أقوال العلماء في نزول القرآن

للقرآن الكريم نزولان، نزوله جملة، ونزوله مفرّقا.

عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما،

فقال: "فُصِل القرآن من الذِّكر فوضع في بيت العزّة في السماء الدنيا، فجعل جبريل عليه السلام ينزّله على النبي صلّى الله عليه وسلم ويرتّله ترتيلا".رواه الحاكم وابن أبي شيبة.

عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما

قال: "أنزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه، أو أن يُحدث منه في الأرض شيئًا أحدثه". رواه الحاكم.

النوع الأول: النزول جملة

قال الله تعالى: ﴿إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةِ القَدرِ ﴾ سورة القدر: ﴿ إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةٍ مُبارَكَةٍ ﴾  الدخان: ﴿ شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدًى لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرقانِ ﴾  البقرة: 185

ومدّة هذا النزول:

ليلة واحدة هي ليلة القدر من غير تعيين ولا تحديد للعام الذي كانت فيه ليلة القدر هذه، وهل كانت قبل نبوّة محمّد ﷺ أم بعد نبوّته؟ الله أعلم إذ لا دليل صحيح على تحديد وقتها.

حكمته:

قال ابو شامة المقدسي: "فإن قلت: ما السّر في إنزاله جملة إلى السماء الدنيا؟ قلت: فيه تفخيم لأمره وأمر من أنزل عليه، وذلك بإعلام سكان الساموات السبع أن هذا آخر الكتب المنزل على خاتم الرسل لأشرف الأمم، قد قربناه إليهم لننزله عليهم، ولولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجمًا بحسب الوقائع لهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن الله تعالى باين بينه وبينها فجمع له الأمرين:إنزاله جملة ثم إنزاله مفرقًا، وهذا من جملة ما شرف به نبينا ﷺ"

النوع الثاني: النزول مفرّقا

هو نزول القرآن الكريم منجمّا -أي مفرّقٌا- على الرسول ﷺ في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والأحداث.

دليله

قال تعالى: ﴿وَقُرآنًا فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكثٍ وَنَزَّلناهُ تَنزيلًا ﴾ [سورة الإسراء: 106] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾. [سورة الفرقان:32].

واسطته:

نزل القرآن الكريم كله على الرسول ﷺ بواسطة جبريل عليه السلام، دليل ذلك قوله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأَمينُ عَلى قَلبِكَ لِتَكونَ مِنَ المُنذِرينَ ﴾ [سورة الشعراء: ١٩٣_١٩٥] وقوله تعالى: ﴿ قُل نَزَّلَهُ روحُ القُدُسِ مِن رَبِّكَ بِالحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذينَ آمَنوا وَهُدًى وَبُشرى لِلمُسلِمينَ ﴾ [ سورة النحل: ١٠٢ ]. وقد تلقّى جبريل عليه السلام القرآن الكريم من الله عز وجل مباشرة وسمعه منه بصوت وحرف، ونزل به جبريل إلى الرسول ﷺ بلفظه ومعناه وأدّاه كما سمعه.

اليوم الذي ابتدأ نزول القرآن فيه:

هو يوم الإثنين، عن قتادة رضي الله عنه: أنَّ رسول ﷺ سُئل عن صوم يوم الإثنين؟ قال:( ذاك يومٌ وُلِدتُّ فيه ويومٌ بُعثتُ أو أُنزِل عليَّ فيه ) رواه مسلم.

مدّة هذا النزول

ثلاث عشرة سنة بمكة وعشر بالمدينة من بعثته إلى وفاته ﷺ.

حكمته:

  • تثبيت قلب النبي ﷺ: قال الله تعالى: ﴿وَقالَ الَّذينَ كَفَروا لَولا نُزِّلَ عَلَيهِ القُرآنُ جُملَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلناهُ تَرتيلًا
  • -تيسير حفظه وفهمه.
  • -مسايرة الوقائع والأحداث.
  • -الجواب على الأسئلة وبيان ما أشكل على الصحابة.
  • -التدرّج في التشريع، واستمرار التحدّي والإعجاز، وأنّ القرآن من الله ولن يأتِ بمثله أحد.

أماكن نزول القرآن الكريم:

نزل القرآن الكريم على النبي ﷺ بمكة ونزل بالمدينة ونزل في غيرهما، فما كان قبل هجرته ﷺ فهو مكّي وإن نزل بالمدينة، وما كان بعد هجرته فهو مدني وإن نزل بمكة، وهذا ضابط معتبر في تمييز المكّي من المدني لآيات القرآن وسوره.

مقدار ما كان ينزل من القرآن:

لم يكن لنزول القرآن على النبي ﷺ في كل مرة مقدار ثابت، فقد تنزل الآية كما نزلت آية ﴿ اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم ﴾ [ المائدة: ٣ ] وقد تنزل بعض آية كقوله تعالى ﴿ مِنَ الفَجرِ ﴾ من قوله تعالى ﴿ وَكُلوا وَاشرَبوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ مِنَ الفَجرِ ﴾ [ البقرة: ١٨٧]. وقد تنزل خمس آيات كما نزلت الخمس الآيات الأولى من سورة الضحى. ونزلت عشر آيات من قصة الإفك جملة واحدة من سورة النور، والعشر الآيات الأولى من سورة المؤمنون.

أغلب نزول القرآن:

كان نزول القرآن على النبي ﷺ إما ابتداءً وإمّا بسبب حادثة وقعت او سؤال، والأغلب نزوله ابتداءً؛ وذلك لهداية العباد ولحاجتهم إليه، وأمّا نزوله للسبب والسؤال فهو قليل.

أوّل ما نزل من القرآن:

هي الخمس الآيات الأولى من سورة العلق، نزل بها جبريل عليه السلام على النبي ﷺ وهو يتحنّث –يتعبّد- في غار حراء.

الدليل

عن عائشة زوج النبي ﷺ قالت: ( كان أول ما بُدِئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاء، فكان يلحق بغار حراء، فيتحنَّثُ فيه ـ الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود بمثلها، حتى فَجَأَه الحقُّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ. فقال رسول الله ﷺ: ما أنا بقارئ قال: فأخذني، فغطَّني حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ. فأخذني، فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارىء. فأخذني، فغطَّني الثالثة حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني، فقال: {اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَا وَرَبُّكَ الأَكَرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [ سورة العلق: ١_ ٥ ]... الحديث، أخرجه البخاري ومسلم. والتَّحنُّثُ: التعبد

آخر ما نزل من القرآن

قول الله تعالى: ﴿وَاتَّقوا يَومًا تُرجَعونَ فيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾، ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما، وسعيد بن جبير، والسدّي الكبير.

Modifié le: Thursday 14 January 2021, 09:01