محتوى المحاضرة الثالثة
2. أولا-الممالك البربرية في شمال افريقيا
قدم البربر أو الأمازيغ إلى شمال إفريقيا من جنوب غرب آسيا أي من الشام أو اليمن، واستوطن بعضهم في مصر ورحل أكثرهم إلى شمال إفريقيا وكان ذلك منذ أكثر من 5600 سنة ، وقد تأخر ظهور الدول والممالك البربرية في شمال أفريقيا إلى القرن الثالث قبل الميلاد، ويرجع ذلك إلى طبيعة المجتمع البربري القبلي القائم على الترحال، والذي لا يدين بالولاء إلا لزعيم القبيلة، وقد كان احتكاكهم بالقرطاجيون سببا في ظهور دولتهم وكانت مملكة نوميديا الشرقية أو تلك الدول نشأة.
1-مملكة نوميديا:
1.1-بدايات تشكل المملكة النوميدية:
النوميد أطلق هذا الاسم منذ القرن الثالث قبل الميلاد عل المملكة النوميدية التي أسسها ماسينيسا (148- 203ق م) اذ تعتبر أول فترة تتشكل فيها نواة استقرار الدولة الأمازيغية وهي أكثر الفترات التي أثرت بشكل فعال ومباشر في تشكيل الصبغة الشاملة للمنطقة. كشعب وكقوة سياسية تبسط سيادتها على منطقة واسعة تمتد من حدود قرطاج شرقا إل وادي ملوية غربا، وقبل ذلك كانت مقسمة إلي قسمين: نوميديا الشرقية (ماسيليا) بقيادة سيفاقس الذي سيكون حليف الفينيقيين ونوميديا الغربية (ممكلة ماسيسيليا).
أ-مملكة نوميديا الشرقية: ترجع إلى قبائل الماسيل وقد برزت هذه المملكة في القرن الثالث قبل الميلاد، وكانت تغطي الشرق الجزائري وغرب تونس، لكن حدودها كانت متغيرة وخاضعة للوضعية السياسية والعسكرية التي تغلب في إفريقيا الشمالية، وكانت سلطة ملك الماسيل في بداية الحروب البونيقية تمتد على الأوراس والشرق القسنطيني، وكانت تغطي مناطق غنية أكثر من المملكة الغربية كالهضاب العليا، وبعد الحرب البونيقية تمكن ماسينيسا الذي حمل شعار افريقيا للأفارقة من أن يعيد الوحدة السياسية لنوميديا.
ب-مملكة نوميديا الغربية: الماسيسيل: وهي نسبة إلى قبائل الماسيسيل Masaesyles الذين ظهرو كقوة منذ أواخر القرن الثالث ق.م وأوائل القرن الثاني، والذين دخلوا في حسابات المتنازعين خلال الحرب البونيقية الثانية، والتي كان على رأسها أنذاك سيفاقص الذي نعته المؤرخ الروماني Titus Livius بأنه الملك الأقوى في كل إفريقيا، والذي امتدت من وادي ملوية (شمال شرق المغرب) إلى رأس تريتون أو رأس بوقارون (أو ما يصطلح عليه برأس ذو القرون، أو سبعة رؤوس وهو رأس بحري جزائري يقع في ولاية سكيكدة) وهي المملكة التي كانت تغطي مساحة واسعة، حيث تمتد من شرق المغرب إلى الشرق الجزائري، واعتبرت سيغاSiga عاصمة لها (قرب عين تموشنت حاليا).
والصورة الآتية توضح المملكتين النوميديتين في شمال إفريقيا:
في أعقاب الحرب البونية الثانية أو البونيقية تغيرت معالم المملكة النوميدية واتسعت مملكة ماسينيسا على حساب مملكة سيفاقص فامتدت من مدينة سيغا غربا إلى حدود قرطاجة شرقا.
تأسست مملكة نوميديا في القرن الثالث قبل الميلاد، وتحديدًا بعد انتصار الرومان على قرطاج في الحرب البونيقية الثانية (218-201 قبل الميلاد). كان الملك ماسينيسا، الذي حكم مملكة الماسيل، هو الشخصية الرئيسية في توحيد القبائل النوميدية تحت راية واحدة، مما أدى إلى تأسيس مملكة نوميديا الموحدة
. أسباب التوحيد اعتمد ماسينيسا على عدة استراتيجيات لتحقيق هذا التوحيد:
- التحالفات السياسية: استغل العلاقات الأسرية والمصاهرات مع زعماء القبائل لتعزيز سلطته.
- الجيش القوي: أنشأ جيشًا منظمًا يجمع بين المشاة والفرسان، مما ساعده في الانتصار على خصومه مثل سيفاكس، ملك الماسيسيل
- الشعور الوطني: استثمر في الهوية النوميدية والمشاعر الدينية لتعزيز الوحدة بين القبائل المختلفة
الإنجازات خلال فترة حكمه التي استمرت حوالي 60 عامًا (202-148 قبل الميلاد)، قام ماسينيسا بعدة إصلاحات:
- تطوير الزراعة: شجع على الاستقرار وزراعة الحبوب، مما ساهم في ازدهار الاقتصاد النوميدي.
- إصدار العملة: صك عملات تحمل صورته وصور ملوك آخرين، مما يدل على قوة المملكة الاقتصادية
- بناء المدن: أسس مدنًا جديدة مثل سيرتا (قسنطينة حاليًا) التي أصبحت عاصمة المملكة.
2.1-أهم ملوك البربر:
أ-ماسينسيا: كان أعظم ملوك البربر القدماء، وأكثرهم ملكا وأوسعهم أرضا، وأقواهم جيشا، الذي نظمه على الطريقة الرومانية، واحسنهم إدارة لملكه، وأقواهم إقتصادا، اسس أكبر أسرة حاكمة، ملكت البلاد النوميدية مدة قرن، ثم البلاد الموريتانية لأكثر من ستين سنة.
ب-مسيبسا Micipsa (ميكيبسا): وهو الابن الأكبر لمسينيسا تولى الحكم بعد وفاة أبيه ينة 148 ق.م، لكنه لم يكن بشجاعة أبيه ومنزلته. تولى الحكم سنة 148 ق.م، ربط علاقات ودية متينة من روما، إلى حد يمكن تفسير بعض إجراءته بالتبعية لها، فقد ساند الرومان مثلا في حملاتهم التوسعية، بإرسال جيش بقيادة يوغرطة 134ق.م للمساهمة في حرب نومنصة بإسبانيا، كما منح تسهيلات تجارية كبيرة للرومان، الشئ الذي استغله هؤلاء لتنمية مصالحهم الاقتصادية بنوميديا وغرس جالية رومانية ستكون ورقة سياسية خطيرة بيد روما.
ج-مستنبعل: هو ملك نوميديا الموحدة ووالد يوغرطة ابن ماسينيسا حكم نوميديا بعد وفاة اخوته وتولى السلطة القضائية.
د-يوغرطة: ولد يوغرطة خلال سنة 118ق.م وهو ابن مستنبعل أخ الملك ميسيبسا ابن الملك ماسينسيا وهو من القبائل المسالمة في الشرق الجزائري، كفله عمه ميسيبسا بعد وفاة والده، شارك معه في عدة حروب ضد الاسبان كحليف للروم تحت قيادة يوغرطة، بدأت الحرب بين يوغرطة وروما عندما قام بقتل العديد من التجار الرومان وأظهر طموحه لتوحيد نوميديا تحت حكمه. استمرت الحرب لمدة سبع سنوات، حيث حقق يوغرطة عدة انتصارات على القوات الرومانية، لكنه تعرض للخيانة من قبل بوكوس الأول، ملك موريطانيا، الذي سلم يوغرطة إلى الرومان أين تم شنقه بإحدى ساحات روما 104 ق.م.
2-مملكة موريطانيا:
شكلت مملكة موريطانيا لوحة تاريخية متكاملة في شمال أفريقيا، حيث برزت كمركزا حضاريا متميزا انتقل من نظام الممالك المحلية إلى المقاطعات الرومانية. وقد تمثلت في مملكتين هما:
أ-موريطانيا الطنجية: كانت مملكة قديمة ثم أصبحت مقاطعة رومانية في أقصى غرب شمال أفريقيا، شملت ما يُعرف اليوم بشمال المغرب وجزء من الجزائر الغربية، وكانت عاصمتها طنجة (تينجيس). يحدها شرقاً موريطانيا القيصرية، وغرباً المحيط الأطلسي، وشمالاً البحر المتوسط، وجنوباً سلسلة جبال الأطلس.
تطور حكمها من نظام ملكي محلي تحت حكم ملوك أمازيغيين، أشهرهم بوخوس الأول وبوخوس الثاني، إلى مقاطعة رومانية عام 40 م بعد مقتل الملك بطليموس على يد كاليجول.
تميزت المنطقة باقتصاد متنوع اعتمد على الزراعة، خاصة إنتاج الزيتون والحبوب، وتربية الماشية، والتجارة البحرية عبر موانئها المهمة مثل طنجة وليكسوس. شهدت المنطقة امتزاجاً حضارياً بين الثقافة المحلية الأمازيغية والتأثيرات الفينيقية والرومانية، وتركت آثاراً عمرانية مهمة مثل مدينة طنجة القديمة. استمرت المقاطعة تحت الحكم الروماني حتى القرن الخامس الميلادي، حيث تعرضت لغزوات الوندال ثم دخلت تحت الحكم البيزنطي.
ب-موريطانيا القيصرية: كانت مملكة قديمة ثم تحولت إلى مقاطعة رومانية في شمال أفريقيا، امتدت على طول الساحل المتوسطي في ما يعرف اليوم بالجزائر الوسطى والغربية، الجزائر في العصور القديمة، كان يحدها شرقاً نوميديا وغرباً موريطانيا الطنجية وجنوباً الصحراء الكبرى. اشتق اسمها من "موري" نسبة إلى السكان الأصليين، وأضيفت "القيصرية" نسبة للإمبراطور كلوديوس.
مرت المنطقة بمرحلتين تاريخيتين رئيسيتين: الأولى تحت حكم الملوك المحليين مثل ماسينيسا ويوبا الثاني، والثانية كمقاطعة رومانية بعد تقسيم المملكة عام 40 م، وتميزت المنطقة باقتصاد متنوع اعتمد على الزراعة، خاصة القمح والزيتون والعنب، والتجارة البحرية والبرية. أما اجتماعياً، فقد تكونت من مزيج من السكان الأصليين (الموريين) والرومان واليهود والأفارقة. عاصمتها كانت قيصرية (شرشال حالياً) وتميزت بعمارة متطورة شملت المسارح والحمامات والمعابد والأسواق. واجهت المنطقة في نهايتها تحديات كبيرة تمثلت في الثورات المحلية والضغوط الخارجية والأزمات الاقتصادية.