محتوى المحاضرة الثالثة

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: تاريخ الجزائر1- المجموعة أ - د. كوندة سلمى
Livre: محتوى المحاضرة الثالثة
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: samedi 26 avril 2025, 22:21

Description

1. مقدمة

تتناول هذه المحاضرة الممالك البربرية في شمال أفريقيا وعلاقتهم بالفينيقيين. حيث يعتبردراسة هذه الحقبة التاريخية أمرا بالغ الأهمية لأجل تسليط الضوء على التفاعلات الحضارية في منطقة البحر المتوسط القديم.

وقد شكّل البربر عنصراً أساسياً في نسيج تاريخ شمال إفريقيا، حيث تميزوا بثقافتهم الغنية وقدرتهم على التكيف مع مختلف التحديات التاريخية، بالإضافة إلى ذلك مثلت علاقاتهم مع الفينيقيين نموذجاً فريداً من التبادل الثقافي والتجاري الذي شكّل معالم المنطقة لقرون عديدة. كانت هذه العلاقات مزيجاً معقداً من التعاون والصراع، حيث استطاع البربر التفاعل مع الفينيقيين. ولم تكن العلاقة مجرد تبادل تجاري بل كانت تشمل تبادلاً للأفكار والتقنيات والثقافات.

وسنستكشف في هذه المحاضرة أهم الممالك البربرية التي ازدهرت في شمال أفريقيا، ونتعرف على طبيعة تفاعلاتهم مع الحضارات المجاورة وخاصة الفينيقية

2. أولا-الممالك البربرية في شمال افريقيا

قدم البربر أو الأمازيغ إلى شمال إفريقيا من جنوب غرب آسيا أي من الشام أو اليمن، واستوطن بعضهم في مصر ورحل أكثرهم إلى شمال إفريقيا وكان ذلك منذ أكثر من 5600 سنة ، وقد تأخر ظهور الدول والممالك البربرية في شمال أفريقيا إلى القرن الثالث قبل الميلاد، ويرجع ذلك إلى طبيعة المجتمع البربري القبلي القائم على الترحال، والذي لا يدين بالولاء إلا لزعيم القبيلة، وقد كان احتكاكهم بالقرطاجيون سببا في ظهور دولتهم وكانت مملكة نوميديا الشرقية أو تلك الدول نشأة.

1-مملكة نوميديا:

1.1-بدايات تشكل المملكة النوميدية:

النوميد أطلق هذا الاسم منذ القرن الثالث قبل الميلاد عل المملكة النوميدية التي أسسها ماسينيسا (148- 203ق م) اذ تعتبر أول فترة تتشكل فيها نواة استقرار الدولة الأمازيغية وهي أكثر الفترات التي أثرت بشكل فعال ومباشر في تشكيل الصبغة الشاملة للمنطقة. كشعب وكقوة سياسية تبسط سيادتها على منطقة واسعة تمتد من حدود قرطاج شرقا إل وادي ملوية غربا، وقبل ذلك كانت مقسمة إلي قسمين: نوميديا الشرقية (ماسيليا) بقيادة سيفاقس الذي سيكون حليف الفينيقيين ونوميديا الغربية (ممكلة ماسيسيليا).

أ-مملكة نوميديا الشرقية: ترجع إلى قبائل الماسيل وقد برزت هذه المملكة في القرن الثالث قبل الميلاد، وكانت تغطي الشرق الجزائري وغرب تونس، لكن حدودها كانت متغيرة وخاضعة للوضعية السياسية والعسكرية التي تغلب في إفريقيا الشمالية، وكانت سلطة ملك الماسيل في بداية الحروب البونيقية تمتد على الأوراس والشرق القسنطيني، وكانت تغطي مناطق غنية أكثر من المملكة الغربية كالهضاب العليا، وبعد الحرب البونيقية تمكن ماسينيسا الذي حمل شعار افريقيا للأفارقة من أن يعيد الوحدة السياسية لنوميديا.

ب-مملكة نوميديا الغربية: الماسيسيل: وهي نسبة إلى قبائل الماسيسيل Masaesyles الذين ظهرو كقوة منذ أواخر القرن الثالث ق.م وأوائل القرن الثاني، والذين دخلوا في حسابات المتنازعين خلال الحرب البونيقية الثانية، والتي كان على رأسها أنذاك سيفاقص الذي نعته المؤرخ الروماني Titus Livius بأنه الملك الأقوى في كل إفريقيا، والذي امتدت من وادي ملوية (شمال شرق المغرب) إلى رأس تريتون أو رأس بوقارون (أو ما يصطلح عليه برأس ذو القرون، أو سبعة رؤوس وهو رأس بحري جزائري يقع في ولاية سكيكدة)  وهي المملكة التي كانت تغطي مساحة واسعة، حيث تمتد من شرق المغرب إلى الشرق الجزائري، واعتبرت سيغاSiga عاصمة لها (قرب عين تموشنت حاليا).

والصورة الآتية توضح المملكتين النوميديتين في شمال إفريقيا:

في أعقاب الحرب البونية الثانية أو البونيقية تغيرت معالم المملكة النوميدية واتسعت مملكة ماسينيسا على حساب مملكة سيفاقص فامتدت من مدينة سيغا غربا إلى حدود قرطاجة شرقا.

تأسست مملكة نوميديا في القرن الثالث قبل الميلاد، وتحديدًا بعد انتصار الرومان على قرطاج في الحرب البونيقية الثانية (218-201 قبل الميلاد). كان الملك ماسينيسا، الذي حكم مملكة الماسيل، هو الشخصية الرئيسية في توحيد القبائل النوميدية تحت راية واحدة، مما أدى إلى تأسيس مملكة نوميديا الموحدة

. أسباب التوحيد اعتمد ماسينيسا على عدة استراتيجيات لتحقيق هذا التوحيد:

  • التحالفات السياسية: استغل العلاقات الأسرية والمصاهرات مع زعماء القبائل لتعزيز سلطته.
  • الجيش القوي: أنشأ جيشًا منظمًا يجمع بين المشاة والفرسان، مما ساعده في الانتصار على خصومه مثل سيفاكس، ملك الماسيسيل
  • الشعور الوطني: استثمر في الهوية النوميدية والمشاعر الدينية لتعزيز الوحدة بين القبائل المختلفة

الإنجازات خلال فترة حكمه التي استمرت حوالي 60 عامًا (202-148 قبل الميلاد)، قام ماسينيسا بعدة إصلاحات:

  • تطوير الزراعة: شجع على الاستقرار وزراعة الحبوب، مما ساهم في ازدهار الاقتصاد النوميدي.
  • إصدار العملة: صك عملات تحمل صورته وصور ملوك آخرين، مما يدل على قوة المملكة الاقتصادية
  • بناء المدن: أسس مدنًا جديدة مثل سيرتا (قسنطينة حاليًا) التي أصبحت عاصمة المملكة.

2.1-أهم ملوك البربر:

أ-ماسينسيا: كان أعظم ملوك البربر القدماء، وأكثرهم ملكا وأوسعهم أرضا، وأقواهم جيشا، الذي نظمه على الطريقة الرومانية، واحسنهم إدارة لملكه، وأقواهم إقتصادا، اسس أكبر أسرة حاكمة، ملكت البلاد النوميدية مدة قرن، ثم البلاد الموريتانية لأكثر من ستين سنة.

ب-مسيبسا Micipsa (ميكيبسا): وهو الابن الأكبر لمسينيسا تولى الحكم بعد وفاة أبيه ينة 148 ق.م، لكنه لم يكن بشجاعة أبيه ومنزلته. تولى الحكم سنة 148 ق.م، ربط علاقات ودية متينة من روما، إلى حد يمكن تفسير بعض إجراءته بالتبعية لها، فقد ساند الرومان مثلا في حملاتهم التوسعية، بإرسال جيش بقيادة يوغرطة 134ق.م للمساهمة في حرب نومنصة بإسبانيا، كما منح تسهيلات تجارية كبيرة للرومان، الشئ الذي استغله هؤلاء لتنمية مصالحهم الاقتصادية بنوميديا وغرس جالية رومانية ستكون ورقة سياسية خطيرة بيد روما.

ج-مستنبعل: هو ملك نوميديا الموحدة ووالد يوغرطة ابن ماسينيسا حكم نوميديا بعد وفاة اخوته وتولى السلطة القضائية.

د-يوغرطة: ولد يوغرطة خلال سنة 118ق.م وهو ابن مستنبعل أخ الملك ميسيبسا  ابن الملك ماسينسيا وهو من القبائل المسالمة في الشرق الجزائري، كفله عمه ميسيبسا بعد وفاة والده، شارك معه في عدة حروب ضد الاسبان كحليف للروم تحت قيادة يوغرطة، بدأت الحرب بين يوغرطة وروما عندما قام بقتل العديد من التجار الرومان وأظهر طموحه لتوحيد نوميديا تحت حكمه. استمرت الحرب لمدة سبع سنوات، حيث حقق يوغرطة عدة انتصارات على القوات الرومانية، لكنه تعرض للخيانة من قبل بوكوس الأول، ملك موريطانيا، الذي سلم يوغرطة إلى الرومان أين تم شنقه بإحدى ساحات روما 104 ق.م.

2-مملكة موريطانيا:

شكلت مملكة موريطانيا لوحة تاريخية متكاملة في شمال أفريقيا، حيث برزت كمركزا حضاريا متميزا انتقل من نظام الممالك المحلية إلى المقاطعات الرومانية. وقد تمثلت في مملكتين هما:

أ-موريطانيا الطنجية: كانت مملكة قديمة ثم أصبحت مقاطعة رومانية في أقصى غرب شمال أفريقيا، شملت ما يُعرف اليوم بشمال المغرب وجزء من الجزائر الغربية، وكانت عاصمتها طنجة (تينجيس). يحدها شرقاً موريطانيا القيصرية، وغرباً المحيط الأطلسي، وشمالاً البحر المتوسط، وجنوباً سلسلة جبال الأطلس.

تطور حكمها من نظام ملكي محلي تحت حكم ملوك أمازيغيين، أشهرهم بوخوس الأول وبوخوس الثاني، إلى مقاطعة رومانية عام 40 م بعد مقتل الملك بطليموس على يد كاليجول.

تميزت المنطقة باقتصاد متنوع اعتمد على الزراعة، خاصة إنتاج الزيتون والحبوب، وتربية الماشية، والتجارة البحرية عبر موانئها المهمة مثل طنجة وليكسوس. شهدت المنطقة امتزاجاً حضارياً بين الثقافة المحلية الأمازيغية والتأثيرات الفينيقية والرومانية، وتركت آثاراً عمرانية مهمة مثل مدينة طنجة القديمة. استمرت المقاطعة تحت الحكم الروماني حتى القرن الخامس الميلادي، حيث تعرضت لغزوات الوندال ثم دخلت تحت الحكم البيزنطي.

ب-موريطانيا القيصرية: كانت مملكة قديمة ثم تحولت إلى مقاطعة رومانية في شمال أفريقيا، امتدت على طول الساحل المتوسطي في ما يعرف اليوم بالجزائر الوسطى والغربية، الجزائر في العصور القديمة، كان يحدها شرقاً نوميديا وغرباً موريطانيا الطنجية وجنوباً الصحراء الكبرى. اشتق اسمها من "موري" نسبة إلى السكان الأصليين، وأضيفت "القيصرية" نسبة للإمبراطور كلوديوس.

مرت المنطقة بمرحلتين تاريخيتين رئيسيتين: الأولى تحت حكم الملوك المحليين مثل ماسينيسا ويوبا الثاني، والثانية كمقاطعة رومانية بعد تقسيم المملكة عام 40 م، وتميزت المنطقة باقتصاد متنوع اعتمد على الزراعة، خاصة القمح والزيتون والعنب، والتجارة البحرية والبرية. أما اجتماعياً، فقد تكونت من مزيج من السكان الأصليين (الموريين) والرومان واليهود والأفارقة. عاصمتها كانت قيصرية (شرشال حالياً) وتميزت بعمارة متطورة شملت المسارح والحمامات والمعابد والأسواق. واجهت المنطقة في نهايتها تحديات كبيرة تمثلت في الثورات المحلية والضغوط الخارجية والأزمات الاقتصادية.

3. ثانيا-التوسع الفينيقي في شمال إفريقيا

1-من هم الفينيقيون؟

الفينيقيون شعب سامي متفرع عن الكنعانيين استوطنوا الساحل السوري، بداية من القرن 12 ق.م، اشتغلوا بالتجارة والملاحة وبرعوا في صناعة السفن، كانوا يمتلكون تجارة شرق البحر المتوسط، ولكنهم اصطدموا بمنافسة الإغريق اليونان، وسعوا مناطق نفوذهم إلى شمال إفريقيا، وصقلية واسبانيا، وبنوا محطات تجارية لهم على طول الساحل المتوسطي المغربي، فأنشؤوا بداية مدينة أوتيكة(المدينة العتيقة) بتونس سنة 1101 ق.م، ثم بنوا قرطاج (المدينة الجديدة) سنة 814 ق.م التي أصبحت عاصمة لهم بعد سقوط صور والمدن الفينيقية السورية بيد الآشوريين.

2-دوافع التوسع الفينيقي في شمال افريقيا:

من خلال ما تقدم في الخريطة يتضح جليا بأن الفينيقيون أتوا من الساحل الشرقي للبحر الأبين المتوسط بهدف التوسع نحو شمال إفريقيا، ويرجع ذلك إلى جملة من الدوافع الموضحة فيما يلي:

1-الدوافع التجارية:

  • البحث عن أسواق جديدة
  • السيطرة على طرق التجارة البحرية
  • الوصول إلى مصادر المعادن الثمينة.

2-الدوافع السياسية:

  • الضغط الآشوري على المدن الفينيقية
  • البحث عن مناطق نفوذ جديدة
  • تأمين الموانئ الاستراتيجية.

وقد تمت مرحلة التوسع على مرحلتين هما:

المرحلة الأولى ما بين 1100-900ق.م: خلال هذه الفترة بدأت الحضارة الفينيقية مرحلة استكشافية مهمة على سواحل شمال أفريقيا. في هذه المرحلة الأولى، اقتصرت أنشطتهم على استطلاع السواحل وإنشاء محطات تجارية مؤقتة، حيث حرصوا على بناء علاقات أولية مع السكان المحليين البربر. كانت هذه الخطوات الأولى تهدف إلى فهم طبيعة المنطقة وإمكاناتها التجارية والاقتصادية.

المرحلة الثانية ما بين 900-600 ق.م: وفيها انتقلت الأنشطة الفينيقية إلى مستوى أكثر تعقيدا وعمقا، حيث تحولوا من مجرد زوار مؤقتين إلى مؤسسين دائمين. وتُعد تأسيس مدينة قرطاجة عام 814 قبل الميلاد نقطة تحول استراتيجية، حيث أصبحت المدينة مركزاً تجارياً وحضارياً رئيسياً. عملوا خلال هذه الفترة على توسيع شبكة مراكزهم التجارية على طول السواحل الأفريقية، مما مهد الطريق لتأثير حضاري عميق في المنطقة.

3-نتائج التوسع الفينيقي في شمال إفريقيا:

شكّل التأثير الفينيقي في شمال أفريقيا منظومة متكاملة من التأثيرات الاقتصادية والثقافية. فعلى الصعيد الاقتصادي، طوّر الفينيقيون نظاماً تجارياً متطوراً اعتمد في البداية على نظام المقايضة، ثم انتقل لاحقاً إلى استخدام العملة القرطاجية كوسيلة للتبادل التجاري. برعوا في تطوير طرق التجارة وفتح أسواق جديدة، مما وسّع نطاق تأثيرهم الاقتصادي.

وازدهرت تحت أيديهم صناعات متعددة أثرت بشكل جذري في الاقتصاد المحلي، مثل صناعة الأرجوان الشهيرة التي اشتهروا بها، وصناعة الزجاج المتقدمة، وصناعة السفن التي مكّنتهم من التوسع البحري. أما على الصعيد الثقافي، فكان للفينيقيين بصمة واضحة في مجال الكتابة، حيث انتشرت أبجديتهم بسرعة وتطورت إلى الكتابة البونية، تاركين إرثاً كتابياً غنياً من النقوش والكتابات. كما برع الفينيقيون في الفنون والعمارة، مطورين أساليب معمارية فريدة وإبداعات في النحت والفخار والزخارف، مما أثرى المشهد الثقافي للمنطقة بتراث فني متميز.

أما من ناحية المستوطنات الفينيقية فقد بنوا العديد من المدن على الساحل الجزائري مثل: هيبون (عنابة)، روسيكاد (سكيكدة)، صلداي (بجاية)، إيكوزيم (الجزائر العاصمة)، تيبازا وإيول (شرشال)، وموريسطاقا (مستغانم). 

4. ثالثا-علاقة الفينيقيين بالسكان المحليين(البربر)

تميزت علاقة الفينيقيين بالأمازيغ أو البربر السكان المحليين بشمال افريقيا بالتعقد، حيث تأثرت بالتفاعل والتبادل الثقافي والاقتصادي والاجتماعي. ويمكن تلخيص هذه العلاقة في عدة محاور رئيسية:

  1. التبادل التجاري: شكل التبادل التجاري أساس التواصل الأول بين الفينيقيين والأمازيغ. قدم الفينيقيون سلعاً متطورة مثل الأقمشة والمعادل المصنعة، بينما قدم الأمازيغ المواد الخام كالمعادن والمنتجات الزراعية. كانت الموانئ مثل قرطاجة مراكز رئيسية لهذا التبادل.
  2. التأثير الثقافي والحضاري: حدث تبادل ثقافي عميق بين الطرفين. تعلم الأمازيغ من الفينيقيين الكتابة والصناعات المتقدمة، فيما نقل الأمازيغ للفينيقيين معرفتهم المحلية بالأرض والزراعة. ظهرت الثقافة البونية كنتيجة مباشرة لهذا التفاعل.
  3. العلاقات الاجتماعية: حدث اختلاط اجتماعي واسع من خلال الزواج المختلط وتبادل السكان. نشأت مجتمعات مشتركة في المدن الساحلية، وتكونت طبقة متمازجة من التجار والحرفيين.
  4. التحالفات والصراعات: لم تكن العلاقة سلمية دائماً. شهدت المنطقة فترات من التحالفات السياسية وأخرى من الصراعات، خاصة عندما حاولت قرطاجة التوسع في المناطق الداخلية.
  5. التأثير اللغوي: تأثرت اللغات المحلية بالتأثيرات الفينيقية، وظهرت لغة البونية كلغة مشتركة في بعض المناطق.
  6. الممارسات الدينية: حدث تبادل في الممارسات الدينية، حيث تأثر الأمازيغ ببعض الطقوس الفينيقية، وانتشرت عبادات مشتركة.

وعليه فهذه العلاقة المعقدة كانت أشبه بـ "تحالف استراتيجي" مبني على المصالح المشتركة والتكامل الاقتصادي والثقافي، وليس مجرد علاقة استعمارية بسيطة.

5. خاتمة

في ختام هذه المحاضرة حول الممالك البربرية وعلاقتهم بالفنيقيين في شمال أفريقيا، يتضح أن هذه الحضارة كانت أكثر من مجرد قوة تجارية عابرة، حيث مثّل الفينيقيون نموذجا للتوسع الحضاري القائم على الانفتاح والتبادل الثقافي، واستطاعوا أن يتركوا بصمة عميقة في المنطقة، ولم يكن توسعهم مجرد غزو عسكري، بل كان عملية تفاعل حضاري معقدة أسست لنموذج فريد من التعايش والتبادل الثقافي. وشكلت تجربتهم في شمال أفريقيا مختبراً حياً للتواصل بين الحضارات، حيث مزجوا بين مهاراتهم التجارية وقدرتهم على الاندماج مع الثقافات المحلية.