-أولا: تعريف التغير الاجتماعي:

1- لغة:

- في اللغة العربية عند ابن منظور تعني كلمّة التغيّر « التحوّل؛ فتغيّر الشيء عن حاله تبدّله، كأنه جعله غير ما كان، و في التنزيل العزيز: "ذلك بأن الله لم يكُن مُغيّرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم"(الأنفال، الآية 53) و تغايرت الأشياء اختلفت»[1]  فالتغيّر في اللغة يعني التبدّل و التحوّل من أمر و من وضع ما لآخر.

- في اللغة الفرنسية في القاموس الفرنسي تعني كلمة "changer " تغيير شيء ما تبديله ،

 أو تعديله .[2]

- في اللغة الانجليزية يقصد بالتغيّر "change ":

كل استبدال ، تموضع ، تبادل ، تبادل بيني ، أو تحوّل..؛ فالتغيّر إذن هو ذاك التحوّل أو التبدّل الحاصل[3].

     2- اصطلاحا:

جدير بالذكر أن مفهوم التغير الاجتماعي قد تعددت تعريفاته باختلاف وتباين الدارسين والمهتمين بقضاياه، وسنحاول التعرض في هذا المقام لأبرز التعريفات التي تبسط للطلبة الدلالات الاصطلاحية للمفهوم في مايأتي:

-التغيّر الاجتماعي social change  في  معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية عبارة امتداد الإجراءات و التنظيم عن طريق الانتشار أو التوسّع إلى مناطق أو جماعات، لم تكن تسودها من قبل ثقافة معينة

أو تنظيم محدد .[4]

  –جاء تفسير التغيّر الاجتماعي changement social في معجم المفاهيم الأساسية في علم الاجتماع من زاويتين افتراضيتين مختلفتين : تقول الأولى بأن المجتمعات تتوجه ضرورة نحو حالة مثالية أفضل ، و الثانية زاوية القائلين بأن التغيّر هو تراجع و نكوص »[5] ، فالحديث عن التغيّر الاجتماعي حديث يجرّنا إلى تحديد زاويتين أو منحيان له فالتغيّر الاجتماعي يمكن أن يكون نحو الأفضل  فيفضي إلى التطور، كما يمكن أن يكون نحو الأسوأ  فيؤدي إلى التقهقر والتخلف.

 

 

- التغيّر الاجتماعي عند" ريمون بودون "(1934-2013) :

حيث انطلق من فكرة نقدية لنظريات التغير الاجتماعي فهو يصفها بكونها : « نظريات أخفقت لأنها تبحث عن قوانين عامة تحكم التاريخ ، و أغلب المنظرين حاولوا إعطاء معنى للتاريخ بالبحث عن ارتباط النتيجة بالسبب »[6] فالتحليل السببي ليس قابلا للتطبيق دائما ، كونه يتطلب إمكانية جمع معلومات محدودة الكمية و قابلة للمقارنة فيما بينها لأن قدرته على تفسير الظواهر محدودة .»[7].

فنظريات علم الاجتماع ليس هدفها حسب ريمون بودون التنبؤ، و إنما تقديم التفسير لكون «التنبؤ بالمستقبل غير أكيد ، لهذا على علم الاجتماع إعطاء مكانة لـ "اللانظام في عملية التغيّر الاجتماعي الذي يكون غير محدد لأن عملية تجميع السلوكات الفردية ليست روتينية بشكل مسبق[8]

 

 

 

- التغير الاجتماعي عند جاي روشيه:

     -    "ويعرّف التّغيّر الاجتماعيّ بأنّه تبدّل يطال معظم جوانب الحياة والنّشاط الاجتماعيّ بما فيها القيم والعادات والغايات والأهداف، كما أنّ الّتغيّر الاجتماعيّ يعني...تغيّرًا شاملاً في أساليب الحياة والفكر والقيم."[9]

وفي ضوء كل هذه التعريفات نخلص للتعريف الإجرائي التالي:

3- تعريف التغير الاجتماعي إجرائيا:

هو كل تحول اجتماعي في البنى والوظائف والعلاقات والقيم الثقافية والمادية، التي تحدث في مجتمع ما في زمن ما، نتاج مجموعة من العوامل الظاهرة والكامنة لتحدث أثارا تختلف طبيعتها وحدتها من مجتمع لآخر، وقد تؤدي إلى التنمية والتطور كما قد تفضي للتخلف والتقهقر.

-ثانيا: ضبط دلالات بعض المفاهيم المقاربة للتغير الاجتماعي وعلاقتها به:

1- علاقة التغيّر الاجتماعي بالنمو :

يُعرّف النمو  بأنه:" عبارة عن عمليات التغير الاجتماعي الذي يلحق بالبناء الاجتماعي عن طريق التطوّر الطبيعي و التحول التدريجي. "[10] ، أي أنه عملية  تحول تدريجي له أثر ايجابي على المجتمع.

كما نشير إلى  أن "المجتمع الذي لا يحدث تغيير في تكنولوجيته لا يُحدث ثمة تغيير أيضًا في عناصر حضارته ،

إن الافتقار إلى التقدّم المتصل في الوسائل الفنية طابع مميز لجميع المجتمعات التقليدية ،و العكس حدث في الدول التي تحولت إلى النمو الاقتصادي، حيث أحدثت تغييرا  في نظمها السياسية ، و بنيانها الاجتماعي ، و مواقفها من الحياة »[11]  بمعنى أن النمو عملية ممنهجة هادفة تتطلب تقدما تقنيا وفنيا يجب توظيفه بما يحقق أهداف التغيير.

2

 

-علاقة التغيّر الاجتماعي بالتطوّر :

يروم التطور إلى أن:"  المجتمعات الإنسانية تميل في المدى البعيد إلى تحقيق نمو أرقى باستمرار ، كما يرتبط التطوّر بفكرة أن المجتمعات تمر بمراحل متعددة، و ذلك في انتقالها من الشكل البسيط إلى الشكل الأكثر تعقيدا ،كما تضمن نوعا من المماثلة بين نمو كائن الحي و تطوّر المجتمع الإنساني ."[12]

 

 

وعليه فان كل نمو ممنهج مدروس يؤدي بالضرورة إلى التقدم والتطور.

3- علاقة التغيّر الاجتماعي بالتّنمية :

يعبر مفهوم التنمية الاجتماعية على تلك الجهود التي تُبذل لإحداث سلسلة من التغيّرات الوظيفية ،و الهيكلية اللازمة لنمو المجتمع و ذلك بزيادة قدرة أفراده على استغلال الطاقة المتاحة إلى أقصى حد ممكن لتحقيق أكبر قدر من الحرية و الرفاهية لهؤلاء الأفراد بأسرع من معدل النمو الطبيعي .[13] فهي تمثل أقصى درجات النمو الاجتماعي.

 

 

 

 

 

 

 

4-  علاقة التغير الاجتماعي بالتغير الثقافي:

يعني التغير الثقافي التّبدّل في عناصر الثّقافة الماديّة والمعنويّة ،أي التّبدّل في المعرفة والأفكار والفنّ والمذاهب الدّينيّة والأخلاقيّة والآلات والتّكنولوجيا. بمعنى آخر هو التّغيير في القواعد الاجتماعيّة ونظم المعتقدات والرّموز والقيم والتّكنولوجيا ويرى لسلي وايت أنّ التّغيّر الثّقافيّ يتمّ من خلال ثلاث زوايا وهي:الزّاوية التّكنولوجيّة والاجتماعيّة والفكريّة. ولكنّه يعتبر التّكنولوجيا عاملاً مقرّرًا وحاسمًا بالنّسبة للزّاويتين الأخرتين وهو المحفّز للتّغيّر العامّ".[14]

             ويعدّد وليام أوكبرن ثلاث مراحل أساسيّةً يمرّ بها التّغيّر الثّقافيّ وهي[15]:

الاختراع والإبداع: وهذان يشيران إلى القابليّة الحضاريّة على خلق شيءٍ جديدٍ إمّا أن يكون ذاتيًّا صادرًا عن تفكير الإنسان وقابليته، وإمّا أن يكون ذا قابليّةٍ أجنبيّةٍ بنيت عليها أو أضيفت إليها إبداعاتٌ خلاّقةٌ وأصبحت إبداعات مبنيّةً على استعاراتٍ ثقافيّةٍ.

التّراكم:والّذي يشير إلى اكتساب الإبداعات السّابقة وإضافة إبداعاتٍ جديدةٍ أخرى إليها.

الانتشار:أي أنّ نموّ الثّقافة وتغيّرها لا يأتي فقط من خلال الإبداعات والاختراعات، بل من خلال الانتشار أيضًا الّذي يكون بوساطة وسائل الاتّصال والتّجارة والتّزاوج والاتّفاقيّات الثّقافيّة بين الدّول وغيرها، حيث يقومون بنشر الإبداعات الجديدة بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشر. فانتشار الإبداع يتضمّن انتقال الاختراع أو الإبداع من مجتمعٍ إلى آخر ومن منطقة جغرافيّة إلى أخرى وقد يتمّ ذلك أيضًا عن طريق الاحتكاك الثّقافيّ.

          ويرتكز عامل الانتشار الثّقافيّ على وجود نقطةٍ مركزيّةٍ تمثّل الإشعاع الثّقافيّ للحضارات والثّقافات الأخرى وتتمّ هذه العملية كما يأتي:

§       قدرة مركز الإشعاع الثّقافيّ على نقل مقوّمات التّقدم والتّغيّر وهي المعرفة العلميّة والتّكنولوجيّة ورأس المال والمهارات والقيم.

§       قدرة تقبّل المجتمعات المحيطة بمركز الإشعاع الثّقافيّ على اقتباس الإبداعات الجديدة والمغايرة لأنماط حياتهم الخاصّة.       

 

 



[1]  ابن منظور : لسان العرب ، دار صادر ، مصر ، (د.ط)،(د.ت) ، ج9 ، (المادة غير) ،ص.163،164

-[2] J . Bertrande , dictionnaire pratique des faux fréres ,ed , fernand nathan , 1979 p.26

[3]The Oxford Thesaurus , An A-Z Dictionary of Synonyms ,see on : ftp://www.ganziskola.hu/TarnyikG/11.K/Szinonimak.pdf P.213

[4] أحمد زكي بدوي : معجم المصطلحات الاجتماعية ، مكتبة لبنان ،لبنان ،(د.ط)، 1982،ص.383

[5]  خليل أحمد خليل : المفاهيم الأساسية في علم الاجتماع ، دار الحداثة للنشر و التوزيع ،لبنان ،(ط1)،1984،ص.74

[6]  خواجة عبد العزيز : أساسيات في علم الاجتماع ، دار نزهة الألباب للنشر و التوزيع ، الجزائر ، (د.ط)،2012،ص.190

[7] ريمون بودون، رينو فيول : الطرائق في علم الاجتماع ،تر:مروان بطش ،مؤسسة مجد للنشر و التوزيع ،لبنان ،(ط1)،2010،ص.56

[8]  المرجع نفسه ،ص.190

[9] هشام يعقوب مريزيق:المدخل إلى علم الاجتماع، دار الرّاية للنّشر والتّوزيع، ط1، عمّان-الأردن،2008 ،ص137.

[10] أحمد زكي بدوي :المرجع السابق ،ص.384

[11]  إيفرت .أ.هايجين ،حول نظرية التغير الاجتماعي ،ترجمة:عبد الغني سعيد،مكتبة الأنجلومصرية،مصر، ص.18

[12] فاروق مدّاس :قاموس مصطلحات علم الاجتماع ،دار مدني للنشر و التوزيع ،الجزائر ،2003،(د.ط)،. ص.66،67

[13]  أحمد زكي بدوي :المرجع السابق ،ص.384

[14] محمّد عابد الجابريّ: تكوين العقل العربيّ، مركز دراسات الوحدة العربيّة، ط4، بيروت، 1989، ص253.

[15] محمّد عليّ وآخرون: دراساتٌ في التّغيّر الاجتماعيّ، دار الكتب الجامعيّة، مصر، 1974،ص253.


Modifié le: samedi 12 avril 2025, 00:05