الوحدة الثانية: مفهوم القانون الدولي الجنائي
القانون الدولي الجنائي هو سلسلة من القواعد القانونية العرفية التي تهدف إلى منع الجريمة، من خلال فرض عقوبات على جميع منتهكي قواعد القانون الدولي أو اعتماد سلسلة من الإجراءات للدفاع عن السلام والعدالة والحضارة.
وبعبارة أخرى، يُعرّف القانون الجنائي الدولي بأنه:
مجموعة من القواعد القانونية المتعلقة بمعاقبة الجرائم الدولية التي تنتهك القانون الدولي، وينظم القانون الرد على الجرائم الدولية من خلال العقاب، والعقوبة هي اتخاذ إجراءات وتدابير صارمة ضد المجرمين الذين يهددون نظام المجتمع الدولي. والذين قاموا بتعرّضه للخطر والإصابة.
أولا-تعريف القانون الدولي الجنائي
ينقسم تعريف القانون الدولي الجنائي إلى تعريفات اصطلاحية وأخرى فقهية على النحو التالي:
في الجانب الإصطلاحي:
القانون الدولي الجنائي فرع حديث من فروع القانون الدولي العام، حيث كانت قواعده ضمن قواعد قانون الحرب والقانون الدولي الإنساني، وذلك لعدم وجود قاعدة دولية تعرف ماهيته، وعلى هذا الأساس لعب الفقه الدولي دورا كبيرا في تطوير مفهومه، حيث بدأ بعزل هذه القواعد عن قواعد قانون الحرب والقانون الدولي الإنساني وأضفوا عليها الصفة العقابية، فأطلقوا عليها عدة تسميات مختلفة حيث أطلق عليها البعض تسمية جرائم ضحايا الحرب.
أما من الناحية الفقهية فيمكن إيراد التعريفات التالية:
عرفه الفقيه (Pella) بأنه "مجموعة القواعد الموضوعية والشكلية التي تنظم مباشرة عقاب الأفعال التي ترتكبها الدول أو الأفراد ويكون من شأنها الإخلال بالنظام العام الدولي وبالاتحاد والانسجام والألفة بين الشعوب"
أما الفقيه جرافن فيعرفه بأنه "مجموعة القواعد القانونية الدولية المعترف بها في العلاقات الدولية والتي يكون الغرض منها حماية النظام الاجتماعي الدولي بالمعاقبة على الأفعال التي تضمن اعتداء عليه".
وعرّفه الفقيه جلاسير (Glaser) فيعرفه بأنه" مجموعة القواعد القانونية الدولية المعترف بها في المجموعة الدولية والتي هدفها حماية النظام الاجتماعي الدولي بمعنى السلم والأمن الاجتماعي الدولي بالعقاب على الأفعال التي تخل به أو بمعنى أخر مجموعة القواعد الموضوعية للعقاب على مخالفة أحكام ومبادئ القانون الدولي العام".
أما في الفقه العربي فعرفه د. علي عبد القادر القهوجي بأنه "ذلك الفرع من فروع القانون الدولي العام الذي ينقطع لإسباغ الحماية الجنائية على المصالح الأساسية أو الجوهرية للمجتمع الدولي والتي لا تقوم له قائمة بدونها فكل فعل ينطوي على ضرر لأحد هذه المصالح أو تعريضها للخطر يعتبر جريمة دولية يعاقب عليها ذلك القانون"
ويقول الدكتور عبد الرحيم صدقي في تعريف هذا القانون "بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تتعلق بالعقاب على الجرائم الدولية أي الجرائم التي تشكل انتهاكاً للقانون الدولي"
فيما عرفه د. محمد محمود خلف بأنه "مجموعة القواعد التي تحدد الجرائم الدولية والعقوبات المقابلة لها والإجراءات الواجب اتخاذها لغرض تلك العقوبات على الأشخاص الطبيعيين الذين تثبت مسئوليتهم عن ارتكاب تلك الجرائم الدولية"
ويطلق د. عبد الوهاب حومد اسم القانون الجزائي الدولي على هذا القانون ويعتبر أن هذا القانون يقف موقفاً وسطاً بين القانون الدولي الذي ينظم العلاقات الدولية بالاستناد إلى العرف خاصة وبين القانون الجزائي الوطني لأنه هو أيضاً يعاقب على أفعال يهتم بها هذا القانون في الغالب ولو كان مجال عملها مختلفاً فالقانون الجزائي الدولي يرقي إلى حماية النظام العام الدولي أما القانون الجزائي الوطني يرمي إلى حماية النظام العام الوطني.
الملاحظ على التعريفات السابقة أنها لم تأخذ بنظر الاعتبار الغاية الرئيسة للقانون الدولي الجنائي وهو حماية حقوق الإنسان إذ أن نشأة هذا الفرع من فروع القانون الدولي قد ارتبط أصلا بحماية حقوق الإنسان من الانتهاكات الجسيمة لها ، وهذا هو المضمون الحقيقي لهذا القانون إذ لولا هذا القانون لترتب عليه عدم التزام جدي بمضمون وأحكام حقوق الإنسان الواردة في الاتفاقيات الدولية ، كما أن قسما من هذه التعاريف تشير إلى أن هدف هذا القانون هو حماية النظام العام الدولي دون أن تبين ما المقصود بهذا النظام العام أو المسائل الداخلة .
ولا شك في أن احترام جميع الأجناس البشرية ومنع التمييز والتفرقة العنصرية بينها قاعدة من قواعد النظام العام الدولي وبالتالي يعتبر انتهاكها عن طريق إبادة الجنس أو الانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان جرائم دولية يعاقب عليها القانون الدولي الجنائي .
إن هذا القانون يتكون من نوعين من القواعد الدولية القواعد الموضوعية والقواعد الإجرائية، الموضوعية الغرض منها تجريم الأفعال التي تشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان والإجرائية التي تضمن تقديم المجرمين إلى العدالة الدولية وفرض العقاب عليهم وهذه المركبات هي في مجموعها تشكل المضمون الحقيقي للقانون الدولي الجنائي وهو فرض احترام حقوق الإنسان وعدم مخالفتها وإلا ترتب عليه ارتكاب جريمة دولية يعاقب عليها هذا القانون ويمتلك الوسائل اللازمة لغرض هذه الحماية والعقوبة اللازمة .
ثانيا- العلاقة المتبادلة بين القانون الدولي الجنائي والقانون الجنائي الدولي
من حيث غاية كل منهما: القانون الدولي الجنائي يسعى إلى حماية النظام العام الدولي وبالدرجة الأولى حماية حقوق الإنسان. وأما القانون الجنائي الدولي يسعى إلى حماية النظام العام الداخلي، وكذلك حماية مصالح الدولة حتى إذا كانت الجريمة واقعة خارج حدودها.
من حيث الموضوع: الجرائم الدولية التي يرتكبها أفراد نيابة عن الدولة تشكل موضوع القانون الجنائي الدولي حسب طبيعتها. وتتنوع مصادر الجرائم والعقوبات المنصوص عليها في القانون الدولي وقواعد القانون الجنائي المحلي هي مصادر الجرائم والعقوبات المنصوص عليها في القانون الدولي.
من حيث المؤسسات القضائية التي تطبق القواعد القانونية: المحاكم التي لديها سلطة محاكمة الجرائم التي يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي، هي المحاكم الوطنية لإحدى الدول المتورطة في الجريمة، أي بلد جنسية الجاني أو الضحية أو الجريمة التي تُرتكب على أراضيها. وتتمتع محكمة العدل الدولية بسلطة التعامل مع الجرائم التي يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي كقاعدة عامة.
وبالنظر إلى أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وولاية الأجهزة القضائية الوطنية متكاملان، فمن ناحية أخرى، فإن اختصاص المحكمة يقتصر على بعض الجرائم الدولية. وإذا كان بإمكان المحاكم الوطنية تقاسم هذا الاختصاص، فإنها في بعض الأحيان تحتكر الاختصاص القضائي.
من حيث المرجعية: القانون الدولي الجنائي يعود الى القانون الدولي العام وهو فرع من فروعه، بينما القانون الجنائي الدولي يعود الى القانون الجنائي الداخلي وهو فرع من فروعه.