محتوى المحاضرة الثالثة
3. ثانيا-التوسع الفينيقي في شمال إفريقيا
1-من هم الفينيقيون؟
الفينيقيون شعب سامي متفرع عن الكنعانيين استوطنوا الساحل السوري، بداية من القرن 12 ق.م، اشتغلوا بالتجارة والملاحة وبرعوا في صناعة السفن، كانوا يمتلكون تجارة شرق البحر المتوسط، ولكنهم اصطدموا بمنافسة الإغريق اليونان، وسعوا مناطق نفوذهم إلى شمال إفريقيا، وصقلية واسبانيا، وبنوا محطات تجارية لهم على طول الساحل المتوسطي المغربي، فأنشؤوا بداية مدينة أوتيكة(المدينة العتيقة) بتونس سنة 1101 ق.م، ثم بنوا قرطاج (المدينة الجديدة) سنة 814 ق.م التي أصبحت عاصمة لهم بعد سقوط صور والمدن الفينيقية السورية بيد الآشوريين.
2-دوافع التوسع الفينيقي في شمال افريقيا:
من خلال ما تقدم في الخريطة يتضح جليا بأن الفينيقيون أتوا من الساحل الشرقي للبحر الأبين المتوسط بهدف التوسع نحو شمال إفريقيا، ويرجع ذلك إلى جملة من الدوافع الموضحة فيما يلي:
1-الدوافع التجارية:
- البحث عن أسواق جديدة
- السيطرة على طرق التجارة البحرية
- الوصول إلى مصادر المعادن الثمينة.
2-الدوافع السياسية:
- الضغط الآشوري على المدن الفينيقية
- البحث عن مناطق نفوذ جديدة
- تأمين الموانئ الاستراتيجية.
وقد تمت مرحلة التوسع على مرحلتين هما:
المرحلة الأولى ما بين 1100-900ق.م: خلال هذه الفترة بدأت الحضارة الفينيقية مرحلة استكشافية مهمة على سواحل شمال أفريقيا. في هذه المرحلة الأولى، اقتصرت أنشطتهم على استطلاع السواحل وإنشاء محطات تجارية مؤقتة، حيث حرصوا على بناء علاقات أولية مع السكان المحليين البربر. كانت هذه الخطوات الأولى تهدف إلى فهم طبيعة المنطقة وإمكاناتها التجارية والاقتصادية.
المرحلة الثانية ما بين 900-600 ق.م: وفيها انتقلت الأنشطة الفينيقية إلى مستوى أكثر تعقيدا وعمقا، حيث تحولوا من مجرد زوار مؤقتين إلى مؤسسين دائمين. وتُعد تأسيس مدينة قرطاجة عام 814 قبل الميلاد نقطة تحول استراتيجية، حيث أصبحت المدينة مركزاً تجارياً وحضارياً رئيسياً. عملوا خلال هذه الفترة على توسيع شبكة مراكزهم التجارية على طول السواحل الأفريقية، مما مهد الطريق لتأثير حضاري عميق في المنطقة.
3-نتائج التوسع الفينيقي في شمال إفريقيا:
شكّل التأثير الفينيقي في شمال أفريقيا منظومة متكاملة من التأثيرات الاقتصادية والثقافية. فعلى الصعيد الاقتصادي، طوّر الفينيقيون نظاماً تجارياً متطوراً اعتمد في البداية على نظام المقايضة، ثم انتقل لاحقاً إلى استخدام العملة القرطاجية كوسيلة للتبادل التجاري. برعوا في تطوير طرق التجارة وفتح أسواق جديدة، مما وسّع نطاق تأثيرهم الاقتصادي.
وازدهرت تحت أيديهم صناعات متعددة أثرت بشكل جذري في الاقتصاد المحلي، مثل صناعة الأرجوان الشهيرة التي اشتهروا بها، وصناعة الزجاج المتقدمة، وصناعة السفن التي مكّنتهم من التوسع البحري. أما على الصعيد الثقافي، فكان للفينيقيين بصمة واضحة في مجال الكتابة، حيث انتشرت أبجديتهم بسرعة وتطورت إلى الكتابة البونية، تاركين إرثاً كتابياً غنياً من النقوش والكتابات. كما برع الفينيقيون في الفنون والعمارة، مطورين أساليب معمارية فريدة وإبداعات في النحت والفخار والزخارف، مما أثرى المشهد الثقافي للمنطقة بتراث فني متميز.
أما من ناحية المستوطنات الفينيقية فقد بنوا العديد من المدن على الساحل الجزائري مثل: هيبون (عنابة)، روسيكاد (سكيكدة)، صلداي (بجاية)، إيكوزيم (الجزائر العاصمة)، تيبازا وإيول (شرشال)، وموريسطاقا (مستغانم).