2. الحياة السياسية في دول الشمال

1- دولة الغساسنة:

أصل الغساسنة:

 اختلــــف المؤرخــــون مــــن عــــرب وعجــــم حــــول أصــــل الغساســــنة وتــــاریخهم وملــــوكهم ، فالبیزنطیون مثلا إكتفوا بـذكر مـن كـان لـه علاقـة بهـم وتعامـل معهـم ، فـي حـین أن المـؤرخین العرب وضعوا قائمة طویلة بأسماء الأمراء القدماء وسادتهم ، وتاریخ الغساسنة تاریخ غـامض لقلـة المصـادر ولإمتـزاج الحقـائق فیـه بالأسـاطیر ولضـیاع معظـم أثـار بنـي غسـان ، وتختلـف المصادر العربیة فـي عـدد ملـوك الغساسـنة وأسـمائهم وسـنین حكمهـم ، ویرجـع هـذا الاخـتلاف إلـى اخـتلاط أخبــار آل غسـان بالقبائـل العربیــة التـي ســبقتهم إلـى بـلاد الشــام ، ومـن أســباب الاخـتلاف أیضـا إقتصـار مـؤرخي العـرب علـى الناحیـة الأدبیـة مـن تـاریخ الغساسـنة وإ همـال  تاریخهم السیاسي .

 یرجع أصل الغساسنة إلى قبائل الأزد التي هاجرت من جنوب بلاد العرب بعد حـدوث  سـیل العـرم وانهیـار سـد مـأرب ، حیـث تفرقـوا فـي الـبلاد فلحقـت الأوس والخـزرج بیثـرب مـن أرض الحجـاز ، ولحقـت خزاعـة بمكـة ومـا حوالیهـا مـن أرض تهامـة ، ولحقـت وادعـة وبحمـد وخزام ومیدعان ولهب وغامـد ویشـكر وبـارق وغیـرهم بالشـراة ولحـق مالـك بـن عثمـان بـن أوس  بـالعراق ، ولحقــت جفنــة وآل محــرق بــن عمــرو بـن عــامر وقضــاعة بالشــام ، فلمــا اســتق

هجرة الغساسنة وقیام مملكتهم:

 هاجر الغساسنة من الیمن إلى بلاد الشام بعد انهیار سد مـأرب وسـیل العـرم ولكـن هـذه المصادر لم تحدد زمن حدوث سیل العـرم وتهـدم سـد مـأرب ، وهنـاك بعـض الروایـات العربیـة تذهب إلى انهیار سد مأرب كان قبـل البعثـة المحمدیـة بأربعـة قـرون ، وبعضـها الأخـر یـذهب إلـى أن حدوثـه كـان فـي القـرن الخـامس مـیلادي ،

هنـاك عوامـل سیاسـیة واقتصـادیة لهجـرة الغساسـنة مـن الـیمن ، مـن العوامـل السیاسـیة الصـــراع المســـتمر علـــى الســـلطة والانشـــقاقات القبلیـــة ونشـــوب الفـــتن وخـــراب العمـــران ، أو الضغوط الخارجیة على بلاد الیمن . وهنـــاك عوامــل اقتصــادیة فأهـــل الــیمن كــانوا یســیطرون علـــى الطــرق التجاریــة البریـــة والبحریة ویحتكرون التجارة لوحدهم ، مما جعلهم عرضة لأطماع القوى الكبرى التي یتـاجرون معها وفي مقدمتها الدولة الرومانیة . هـذه العوامـل السیاسـیة والاقتصـادیة أدت إلـى هجـرة الغساسـنة ، حیـث بـاعوا أراضـیهم  وساروا مع عمرو بن عام  حتى نزلوا بلاد عك فحاربتهم .

اتخـــذ البیزنطیـــون مـــن الغساســـنة حلفـــاء ضـــد الفـــرس فـــي الشـــرق وهكـــذا أصـــبح  الغساســنة دولــة تابعــة للــروم البیــزنطیین وقــد عاهــد البیزنطیــون الغساســنة أن یمــدوهم دومــا بقـوات عسـكریة لمحاربـة القبائـل العربیـة ، مقابـل المعونـات العسـكریة التـي یقـدمها الغساسـنة للبیـزنطیین إذا وقعـت حـرب بیـنهم وبـین الفـرس الساسـانیین ، واسـتطاع الغساسـنة أن یوسـعوا مناطق نفوذهم إلى دمشق وتدمر وفلسطین ولبنان . الجــدیر بالــذكر أن العاصــمة السیاســیة للغساســنة كانــت فــي البــدء مخیمــا متــنقلا ، ثــم استقرت بعد ذلك في "الجبایة" في منطقة الجولان جنوب غربي دمشق ، كما كانت في بعض  الوقت في منطقة "جلق" جنوب حوران ، والتـي ربمـا كانـت "الكسـوة" الحالیـة والتـي تبعـد عشـرة أمیال جنوبي دمشق 

ملوك الغساسنة:

یختلـف المؤرخـون العـرب والغربیـون فـي عـدد الملـوك الـذین تولـوا حكـم الغساسـنة ، كمـا  یختلفـون فــي تـرتیبهم وســنين حكمهـم ، فــذكر حمــزة الأصـفهاني أن ملــوك غسـان كــانوا اثنــین وثلاثین ملكا حكموا نحو 600 عام ، وذكر أبو الفـدا أنهـم كـانوا ثلاثـین ملكـا ، بینمـا یـرى كـل من المسعودي وابن قتیبة أنهم كانوا أحد عشر ملكا فقط .

سنكتفي بالحدیث والكلام على أهم ملوك الغساسنةوأكثرهم ذكراً وهم : عمـرو بـن جبلـة (الحارث الأكبر)

 ــــــ عمرو بن جبلة (الحارث الأكبر : تــــذكر الروایــــات أن أول ملــــوك الغساســــنة هــــو عمــــرو بــــن جبلــــة ، ویعــــرف عنــــد الإخبــاریین بـــ (الحــارث الأعــرج) وبـــ (الحــارث الأكبــر) وكانــت مــدة حكمــه مــن ســنة (528م ــــــ569)  ، وهـــو أول شخصـــیة صـــحیحة فـــي تـــاریخ آل جفنـــة ، وكـــان یعاصـــر الإمبراطـــور جسـتنیان ملـك الـروم وكسـرى انـو شـروان ملـك الفـرس والمنـذر الثالـث ملـك الحیـرة ، وقـد رقـاه الإمبراطـــور جســـتنیان إلـــى رتبـــة بتركیـــوس وفـــیلارك أو ملـــك ، وهـــي ثـــاني رتبـــة فـــي الدولـــة البیزنطیة بعد لقب الإمبراطـور ، والظـاهر أنـه كـان یقصـد بـذلك أن یقـیم منـه خصـما قویـا فـي 2 وجه المنذر ملك الحیرة، والمنذر بن الحارث ، وجبلة بن الأیهم.

وصلت دولة الغساسـنة فـي عهـد الحـارث بـن جبلـة ذروة اتسـاعها ، فقـد كانـت تمتـد مـن قـرب البتـراء إلـى الرصـافة شـمالي تـدمر وتشـمل البلقـاء والصـفا وحـران ، وأصـبحت "بصـرى" التـي بنیـت "كاتـدرائیتها" فـي عـام 512م العاصـمة الدینیـة فـي المنطقـة ، فضـلا عـن شـهرتها 1 كمركز تجاري هام.

 2- مملكة الحيرة أو المنادرة:

المناذرة أو اللخميون من القبائل العربية التي ذكرت بعض الروايات أنهم هاجروا من اليمن على أثر تصدع سد مأرب والسيل العرم»، وفي أول الأمر نزلت هذه القبائل في منطقة البحرين حيث استقرت قبائل التنوخت ومخالفت معها. وفي أواخر عهد الدولة البارثية، وقبيل قيام الدولة الساسانية في بلاد فارس نزحت هذه القبائل إلى منطقة الحيرة والأنبار في جنوبي نهر الفرات. ولم يلبث أن تألق نجم مملكة الحيرة العربية في هذه المنطقة..

وقد اضطرت دولة المناذرة أو مملكة الحيرة للخضوع لدولة الفرس الساسانيين، كما خضعت إمارة الغساسنة للدولة البيزنطية، ونتيجة لتبعية هاتين الإمارتين العربيتين للدولتين الأجنبيتين المتنافستين فقد دخلت دولنا المناذرة والفاسنة في حروب طاحنة فيما بينهما، سفكت فيها دماء غزيرة، وذلك بتحريض دولتي الفرس والبيزنطيين. ولقد ظل الحال في هاتين الإمارتين على هذا المنوال، إلى أن اجتاحت جيوش العرب المسلمين أراضيهما، واندمجا في كيان الدولة العربية الفتية.

أشهر ملوك مملكة الحيرة:

جذيمة الأبرش ( جذيمة الوضاح ): هو أول ملوك العرب الجنوبيين الذين اتخذوا من الحيرة مقاما لهم، ويصفه الطبري بأنه من أفضل ملوك العرب رأيا وأبعدهم منارا وأشدهم نكاية وأظهرهم حزما، وأول من استجمع له الملك بأرض العراق وضم إليه العرب وغزا بالجيوش وكان جذيمة قد ادعى النبوة وألبس نفسه ثوب الكهانة بعد أن جان له الملك في الحيرة مما أدى إلى ارتفاع شأنه وعلو مكانته بين أهالي المدينة.

عمر بن عدي اللخمي: المؤسس الحقيقي لمملكة اللخميين في الحيرة وإليه ينسب ملوك العرب في العراق.

امرؤ القيس: تولى الحكم بعد وفاة أبيه عمرو بن عدي، وقد بلغت المملكة في عهده أقصى اتساع لها من السلطان والنفوذ، بعد أن دانت له القبائل بالولاء والطاعة، كما استطاع أن يحقق مكانة كبيرة عند الفرس والروم على السواء.

النعمان الأول: ولى النعمان الأول مملكة الحيرة بعد وفاة أبيه امرئ القيس الثاني، وتلقب بالسائح وازدهرت المملكة في عهده وبلغت شأوا بعيدا، فلما استتب له الملك قام ببناء قصر الخورنق وأقام جيشا عظيما اشتهر منه اشتهر منه كتيبتا الخيالة الدوسر ورجالها من تنوخ، والشهباء ورجالها من الفرس، وقد غزا بهما بلاد الشام أكثر من مرة.