السياسة الجديدة للمستوطنين الاوروبيين بعد 1870
* السياسة الجديدة للمستوطنين الاوربيين في الجزائر بعد 1870
لكي تكون لدينا رؤية واضحة عن سياسة المستوطنين الاوربيين في الجزائر في عهد الجمهورية الثالثة ينبغي أن نشير إلى أن برنامجهم كان جاهزا للعمل به منذ 1848لكن الجيش الفرنسي الذي بسط نفوذه على الجزائر منذ الاحتلال لم يسمح للمستوطنين الاوربيين ان يطبقوا برامجهم ، فكما هو معروف فقد استعان الجيش بالمكاتب العربية لكي يقيم جسور التعاون بينه و بين المواطنين الجزائريين، و بالإيجار فإن الصراع السياسي على السلطة كان قائما بين الاوربيين و الجيش إلى غاية 1870 اي حين انهزم الجيش الفرنسي في معركة سيدان وألقي القبض على نابليون الثالث من طرف الألمان و في تلك المرحلة مالت الكفة لصالح المستوطنين الذين استولوا على السلطة في الجزائر فأصبحوا يسيرون البلاد و يحكمونها بأسلوبهم الخاص إلى غاية 1 نوفمبر 54 و يعتبر اوغست وورنر هو القائد الفعلي للمستوطنين و من أكبر المناضلين لتحقيق برامج المستوطنين و قد اشتهر هذا المفكر بالفكرة الأساسية التى قامت عليها سياسة الاستيطان في الجزائر و هي {نظرية الإدماج التدريجي الجزائريين } و حسب هذه النظرية فإنه لا يكمن قبول مجتمع متخلف و همجي في مجتمع اوربي يتزعم الحضارة الغربية و تتمثل الخطة الاساسية للنظرية في :
1- التمثيل النيابي للمستوطنين الاوربيين في البرلمان الفرنسي .
2-اقامة حكم مدني بدل الحكم العسكري.
3- انشاء مجلس أعلى للحكومة يتكون من شخصيات منتخبة .
4- إعلان التل منطقة مدنية يحكمها ولاة و رؤساء البلديات.
5- السماح للمحاكم الفرنسية بالنظر في القضايا الجنائية .
6-عدم السماح للعرب بشراء الأراضي المصادرة .
7- عدم الاعتراف بأراضي الأعراش و اقامة نظام الملكية الخاصة الفردية .
* عندما تعرضت الجزائر لأزمة غذائية حادة في الفترة 1866_1868 استغلها المستوطنون و قاموا بجملة إعلامية لخلق انطباع الدى الرأي العام ان هذه الأزمة جاءت نتيجة لسوء الادارة من طرف جيش الامبراطورية فنجحت هذه الحملة و تقرر إنشاء لجنة برلمانية للتحقيق في الأزمة التي نتج عنها وفاة 600.000 جزائري و اشتمل تقرير اللجنة على عدة مطالب للمستوطينين الاوربيين تمثلت في :
● توسيع نظام الحكم المدني .
●الغاء المكاتب العربية .
●تقسيم أراضي الأعراش.
●تطبيق نظام الملكية الفردية.
●احلال نظام العدالة الفرنسي محل القضاء الجزائري .
●التخلص من قادة القبائل العربية .
●الاعتماد على نظام المحلفيين الفرنسيين في المحاكم الجزائرية.
و بالفعل فقد ابدت اللجنة البرلمانية موافقتها على الادماج التدريجي في اجتماع للبرلمان يوم 13 و 14افريل 1869 طالب رئيس اللجنة البرلمانية بتحقيق المطالب التي تعتبر مفيدة للمعمرين ، لكن بعد تفطن وزراء الحرب الفرنسيين لهذا المخطط قام نابليون الثالث بتشكيل لجنة من 9اعضاء برئاسة الماريشال راندو لإعطاء وصف دقيق للأوضاع العامة بالجزائر و في 25 مارس 1870 قدمت اللجنة تقريرها للبرلمان الفرنسي و اشتمل التقرير على فقرات تدين الادارة العسكرية و لكنه أعطى حق الانتخاب للنواب المسلمين الجائريين كما أفضت اللجنة بإنشاء دستورخاص بالجزائر يتمتع فيه المسلمون بحق تصويت و انتخاب نواب يمثلونهم في البرلمان الفرنسي و لكن لم يتم الموافقة على هذا المشروع فتعقدت الامور في الجزائر في 1870 يوم تحالفت الكنيسة مع الزعماء الاوربيين امثال وورنر حيث اتفق لافيجري مع الاوربيين على انتهاج سياسة جديدة تتمثل في وقف المهاجرين الاوربيين في الجزائر و العمل على إدماج السكان المسلمين و تحويلهم إلى مسيحيين متحضرين لكن هذا التحالف بين الكنيسة و بعض الشخصيات الاوربية انهار بمجرد ظهور معارضة قوية في اوساط المستوطنين الاوربيين الذين عارضوا التعليم الكاثوليكي في الجزائر كما قاموا بجملة عنيفة ضد لافيجري الذي يعتبر في نظرهم من المؤيدين للملك و المناهضين للنظام الجمهوري .
1 مراسيم تقوية سلطات المستوطنين:
بمجرد الاطاحة بحكومة نابليون الثالث يوم 02 سبتمبر 1870 و سجنه في ألمانيا إلى غاية 1871 ليوم نفيه إلى بريطانيا فيما بعد جاءت حكومة الدفاع الوطني لتتخذ إجراءات خطيرة لصالح المستوطنين الاوربيين حيث تمثلت السياسية الجديدة في دمج الجزائر بفرنسا عن طريق إصدار 36مرسوما متعلقا بالجزائر و بتعظيم سلطة المستوطنين نذكر منها ما يلي :
1_ المرسوم الصادر يوم 04اكتوبر 1870 و المتعلق بمنح 6 مقاعد في البرلمان الفرنسي للمستوطنين الاوربيين بدلا من 04 في عام 1848 و بالتالي تقوية التمثيل السياسي للأوربيين .
2_ المرسوم الصادر يوم 08 أكتوبر 1870 الخاص بتوسيع الحكم المدني إلى جميع المناطق العسكرية التي كانت غير خاضعة للحكم المدني.
3_ المرسوم الصادر يوم 24 أكتوبر 1870 و الذي أنشئ بموجبه منصب الحاكم العام المدني و الذي يحكم في 3 ولايات في الجزائر.
4_ المرسوم الصادر يوم 10نوفمبر 1870 و الذي يسمح للمعمرين الاوربيين أن يعينوا الولاة في المناطق التي تخضع للحكم العسكري اي يعني أولوية المدني على العسكري .
5_ المرسوم الصادر يوم 24 ديسمبر 1870 الذي يسمح للمستوطنين الاوربيين ان يوسعوا نفوذهم إلى المناطق التي يسكنها المسلمون الجزائريون و التي تديرها شخصيات جزائرية معينة من طرف فرنسا .
6المرسوم الصادر يوم 24أكتوبر 1870: والمعروف باسم مرسوم كريميو وهو المرسوم الذي سمح فيه لليهود بالحصول على الجنسية الفرنسية والتمتع بجميع الامتيازات التي يخولها القانون للفرنسيين بدون التخلي عن عقيدتهم وحقوقهم المدنية.
وتتلخص سياسة المستوطنين الاوروبيين في عهد الجمهورية الثالثة فيما يلي:
1 حصول المستوطنين على حقوقهم السياسية (اقامة مؤسسات مدنية تخدم مصالحهم)
2التمثيل الكامل في البرلمان الفرنسي وفي التجمعات والبلديات المحلية
3 ربط الادارة في الجزائر بالوزارات المركزية في فرنسا
4 نقل السلطة من يد العسكريين الى المدنيين الاوروبيين في اطار توسيع الحكم المدني
5 بيع اراضي الاعراش الى المعمرين والتخلص من الدواوير الجزائرية وتصبح بلديات يقودها مسؤول فرنسي
6 حل القبائل والعروش العربيةوتحطيم البرجوازية العربية
7جعل الاراضي الجزائرية ملكية فردية وجاهزة للبيع
8 اقامة تجمعات سكنية عربية محددة
2 سياسة الاستيلاء على الأراضي الزراعية :
بعد تحقيق هذه الانتصارات المهمة للمعمرين قاموا بتحويل أنظارهم إلى مسألة تعمير الجزائر بعناصر أوربية لاستغلال الأراضي و الاستفادة من الطاقات البشرية بأرخس الاثمان حيث قاموا برسم خطة تتمثل في :
1_ اخذ نصف أراضي العرب سواء بابعادهم و عزلهم أو عن طريق مصادرة الأراضي.
2_ الاعتماد على الدولة الفرنسية لتمويل مشاريع الإسكان و الاقامة .
3_ الاعتماد المزدوج على الجباية و الخزينة الفرنسية لتمويل مشاريع الاستثمار الزراعي .
و لكن للحصول على الأراضي التي يحتاجها المستوطنون قامت الولاية العامة بمصادرة أراضي 313 بلدية قدرت مساحتها ب 2،639،600 هكتار و كان المقصود من هذه السياسة هو تفقير الناس و تجويعهم عن طريق إجبارهم على بيع ما عندهم من بقر و غنم لدفع الديون التي عليهم .
3 قانون الانديجينا:
إبتداءا من عام 1881 جاء الأوربيون بقانون جديد يسمى الانديجينا و هو عبارة عن مجموعة من النصوص وضعت بقصد فرض النظام و الانضباط في صفوف السكان المسلمين بحيث يتعين عليهم إظهار الطاعة العمياء للأوربيين و قد بقي هذا القانون ساري المفعول إلى غاية 1944و بفضل هذا القانون الصادر بتاريخ 26جوان 1881 جدد المستوطنون إجراءات صارمة لمعاقبة المسلمين و إجبارهم على دفع الضرائب العربية دون نقاش و منعهم من حمل السلاح و عدم الذهاب إلى الحج دون رخصة و اظهار الطاعة للسلطة الاوربية و من خلال هذا القانون بدأ يستفحل خطر القضاء على الشخصية الوطنية للمسلم الجزائري يوم قرر المستوطنون تعيين مسؤوليين اداريين لتنفيذ العقوبات الواردة في قانون الاندجينا و ذلك باساليبهم الخاصة فانطلقت الحملة عام 1896م .