المحاضرة الخامسة
.... بعد ما تم التطرق من خلال المحاضرات الاربع الماضية لمدخل عام لصعوبات التعلم ، حيث تم استيعاب مفهوم صعوبات التعلم و مدى تداخله بمفاهيم اخرى تتداخل و خصائصه، فضلا عن التعرف للعوامل المسببة لهذه الصعوبات، و كذا انواع صعوبات التعلم و أقسامها ، و أخيرا خصائص الاطفال المعرضين لخطر صعوبات التعلم  و كذا خصائص المصابين فعلا بصعوبات التعلم.
سوف نتطرق في هذه المحاضرة الخامسة.. إلى مفهوم الذاكرة العاملة و آليتها في معالجة المعلومة، بعد ما علمنا انها العنصر الأساسي في تشخيص صعوبات التعلم
و بعدها في المحاضر السادسة سوف نتناول تشخيص صعوبات التعلم؛ و لكن قبل ذلك أود من الطلبة الأعزاء الإجابة على هذه الأسئلة، لكي يتمكنوا من تقييم مكتسباتهم من المحاضرات السابقة
 وضعية تقويمية للمحاضرات
 لماذا يعتبر من المهم بالنسبة لنا أن نفهم صعوبات التعلم؟
 لماذا تعتبر صعوبات التعلم مسألة جدلية؟
 ماهي المفاهيم المتداخلة مع مفهوم صعوبات التعلم؟
 لماذا يجب أن نفهم النماذج التصورية لصعوبات التعلم؟
 ماهي الأسس المعتمدة لتصنيف صعوبات التعلم؟
 ما هي طبيعة العلاقة الموجودة بين صعوبات التعلم النمائية و الأكاديمية؟
 ما هي الفائدة وراء حصر الخصائص المتعددة لذوي صعوبات التعلم؟

تجهــيـــز و معالجة المعلومة في الذاكرة العاملة لدى ذوي صعوبات التعلم
إن اتجاه تجهيز و معالجة المعلومات كأحد المكونات الهامة في علم النفس المعرفي في تفسير السلوك الإنساني على اختلاف مظاهره، و مجالاته من أفضل الاتجاهات لفهم الكثير من جوانب النشاط العقلي المعرفي المرتبط بهذا السلوك، فهذا الإتجاه يهتم بدراسة كيفية اكتساب المعلومات و تخزينها و استعادتها عند الضرورة كما يهتم بدراسة الانماط التي يستخدمها الفرد في معالجة المعلومات.
و يسعى هذا النموذج إلى فهم سلوك الإنسان حين يستخدم إمكاناته العقلية و المعرفية أفضل استخدام، فعندما تقدم للفرد معلومات فيجب عليه انتقاء عمليات عقلية معرفية معينة و ترك عمليات اخرى في الحال.( سيدأحمد عثمان و فؤاد أبو حطب، 1978 في سليمان ابراهيم،2010 ص 69) (مسعد أبو الديار،2012 ص 48)
  و كما نعلم أن التعلم يتكون من عدّة عمليات معقّدة داخلية تحدث بين مرحلة تلقي المثيرات البيئية و استجابة الفرد لهذه المثيرات، و يطلق على هذه المثيرات البيئية التي تؤثر في الحواس مدخلات التعلم، و يطلق على استجابات الفرد مخرجات التعلم، أي أنّ نظرية تجهيز و معالجة المعلومات تحاول وضع تصورات و افتراضات تفسر العمليات التي تستقبلها الحواس، ثم تقوم بتجهيزها حتى تؤدي إلى مخرجات إستجابية  (جابر عبد الحميد، 1985 في سليمان ابراهيم،2010 ص 70)
  و يتم تعريف معالجة المعلومة على أنّها مجموعة من العمليات المعرفية التي تحدث بين المدخلات (المثيرات) و المخرجات (الاستجابات) التي تتأثر بالعديد من العوامل سواء منها البيولوجية (العصبية)، أو السيكولوجية لا سيما المعرفية منها التي يمكن تضمينها في مجموعة مراحل المعالجة المختلفة.  كما و تمثل معالجة المعلومات مجموعة من الاجراءات التي تحدث عند تعرض الفرد للمثير حتى ظهور الإستجابة، و ينظر إلى كل عملية عقلية على أنّها إجراء ناشئ من المعلومات التي يتوصل إليها سواء من الإجراءات السابق حدوثها داخل إطار هذه العملية العقلية أو المثيرات ذاتها. (فضل،1999 و الشرقاوي 1984 في مسعد أبو الديار،2012 ص 49)
و بخصوص صعوبات التعلم فيرى هذا المدخل أنّ ذوي صعوبات التعلم يعانون قيوداً على عمليات نوعية لتجهيز المعلومات المرتبطة بمجالات معرفية محددة؛ و نظرا لأنّ عملية التعلم تجري في مستويات متتابعة يعتمد كل منها على الآخر ، و هذه المستويات تبدأ بالإنتباه ثم الإدراك ثم الذاكرة، فبعد الإنتباه يُدرك المثير، و يُتعرف، و يُسجّل في الذاكرة العاملة التي تستدعي الخبرات السابقة المتصلة بالموضوع من الذاكرة طويلة المدى، فكل هذه المكونات تعمل معاً في علاقة دينامية  تفاعلية، و هذا يفقده التلاميذ ذوو صعوبات التعلم و لا سيما الذين يعانون اضطرابات الانتباه الإنتقائي        و المتواصل للمعلومات، و كذلك اختفاء للمعلومات من الذاكرة العاملة و يكون نتيجة لذلك عدم قدرتهم على مواصلة التحصيل الدراسي في المجالات الأكاديمية ( أبو هاشم، 1998 في مسعد أبو الديار،2012 ص 57)
  في هذا الصدد يوضح كل من (Siegel & Ryan, 1999 ; Maisto & Sip , 1980 ; Stephen, 1984)  أن ضعف عمليات الذاكرة لدى ذوي صعوبات التعلم تتمثل في استراتيجيات  المعالجة و التشفير التي تعد من المحددات الرئيسية لتشخيص صعوبات التعلم، و ذلك لأن المعالجة الجيّدة و التشفير المنظم يمكن الفرد من زيادة قدرته على تخزين المعلومات و إمكان استرجاعها، أي أنّها دالة للإستراتيجية التي يجهز و يعالج بها الفرد الوحدات المعرفية (مسعد أبو الديار،2012 ص 58)
  و بالتالي ؛ و من خلال ما تم عرضه وضّحت نظرية معالجة المعلومات أن الأطفال ذوي صعوبات التعلم تكمن مشكلتهم في أنهم يستخدمون استراتيجيات غير ملائمة عند مواجهة المهام الاكاديمية، و يركز هذا المدخل على كيفية استقبال المخ للمعلومات و من ثم تحليلها و تنظيمها، و في ضوء ذلك ترجع صعوبات التعلم - وفقا لهذا المدخل-  إلى حدوث خلل أو إضطراب في إحدى العمليات التي قد تظهر في التنظيم أو الاسترجاع أو تصنيف المعلومات. (محمد كامل ، 1999 في أمنية هارون، 2018 ص 38)