الوحدة الثامنة: إجراءات رفع الدعوى أمام المحكمة الدولية الجنائية
ممارسة الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية
ينص نظام روما الأساسي للمحكمة على إمكانية ممارسة اختصاصها القضائي إذا ما أحالت دولة طرف (المادة 14)، أو مجلس الأمن (المادة 13) قضية معينة إلى المدعي العام. ويمكن للمدعي العام البدء بممارسة اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، بمبادرة منه، وتحت سلطة دائرة ابتدائية (المادة 15). لكن، إذا ما أحالت دولة طرف أو المدعي العام حالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن هناك شرطًا مسبقًا في ممارسة المحكمة لاختصاصها: يجب أن تكون الدولة التي ينتمي إلى جنسيتها المتهم أو الدولة حيث ارتكبت على أرضها الجريمة طرفًا في النظام الأساسي.
ولا يتجاوز عن هذا الشرط سوى إحالة من قبل مجلس الأمن (المادة 13). ومن الممكن كذلك لدولة ليست طرفًا في النظام الأساسي، ولكنها إما أن تكون دولة جنسية المتهم أو الدولة التي ارتكبت الجريمة على أراضيها، أن تقبل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في ما يخصّ قضية ما، على أساس خاص، وفي هذه الحالة يجب أن تتفق على التعاون التام مع المحكمة (المادة 12)
فضلًا عن ذلك، حتى في حال ممارسة المحكمة لاختصاصها، يستطيع مجلس الأمن إيقاف المحكمة أو منعها من التحقيق أو في محاكمة حالةٍ ما، باعتماد قرار في ذلك الخصوص بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ويستغرق هذا التأخير اثني عشر شهرًا ويمكن تجديده لفترة غير محدّدة (المادة 16)
القواعد التي تنظِّم ممارسة المحكمة الجنائية الدولية لاختصاصها
-يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تمارس اختصاصها فحسب على جريمة ما إذا ما قبلت الدولة التي ينتمي إليها المتهم أو التي وقعت الجريمة على أراضيها، اختصاص المحكمة في هذه الجريمة بالمصادقة على نظام روما الأساسي (المادة 12 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية).
-عند المصادقة على نظام روما الأساسي، يمكن للدول أن تختار رفض اختصاص المحكمة على جرائم الحرب لمدة سبع سنوات (المادة 124)
-لا يجوز للمحكمة ممارسة اختصاصها في دعوى إذا ما قامت دولة ما لها ولاية عليها بإجراء تحقيق أو محاكمة في القضية. ويمكن فرض هذا إذا ما استطاعت المحكمة إثبات أن المداولات قد اتخذت لغرض حماية المتهم من المسؤولية الجنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية، في حال وجود تأخير غير مبرّر في الإجراءات الوطنية، أو في حال عدم إجراء هذه الإجراءات بصورة تتّسم بالاستقلال أو النزاهة (المادتان 17 و20)
-يجوز للمحكمة أيضًا أن تمارس اختصاصها إذا ما أثبتت أن الدولة غير قادرة على تنفيذ التحقيق أو المحاكمة - مثلًا، بسبب انهيار كليّ أو جوهري لنظامها القضائي الوطني أو بسبب عدم توافره (المادة 17، مبدأ التكامل)
فعلى العكس من المحاكم الجنائية الدولية الخاصة، ليس للمحكمة الجنائية الدولية أولوية على الاختصاصات القضائية الوطنية، ويعتبر اختصاصها القضائي مكملًا للأنظمة المحلية مما يعني أنه لا يجوز للمحكمة ممارسة اختصاصها إذا ما كانت قضية ما تخضع للتحقيق أو المحاكمة من قبل دولة لها ولاية عليها، ويمكن تجاوز هذه الحالة إذا ما استطاعت المحكمة إثبات أن الإجراءات قد نفذت بهدف حماية المتهم من المسؤولية الجنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية أو في حال عدم وجود تأخير غير مبرّر في الإجراءات الوطنية، أو في حال عدم تنفيذها بصورة مستقلة ونزيهة (المادتان 17 و20 من نظام روما الأساسي).
خلاصة القول أن للمحكمة الجنائية ثلاثة أنواع من الاختصاص: الاختصاص التلقائي، الاختصاص العام التلقائي والاختصاص غير التلقائي.
الاختصاص التلقائي: دولة طرف ×دولة طرف
الاختصاص العام التلقائي: دولة غير طرف + إحالة من مجلس الأمن
الاختصاص غير التلقائي: دولة غير طرف+ إعلانها قبول اختصاص المحكمة على القضية المعروضة أمامها فقط دون غيرها ودون أن تنظم لنظامها الأساسي.
أو: مباشرة المدعي العام التحقيق من تلقاء نفسه بغض النظر عن جنسية المتهم.
الإجراءات المتبعة أمام المحكمة
تنقسم إجراءات المحاكمة بين عدة جهات على رأسها المدعي العام، الشعب والدوائر التمهيدية والابتدائية والاستئنافية.
أ- جهات تحريك الدعوى العمومية أمام المحكمة الجنائية الدولية:
حددت المادة 13 من النظام الأساسي ثلاثة أجهزة يكون لها حق إحالة حالات أمام المحكمة: الدول الأطراف، المدعي العام، ومجلس الأمن، كما تضاف إليها أيضا الدول غير الأطراف، وذلك باستعمال حقها المخول إليها بنص المادة 12/3 كما ذكرنا سابقا.
ب-الشروط المسبقة لممارسة الاختصاص
أشارت الدائرة الابتدائية الأولى التابعة للمحكمة إلى أنه يجب استيفاء عدة شروط بالنسبة لجريمة ما لكي تندرج في اختصاص المحكمة:
-يجب أن تكون واحدة من الجرائم المذكورة في المادة 5 من نظام روما الأساسي، والتي هي الإبادة الجماعية، جرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب أوجريمة العدوان.
-يجب أن ترتكب في نطاق الفترة الزمنية المحددة في المادة 11 من النظام الأساسي، وهو ما يعني أن المحكمة يجوز لها أن تمارس اختصاصها فحسب في ما يتعلق بالجرائم المرتكبة بعد دخول نظام روما الأساسي حيز النفاذ بالنسبة للدولة المعنية ما لم تكن هذه الدولة قد قدَّمت إعلانًا بموجب المادة 12 (الاختصاص الزمني)، مع مراعاة نفاذ جريمة العدوان.
-يجب أن تستوفي الجريمة واحدًا من الشرطين البديلين المبينين في المادة 12 من النظام الأساسي؛ فيجب أن تكون إما قد حدثت على أراضي الدولة الطرف في نظام روما الأساسي أو أنها قد دبرها مواطن تابع لدولة طرف في النظام الأساسي.
-يجب أن تحال الدعوى إلى المدعي العام إما من دولة طرف، أو من مجلس الأمن متصرفًا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أو من شخص المدعي العام نفسه.
-عدم تحرك الدولة أو عدم الرغبة أو عدم القدرة على مباشرة الإجراءات في ما يتعلق بدعوى، شريطة عدم مقدرة الدولة لمباشرة الإجراءات ليس ملزمًا بالنسبة للمحكمة؛
-عتبة الخطورة، التي تعني أن الدعاوى وحدها ضد ”معظم القيادات الكبرى المشتبه بأنها أكثر الأشخاص مسؤولية“ تعتبر مقبولة.
ج- دور المدعي العام في تسيير الاجراءات
يبدأ المدعي العام بإجراءات الإستقصاء والتحقيق الأولي أو التمهيدي عندما يحاط علما بالجريمة أو الجرائم الني وقعت فعلا. ويتصل علم المدعي بأحد الطرق الثلاثة (م13 من النظام)، و يقوم بتحليل جدية المعلومات المتلقاة، و يج وز له لهذا الغرض الحصول على معلومات إضافية من الدول أو أجهزة الأمم المتحدة أو المنظمات الحكومية الدولية أو غير الحكومية أو أية مصادر أخرى يراها ملائمة، و يجوز له تلقي الشهادات التحريرية الشفوية في مقر المحكمة.
فإذا انتهى المدعي العام من تحقيقاته الأولية وإستنتج منها وجود أساس معقول في إجراء تحقيق يقدم إلى الدائرة التمهيدية طلبا للإذن له بإجراء تحقيق إبتدائي مشفوعا بالأدلة التي توصل اليها،فإذا تبين للدائرة التمهيدية – بعد دراسة طلب المدعي العام و المواد المؤيدة - وجود أساس معقول للشروع في إجراء تحقيق إبتدائي، وأن الدعوى تدخل على ما يبدو في اختصاص المحكمة، كان عليها أن تأذن بالبدء في إجراء التحقيق، وذلك دون المساس بما تقر ره المحكمة فيما بعد بشأن الإختصاص وقبول الدعوى، وإذا تبين للدائرة التمهيدية عدم جدية طلب المدعي العام، رفضت الإذن بإجراء التحقيق الإبتدائي و لكن هذا الرفض لا يحول دون تقدم المدعي العام بطلب جديد يستند إلى وقائع وأدلة جديدة تتعلق بالحالة ذاتها.
د-دور الدائرة التمهيدية في سير الاجراءات
يتم ممارسة عمل الشعبة التمهيدية بواسطة دوائر، ويقوم بمهام الدائرة التمهيدية ثلاثة قضاة من قضاة الشعبة التمهيدية أو قاضي واحد من تلك الشعبة وفقا للنظام الأساسي و القواعد الإجرائية و قواعد الإثبات.
بالرجوع إلى تفسير المادة 56 من ن.أ.م.ج.د فإنه يتبين لنا أن الدائرة التمهيدية تكون على رقابة مستمرة على أعمال المدعي العام فيما يجريه من تحقيقات و فحص و جمع أو إختيار الأدلة، تتخذ ما يلزم من تدابير لضمان فعالية الإجراءات و نزاهتها من خلال حماية حقوق الأشخاص أثناء التحقيق و بصورة خاصة حماية حقوق الدفاع، من خلال إصدار التوصيات أوال أوامر بشأن الإجراءات الواجب إتباعها و الأمر بإعداد سجل خاص بالإجراءات، و تعيين خبير لتقديم المساعدة، ثم الإذن باستعانة بمحامي عن الشخص الذي قبض عليه.
أما إذا كان الشخص لم يقبض عليه و لم يمثل أمام المحكمة فتعين محامى عنه ضروريا للحضور و تمثيل مصالح الدفاع، بالإضافة إلى إنتداب أحد أعضاء الدائرة التمهيدية أو قاض عند الضرورة لكي يرصد الوضع و يصدر توصيات أو أوامر بشأن جمع الأدلة و الحفاظ عليها و استجواب الأشخاص و في الأخيرا إتخاذ ما يلزم من إجراءات أخرى لجمع الأدلة أو الحفاظ عليها.
تجدر الاشارة إلى أنّ هذه الدائرة هي التي تختص بإصدار أمر الحضور أو القبض أو الحبس الإحتياطي وكذا أوامر الافراج وكل ما يترتب عنها من مسائل، ويجب أن تحرص على تبليغ المتهم بالتهم الموجه له وتعتمد التهم في محضر الاتهام بعد التحقيقات الأولية، و يقدم المدعي العام إلى الدائرة التمهيدية و إلى الشخص المعني، في مدة أقصاها 30 يوما قبل موعد جلسة إقرار التهم، بيانا مفصلا بالتهم بالإضافة إلى قائمة الأدلة التي ينوي تقديمها في تلك الجلسة، أما إذا كان المدعي العام يعتزم تعديل التهم وفق الفقرة 4 من المادة 61 ، فإنه يخطر الدائرة التمهيدية و الشخص المعني بذلك قبل عقد الجلسة بمدة أقصاها 15 يوما بالتهم المعدلة، علاوة على قائمة بالأدلة التي يعتزم المدعي العام تقديمها تدعيما لتلك التهم في الجلسة، وبعد ذلك يحال المتهم على الدائرة الابتدائية.
ه- دور الدائرة الإبتدائية في سير الاجراءات
متى شكلت الدائرة الإبتدائية لمحاكمة المتهم، تكون هذه الأخيرة مسؤولة عن سير الإجراءات اللاحقة و يجوز لها أن تمارس أي وظيفة من وظائف الدائرة التمهيدية تكون متصلة بعملها، تقوم الدائرة الابتدائية فور تشكيلها بعقد جلسة تحضيرية بغية تحديد موعد المحاكمة، وتقوم بإخطار جميع أطراف الدعوى بالموعد، ويجب عأن تكون المحاكمة عادلة وسريعة وأن تنعقد في جو من الاحترام التام لحقوق المتهم والمراعاة الواجبة لحمايةالمجني عليهم والشهود ، وان تحدد لغة للمحاكمة مع توفير مترجم.
تسأل الدائرة الابتدائية المدعي العام والدفاع إن كان لديهما أي اعتراضات أو ملاحظات منذ عقد جلسات إقرار التهم، ولا يجوز إثارة تلك الاعتراضات أو الملاحظات أو تقديمها مرة أخرى في مناسبة لاحقة في أثناء إجراءات المحاكمة دون إذن من دائرة المحكمة ، كما تأمر بحضور الشهود للإدلاء بشهاداتهم وتقديم المستندات وغيرها من الأدلة في جلسات علنية إلا إذا استدعت ضرورات الحماية خلاف ذلك.
و تكفل الدائرة الابتدائية إعداد سجل كامل بالمحاكمة يتضمن بيانا دقيقا بالإجراءات ويتولى المسجل استكماله والحفاظ عليه، وذلك بعد أن تعطي للمتهم فرصة لكي يعترف بذنبه أو للدفع بأنه غير مذنب.
ويعلن القاضي رئيس الجلسة موعدا نهائيا لإقفال باب تقديم الأدلة ، وبعد المداولة السرية يصدر الحكم بالاجماع في جلسة علنية مكتوبا ومعللا.
ففي حالة الإدانة تنطق المحكمة بإحدى العقوبات المنصوص عليها في نظام المحكمة، فيمكن للمحكمة أن توقع عقوبات بالسجن لمدة تصل إلى ثلاثين سنة أو، في أغلب الحالات، بالسجن المؤبد. ويمكن أن تفرض غرامات وأحكامًا بمصادرة العائدات، والممتلكات والأصول المتأتية بصورة مباشرة أو غير مباشرة من تلك الجريمة (المادة 77 من نظام روما الأساسي) تُقضى فترة السجن في دولة تختارها المحكمة من قائمة دول أبدت استعدادها لقبول الأشخاص المحكوم عليهم (النظام الأساسي، المادة 103). وتتولى المحكمة الإشراف على تنفيذ العقوبات بالسجن، ولكن ظروف السجن ستخضع لحكم قانون الدولة التي تتولى مسؤولية التنفيذ (النظام الأساسي، المادة 106).
و-دور الدائرة الاستئنافية في الاجراءات
الإجراءات أمام دائرة الاستئناف تتم بوصفها درجة استئنافية للأحكام التي تصدرها الدائرة الابتدائية، و تتألف دائرة الاستئناف من جميع قضاة شعبة الاستئناف التي تتكون من رئيس و أربع قضاة آخرين.
تطبق أمام دائرة الاستئناف نفس الإجراءات القانونية المتبعة في تقديم الأدلة أمام الدائرة التمهيدية و الدائرة الابتدائية مع مراعاة اختلاف الحال، أشارت المادة 81 من النظام الأساسي في الفقرة 1 إلى جواز استئناف الأحكام أو القرارات الصادرة بموجب المادة 74 التي تنص على متطلبات إصدار القرار و ذلك وفقا لقواعد الإجراءات و قواعد الإثبات التي تحدد إجراءات الاستئناف.
و يتم الطعن في الاستئناف على النحو التالي:
أ- للمدعي العام أن يتقدم باستئناف استنادا إلى أي من الأسباب التالية:
-1 الغلط الإجرائي.
-2 الغلط في الوقائع.
-3 الغلط في القانون.
ب- كما يمكن للشخص المدان، أو المدعي العام نيابةً عن ذلك الشخص، أن يتقدم باستئناف استناداً إلى أي من الأسباب التي سبق ذكرها بالإضافة إلى أي سبب يمس نزاهة أو موثوقية الإجراءات أو القرار.
-للمدعي العام أو الشخص المدان أن يستأنف أي حكم بالعقوبة وفقاً للقواعد الإجرائية و قواعد الإثبات بسبب عدم التناسب بين الجريمة و العقوبة.
أشارت القاعدة 150 إلى أن رفع الاستئناف ضد قرار بالإدانة أو الت برئة أو عقوبة صادرة بمقتضى المادة 76 أو أمر بجبر الأضرار صادر بمقتضى المادة 75 في موعد أقصاه 30 يوم من تاريخ إخطار الطرف مقدم الاستئناف بالقرار أو الحكم أو الأمر بجبر الأضرار.
و يقدم إخطار الاستئناف إلى المسجل، و في حالة عدم تقديم الاستئناف في وقته المحدد يصبح قرار الدائرة الابتدائية نهائيا سوءا تعلق بحكم أو قرار أو أمر بجبر الأضرار.