة يؤثر في سلوك الفاعلين الآخرين وتوجهاتهم ومعتقداتهم وميولهم السلوكية".

          لذلك فالعلاقات الدولية حسبه هي علاقات القوة لا تخضع إلا لقانون واحد هو قانون المصالح القومية.

- توازن القوى:(Balance Of Power)

          يعد مفهوم توازن القوى أو ميزان القوى أيضا من بين المفاهيم الأساسية التي تقوم عليها الإطار المفهوماتي للواقعية الكلاسيكية إضافة لمفهوم القوة والمصلحة الوطنية.

          فالميزان هو مفهوم تنظيمي ينصرف إلى ترتيب وحدات النسق الدولي في علاقاتها ببعضها البعض. ويتحدد الميزان على أساس كيفية توزيع المقدرات بين الوحدات الدولية وعلى درجة الترابط بين تلك الوحدات ويقصد بتوزيع المقدرات في هذا الصدد نمط توزيع الموارد الاقتصادية ونمط توزيع الاتجاهات والقيم السياسية بين مختلف وحدات النسق الدولي.

          ويعني التوازن هنا الاستقرار ضمن إطار نظام يضم عددا من القوى المستقلة وعندما يتعرض هذا التكافؤ للاضطراب إما بفعل قوة خارجية أو نتيجة تبدل عنصر أو أكثر من العناصر التي تؤلف النظام، فإن هذا النظام يبدي ميلا إما لإعادة التكافؤ الأصلي أو لإقامة تكافؤ جديد.

          ومن هنا يرى مورغانتو أن نظام ميزان القوى قد نجح في المحافظة على بقاء الوحدات الأطراف الأساسية فيه منذ انتهاء حرب الثلاثين سنة 1648 وحتى تقسيم بولندا في آخر القرن الثامن عشر.

          فمفهوم ميزان القوى بالنسبة إليه هو مجرد مفهوم لما عليه من علاقات القوى الدولية من إتزان يتحقق ميكانيكيا بعامل قانون الفعل ورد الفعل، فهو ليس مسألة تخضع للاختيار السياسي وإنما هو طبيعي ولا مناص منه وهو يشبه آلية توازن السعر في السوق فتوازن القوى هو النمو الطبيعي للصراع على القوة وهدفه هو الاستقرار والمحافظة على جميع عناصر النظام.

       لذلك يفترض مورغانتو أن ظاهرة الحرب ليست إلا ظاهرة اختلال في ميزان القوة بين الدول وأن الشرط المسبق لتحقيق الاستقرار الدولي هو الإبقاء على الاتزان الدولي القائم.

       بالإضافة أيضا يرى مورغانتو أن وسائل وأدوات تحقيق توازن القوى التي تتبعها الدول فيما بينها تتخلص في أداتين رئيسيتين هما:

- سياسة فرق تسد: حيث تعتمد الدول المتنافسة إلى تبني سياسة إضعاف احدهما للآخر عن طريق الدعوة إلى تجزئة الدولة الواحدة وتقسيمها إلى دويلات صغيرة، وتشجع الأقليات الداخلية للانفصال وتظهر هذه الصورة في سياسة فرنسا اتجاه ألمانيا التي كانت تطالب بتقسيم ألمانيا إلى دويلات صغيرة منذ القرن السابع عشر وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

- الأداة الثانية في إيجاد توازن القوى هي لجوء الدولة "ب" إلى زيادة قوتها زيادة ذاتية، أو ضم قوتها إلى قوة دول أخرى تشاركها نفس السياسة نحو "أ" إلى ضم قوتها إلى دول أخرى تشاركها نفس السياسة اتجاه الدولة "ب".

  فالسياسة الأولى المتمثلة في زيادة القوة تكون عن طريق سياسة التعويضات والتسلح ونزع الأسلحة أما بالنسبة للسياسة الثانية فتكون عن طريق سياسة الأحلاف ويشير مفهوم التعويضات(Compensation)    في ميزان القوى إلى اتفاق بين القوى الكبرى على تقاسم مناطق النفوذ وتحقيقا لتوازن القوى.

  كما يفضل مورغانتو نظام متعدد الأقطاب(Multipolar) بدلا من نظام القطبية الثنائية(Bipolarity) أو نظام القطبية الأحادية(Unipolarity) حيث يتسم هذا النظام بميزة أساسية وهي وجود مجموعة من الدول  أو الأقطاب التي تمتلك موارد وإمكانات اقتصادية متكافئة تقريبا كما هو الحال في توازن القوى التقليدية كما أنه يتميز بوجود أكثر من صراع دولي رئيسي ومن أمثلته النظام الدولي الذي قام بين عامي 1648- 1789 والنظام الدولي بين عامي 1815- 1871.

    ويُبرز "مورغانتو" فضائل هذا النظام في تحقيق الاستقرار الدولي ويرى أن نظام الثنائية القطبية الذي برزت فيه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي يحمل العديد من المخاطر.

   فهو نظام يتميز بتركيز النفوذ الدولي في قطبين رئيسيين وذلك بسبب تركز توزيع المقدرات بين دولتين أو كتلتين رئيسيتين والاهم من ذلك يتميز بوجود صراع رئيسي يتمركز حول القطبين الدوليين.

   



 


4. أهم الانتقادات التي وجهت للواقعية الكلاسيكية

بالرغم مما قدمته الواقعية الكلاسيكية من جهود في دراسة العلاقات الدولية وطموح أتباعها في وضع نظرية عامة للسياسة الدولية إلا أنها تعرضت لموجة من الانتقادات يمكن تلخيصها في أربع نقاط:

- تعميمات النظرية الواقعية ليست دائما صحيحة عبر الزمان والمكان فانتقاء الأحداث انتقاءا تعسفيا أدى إلى تحليل جزئي بل وانحيازي أيضا فالتحليل الواقعي بقي أسيرا لتاريخ أوربا في القرن التاسع عشر.

- التصور الواقعي جامد وساكن أستاتيكي لأنه عجز عن النظر نحو الماضي ومن ثم الاهتمام بظهور ظواهر جديدة في العلاقات الدولية مثل ظواهر الاندماج والعوامل الإيديولوجية ودور المنظمات الدولية.

- كما أن العلاقات الدولية عند هذه المدرسة تتلخص في العلاقات بين الدول فالدبلوماسي والجندي هما اللذان يصنعان من حيث الأساس، العلاقات الدولية، كما ركزوا الدارسون الواقعيون على دراسة السياسة الخارجية لذلك يرون ضرورة الفصل بين السياسة الخارجية والسياسة الدولية لأن السياسة الخارجية تتخذ المصلحة الوطنية أساسا لها ولا تراعي المعطيات الداخلية.

          بالإضافة أيضا إلى الانتقاء اللاذع الذي وجه للواقعية من أنصار التيار السلوكي خصوصا بالجوانب ذات الصلة بالبناء النظري والمنهجي للواقعية حيث كانت الثورة السلوكية على المناهج والأساليب السائدة منتقدة التوجه الفلسفي للواقعية وافتقار طروحاتها للعلمية وعدم استخدامها المناهج الكمية والإحصائية التي تضفي صبغة علمية على حقل العلاقات الدولية.

   كل هذا  أدى إلى تراجع الفكر الواقعي في فترة الخمسينات والستينات وفتح الطريق أمام المنظور السلوكي بسبب ضعف أدواته وقدرته التحليلية.