في الجزائر من 1866 إلى 1870 و مع انهيار السلطة السياسية في باريس ووقوع نابوليون 3 أسيرا في يد الألمان بعد معركة سيدان استولى المستوطنون الاوربيون على السلطة في الجزائر، و تخلصوا من جميع القيود، ففي الفترة الممتدة من 1866 إلى 1870 ارتفع عدد الاوربيين من 220 الف إلى 279 الف بينما انخفض عدد الجزائريين من مليونين و 700 الف إلى مليونين و 100 الف نسمة، و هذا معناه هلاك حوالي 600 الف جزائري بسبب الجفاف و مرض الكوليرا و الجراد، فابتداءا من 4 سبتمبر 1870 و هو اليوم الذي وقعت فيه الثورة ضك النظام الفرنسي استغل المستوطنون الفرنسيون في الجزائر الفراغ السياسي الموجود و قاموا بشن حملات ضد بعض الشخصيات الجزائرية بدعوى انهم كانوا عملاء الامبراطور نابوليون 3 و متعاونون مع المكاتب العربية المعادية للمستوطنين، و كانت نتيجة هذه الاضطهادات قيام ثورات معادية، او مضادة للحكم المدني للمستوطنين قادها زعماء القبائل و الشخصيات الجزائرية ذات النفوذ القوي في المجتمع والتي نذكر منها مايلي:
1ثورة اولاد سيدي الشيخ: بالجنوب الغربي للجزائر قام بها الاعلى بن ابو بكر بن حمزة بخوض معركة واد فوليلة في 13 مارس 1871و ثم قام في شهر سبتمبر من عام 1871 بخوض معركة ثانية ضد قوات الكولونيل، و لكن قوات الاستعمار الفرنسي تفوقت بالعدة و العتاد و اجبرته على الفرار إلى الساورة حيث ظل هناك حتى وافته المنية في سنة 1886 .
2 ثورة محمد بن تومي بوشوشة كان هذا القائد من الرجال الجزائريين الذين تعاونوا مع ثوار ولاد سيدي الشيخ من المؤسسين لحركة التوارق بالصحراء الجزائرية ففي شهر أفريل 1870 هاجم مدينة القليعة، و استولى في 5 ماي 1870 على مدينة متليلي بعد حصار دام لمدة عدة أيام ابتداءا من هذا التاريخ صار قائدا للمقاومة الجزائرية في الجبهة الجنوبية و في أواخر 1870 انتقل من عين صالح إلى الرويسات " ورقلة " ثم اتجه إلى وادي سوف و في يوم 5مارس 1871 هاجم حامية ورقلة فهزمها و استولى عليها و عين ابن ناصر بن شهرة خليفة عليها لكي تكون قاعدة للمقاومة و في 13ماي 1871 هاجم توقرت و انتصر على القوات الفرنسية لكن في 27 ديسمبر 1871 تمكنت القوات الفرنسية من شن هجوم على توقرت ثم احتلت من جديد مدينة ورقلة في 2 جانفي 1872 بعد معركة عسكرية بقيادة الجنرال " دولاكرا" و استأنف بوشوشة حرب العصابات ضد القوات الفرنسية في المنيعة و حارب إلى أن وقع في الأسر في مارس 1874 و نقل إلى ورقلة ثم إلى سجن قسنطينة و نفذ حكم الإعدام في حقه بعد المحاكمة في 29 جوان 1875 بمعسكر الزيتون بقسنطينة.
3ثورة الصبايحية: تندرج هذه الثورة في قيام عدد من الجنود بتمرد في شرق البلاد في أواخر سبتمبر 1870 بعدما حاولت فرنسا نقلهم إلى أوروبا لمحاربة الألمان في " بروسيا "حيث قامت السلطة الفرنسية بإصدار حكم الإعدام ضد البعض عنهم و ثم تنفيذ بعض هذه الأحكام بمدينة سوق اهراس و تم مصادرة الاملاك و الأراضي التابعة لهم .
4 انتفاضة اولاد عيدون بالميلية : في يوم 15 فيفري 1871 قام سكان الميلية بثورة على الاوربيين المتواجدين بالمدينة و ارغموهم على الاعتصام بقلعة المدينة و قاموا بإحراق منازلهم و مزارعهم، فتضامن معهم سكان بني تليلان و اضطرت السلطة الفرنسية إلى الاستعانة بجنود البحرية الفرنسية و 7 فيالق استعملت في الحرب ضد معظم القرى المعزولة، و في معركة "زرزور" يوم 26فيفري 1871 استطاعت القوات الفرنسية ان تتغلب على الثوار و تعتقل 400 رجل كرهائن.
5 ثورات المقراني و الشيخ الحداد : عندما تدهورت الاوضاع شرق الجزائر طلب الشيخ المقراني من السلطه الفرنسية ان تقبل باستقالته كبشاغة" القائد المحلي للشرق" لانه لا يرغب في العمل مع السلطات الفرنسية، لكنها رفضت في مارس 1871 و طلبت منه السلطات الفرنسية استقالة أخرى مع تعهد ان يظل مسؤولا على كل ما يحدث في منطقته، فاعتبر المقراني هذا التصرف بمثابة تحدي له و اهانة بالغة، فأقدم على حمل السلاح و اعلان الثورة، وفي يوم 16 مارس 1871 قام بمحاصرة مدينة برج بوعريريج الا ان القوات الفرنسية تمكنت من فك الحصار على المدينة فب 26 مارس من نفس السنة وفي يوم 8 أفريل انضم الشيخ الحداد الى المقراني وفي 12 أفريل 1871 اي بعد يومين من انظمام الشيخ الحداد إلى المقراني وقعت معركة قوية بين القوات الفرنسية وقوات المقاومة، قرب جبال تافرطاست و في معركة أخرى يوم 5 ماي 1871 واجهت قوات الشيخ المقراني الكولونيل "تروملي" الذي كان يحكم "سور الغزلان" "البويرة" فسقط الشيخ المقراني شهيدا في نفس اليوم و تم نقل جثمانه إلى قلعة بني عباس اما الشيخ الحدادالذي انظم الى الشيخ المقراني في 1871 استطاع أن يشكل جيشا جزائريا يتكون من 120 ألف مجاهد و خاض معارك ضد الجيش الفرنسي حيث أحدث هلعا كبيرا في الأوساط العسكرية، و لكن فشلت خطة الشيخ الحداد لايقاف الزحف الفرنسي في جبال القبائل وتمكن الجنرال لالمان في 24جوان 1871 من تشتيت العائلات و حرق المنازل و إجهاض حركة المقاومة الجزائرية كما تمكن من اعتقال أبناء الشيخ محمد امزيان لحداد ثم اعتقال الشيخ الحداد فارسلته القوات الفرنسية إلى بجاية حيث وضع في قلعة " بارال" و كان لاستسلام الحداد اثر كبير على القائد احمد بومزراق شقيق محمد المقراني فحاول محمد بومزراق ان يخلق الانسجام بينه و بين قادة الاخوة الرحمانيين لكنه لن يوفق و في 8 أكتوبر 1871 خاض بومرزاق معركة فاصلة ضد قوات الجنرال الفرنسي " سوسي" بجوار قلعة بني حماد فانتهت بتغلب الفرنسيين علا بومرزاق ثم انتقل الى الصحراء الجزائرية فتاه هنا واكتشفته دورية فرنسية يوم 20 جانفي 1872 وتم ارساله الى كاليدونيا الجديدة فيما بعد وتوفي بعد 30 سنة من النفي:
5)انتفاضة الشمال القسنطيني: يعتبر الحسين بن احمد الملقب بمولاي الشقفة من الشخصيات القوية في شمال قسنطينة حيث اقام علاقات وثيقة مع الشيخ عزيز بن الحداد وانظم اليه في 20 جوان 1871 واشترك مع ثوار الزواغة يوم 4 جويلية 1871 في الهجوم على ناقلة فرنسية كانت متجهة من قسنطينة الى سطيف ثم هاجم مدينة جيجل يوم 16 جويلية 1871 ثم برج الميلية في 19 جويلية 1871 وتخريب خط السكة الحديدية في سكيكدة وقسنطينة وفي يوم 27 جويلية 1871 خاضت قواته معركة كبيرة ضد القوات الفرنسية في واد شرشال وانتهت بهزيمته بسبب قلة الاسلحة وضعف خطة الهجوم وتم القاء القبض عليه يوم 21 اوت 1871 وانهاء الانتفاضة.
6) ثورة الشيخ بوعمامة: يمكن وصف هذا التاثر بعبد القادر (الثاني) هذا بسبب قدرته على محاربة الفرنسيين 23 سنة من 1871الى1904،حيث ان الشيخ بوعمامة بن العربي بن التاج الذي ولد على الحدود المغربية الجزائرية ينتمي الى عائلة اولاد سيدي الشيخ وقد اشتهر بقدراته على مواجهة الفرنسيين وفشل فرنسا في القاء القبض عليه، فقد حاولت منذ سنة 1845 ان تقسم عائلة ولاد سيدي الشيخ بين الجزائر والمغرب وتخلق صراعات بينهم ولكن الشيخ بوعمامة استغل هذه الفرصة في انتقاله بين البلدين، ففي يوم22 افريل 1881 ارسلت فرنسا فرقة عسكرية كبيرة هدفها القضاء على بوعمامة لكن تمكن من نصب كمين للقائد الفرنسي الملازم الثاني" واينبرينار"و قضوا عليه و امتدت ثروة بوعمامة إلى ناحية وهران في الشمال لكن نجاحه الكبير كان في الصحراء و استطاع بوعمامة ان يأسر 300 فرنسي، و في الاخير استطاع الفرنسيون ان يحاصرو بوعمامة في الصحراء فتغلبوا عليه بسبب تفوقهم في السلاح و خاصة المدفعية و كذا ازدياد النفوذ الفرنسي في المغرب و صعوبة تنقله بين البلدين فتوفي بصفة طبيعية يوم 17 أكتوبر 1908 في دائرة وجدة في المغرب الأقصى.