- كارل ماركس(فلسفته، مؤلفاته):

1- مقدمة:

إن النقطة المركزية في فكر كارل ماركس (1818-1883) هي أنه من المستحيل الفصل في فلسفته بين الجانب النظري والجانب العملي، أي حياته وفكره. كما تمثلت دراسته الأساسية في المقارنة بين ديمقريطس  وأبيقور باعتبارهما المفكرين الماديين اللذان شهدهما عالم الفكر والفلسفة. هذا، وتأثر بهيغل ولودفيج فيورباخ ورأى بأن الفلسفة قد ماتت مع هيغل في ما يسميه هذا الأخير بالوعي المطلق. بمعنى أن الفلسفة قد ماتت نظريا لكننا سنحييها واقعيا، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا أي ماديا. ولهذا يقول ماركس في سياق الأطروحة الحادية عشر حول فيورباخ: "إن ما قام به الفلاسفة إلى يومنا هذا ما هو إلا بتفسير العالم، إلا وأن المهم هو تغيير العالم."

ونحن، في هذا الطرح الفلسفي حول أصول الفلسفة الماركسية التقليدية، نسعى للوقوف بشكل مخصوص على مصادر فلسفة كارل ماركس وأهم المسائل الفلسفية التي اختلف فيها ماركس عن السابقين، فما هي المحطات المركزية التي شكلت مادية ماركس الجدلية؟ وما هي أهم مؤلفاته؟ وماهي الموضوعات التي تطرق ليها في كتبه؟

2- مصادر فلسفة كارل ماركس: 

يعتبر مذهب ماركس الوريث الشرعي لخير ما أبدعته الإنسانية في القرن التاسع عشر الفلسفة الألمانية والإقتصاد السياسي الإنجليزي والاشتراكية الفرنسية. وعلية يتضح لنا أن مصادر الماركسية تتركز على هذه المحاور الثلاث. طيب، لقد دفع ماركس الفلسفة إلى الأمام فأغناها بمكتسبات الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، لا سيما مكتسبات مذهب هيغل الذي قاد بدوره إلى مادية فيورباخ وأهم هذه المكتسبات هي الديالكتيك ونسبية المعارف الإنسانية التي تعكس المادية في تطورها الدائم.

في البدء كان ماركس متأثرا بهيغل ثم راح ينتقد المثالية المطلقة بالمادية الجدلية وكانت نقطة خلافهما تتمثل في فلسفة الحق والقانون الهيغلية. فإذا كانت الدولة تحقق الصلاح (الحق والقانون) عند هيغل، تصبح عند ماكس أداة للقمع، فيقلب هذا الأخير الذروة الهيغلية وديالكتيك هيغل المثالي المطلق ويركز في فلسفته على مفهوم المجتمع المدني.

أما بالنسبة لليسار الفيورباخي فإنه يعتبر الجسر الذي عبرت عليه الفلسفة من المثالية الهيغلية إلى المادية الجدلية الماركسية. فهي فلسفة إنسانوية أونثروبولوجية تركز اهتمامها على الفرد (الإنسان) بخلاف هيغل، ونقطة انطلاق فيورباخ نقد هيغل في مسألة الاغتراب الديني، إذ كان فيورباخ يرى أن الإنسان هو الذي ابتكر فكرة الإله، لأن فكرة الإله لا تكتسب مشروعيتها إلا من خلال الإنسان، ولأن الإنسان هو الذي خلقها من ذاته وأسبغ عليها وجودا موضوعيا مستقلا.

هنا يتفق ماركس مع فيورباخ في نقد اللاهوت، لكن المهم عنده هو تغيير العالم. إذ يصرح قائلا:

" يجب علينا الآن أن ننتقل من نقد الله إلى نقد السياسة، بغية تجاوز الظلم والبؤس الذي تعاني فيه الطبقة البرروليتارية."

لأن الذي – حسب ماركس – هو "أفيون الشعوب" يستعمله الإنسان من أجل أن يفر من اللاهوت ويترك بؤس البشرية في العالم يزداد. أما بالنسبة للمذاهب الإقتصاد السياسية الإنجليزي فقد نقدها وبلورها، ومنها نظريات آدم سميث وديفيد ريكاردو التي صاغ منها نظريات تخدم المجتمع الشيوعي من الناحية الاقصادية الاجتماعية. كما نقد بعض النظريات المثالية الفرنسية كالبررودونية نسبة لجوزيف برودون وتأثر بالواقعية السياسية عند جان جاك روسو.

3- مؤلفاته:

أ- مخطوطات 1844 الإقتصادية – الفلسفية: ينطلق فيه من مفهوم العل المغترب، المستمد من هيغل وفيورباخ، وينتقد الاقتصاد السياسي وأوضاع الرأسمالية، وكتاب هيغل الضخم الموسوم ب: فينومينولوجيا الروح. 

ب- الإيديولوجية الألمانية: ينطلق فيه من مسألة في الغاية من الأهمية وهي أن الناس هم أفراد اجتماعيون منتجون في إطار شروط حياة اجتماعية، فينتقد بذلك الفلسفة المثالية الألمانية وبالتالي سمي بالإيديولوجية الألمانية.

ج- البيان الشيوعي 1848: ينطلق فيه من مفهوم مؤداه أن التاريخ هو محل الصراعات منذ وجود الإنسان على سطح الأرض، فيتحدث عن الصراع الطبقي، ويقول أن التاريخ هو تاريخ الصراع الطبقي، وبصورة خاصة يتكلم عن الصراع الطبقي في العصر الحديث، وهو صراع بين الطبقتين الرئيسيتين البورجوازية من جهة والبروليتارية من جهة أخرى.

د- الكتابات السياسية عقب ثورات 1848: وبالذات الصراع الطبقي في فرنسا، يعتمد فيه على منهج جديد مخالف للبيان الشيوعي وهو الصراع السياسي من أجل السلطة في فرنسا وليس الصراع الطبقي.

ه- بؤس الفلسفة: ينتقد فيه كل التصورات الفلسفية المثالية منها مثالية فريدريك هيغل ومثالية جوزيف بوردون في فرنسا.

و- مخطوطات 1857-1858: أو كتاب اقتصادي له نشر بعد وفاته بسنوات عديدة، نشر حديثا، اصطلح بكلمو ألمانية: Grundrisse أو المعالم وأساسيات أو الأسس العامة لنقد الاقتصاد السياسي. تغلب فيه لغة هيغل، لأن ماركس قرأ كتاب هيغل المعنون: علم المنطق، فتأثر وسحر به، فانعكس كتابه هذا بالنزعة الهيغلية. يعيد بنا في هذا الكتاب إلى أجواء مخطوطات باريس 1844. ينطلق فيه من مفهوم الإنتاج أو التصور العام للإنتاج، ويحلل كل الظواهر الرأسمالية، كالتوزيع والاستهلاك. يعد مقدمة ضخمة لكتابة كتابه الضخم المعنون: الرأسمال.

ي- المجلد الأول للرأسمال 1867: كتاب اقتصادي محض. لكن لا يخفى علينا أن ماركس قد اتبع فيه منهجا آخر مخالفا لمنهج الغروندريس. انطلق هذه المرة، في هذا الكتاب، من مفهوم السلعة وهي ظاهرة يومية نراها دائما في حياتنا اليومية، فحلل السلعة واستنتج مفهوم قيمة الاستعمال ومفهوم قيمة التبادل. واستنتج من ذلك مفهوم الفيتيشية ثم مفهوم المال، ومفهوم الرأسمال، ثم مفهوم القيمة، وفائض القيمة، ومن ثم الربح الخاص بالرأسمال. انطلق في كل هذه السلسلة من مفهوم السلعة.                

آخر تعديل: Friday، 15 December 2023، 7:21 PM