Aperçu des sections

  • علاق لمنور القانون المدني( النظرية العامة للالتزام) السداسي الأول 2023/2024

    • تمهيد

                      تنقسم الحقوق عموما الى حقوق سياسية وأخرى مدنية، فأما الحقوق السياسية فهي تلك التي تثبت للمواطن باعتباره عضو في جماعة سياسية معينة تخوله حق المشاركة في حكم وادارة هذه الجماعة وهي حقوق مقررة للمواطنين فقط دون الأجانب.

      أما الحقوق المدنية فهي تلك التي تثبت للأفراد مواطنين كانوا أو أجانب واللازمة لأجل ممارستهم لنشاطهم العادي في المجتمع.

       وتنقسم الحقوق المدنية بدورها إلى حقوق غير مالية وهي تلك التي لا تٌقوم بمال وبالتالي تخرج عن دائرة التعامل بحيث لا يجوز التعامل فيها، وتتمثل في حقوق الشخصية وحقوق الأسرة أو الحقوق العائلية، وإلى حقوق مالية وهي تلك التي يمكن تقويمها بمال، وتتميز بأنها قابلة للتعامل فيها، وهي نوعين: حقوق شخصية وحقوق عينية.

      وإلى جانب الحقوق المالية والحقوق غير المالية توجد حقوق ذات طبيعة مزدوجة أي فيها جانب مالي وآخر غير مالي أي فيها جانب مالي وآخر غير مالي او معنوي، وهي الحقوق الذهنية أو الحقوق المعنوية، كحق الملكية الصناعية وحق المؤلف.

       ولكل من الحقوق السابقة تشريع خاص يتكفل بتنظيمها ولقد تكفل القانون المدني الجزائري بتنظيم الحقوق المالية فقط حيث بعد ان تطرق في الكتاب الاول الى الاحكام العامة المتعلقة بتطبيق القانون والأشخاص الطبيعية والاعتبارية، خص الكتاب الثاني منه لتنظيم الحقوق الشخصية تحت عنوان: الالتزامات والعقود وهذا بموجب المواد من 53 إلى 673 منه. وخص الكتابين الثالث والرابع لتنظيم الحقوق العينية بموجب المواد من 674 الي   100 منه (الكتاب الثالث للحقوق العينية الأصلية والكتاب الرابع للحقوق العينية التبعية).

      تعريف الحق العيني: هو سلطة مباشرة يخولها القانون لشخص معين على شيء معين بذاته يكون له بمقتضاها أن يستعمله وأن ينتفع به وأن يتصرف فيه دون حاجة الحاجة إلى وساطة شخص آخر وفي حدود القانون.

      وتنقسم الحقوق العينية إلى حقوق عينية أصلية وهي التي تقوم بذاتها مستقلة من دون أن تستند في وجودها الى حق آخر تتبعه كحق الملكية والحقوق المتفرعة عنها، والى حقوق عينية تبعية وهي التي لا تقوم الا تابعة لحق شخصي تضمن الوفاء به مثل حق الرهن الرسمي والحيازي.

       تعريف الحق الشخصي: الحق الشخصي او حق الدائنية هو رابطة او حال قانونية بين شخصين يسمى أحدهما بالدائن والاخر بالمدين بموجب هذه الرابطة يكون للدائن مطالبة المدين التزامه بأداء مالي معين يتمثل في اعطاء شيء، القيام بعمل او الامتناع عن عمل. وعلى هذا يتكون الحق الشخصي من ثلاثة عناصر هي الدائن المدين وموضوع الحق خلافا للحق العيني الذي يتكون من عنصرين فقط هما صاحب الحق والشيء موضوع الحق.

      ولهذه الرابط القانونية القائمة بين الدائن والمدين وجهان:

       وجه ايجابي بالنظر اليها من زاوية الدائن وتسمى حقاً على اعتبار أن للدائن حق مطالبة المدين بأداء معين، ووجه سلبي بالنظر إليها من زاوية المدين وتسمى التزاماً على اعتبار أن المدين ملزم قانونا تجاه الدائن بأداء المعين.

       وتقتصر دراستنا على الحقوق الشخصية او الالتزامات دون الحقوق العينية، وقبل هذا يجدر بناء التمهيد لهذه الدراسة بالتعريف بنظرية الالتزام والالتزام خصوصا.

       

       

      فصل تمهيدي: مدخل الى نظرية الالتزام

       اولا: التعريف بنظريه الالتزام

       ثانيا: التعريف بالالتزام

       ثالثا: ترتيب مصادر الالتزام

      فصل تمهيدي: مدخل الى نظرية الالتزام

      اولا: التعريف بنظرية الالتزام

      1/ موضوع نظرية الالتزام: هو الحق الشخصي الذي يطلق عليه اسم الالتزام إذا نظر اليه من ناحية المدين الذي في ذمته المالية التزام بأداء معين لصالح الدائن.

       وقد درجه شراح القانون المدني على استعمال اصطلاح نظرية الالتزام بدل اصطلاح نظرية الحق الشخصي على اساس ان الناحية الغالبة في العلاقة بين الدائن والمدين هي الناحية السلبية اي الالتزام ولا أدل على ذلك من امكانية ان ينشأ الالتزام دون وجود دائن معين وقته نشوئه كما في حالة الوعد بجائزه ويمكن كذلك أن يوجد الالتزام مع عدم امكان إلزام المدين على الوفاء به كما في حالة الالتزام الطبيعي

      2/ مفهوم وأهمية نظرية الالتزام: تتضمن نظرية الالتزام بمجموعة القواعد العامة والمبادئ الكلية التي تنظم علاقات ونشاطات الأفراد ذات الطابع المالي داخل المجتمع، فهي بهذا تٌشكل العمود الفقري للقانون المدني، وهو ما أهلها لأن تكون القاعدة العامة التي يجب الوضوء اليها سواء في القانون المدني أو في القانون التجاري او في القوانين الاخرى طالما أنه لم يوجد نص خاص في هذه القوانين.

       فمثلا نظرية التصرف القانوني ونظرية التعسف في استعمال الحق ونظرية المسؤولية المدنية ليست مقصورة في تطبيقها على علاقات الأفراد فيما بينهم بل يشمل أيضا علاقاتهم بالسلطة العامة، كما تطبق على العلاقات الدولية وإن كان تطبيقها في هذا المجال وغيره يشملها من التحوير بالقدر الذي يتناسب مع خصوصية وطبيعة هذه العلاقات (فالمسؤولية الدولية والمسؤولية الإدارية جاءت نتيجة تطور المسؤولية المدنية).

      3/مميزات نظرية الالتزام: تمتاز نظرية الالتزام بالمميزات التالية

      تتضمن نظرية الالتزام مبادئ كلية: فهي لا تتضمن ولا تتناول الأحكام والقواعد التي تحكم التزام بعينه، كالتزام البائع بنقل ملكية الشيء المبيع الى المشتري، بل تتناول الأحكام الأساسية العامة التي تخضع لها الالتزامات في مجموعها بصرف النظر عن ذاتيه كل الالتزام.

       تمتاز بشيء من الثبات والاستقرار: على أساس أنها تتضمن المبادئ العامة التي تخضع لها الالتزامات في مجموعها من دون ان تتطرق الى الجزئيات والتفاصيل.

      تتميز قواعد نظرية الالتزام بالطابع النظري والمنطقي في ذات الوقت: فقد استند واضيعها أي فقهاء القانون الروماني الى المنطق وهذا بعد تجريد الالتزام من ذاتية موضوعه وشخصية طرفيه. 

      4/تطور نظرية الالتزام: يرجع أصل صياغة نظرية الالتزام الى القانون الروماني ثم انتقلت بعدها الى القانون الفرنسي، وتعرضت الى اعادة صياغتها وبلورتها على يد الفقيهين دوما Domat وبوتيه Pothier، وقد استمد المشرع الجزائري أحكام نظرية الالتزام كغيره من القوانين العربية من القانون الفرنسي مع تكملتها ببعض أحكام الشريعة الإسلامية.

                       وتعد نظرية الالتزام أكثر أجزاء القانون ثباتا واستقراراً، لما تتصف به من تجريد ومنطقية، إلا أنها تخضع لسنة التطور كباقي الشرائع والنظم الدنيوية الأخرى حيث نالها بعض التغيير والتطوير من حيث الصياغة القانونية ومن حيث فكرة الالتزام بذاته.

      فمن حيث الصياغة القانونية لم يكن القانون الروماني يعرف القاعدة المعروفة اليوم وهي قاعدة كل من سبب بخطائه ضرر للغير يلزم بالتعويض كما لم يعرف مبدأ الرضائية في العقود، حيث كان الأصل في ظله هو شكلية العقود.

      أما فكرة الالتزام ذاتها فقد تطورت تحت تأثير تطور الظروف الاجتماعية والاقتصادية والأدبية، حيث يظهر تأثير الظروف السياسية والاجتماعية على فكرة الالتزام خصوصا بعد انتصار المذاهب الاشتراكية على حساب المذهب الفردي، وهو الذي ترتب عليه تراجع مبدأ سلطان الإرادة وظهور العقود الموجهة التي يتكفل القانون بوضع أهم شروطها بدل إرادة المتعاقدين كعقد العمل وعقد التأمين وعقد الشركة.

                      أما التطور الاقتصادي فقد أدى إلى ظهور نظريات وقواعد جديدة تثمن باقي القواعد التي تضمنتها نظرية الالتزام مثلا نظرية تحمل التبعة وعقد التزام المرافق العامة وإقامة المسؤولية المدنية على أساس الضرر أما العوامل الأدبية فقد ساهمت في ظهور مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود كما في المادة 108 ق م ونظرية الإثراء بلا سبب ونظريتا الغبن والاستغلال.

       ثانيا: مفهوم الالتزام

      1/تعريف الالتزام: يتنازع تعريف الالتزام مذهبان مذهب شخصي ينظر الى الالتزام على أنه رابطة بين شخصين ويمثل هذا الاتجاه المدرسة اللاتينية ومذهب مادي ينظر الى الالتزام على أنه رابطه بين ذمتين ماليتين ويمثل هذا الاتجاه المدرسة الجرمانية.

       

      أ- المذهب الشخصي في الالتزام: يعني هذا المذهب بالناحية الشخصية في الالتزام على حساب محل الالتزام، حيث يعتبر الالتزام رابطة بين شخصين شخص المدين وشخص الدائن، ويأخذ فيها خصوصا شخص المدين بعين الاعتبار، وعليه يعطي هذا المذهب للدائن سلطه على شخص المدين تشبه السلطة المقررة لصاحب الحق العيني على الشيء محل الالتزام فقد كان القانون الروماني يعطي في ظله للدائن حق حبس المدين ان هو لم يسدد الدين الذي عليه.

      ويترتب على الأخذ بهذا المذهب عدم جواز انتقال الالتزام من ناحية الدائن باعتباره حقا عن طريق حوالة الحق ومن ناحية المدين باعتباره التزام ودينا عن طريق حوالة الدين، سواء كما لا يمكن تصور وجود الالتزام بدون أحد طرفي الدائن خلافا للمذهب المادي.

      ب-المذهب المادي في الالتزام: يغلب هذا المذهب الناحية المادية في الالتزام على حساب الناحية الشخصية فيه، حيث ينظر الى الالتزام باعتباره رابطة قانونية مادية بين ذمتين ماليتين، فهو حقا في ذمة الدائن والتزاما ودينا في ذمة المدين وعليه لا يعطي هذا المذهب أي اعتبار لشخص الدائن وشخص المدين.

       ويترتب على الأخذ بهذا إمكان نشوء الالتزام بدون وجود كلا طرفين، طالما وجد محل الالتزام في ذمة شخص المدين كما هو الحال في الوعد بجائزة الموجه للجمهور والاشتراط لمصلحة من سيوجد مستقبلا، إذ يكفي فقط وجود شخص المدين وقت نشوء الالتزام.

       كما يترتب على الأخذ بهذا المذهب قابلية الالتزام للانتقال باعتبار حقاً عن طريق حوالة الحق أو باعتباره ديناً عن طريق حوالة الدين، كما يقبل الانتقال بعد الوفاة باعتباره حقا الى الورثة.

      ج-موقف المشرع الجزائري: أخذ المشرع الجزائري كقاعدة عامه بالمذهب الشخصي في الالتزام ويتجلى ذلك أساسا من خلال التعريف الوارد في نص المادة 54 من القانون المدني " …بموجبه يلتزم شخص او عدة اشخاص اخرين نحو شخص او عدة اشخاص اخرين…" فهو ينظر الى الالتزام على أنه رابطة بين أشخاص وليس رابطة بين ذمتين ماليتين.

       واستثناء من ذلك اخذ المشرع بأهم تطبيقات المذهب المادي وذلك من خلال إمكان حوالة الحق طبقا للمادة 239 ق م وإمكان حوالة الدين طبقا للمادة 251 ق م، وإمكان قيام الالتزام دون وجود دائن معين وقت نشوئه كما في الوعد بجائزة طبقا للمادة 223 مكرر ق م، وفي الاشتراط لمصلحة شخص مستقبلي أو هيئة مستقبلية طبقا للمادة 118ق م.

      2/ خصائص الالتزام: يتميز الالتزام بالخصائص التالية:

       الالتزام رابطة بين أشخاص: الالتزام رابطة بين طرفين، طرف إيجابي وهو الدائن وطرف سلبي وهو المدين، حيث يلتزم مدينا معينا بالقيام بعمل معين أو إعطاء شيء محدد لمصلحة دائن معين، وهو بهذا يتميز ويختلف عن الالتزام العام المجرد الذي تفرضه القاعدة القانونية، حيث لا يلتزم شخص بعينه فهو موجه لجميع الناس، كما يختلف عن الحق العيني الذي هو سلطة مباشرة لشخص معين على شيء معين بذاته.

      ولا يشترط في الالتزام وجود كلا طرفيه الدائن والمدين إلا عند تنفيذه إذ يمكن أن ينشأ الالتزام بوجود المدين فقط والعكس غير صحيح.

      محل الالتزام هو القيام بأداء مالي معين: هذا الأداء قد يتمثل في قيام المدين بإعطاء شيء او القيام بعمل معين لحساب الدائن كدفع مبلغ من النقود أو صنع شيء، وقد يكون الامتناع عن عمل معين كان يجوز ويمكن للمدين القيام به قبل نشوء الالتزام، كامتناع تاجر معين(مدين) عن منافسة تاجر آخر (دائن) في نشاط معين.

      وما يميز هذا الاداء أنه يمكن تقويمه بالنقود وهو بهذا يختلف عن الواجب القانوني كواجب أداء الخدمة الوطنية، ليله اعتبر بعض الفقهاء الالتزام واجب قانوني خاص.

       ويترتب على اعتبار الالتزام أداء مالي يقوم بالنقود قابليته للانتقال من شخص لآخر أثناء الحياة وبعد الموت، حيث ينتقل أثناء الحياة بحوالة الحق من دائن لآخر، وبطريق حوالة الدين من مدين لآخر، كما ينتقل إلى الورثة بوفاة الدائن باعتباره حقاً، حيث لا تنتقل الى الورثة إلا الحقوق أما ديون المدين فتسدد من تركته ولا تٌلزم الورثة بعد وفاته.

      الالتزام رابطة قانونية: أي يعتد به قانونا بحيث يمثل واجب قانوني في ذمة المدين وعليه إذا لم يقم المدين بتنفيذه باختياره وطواعية كان بوسع الدائن اجباره على تنفيذه بالطرق القانونية، وهذا ما يميزه عن الالتزام الخلقي او الديني وعن الالتزام الطبيعي.

      3/ عناصر الالتزام: يتكون الالتزام من عنصرين عنصر المديونية وعنصر المسؤولية.

      - عنصر المديونية: ويتمثل في ذلك الواجب الذي يفرض على المدين القيام بأداء معين لمصلحة شخص آخر وهو الدائن، حيث من خلال هذه المديونية تعتبر ذمة المدين مشغولة بدين معين وتبرأ ذمته بالوفاء الاختياري ولا يستطيع الدائن الإستناد الى عنصر المديونية هذا لإجبار المدين على الوفاء بالالتزام.

      -عنصر المسؤولية: ويتمثل في الحماية القانونية التي يقرها القانون لشخص الدائن حيث إذا لم يف المدين بالتزامه باختياره جاز للدائن إجباره على التنفيذ، وعليه فعنصر المسؤولية هو الذي يسند ويدعم عنصر المديونية حيث لا توجد مسؤولية دون مديونية، ومنه فالمديونية تأخذ حكم الغاية والمسؤولية تأخذ حكم الوسيلة الموصلة إليها.

                      والأصل في كل التزام توفر عنصري المسؤولية والمديونية معاً، ومع هذا يمكن أن توجد مديونية دون مسؤولية تدعمها كما هو الحال في الالتزام الطبيعي حيث لا يمكن للدائن إجبار المدين على الوفاء بالالتزام الطبيعي على الرغم من قيام عنصر المديونية وهذا لتخلف عنصر المسؤولية، ومع هذا إذا وفى المدين بالالتزام الطبيعي باختياره مع علمه بذلك كان وفاؤه صحيحا ولا يعتبر متبرعاً فهو يفي بدين مشغولة به ذمته، وبالتالي لا يمكنه إسترداد ما أداه للدائن.

                      ويمكن أن تقوم المسؤولية عن مديونية غير ذاتية، أين يكون الشخص مسؤولا عن دين ليس في ذمته هو وإنما في ذمة شخص آخر ويجبر على الوفاء به، كما هو الحال بالنسبة للكفيل الشخصي أو العيني حيث يضمن الكفيل الوفاء بدين في ذمة شخص اخر هو المدين المكفول. فاذا لم يف هذا الاخير بالدين او الالتزام الذي في ذمته جاز للدائن مطالبة الكفيل به على الرغم من أنه ليس مدينا شخصيا بهذا الدين.

      4/أنواع الالتزام: ينقسم الالتزام من حيث الحماية القانونية الى التزام مدني والتزام طبيعي، ومن حيث المحل الى التزام بإعطاء والتزام بعمل والتزام بالامتناع عن عمل، ومن حيث مدى اتصال الأداء الذي التزم به المدين بالغاية التي يسعى الدائن الى تحقيقها الى التزام بذل عناية والتزام بتحقيق نتيجة، ومن حيث المصدر المنشئ له الى التزام إرادي والتزام غير إرادي. (هذه أهم أنواع الالتزام وليست كلها، حيث سنعود للأنواع الاخرى عند البحث في احكام الالتزام).

      أ- الالتزام المدني والالتزام الطبيعي: الالتزام المدني هو ذلك الالتزام الذي يتكون من عنصري المديونية والمسؤولية معا، لذا يمكن للدائن انطلاقا من عنصر المسؤولية إجبار المدين على تنفيذ ما التزم به بالطرق القانونية، وبهذا نقول ان الدائن بالالتزام المدني يتمتع بالحماية القانونية الكافية التي تضمن له استيفاء حقه من المدين.

      أما الالتزام الطبيعي فهو ذلك الالتزام الذي يتكون فقط من عنصر المديونية ويفتقد لعنصر المسؤولية، حيث إذا لم يف المدين بالتزامه طواعية لم يكن في وسع الدائن إجباره على الوفاء به نظرا لافتقاد هذا الالتزام لعنصر المسؤولية، وبذلك نقول بأن الدائن بالالتزام الطبيعي لا يتمتع بالحماية القانونية اللازمة لاستيفاء حقه طبقا للمادة 160 الفقرة 02 ق م.

      وينشأ الالتزام الطبيعي عند افتقاد الالتزام المدني لعنصر المسؤولية، كما في حالة كما انقضاء الالتزام المدني بالتقادم، حيث طبقا للمادة 320 من القانون المدني يترتب على التقادم انقضاء الالتزام اي المدني ولكن يتخلف في ذمة المدين التزام طبيعي (كما يرتب القضاء المصري على عقد الهبة الباطلة لعيب في الشكل التزام طبيعي في ذمة الواهب، نقض مدني مصري 10 فيفري 1986).

      وطبقا للمادة 161 من القانون المدني ترك المشرع الجزائري للقاضي سلطة تقديرية في حالة عدم وجود نص تقدير ما إذا كان هناك التزام طبيعي بشرط ألا يخالف هذا الالتزام النظام العام (استنادا لهذا المبدأ قرر القضاء المصري ترتيب التزام طبيعي في ذمة الواهب في الهبة الباطلة لعيب في الشكل).

      ويقترب الالتزام الطبيعي من الالتزام المدني من حيث أن المشرع اعتد به ورتب عليه اثرين قانونيين هامين هما:

      -  إذا نفذ المدين التزامه مختارا وهو يعلم أنه يوفي بالتزام طبيعي كان تنفيذه صحيحا حيث لا يستطيع ان يسترد ما اداه للدائن فهو لا يعتبر متبرعا كما في الالتزام الاخلاقي والديني ولا هو موفيا بما هو غير مستحق عليه طبقا للمادة 162 من القانون المدني.

      -  ينقلب الالتزام الطبيعي الى التزام مدني بطريق التجديد إذا تعهد المدين الوفاء به، حيث يمكن للدائن الاستناد إلى هذا التعهد لإجبار المدين على تنفيذ التزامه طبقا للمادة 163 من القانون المدني" يمكن الالتزام الطبيعي أن يكون سبب لالتزام مدني".

      ب- الالتزام بإعطاء، الالتزام بعمل والالتزام بالامتناع عن عمل.

      - الالتزام بإعطاء: هو ذلك الالتزام بإنشاء حق عيني أو بنقله كالتزام المالك بإنشاء حق ارتفاق والتزام البائع بنقل ملكية الشيء المبيع والتزام المشتري بدفع الثمن...الخ.

      -  الالتزام بعمل: يمكن أن يكون محل الالتزام قيام المدين بعمل معين لحساب الدائن او غيره، ويكون هذا في الحالات التي يتعهد فيها المدين بممارسة نشاط معين لحساب الدائن مثل التعهد بصنع شيء ما او اصلاحه أو نقل سلعة ما او اجراء عملية جراحية...الخ.

      ومثلما يكون هذا العمل ماديا يمكن كذلك أن يلتزم المدين القيام بعمل قانوني كما هو الحال بالنسبة للالتزام الوكيل بإبرام تصرف قانوني معين نيابة عن الأصيل ولحسابه وقيام المحامي برفع دعوى لصالح موكله.

      وإذا لم يقم المدين بتنفيذ الالتزام بعمل جاز للدائن أن يطلب ترخيصا من القضاء لتنفيذه على نفقة المدين متى كان ذلك ممكنا طبقا للمادة 170 من القانون المدني، اما اذا كانت شخصية المدين محل اعتبار في الالتزام بعمل حسب الاتفاق او بحسب طبيعة الدين بحيث لا يمكن ان ينوب عنه غيره في الوفاء به كالتزام الطبيب والرسام والممثل...الخ فإن للدائن الحق في أن يرفض الوفاء بالالتزام من غير المدين  طبقا للمادة 169 من القانون المدني كما له الحق في حالة رفض المدين تنفيذ التزامه بنفسه اللجوء الى القضاء للمطالبة بالتعويض المالي او طلب فرض الغرامة التهديدية (التهديد المالي) عن كل يوم يتأخر فيه المدين عن الوفاء بالتزامه طبقا للمادة 174 ق م (لا يمكن في هذه الحالة المطالبة بالتنفيذ العيني للالتزام بعمل اي جبر المدين على الوفاء  بما التزم به، لان هذا فيه مساس بحريته الشخصية فلا يمكن مثلا إجبار فنان على إحياء سهرة فنية تعهد بها سلفا).

      -الالتزام بالامتناع عن عمل: قد يلتزم المدين بالامتناع عن عمل معين كان يمكنه القيام به قبل نشوء الالتزام، كأن يلتزم بائع المحل التجاري بعدم منافسة المشتري في نشاط معين أو في مكان معين (الامتناع عن عمل مادي)، والتزام المشتري بعدم التصرف في الشيء المبيع طبقا للشرط المانع من التصرف (الامتناع عن عمل القانوني).

      وطبقا للمادة 173 من القانون المدني إذا أخل المدين بهذا الالتزام جاز للدائن أن يطالب بإزالة ما وقع مخالفا للالتزام بالامتناع عن عمل، ويمكنه أن يحصل في سبيل ذلك على ترخيص من القضاء للقيام بهذه الإزالة على حساب ونفقة المدين.

      ج- الالتزام ببذل عناية والالتزام بتحقيق نتيجة

      - الالتزام بتحقيق نتيجة: هو ذلك الالتزام الذي يكون فيه مضمون التزام المدين يمثل الغاية التي يسعى الدائن الى تحقيقها من جراء إلزام المدين، مثل التزام البائع بنقل الملكية والتزام المشتري بدفع الثمن، فمضمون التزام البائع (المد ين) المتمثل في نقل الملكية هو نفسه هدف المشتري(الدائن) من الالتزام، ومضمون التزام المشتري (المدين) بدفع الثمن هو نفسه هدف البائع (الدائن) من الالتزام…الخ

      - الالتزام ببذل عناية:  هو ذلك الالتزام الذي لا يكون فيه مضمون أداء المدين هو الغاية والهدف النهائي الذي يسعى الدائن الى تحقيقه من وراء الزام المدين به بل يمثل فقط الوسيلة التي تؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق غاية الدائن وهدفه النهائي ولهذا يسمى هذا الالتزام أيضا بالالتزام بوسيله، مثل التزام الطبيب فهو لا يتعهد بشفاء المريض (الدائن) وإنما يتعهد بعلاجه حسب الأصول الطبية المتعارف عليها لأجل الوصول الى الهدف النهائي للمريض وهو الشفاء، حيث أن مضمون التزام الطبيب(المدين) هو العلاج(وسيلة) وهدف المريض(الدائن) هو الشفاء فالطبيب هنا لا يلتزم بتحقيق الشفاء(نتيجة) وانما يلتزم ببذل العناية اللازمة لأجل الشفاء.

       وتقسيم الالتزام إلى التزام ببذل عناية والتزام بتحقيق نتيجة لا يكون إلا إذا كان محل الالتزام هو القيام بعمل، اما إذا كان محل الالتزام إعطاء شيء أو الامتناع عن عمل فهو دوما التزام بتحقيق نتيجة.

      وتكمن أهمية هذا التقسيم خاصة في مجال إثبات تنفيذ الالتزام من عدمه، ففي الالتزام بتحقيق نتيجة لا تبرأ ذمة المدين من الالتزام إلا إذا تحققت النتيجة المقصودة من الالتزام طبقا للمادة 172 من القانون المدني، وعليه يكفي الدائن ان يثبت ان النتيجة لم تتحقق حتى يكون المدين مسؤولا عن عدم التنفيذ أو مسؤولا عن التنفيذ الناقص للالتزام دون الحاجة لإثبات اهمال المدين او عدم بدله العناية اللازمة في ذلك، ما لم يثبت هذا الاخير ان عدم تحقق النتيجة يرجع لسبب أجنبي لا يد له فيه (قوة قاهرة، فعل الغير، فعل الدائن).

      اما في الالتزام ببذل عناية تبرأ ذمة المدين من الالتزام ولو لم تتحقق النتيجة المقصودة إذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادي ما لم ينص القانون ويقضي الاتفاق بخلاف ذلك، حيث لا يكون المدين مسؤولا عن عدم تحقق النتيجة الا إذا اثبت الدائن إهمال المدين وعدم بدله من الجهد والعناية ما يبذله الشخص في تنفيذ التزامه.

       وعليه وطبقا للمادة 172 من القانون المدني يقاس مدى تنفيذ المدين لالتزامه بمعيار الرجل العادي، وهو رجل من وسط الناس لا هو شديد الحيطة والحذر، ولا هو مهمل قليل العناية، فإذا بذل المدين من العناية ما يبذله الرجل العادي هذا او أكثر يكون قد وفى بالتزامه حتى ولو لم تتحقق النتيجة المرجوة، وإلا كان مسؤولا عن ذلك أي إذا لم تصل عنايته حد عناية الرجل العادي.

      واستثناءً مما تقدم يجيز المشرع للدائن والمدين في الالتزام ببذل عناية الاتفاق على معيار آخر غير معيار الرجل العادي أي يجوز لهما الاتفاق على الاعفاء او الزيادة من قدر العناية المطلوبة من المدين في تنفيذه لالتزامه مع بقاء المدين في جميع الأحوال مسؤولا عن غشه وخطئه الجسيم في تنفيذ الالتزام طبقا للمادة 172 الفقرة 02 ق م.

       كما أن القانون في بعض الحالات يشترط على المدين أن يبذل من العناية في تنفيذ التزامه ما يبذله في شؤونه الخاصة كما في عقد عارية الاستعمال حيث طبقا للمادة 544 من القانون المدني يجب على المستعير (المدين) أن يبذل في المحافظة على الشيء المستعار العناية التي يبذلها في المحافظة على ماله الخاص بشرط أن لا تنزل عن عناية الرجل العادي، وفي عقد الوديعة بغير أجر على المودع لديه (المدين) أن يبذل من العناية في حفظ الشيء المودع لديه ما يبذله في حفظ ماله الخاص طبقا للمادة 592 ق م ( إذا كانت العارية باجر والوديعة باجر يؤخذ بمعيار الرجل العادي طبقا للقاعدة العامة).

       

      د- الالتزامات الإرادية والالتزامات غير الإرادية

       تنقسم الالتزامات من حيث مصدرها إلى التزامات إرادية والتزامات غير إرادية، أما الالتزامات الإرادية فهي تلك التي تتجه الارادة الى انشائها خاصة إرادة المدين (وجود الإرادة ضروري لوجود وقيام الالتزام على الأقل ارادة المدين) وتنشأ عن العقد بتوافق إرادة الدائن والمدين معاً، كالالتزامات التي تنشأ عن البيع والايجار...الخ، وعن الارادة المنفردة للمدين كما في الوعد بجائزة وفي الإيجاب الملزم.

       أما الالتزامات غير الارادية فهي تلك التي تنشأ من دون ان تتجه ارادة المدين إلى إنشائها فهي تنشأ بسبب مستقل عن الإرادة (وجود الإرادة او انعدامها لا يتحكم في وجود الالتزام من عدمه) وهي بذلك تلك الالتزامات التي تنشأ اما عن القانون أو العمل غير المشروع أو عن الإثراء بلا سبب.

      ومن هنا جاء تقسيم مصادر الالتزام الى قسمين مصادر إرادية وتتمثل في العقد والإرادة المنفردة ومصادر غير إرادية وتتمثل في القانون العمل غير المشروع والإثراء بلا سبب.

      ثالثا: ترتيب مصادر الالتزام

      يقصد بمصدر الالتزام السبب القانوني المنشئ له، ويرجع الى القانون نشأة جميع الالتزامات فلا يقوم اي الزام الا إذا أقره القانون واعترف به ، حيث يعتبر مصدرا غير مباشر لها لأنه يعلق نشوؤها على حدوث وقائع محددة تعد بمثابة المصدر  المباشر لها، فالالتزامات الناشئة عن العقد وعن العمل غير المشروع مصدرها القانون لان القانون هو الذي جعلها تنشأ من مصادرها فحدد اركانها وبين  أحكامها ، فهذه الالتزامات لها مصدر مباشر تنشأ عنه مباشرة وهو إما العقد ، الادارة المنفردة ، العمل غير المشروع أو الاثراء بلا سبب ،أما مصدرها غير المباشر فهو القانون.

                      غير أن هناك من الالتزامات ما يعتبر القانون بالنسبة لها مصدرا مباشرا، حيث تنشأ عنه مباشرةً من دون تدخل من جانب المدين، أي دون عمل ايجابي أو سلبي منه، كما في التزامات الجوار، الالتزام بالنفقة، الالتزام بدفع الضريبة، والالتزام باحترام قانون المرور …الخ.

      1- التقسيم التقليدي لمصادر الالتزام: تقسم القوانين اللاتينية مصادر الالتزام الى خمس مصادر وهي العقد Contrat وشبه العقد Quasi-Contrat، الجريمة Delit وشبه الجريمة Quasi-Delit والقانون Loi.

      العقد: هو توافق إرادتين أو أكثر على إنشاء التزام او أكثر في ذمة أحد المتعاقدين او كلاهما كعقد البيع والايجار، الهبة والشركة.

      شبه العقد: هو عمل إرادي ومشروع يترتب عليه التزام في ذمة المنتفع منه، كما يمكن أن ينشأ عنه أيضا التزام مقابل له في ذمة الفاعل نفسه مثل الفضولي، فعمله أو فعله اختياري ومشروع يريد به مصلحة الغير دون أن يتعاقد معه على ذلك، حيث يلتزم رب العمل (المنتفع) بأن يرد ويعوض ما أنفقه الفضولي من مصروفات ضرورية ونافعة، كما يلتزم الفضولي نفسه بالاستمرار في العمل الذي بدأه وان يقدم حسابا به.

      الجريمة: هي كل فعل عمدي وغير مشروع يتعمد مرتكبه الإضرار بالغير، وينشأ عن الجريمة التزام في جانب الفاعل بتعويض الضرر المترتب عنها، كجريمة السرقة وإتلاف مال الغير ...الخ.

      شبه الجريمة: هي كل فعل غير عمدي وغير مشروع يترتب عنه ضرر للغير، حيث لا يتعمد الفاعل الاضرار بالغير وإنما وقع هذا الضرر نتيجة الإهمال وعدم الاحتياط، وينشأ عن هذا الفعل (شبه الجريمة) التزام بالتعويض في ذمة الفاعل مثل السائق الذي يصدم خطاً أحد المارة.

      القانون: قد يكون القانون المصدر المباشر لبعض الالتزامات كما في التزامات أفراد الاسرة تجاه بعضهم البعض من نفقة وطاعة و…الخ.         

      مصادر الالتزام في القانون الروماني: لم يعرف القانون الروماني في البداية إلا مصدرين لالتزام هما: العقد والجريمة، ثم أضيف لهما مصدرا آخر أطلق عليه اسم الأسباب المختلفة كعمل الفضولي وإخلال القاضي بواجبات وظيفته، فلم يكن القانون الروماني يعترف بشبه العقد وشبه الجريمة والقانون كمصدر للالتزام.

      وقد حاول فيما بعد الفقيه جايس Gaius تصنيف الاسباب المختلفة بردها اما الى العقد او الى الجريمة فقام بتقسيم مصادر الالتزام الى قسمين هما:

      القسم الأول: ويشمل الجريمة وملحق الجريمة أي يشمل جميع الالتزامات التي تنشأ عن أعمال غير مشروعة كإخلال القاضي بواجبات وظيفته (يرجع تقريب الأعمال غير المشروعة من الجريمة إلى وحدة الأثر المترتب عنها والمتمثل في التعويض)

       القسم الثاني: ويشمل العقد وملحق العقد اي يشمل جميع الالتزامات التي تنشأ عن أعمال مشروعة مثل البيع حالة الجوار وعمل الفضول...الخ

      مصادر الالتزام في القانون الفرنسي القديم: مصادر الالتزام في القانون الفرنسي القديم، تمثلت في عهد الحواشي في العقد وملحق العقد، الجريمة وملحق الجريمة ومصادر أخرى متفرقة، فهؤلاء الحواشي اخذوا المصادر الأربعة المعروفة في القانون الروماني وزادوا عليها المصادر المتفرقة، حيث ينسب إليها الالتزامات التي لا يمكن إرجاعها الى مصدر من المصادر الأربعة كما في دعوى الاسترداد بسبب السرقة.

                      وانتقد الفقيه بارتول Bartole تسمية ملحق العقد فهو ليس مبنيا على إرادة حقيقية أو مفترضة، بل هو مبني على إرادة وهمية خلقها القانون، وفي خطوة لاحقة تم الاقرار أن ملحق العقد عمل مشروع يقترب من العقد في أن كلاهما ليس عملا مشروعا فقط بل هو أيضا مبني على إرادة حقيقية في العقد وإرادة مفترضة في ملحق العقد، ومن منا تم تسمية ملحق العقد "بشبه العقد"

      ثم جاء في مرحلة لاحقة الفقيه بوتيه Pothier فجعل مصادر الالتزام خمسة وهي العقد وشبه العقد، الجريمة وشبه الجريمة والقانون، وبهذا الترتيب الاخير اخذ قانون نابليون لسنة 1804 (القانون المدني الفرنسي).

      نقد التقسيم التقليدي لمصادر الالتزام: اجمع الفقه اليوم على أن هذا التقسيم ناقص وغير مفيد وغير منطقي في نفس الوقت كما يلي:

      - فهو تقسيم ناقص لأنه يهمل الإرادة المنفردة كمصدر للالتزام.

      - وهو تقسيم غير مفيد لأنه يميز بين الجريمة وشبه الجريمة من حيث مدى توافر قصد الإضرار بالغير، مع ان مع ان هذا التميز لا اهمية له في مجال الالتزام لا من حيث نشوئه ولا من حيث ما يترتب عليه من آثار، ففي كلا الحالين يلتزم الفاعل بتعويض الضرر اللاحق بالغير والتعويض يقدر حجم الضرر لا بحسب القصد او المشروعية من عدمها لذا وجب الجمع بين الجريمة وشبه الجريمة تحت اصطلاح واحد وهو العمل غير المشروع.

      - وهو ايضا تقسيم غير منطقي فيما يتعلق بشبه العقد، فتعبير شبه العقد كما يقول الفقيه بلانيول هو تعبير مضلل، حيث أن أصحاب هذه التسمية يدعون أن شبه العقد قريب من العقد في أنه عمل إرادي وبعيد عن الجريمة وشبه الجريمة في أنه عمل مشروع، والواقع عكس ذلك تماما فقد ينشأ الالتزام بسبب شبه العقد رغم إرادة الملتزم، فمن أقام بحسن نيه بناء على ملك الغير له أن يلزم هذا الغير برد ما أثر به على حسابه على الرغم من أن هذا الغير لم تصدر عنه أية إرادة، كما انه في الفضالة لم يقصد الفضولي الزام نفسه بشيء والالتزامات التي تنشأ بعدها في ذمة رب العمل لم تنشأ بإرادته وإنما جاءت نتيجة لما عاد عليه من نفع من عمل الفضولي على الرغم من عدم وجود أي اتفاق بينهما أو شبه ذلك.

                      وعليه يجمع الفقه الحديث على استبدال فكرة أو مصطلح الإثراء بلاسبب بدل فكرة ومصطلح شبه العقد لأن أساس الالتزام هنا ليس هو الارادة وانما الاثراء غير المبرر او غير المستحق.

      2- التقسيم الحديث لمصادر الالتزام: يجمع الفقه والتشريع الحديثين على أن مصادر الالتزام خمسة وهي: العقد والارادة المنفردة، العمل غير المشروع، الإثراء بلاسبب والقانون.

      -العمل غير المشروع ويشمل الجريمة وشبه الجريمة.

      - الاثراء بلاسبب ويشمل شبه العقد.

      - الارادة المنفردة وتعتبر مصدراً حديثاً للالتزام لم يكن معروفا في التقسيم التقليدي

      3/موقف المشرع الجزائري: لم يضع المشرع الجزائري نصا خاصا يحدد من خلاله مصادر الالتزام ومع ذلك يمكن استخلاصها انطلاقا من تبويب القانون المدني وهي:

       - العقد بموجب المواد 54 الى 123 ق م.

       - القانون بموجب بالمادة 53 ق م.

        -العمل المستحق للتعويض بموجب المواد من 124 الى 140 ق م.

      -  شبه العقد بموجب المواد من 141 إلى 159 ق م.

                      ويلاحظ على موقف المشرع الجزائري في هذا الشأن ما يلي:

      - لم ينظم المشرع الجزائري الارادة المنفردة كمصدر مستقل للالتزام في فصل خاص، كما فعلت جل التشريعات الحديثة، حيث اكتفى فقط بتنظيم أحد التطبيقات وهو الوعد بجائز. غير أن المشرع تدارك الموقف بتعديل القانون المدني سنة 2005 بموجب القانون 05-10 المؤرخ في 20 جوان 2005 المتضمن تعديل القانون المدني، أين خصص بموجب المادة 123 مكرر فصل خاص تحت عنوان الارادة المنفردة وهو بهذا يعترف بالإرادة المنفردة كمصدر عام للالتزام مثلها مثل العقد ثم ذكر أحد تطبيقاتها وهو الوعد بجائزة.

      - استعمل المشرع عبارة شبه العقد في حين استقر الفقه والتشريع الحديثين على استعمال اصطلاح الاثراء بلاسبب بعد الانتقادات التي تعرض لها مصطلح شبه العقد والتي سبق ذكرها.

      - المشرع قسم الفصل الرابع المتعلق بشبه العقد الى ثلاث اقسام الأول خاص بالإثراء بلا سبب والثاني خاص بالدفع غير المستحق والثالث خاص بالفضالة، وبهذا التقسيم يفهم من جهة بأن الإثراء بلا سبب صورة من صور شبه العقد في حين وكما سبق ذكره أن مضمونهما واحد والأصح استعمال مصطلح الإثراء بلا سبب، ومن جهة ثانية نجد أن المشرع يساوي بين الإثراء بلاسبب و الدفع غير المستحق والفضالة وهو بهذا الموقف يخلط بين المبدأ وتطبيقاته فالمبدأ أن الإثراء بلا سبب هو المصدر الأصلي للالتزام ، اما الدفع غير المستحق والفضالة فهما مجرد تطبيقين له.

      - المشرع استعمل عبارة "العمل المستحق للتعويض "للدلالة على العمل غير المشروع كمصدر للالتزام فهذه التسمية خاطئة على أساس أن العمل المستحق للتعويض لا يقتصر فقط على العمل غير المشروع بل يشمل أيضا الاثراء بلا سبب، فهذا الأخير فعل يستحق التعويض على الرغم من أنه عمل مشروع ونافع، لأجل ذلك وجب على المشرع استعمال مصطلح العمل غير المشروع بدل اصطلاح العمل المستحق للتعويض.

      خلاصة: تبعا لما تقدم يمكن رد مصادر الالتزام الى طائفتين هما:

                      مصادر إرادية: وتشمل العقد والارادة المنفردة ويطلق عليها ايضا اسم التصرف القانوني الذي يعرف بأنه اتجاه الإرادة إلى إحداث أثر قانوني معين، فالشخص يريد وقوع الفعل ويريد ايضا ان تترتب عليه آثاره، وهذا التصرف ان صدر عن جانب واحد سميا تصرفاً بإرادة منفردة وإن صدر عن جانبين سمي عقداً.

      مصادر غير إرادية: وتشمل القانون والعمل غير المشروع والإثراء بلا سبب، ويطلق عليها ايضا اسم الواقعة القانونية التي هي كل واقعة مادية كانت أم طبيعية يرتب عليها القانون أثرا معينا بغض النظر عما إذا كانت الإرادة قد اتجهت الى إحداث هذا الأثر أم لا، ومن الوقائع الطبيعية التي يرتب عليها القانون التزامات معينة واقعة القرابة المرتبة للالتزام بالنفقة، ومن الوقائع المادية واقعه العمل غير المشروع والذي يرتب عليه المشرع الالتزام بالتعويض.

       ويختلف التصرف القانوني عن الواقعة القانونية في أن الاول تتجه فيه الارادة الى إحداث أثر قانوني معين أما في الثانية فهي اساساً عملا ماديا يرتب القانون على وقوعه أثر معين سواء اتجهت الارادة الى إحداث هذا الأثر أم لا، وهو ما يترتب عليه ان وجود الارادة وصحتها شرط لوجود وصحة التصرف القانوني (العقد والارادة المنفردة) بينما وجودها وصحتها من عدمه لا يؤثر في وجود الواقعة القانونية (القانون، العمل غير المشروع والإثراء بلاسبب) ولا في صحتها وصلاحيتها لترتيب الالتزام.

      التصرف القانوني: العقد                 المواد من 54 الى 123 ق م

                         الارادة المنفردة      المادتين 123 مكرر و123 مكرر1 ق م

      الواقعة القانونية: القانون                 المادة 53 ق م

                         العمل غير المشروع   المواد من 124 الى 140 مكرر1 ق م

                          الاثراء بلاسبب      المواد من 141 الى 159 ق م

       

    • الباب الأول

      القــــــــــــانون

      المادة 53 من القانون المدني

      تنص المادة 53 من القانون المدني " تسري على الالتزامات الناجمة مباشرة عن القانون دون غيره (غيرها) النصوص القانونية التي قررتها".

      يعتبر القانون مصدرا لجميع الالتزامات، فالالتزامات الناشئة عن العقد وعن العمل غير المشروع وعن باقي المصادر مصدرها القانون، لأن القانون هو الذي جعلها تنشأ عن مصادرها، فحدد أركانها وبين ونظن احكامها، فهذه الالتزامات لها مصدر مباشر تنشأ عنه مباشرة وهو إما العقد أو العمل غير المشروع او الارادة المنفردة او الاثراء بلا سبب أما القانون فهو بالنسبة لها مصدراً غير مباشر.

      غير أنه هناك من الالتزامات ما يعتبر القانون بالنسبة لها مصدرا مباشرا، حيث تنشأ عنه مباشرة دون حاجة للتدخل من جانب المدين أي دون أي عمل ايجابي او سلبي منه.

      والقانون لا يعد مصدرا مباشرا لالتزام معين إلا إذا أنشأه بنص خاص، وهذا النص هو الذي يتكفل بتحديد اركان هذا الالتزام وبيان أحكامه، حيث لا يضع اية قواعد عامة تحكم الالتزامات التي تنشأ عنه مباشرة وإنما يكتفي فقط بالإحالة على النصوص الخاصة بها و الموجودة في ثنايا القوانين المختلفة، وهذا خلافا لباقي المصادر الأخرى، فالعقد مثلا يعتبر مصدرا عاما للالتزام سواء كان العقد بيعا أو هبة وسواء كان العقد مسمى أو غير مسمى، وأيا كان الالتزام الذي ينشأ عنه ، فلم يتدخل القانون ليجعل العقد مصدرا للالتزام في حالة دون أخرى.

      تبعا لما تقدم يعتبر القانون مصدرا مباشرا للالتزام عندما يتدخل ويرتب على حالة معينة التزاماً معيناً، وبهذا يعتبر النص القانوني مصدرا للالتزام بالنسبة للواقعة او الحالة التي عينها النص وحدها دون غيرها.

      ويلاحظ أن القواعد التي تحكم الالتزامات التي تنشأ مباشرة عن القانون هي ذاتها القواعد التي تحكم الالتزامات غير الارادية، بحيث لا تشترط أهلية معينة في الملتزم (المدين) لأنها لم تنشأ بإرادته، فلالتزام بالنفقة يقع على عديم الاهلية كما يقع على كامل الاهلية.

      ومن الحالات التي يعتبر القانون بشأنها مصدرا مباشرا للالتزام نذكر ما يلي:

      1/ الالتزام بالنفقة: الذي يرتبه القانون على قيام علاقة القرابة وعلى رابطة الزوجية، انظر المادة 77 من قانون الأسرة 84-11 المؤرخ في 09 جوان 1984 المتضمن قانون الأسرة المعدل والمتمم بالأمر 05-02 المؤرخ في 27 فيفري 2005.

      2/ التزامات الجوار: المادة 691 من القانون المدني المتعلقة بالقيود الواردة على حق الملكية.

      3/ التزامات الحائط المشترك: المواد من 704 الى 708 من القانون المدني.

      4/ الالتزام بدفع الضريبة: بناءً على قانون المالية والنصوص القانونية الخاصة ذات الصلة.

      ويترتب على اعتبار القانون المصدر المباشر للالتزام ما يلي:

      - أن النص القانوني هو وحده الذي ينشئ الالتزام القانوني، ومن ثمة لا سبيل الى تحديد هذه الالتزامات القانونية الا بناءً على نص قانوني(تشريع) خاص.

      - النص القانوني هو وحده الذي يتكفل بتعيين وتحديد أركان الالتزام القانوني وبيان احكامه، مثل تحديد مضمون الالتزام، شروط قيامه، المدين به، كيفية ووقت الوفاء به، تقادمه… الخ

    • المطلب الرابع

       أساس القوة الملزمة للعقد أو مبدأ سلطان الإرادة

      يقصد بمبدأ سلطان الإرادة (Principe de l'autonomie de la volonte) حرية الإرادة وكفايتها في إنشاء العقود والتصرفات القانونية وفي تحديد آثارها، فالإرادة هي أساس قدرة العقد على إنشاء الالتزام وأساس قوته الملزمة لعاقديه، ومن خلال هذا التعريف يتضح أن مبدأ سلطان الارادة يتضمن قاعدتين أساسيتين هما:

      قاعدة الرضائية: وتعني ان الارادة وحدها كافية لإنشاء العقد والتصرف القانوني بوجه عام دون الحاجة لان تفرغ في شكل معين.

      حرية الإرادة في تحديد آثار العقد: فالإرادة المشتركة للمتعاقدين حرة في تحديد الآثار المترتبة على العقد (الالتزامات)، بحيث لا توجد هذه الالتزامات إلا بالقدر وفي الحدود التي رسمها المتعاقدان، وبمعنى آخر فإن بنود العقد هي فقط من وضع المتعاقدين دون تدخل من أي طرف كان وهذا ما عبر عنه المشرع الجزائري بنص المادة 106 من القانون المدني التي تنص" العقد شريعة المتعاقدين لا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، او للأسباب التي يقررها القانون".

      أولا: نشأة وتطور مبدأ سلطان الإرادة.

       لم تَعرف الشرائع القديمة كالقانون الروماني مبدأ سلطان الارادة، خاصة فيما يتعلق بكفاية الإرادة لإنشاء التصرف القانوني دون ضرورة بأن يأتي في شكل معين، حيث ظلت القاعدة السائدة في القانون الروماني هي الشكلية أما الرضائية فهي الاستثناء، بحيث بحسب الأصل لا يكفي فيه توافق الارادتين لقيام العقد بل يجب فوق ذلك اتخاذ إجراءات شكلية معينة (تبادل عبارات معينة أو كتابة صيغة معينة وإما تسليم شيء ما).

      وفي العصور الوسطى ساد مبدأ سلطان الكنيسة وكان للمبادئ التي نادى بها القانون الكنسي الأثر الكبير في انتشار مبدأ سلطان الإرادة حيث كانت الكنيسة تدعو الى احترام العهود والمواثيق واعتبرت الإخلال بها في بادئ الأمر خطيئة دينية ثم إخلالا بالتزام قانوني. وبهذا يكون القانون الكنسي بمثابة مهد لمبدأ سلطان الإرادة، حيث يعتبر أن كل اتفاق يكون ملزماً ولو تجرد من الشكل فكان الأصل هنا رضائية العقود.

      وازداد تطور مبدأ سلطان الارادة في القرنين الثامن والتاسع عشر بفعل عوامل متعددة أهمها انتشار المذهب الفردي الذي يقدس الحرية الفردية، ويجعل للقانون غاية واحدة هي ضمان هذه الحرية، فسادت فكرة استقلال الإرادة كأساس لكل النظم القانونية والاقتصادية والاجتماعية (من ذلك قاعدة دعه يعمل دعه يمر لأدم سميث، ومن تطبيقاتها في هذا المجال دعه يتعاقد كيف يشاء)، وقد جاء القانون الفرنسي مشبعا بهذه الأفكار.

      بعد هذا الازدهار الذي عرفه مبدا سلطان الارادة بدا المبدأ في التقلص خلال القرن 20 تحت تأثير المبادئ الاشتراكية والتغيرات الاقتصادية والسياسية، فعلى العكس من المذهب الفردي ينادي المذهب الاشتراكي بتغليب مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد، وعليه ليس للإرادة القدرة والسلطان على إنشاء العقد وتحديد آثاره إلا في الحدود ووفق الشروط التي يحددها المجتمع(القانون). فليس للإرادة سلطان فوق سلطان القانون الناطق بمصلحة الجماعة. فهذا الوضع ترتب عليه تراجع مبدأ سلطان الإرادة من خلال ظهور عقود لا يعتد فيها بالإرادة والحرية الفردية مثل عقد العمل، عقد الشركة وعقود الإذعان…. الخ

       ثانيا: النتائج المترتبة على مبدأ سلطان الارادة

      يترتب على الأخذ بمبدأ سلطان الإرادة النتائج التالية:

      1-الالتزامات الإرادية هي الأصل

      2- حرية التعاقد وعدم التعاقد

      3- حرية تحديد آثار العقد

      4- نسبية الأثر الملزم للعقد

      5- القوة الملزمة للعقد

      1-الالتزامات الإرادية هي الأصل: فلا يلتزم الشخص بحسب الاصل الا وفقا لإرادته فهو الأعلم بما يحقق مصالحه، لان الشخص لا يمكن أن يريد ما هو ضد مصلحته ولهذا كل التزام يقبله الشخص بإرادته الحرة لا يكون إلا عدلا ويقتصر دور القانون على حماية الحرية فكل عقد أبرم بحرية تامة هو عدل كامل مهما كانت شروطه، وإذا اقتضت حاجة المجتمع فرض بعض الالتزامات على الأفراد رغما عن ارادتهم فيجب حصر هذه الحالات إلى أضيق الحدود.

      2- حرية التعاقد وعدم التعاقد: وفقا لمبدأ سلطان الإرادة للفرد كامل الحرية في أن يتعاقد او ان لا يتعاقد، بحيث لا يمكن إجباره على الدخول في علاقة عقدية دون رضاه، كما له حرية اختيار الشخص الذي يتعاقد معه.

                      كما يقصد بمبدأ حرية التعاقد ايضا ان ارادة المتعاقدين وحدها كافية لإبرام العقد بمجرد تبادل الإيجاب والقبول دون الحاجة لان تفرغ في شكل معين وهذا هو مبدأ الرضائية في العقود. 

       وحرية عدم التعاقد تقتضي بأنه لا يمكن إجبار الفرد على الدخول في علاقة تعاقدية لا يرغب فيها دون رضاه، حتى ولو كان في ذلك مصلحة أكيدة له، وبهذا يرفض مبدأ سلطان الإرادة وجود ما يسمى بالعقود الجبرية.

      3-حرية تحديد آثار العقد: لإرادة المتعاقدين كامل الحرية في تحديد مضمون وشروط العقد بحيث لا يلتزم الفرد إلا بما أراد أن يٌلزم به نفسه، فالفرد حر في أن يتعاقد وفق ما يريد وبالشروط التي يرتضيها، وبهذا للأفراد ان يبرموا ما شاءوا من العقود، وإن أراد المشرع التدخل لتنظم طائفة من العقود (العقود المسماة) فإن تدخله هذا يجب أن يكون بموجب قواعد مفسرة ومكملة لإرادة المتعاقدين عند عدم الاتفاق على خلافها. وللمتعاقدين كامل الحرية في الاخذ بهذه التنظيم النموذجي او تركه ووضع تنظيمات اخرى، وان وجدت بعض القواعد الآمرة في هذا الشأن فيجب أن تكون بمثابة الاستثناء وأن يكون هدفها حماية إرادة المتعاقدين ذاتها كما في القواعد المتعلقة بالأهلية وعقود الإذعان…. الخ

      4-القوة الملزمة للعقد: يقصد بالقوة الملزمة للعقد أن العقد يلزم المتعاقدين مثلما يلزم القانون أفراد المجتمع، وأساس هذه الإلزامية هو مبدا سلطان الإرادة نفسه، لأن بنود العقد وشروطه هي من وضع الارادة الحرة للمتعاقدين، ولهذا يعتبر العقد شريعة المتعاقدين، فإذا كان الشخص حر في الدخول في العقد بإرادته فإنه غير حر في الخروج منه أو تعديل بنوده بإرادته وحده، لان العقد وليد ارادتين فلا تنقضه الإرادة الواحدة.

      ومبدأ القوة الملزمة للعقد يسري ايضا على القاضي فلا يحق له وفقا لهذا المبدأ تعديل العقد أو انهاؤه بحجه انه غير عادل أو أن الظروف التي أبرم في ظلها قد تغيرت، ويقتصر دور القاضي فقط على تفسيره وتكييفه، وهو في عمله هذا يجب أن يبحث عن الإرادة الحقيقية للمتعاقدين.

      وتبعا لما تقدم القوة الملزمة للعقد تجد أساسا لها في مبدأ سلطان الارادة وتعني أن العقد شريعة المتعاقدين أي قانون المتعاقدين بحيث لا يجوز نقضه أو تعديله الا باتفاق الطرفين، أي أن العقد يقوم مقام القانون بالنسبة لعاقديه طبقا للمادة 106 من القانون المدني والمادة 1134 من القانون المدني الفرنسي.

      5-مبدأ نسبية الأثر الملزم للعقد: يقتضي مبدأ سلطان الارادة ان الارادة لا تلزم إلا صاحبها وعليه فالعقد لا ينشأ الالتزام الا في ذمة أحد المتعاقدين أو كلاهما، فلا يجوز أن ينشأ الالتزام في ذمة الغير الذي لم يكن طرفا بالعقد وهذا ما يٌعبر عنه بمبدأ نسبية آثار العقد، فلا يٌحمل الشخص بالالتزام ولا يكسب حقاً ناشئاً عن عقد ما لم يكن طرفاً فيه.

      ثانيا: القيود الواردة على مبدأ سلطان الارادة

      بعد الانتشار الواسع للمذاهب الاشتراكية والاجتماعية وبعد التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي عرفها العالم خلال القرن العشرين (20) فٌرضت بعض القيود على مبدأ سلطان الإرادة نذكر أهمها:

      1-القيود الواردة على حرية التعاقد وعدم التعاقد: إذا كان مبدأ سلطان الارادة يتطلب حرية الإرادة في التعاقد وعدم التعاقد فإن هذا المبدأ خضع للتقييد بما يلي:

      -حرية التعاقد مقيدة بالتوسع المستمر لمفهوم النظام العام والآداب العامة: بحيث لا يمكن للإرادة الدخول في علاقة تعاقدية مخالفة للنظام العام، فكل عقد يبرم على شكل يخالف النظام العام والآداب العامة يكون باطلا بطلانا مطلقا، والملاحظ ان فكرة النظام العام والآداب العامة هذه فكرة مطاطة وتعرف اتساعاً كبيراً في الدول التي تتبنى النهج الاشتراكي كما تعرف الكثير من التغيير والتحوير في محتواها.

      -حرية عدم التعاقد قيدت مع ظهور ما يسمى بالعقود الجبرية: التي يجبر فيها الشخص على إبرامها كعقود التأمين الجبري والتزام التجار ببيع السلع لكل من يتقدم لشرائها (فالتاجر هنا مجبر على التعاقد وغير حر في اختيار شخص المتعاقد معه). فهذه الأخيرة عقود جبرية مفروضة لا يمكن للمتعاقد رفضها.

      2-القيود الواردة على حرية تحديد آثار العقد: اذا كان مبدأ سلطان الارادة يتطلب أن يترك أمر تحديد بنود وشروط العقد للإرادة الحرة والمشتركة للمتعاقدين دون تدخل من طرف المشرع، إلا أن هذا المبدأ قد شمله بعض التقييد حيث كثيرا ما يتدخل المشرع لتحديد آثار وبنود بعض العقود بموجب قواعد آمرة لا يجوز الخروج عليها والاتفاق على مخالفتها، مثل عقد العمل الذي يحدد فيه المشرع بصفة مسبقة بموجب قواعد آمرة حقوق وواجبات العامل ورب العمل، ونفس الشيء بالنسبة لعقد الشركة وعقد التأمين، وهو ما يجعلنا نقترب من مرحلة العقد الموجه او ما يسمى أيضا بالعقد النظام(أو عقود الانضمام لاقتصار دور الارادة على ابداء الرغبة في الدخول في العقد فقط دون مناقشة باقي المسائل المتعلقة بالعقد).

      3- القيود الواردة على مبدأ القوة الملزمة للعقد: إذا كان مبدأ سلطان الإرادة يجعل من العقد شريعة وقانون المتعاقدين بحيث يلزم كلا المتعاقدين بما تضمنه من بنود ولا يجوز نقضه أو تعديله الا باتفاق الطرفين، فإن جل التشريعات أجازت تدخل القاضي لتعديل بعض بنود العقد او اعفاء أحد طرفيه منها، ومن الحالات التي يجيز فيها المشرع للقاضي التدخل لتعديل العقد نذكر ما يلي:

      -المادة 106 من القانون المدني العقد شريعة المتعاقدين لا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقرها القانون. (هذا النص أقر المبدأ والاستثناء)

      -المادة 107 من القانون المدني يجوز للقاضي تبعا للظروف وبعد مراعاة مصلحة الطرفين أن يتدخل لرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، وهذا خاص بحالة الظروف الطارئة والاستثنائية

      -المادة 110 من القانون المدني في عقود الإذعان يجوز للقاضي تعديل الشروط التعسفية في هذا العقد وله حتى إعفاء الطرف الضعيف المذعن منها وفقا لما تقضي به العدالة.

      -المادة 184/02 من القانون المدني أجاز المشرع للقاضي التدخل لتعديل الشرط الجزائي إذا كان مبالغاً فيه بشكل لا يتناسب مع الضرر الذي أصاب الدائن.

      4-القيود الواردة على مبدأ نسبية الأثر الملزم للعقد: فإذا كان مبدأ سلطان الارادة يتطلب بان لا يكون للعقد قوة ملزمة إلا لمن كانوا طرفا فيه أي لمن شاركت ارادتهم في انشائه  فإنه استثناء من ذلك فإن القانون وفي حالات خاصة جعل آثار العقد تمتد الى الغير بحكم القانون كما في حالة عقد المقاولة الذي يبرم بين المقاول رب العمل، حيث يجيز المشرع لعمال المقاول وللمقاول من الباطن و عماله على الرغم من أنهم ليسوا أطرافا في عقد المقاولة الأصلي الرجوع بطريق الدعوى المباشرة مباشرة على ربط العمل بما لا يجاوز القدر الذي يكون فيه مدينا للمقاول الأصلي وقت رفع الدعوى، انظر المادة 565 من القانون المدني ونفس الحكم ينطبق في عقد الوكالة بنص المادة 580 ق م و المادة 507 ق م بشأن الايجار الفرعي او الايجار من الباطن(وهي حالات الدعوى المباشرة).

      5-تراجع مبدأ الرضائية في العقود: إذا كان مبدأ سلطان الارادة يتطلب كفاية الإرادة وحدها لانعقاد العقد بحيث يكفي فقط توافق الارادتين لقيام العقد، الا ان المشرع وفي حالات معينة يقر عدم كفاية الإرادة لانعقاد العقد طبقا للمادة 59 من القانون المدني والتي تنص "يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما المتطابقتين (مبدأ الرضائية)، دون الإخلال بالنصوص القانونية" وبالتالي قيد مبدأ الرضائية بمبدأ آخر وهو مبدأ الشكلية.

      وتطبيقا لنص المادة 59 ق م تفرض المادة 324 مكرر من القانون المدني تحرير العقود المتعلقة بالحقوق العينية العقارية في شكل رسمي وإلا كانت باطلة كما يشترط لترتيب آثارها (نقل الملكية) أن تخضع لإجراءات الشهر العقاري.

      6-اتساع نطاق الالتزامات غير الإرادية: بفعل التطورات الاقتصادية والاجتماعية اتسع نطاق الالتزامات غير الإرادية التي تنشأ عن القانون، العمل غير المشروع والإثراء بلا سبب، حيث نجد مثلا قواعد وأحكام المسؤولية التقصيرية قد تطورت فبعد ان قامت على فكرة الخطأ ظهرت المسؤولية دون خطأ على أساس تحمل التبعة أو المسؤولية الموضوعية، وهذا نتيجة الثورة الصناعية واستخدام الآلات الخطرة.

       

       

       

  • القانون المدني( أحكام الإلتزام) السداسي الثاني

    المختصر في أحكام الإلتزام

    الفئة المستهدفة: السنة الثانية   حقوق  جذع مشتر المجموعة "أ"    "Section "A"  

     

  • التنفيذ بمقابل

  • الضمان العام ووسائل المحافظة عليه

  • وسائل المحافظة على الضمان العام

  • وسائل المحافظة على الضمان العام

  • مراجع حول أوصاف الالتزام

  • مراجع حول إنتقال الالتزام

  • مراجع حول إنقضاء الالتزام

  • (ملفات الأعمال الموجهة (المجموعة أ TD