2. السكـــان
إن الحديث عن طبيعة بلاد الرافدين يستوجب الحديث عن الأقوام البشرية التي سكنت المنطقة، وهذه الأقوام تتمثل في السومريين والساميين، فمن هذه الاقوام؟ و ما هو موطنها الأصلي؟.
أ- السومريون:
لقد اختلف العلماء والباحثين في تحديد أصل السومريين وقد وردت عدة آراء حول أصولهم ونسبهم وموطنهم:
حسب طه باقر: "هم أحد الأقوام الذين عاشوا في جهة ما من واد الرافدين في عصور ما قبل التاريخ، ثم استقروا في السهل الرسوبي منه في حدود الألف الخامسة قبل الميلاد استوطنوا في القسم الجنوبي من العراق ".
وأول شعب عرفه التاريخ من شعوب منطقة بلاد الرافدين هو الشعب السومري نسبة إلى المنطقة الجنوبية التي كانت تعرف تحت اسم (سومر) والواقعة بالقرب من المصب القديم لنهري الدجلة والفرات، إذ أن هذا المصب بدأ يتراجع نحو الجنوب بفعل انحسار ماء البحر، وتحول البحيرات إلى سهول بفعل الطمي الذي يجلبه النهران من الشمال.
ولا يزال التاريخ إلى يومنا هذا عاجزا في أن يفصل بصورة نهائية بشأن أصل السومريين والسلالة البشرية التي ينتمون إليها، والطريق الذي سلكوه وصولا إلى المنطقة.
وقد اتجه العلماء إلى البحث عن العناصر ذات الأصل السومري التي يمكن أن يوجد وجه شبه بينها وبين العناصر الأخرى سواء تعلق الأمر بالجانب الفكري أو المادي، وقد ثبت وجود تلك الروابط بين العيلاميين والسومريين مما أعطى اتجاها شرقيا لأصلهم ويتعلق الأمر هنا بمنطقة السند و بلوخستان (خارابا) من وادي السند، مستندين في ذلك على التشابه الحضاري ما بين حضارة وادي السند والحضارة السومرية، حيث شابهت في بداية تكوينها طراز الفخار السومري القديم وزخارفه في بلاد الرافدين مع نماذج وزخارف الفخار القديمة التي انتشرت جنوبا وشرقا حتى مقاطعتي خاربا(بلوخستان) وموهنجو دارا بسهول السند.
غير أن هذا الاتجاه ليس له في الواقع ما يؤكده، ذاك أن العثور على مخلفات حضارية لإحدى الحضارتين في مواقع الحضارة الأخرى لا يعني بالضرورة أن السومريين جاؤوا من الهند فالتبادل التجاري يمكن أن يكون وراء هذه المخلفات.
وذهب رأي آخر إلى الاعتقاد بأن السومريون قد وصلوا إلى جنوب بلاد الرافدين في فترة العبيد، حيث يلاحظ بروز عناصر حضارية جديدة، وأن إيران كانت مصدرهم وهذا اعتمادا على فخار العبيد الذي وجد في منطقة إيران من جهة و لتشابه عادات الدفن من جهة أخرى، ثم استمدت الحضارة السومرية خلال عصر الوركاء وازدهرت وتطورت خلال فترة جمدة نصر.
وهناك احتمال بأنهم وصلوا إلى بلاد الرافدين عن طريق أرمينيا، وبالتالي فإن أسيا الوسطى تكون هي موطنهم الأصلي، وقد نزحوا منها لاحتلال الجبال المحاذية لمنطقة القوقاز ثم انتشروا بعد ذلك من البحر الأحمر إلى الهند عن طريق الأناضول و إيران وأفغانستان لتعمير بلاد الرافدين، وعيلام على الأقل جزئيا، ثم سوس الأولى والبنجاب.
وقد اتجه بعض العلماء إلى الاعتقاد بأن السومريين كانوا يقطنون في بادئ الأمر جبال كردستان ويأوون كهوفها ثم هاجروا فيما بعد إلى العراق من هذه المرتفعات الشمالية الشرقية عن طريق أرمينيا وإيران.
بينما ذهب البعض الآخر من المهتمين بالأصول السومرية إلى اعتبارهم من الأقوام المحلية التي سكنت العراق القديم منذ العصر، وإنما لم تأت من خارج بلاد الرافدين، نزحت من الشمال نحو الجنوب.
ب- الساميـون:
بالنسبة لتسمية هذه الاقوام بـ( الساميين ) فقد أطلقه لأول مرة الباحث النمساوي ( اوغست فردريك شلوتزر ) في مقالة عن الكلدانيين عام 1781، حيث قال فيها : " من البحر المتوسط إلى الفرات، ومن ارض الرافدين حتى بلاد العرب سادت كما هو معروف لغة واحدة . ولهذا كان السوريون والبابليون والعبريون والعرب شعبا ًواحداً . وكان الفينيقيون ( الحاميون ) أيضا يتكلمون هذه اللغة التي اود ان اسميها اللغة السامية"
وهذه التسمية نسبة إلى سام بن نوح، اقتبسه شلوتزر من العهد القديم سفر التكوين الإصحاح العاشر (21-31) والإصحاح الحادي عشر ( 10 – 26) والذي يتحدث عن انساب سام بن نوح وأطلق تلك التسمية على الأقوام التي استقرت في سوريا وفلسطين والعراق منذ أقدم الأزمنة وعلى لغاتها المتشابهة، ثم استخدم المصطلح ليشمل الأقوام العربية الشمالية والأقوام الاكدية والبابلية والأشورية والكنعانية والأمورية والعبرية والأرامية وغيرها من الأقوام على حد سواء، وقد استعمل هذا المصطلح الكثير من الكتاب والمؤلفين العرب والأجانب.
اختلف الباحثون وتعددت الآراء في تحديد الموطن الأصلي للأقوام السامية؛ الغالبية منهم يتفق على أنهم من شبه الجزيرة العربية، وإنما يكمن الاختلاف ضمن حدود الجزيرة نفسها، فمنهم من يرى أنهم من المناطق الساحلية للخليج العربي وتحديداً منطقة العروض في البحرين، ويرى البعض الآخر بان اليمن هي مصدر هجرة القبائل إلى شمال الجزيرة حتى في فترة قبيل الإسلام وبعده.
ويرى آخرون بأنهم جاءوا من المنطق الشمالية الشرقية لإفريقيا بالاستناد إلى بعض المفردات المتشابهة في اللغـات السامية والحامية، ويرى الأستاذ جواد علي بأن أرض الأموريين (المناطق الغربية للفرات) هي الموطن الأصلي لهم.
وهناك من يرى أن أرمينيا وجبالها الأبرز(آرارات) هي الموطن الأصلي للساميين وهذا الرأي نراه يعتمد على النص التوراتي الوارد في سفر التكوين ( 10 : 22، 24 ) حيث يجعل الأمم السامية أبناء ( ارفخشد بن سام ) وهو الذي سميت باسمه منطقة اربخيتيس Arrapachitis الواقعة بين الحدود بين ارمينا وكردستان ، وربما أن نسبة هذه الأقوام ( السامية ) إلى هذه المنطقة راجعة إلى الرواية القائلة بان سفينة النبي نوح -عليه السلام – قد رست بالقرب من تلك المنطقة أو على جبل آرارات في منطقة يريفان (عاصمة أرمينيا)، كما جاء في الاصحاح الثامن واستقر الفلك في الشهر السابع، في اليوم السابع عشر من الشهر، على جبال اراراط.
إلا أن معظم الباحثين يتفقون على أن منطقة الجزيرة العربية وبوادي الشام والعراق كانت الموطن الأصلي للساميين ومنها اتجهوا إلى المناطق الاخصب مثل وادي الرافدين.