تنقسم الحقوق المالية عموما إلى حقوق عينية des droits réels و حقوق شخصية des droits personnels و حقوق أدبية des droits intellectuels ، غير أن هذه الأخيرة قد استقلت بقواعد قانونية خاصة تتمثل في قانون الملكية الفكرية بمختلف فروعه مثل قانون حماية حقوق المؤلف و قانون حماية الملكية الصناعية و غيرها من القوانين الأخرى، و عليه فلم يعد القانون المدني يعنى إلا بتنظيم النوعين الأولين أي الحقوق الشخصية و الحقوق العينية.
فالحق العيني هو سلطة معينة يعطيها القانون لشخص معين على شيء معين، أما الحق الشخصي فهو رابطة ما بين شخصين دائن و مدين يخول الدائن بمقتضاها مطالبة المدين بإعطاء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل.
و ما يدخل في نطاق دراستنا ضمن نظرية الالتزام هو الحقوق الشخصية فقط دون الحقوق العينية، فيسمى الأمر التزاما إذا نظرنا إليه من ناحية الطرف السلبي في العلاقة و هو المدين و يسمى حقا شخصيا إذا رأيناه من جهة الطرف الإيجابي و هو الدائن، و لأن الطرف الأكثر أهمية هو المدين على أساس أن ذمته المالية هي المشغولة بالدين و هي محل الاعتبار في مختلف التصرفات القانونية اللاحقة عن نشوء الالتزام، فقد رجح الفقه تسمية النظرية بنظرية الالتزام و ليس نظرية الحق.
و يتنازع تعريف الالتزام مذهبان رئيسيان أو نظريتين رئيسيتين هما المذهب الشخصيla théorie subjective و المذهب المادي la théorie objective، فالأول يرى أن الأمر الجوهري في الالتزام هو أنه رابطة شخصية بين الدائن و المدين.
المطلب الأول: النظرية الشخصية
و أشهر من قال بهذه النظرية هو الفقيه الألماني سافيني Savigny الذي يرى أن الالتزام هو رابطة شخصية تخضع المدين للدائن، و هي صورة مصغرة من الرق فالسلطة التي تمنح للشخص على شخص آخر قد تستغرق حرية من يخضع لهذه السلطة و هو ما يعرف بالرق الكامل أو الملكية التامة.و قد لا تستغرق السلطة إلا جزءا من الحرية و لا تمتد إلى جزء من نشاط المدين، فيترتب على ذلك حق للدائن قريب من حق الملكية و لكنه ليس هو بالضبط. فهو عمل خاص بعمل معين من أعمال المدين، فالالتزام حسب االمذهب الشخصي هو " سلطة معينة تمنح لشخص على شخص آخر"، و بهذا تكون الملكية و الالتزام في نظر سافيني شيئين من طبيعة واحدة و لا يختلفان إلا في الدرجة، ففي الملكية يكون الخضوع كليا بينما يكون جزئيا في الالتزام.
المطلب الثاني: النظرية المادية
أما المذهب المادي الذي يتزعمه الألماني الآخر جيرك Gierke فلا يجعل من أطراف الالتزام هما الجوهر أو المحور بل يجعل من محل الالتزام هو العنصر الأساسي و أهميته تفوق أهمية الأطراف أي الدائن و المدين، فالالتزام حسب أصحاب هذا الرأي هو رابطة بين ذمتين ماليتين هما ذمة الدائن و ذمة المدين، و بهذا نجد أن أصحاب هذه النظرية قد فصلوا الالتزام عن أطرافه فلم يعد يمثل علاقة شخصية بل اختلط بمحله فأصبح شيئا ماديا العبرة فيه بقيمته المالية.
المطلب الثالث: موقف المشرع الجزائري من النظريتين
غير أننا إذا أردنا تقييم كل من المذهبين فسنجده يحمل بعضا من المزايا و كذلك العيوب لذلك فلا يمكن الأخذ بمذهب واحد على إطلاقه نظرا للنتائج الوخيمة التي ستترتب على ذلك، لذا فإن أفضل التعاريف المقدمة للالتزام و أكثرها موضوعية هي تلك التي مزجت بين المذهبين و من بينها تعريف الفقيه المصري عبد الرزاق السنهوري بأن الالتزام هو " حالة قانونية يرتبط بمقتضاها شخص معين بنقل حق عيني أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل."
و نخلص من كل ما سبق ذكره أن للالتزام مظهرين أحدهما شخصي و هو الرابطة بين الدائن و المدين و الثاني مادي يتمثل في مظهر القيمة المالية و الذي يتخذ بمقتضاها موقعا في ذمة الدائن كحق و في ذمة المدين كالتزام، و هو الموقف الذي تبناه المشرع الجزائري حيث زاوج بين المذهبين الشخصي و المادي و لم يتطرف لأي منهما بصفة مطلقة، حيث نجد للمذهب الشخصي عدة تطبيقات منها عقد الوكالة مثلا و كذلك الغلط في شخص المتبرع له الذي يعد سببا للتمسك بالإبطال، كما نجد أيضا عديد التطبيقات للمذهب الفردي أهمها نظرية حوالة الحق و حوالة الدين، نظرية الاشتراط لمصلحة الغير إضافة إلى إمكانية التزام المدين لغير دائن معين كما هو الشأن في الوعد بجائزة حيث إن المدين و هو الواعد شخص معلوم في حين أن شخص الدائن لا يظهر إلا وقت التنفيذ.