مفاهيم التوجيه والإرشاد المدرسي
تمهيد:
اختلفت مفاهيم كل من التوجيه والإرشاد وذلك بحسب الظروف والسياقات التي مر بها كل منهما، حيث عرفا تغيرات عدة خاصة بظهور الجانب التنظيري الذي أعطى لكل من التوجيه والإرشاد رؤى مختلفة حول الفرد، والطبيعة، والحياة، كما لعبت الفلسفات الحديثة دورا في ضبط هذه المفاهيم وبالخصوص المدرسة الإنسانية في علم النفس على يد كارل روجرز، كما ساهمت أدوات القياس والتشخيص والتقييم دورا فاعلا في تفعيل الإجراءات التطبيقية للمفاهيم والمبادئ النظرية في كل من التوجيه والإرشاد، سواء كان داخل المؤسسات التعليمية أو المؤسسات المهنية إضافة إلى دعوات الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة مع الأسوياء دون تمييز .
1- مفهوم التوجيه:
يعرف التوجيه على أنه العملية النفسية المنظمة التي تهدف إلى مساعدة الفرد على اختيار الحل الملائم للمشكلة التي يعاني منها، ووضع الخطط التي تؤدي إلى تحقيق هذا الحل والتكيف وفقا للوضع الجديد، وتقوم هذه المساعدة على أساس حرية الفرد في الاختيار.
وتقوم هذه الحرية على أساس فهم الفرد للمشكلة والظروف المتعلقة بها، كما تقوم على أساس إدراكه وفهمه لدوافعه، ورغباته، وميوله، وقيمه، واستعداداته، وقدراته، كما تقوم هذه الحرية على أساس استفادته من جميع إمكاناته الشخصية وغير الشخصية للوصول إلى أنسب الحلول،وبهذا المعنى يصبح مفهوم التوجيه شاملا للتوجيه النفسي و الاجتماعي والتربوي والمهني وغير ذلك من أنواع التوجيه،(عطية هنا، 1959، ص25).
ويقصد بالتوجيه كذلك مجموع الخدمات التربوية والنفسية والمهنية التي تقدم للفرد ليتمكن من التخطيط لمستقبل حياته وفقا لإمكاناته وقدراته العقلية والجسمية وميوله بأسلوب يشبع حاجاته ويحقق تصوره لذاته، ويتضمن التوجيه بهذا المعنى ميادين متعددة كالتعليم والحياة الأسرية والشخصية والمهنية، كما يشتمل أيضا على خدمات كتقديم المعلومات أو الخدمات الإرشادية، والتوافق المهني، وقد يكون مباشرا أو غير مباشر فرديا أو جماعيا، وهو عادة يهدف إلى الحاضر والمستقبل مستفيدا من الماضي وخبراته.
ويعرفه أرثـر جونـز Arthur Jonesعام 1970 "بكونه إسداء المساعدة للأفراد ليحسنوا الاختيار وموازنة الأمور فيما يعرض لهم في حياتهم من مواقف، وأن التوجيه جزء مكمل للتربية والتعليم، وهو لا يقدم الاختيارات للأفراد وإنما يساعدهم على القيام باختياراتهم الخاصة لأجل تشجيع وتنشيط النمو التدريجي للقدرة على اتخاذ القرارات بطريق استقلالية دون مساعدة الآخرين.
كما التوجيه خدمة ليست قاصرة على المدرسة، والأسرة وإنما توجد أيضا في العمل وفي الحياة الاجتماعية وفي المستشفى وأنها توجد حيث يكون الناس محتاجين إلى المساعدة، وحيث يوجد أناس قادرون على تقديم المساعدة " (مجلة التوثيق التربوي، 1982،ص14).
وفي نفس العام 1970 عرفت لجنة من خبراء اليونسكو التوجيه بما يلي " يتمثل التوجيه في جعل الفرد قادرا على أن عي خصائصه الشخصية، وأن يعمل على تطويرها من أجل اختيارات دراسية ونشاطات مهنية في مختلف الظروف والوضعيات التي يتواجد بها مع محاولة خدمة مجتمعه ووضوح مسؤولياته". (Danvers ,F, 1996 p190)
2)- تعـريف الإرشـاد:Counseling
هو العملية الرئيسية من عمليات التوجيه وخدماته، ويشير إلى العلاقة التفاعلية التي تنشأ بين المرشد التربوي والمسترشد بقصد توجيه نمو الفرد بحيث تصل إمكاناته إلى أقصى درجة ممكنة وفقا لحاجاته وميوله واتجاهاته، مع الأخذ بعين الاعتبار حاجات المجتمع وذلك لتوجيه القوى البشرية لتحمل مسؤولياتها الاجتماعية في المستقبل.(عبد الهادي و العزة،2004، ص14).
ويعرف كذلك الإرشاد على أنه العملية الفنية المتخصصة التي تتم وفق خطوات محددة ومحكومة بزمان ومكان محددين،يتم من خلالها مساعدة المسترشد على النمو، والوصول إلى بإمكانياته لإلى أقصى درجة ممكنة، وفقا لحاجاته واتجاهاته وقدراته من خلال علاقة تفاعلية دافئة بينه وبين المرشد المؤهل المدرب الراغب والقادر على تقديم المساعدة الفنية، بهدف تطوير سلوك المسترشد وفهمه لنفسه ومشكلاته، وأساليب تعامله مع الظروف والمواقف والمشكلات التي يواجهها تحقيقا للصحة النفسية. (أبو اسعد، 2011، ص 15).
يعرفه ورن Wreen عام 1951 أنه علاقة دينامية هادفة بين شخصين تختلف الإجراءات التي يشترك فيها كل من المرشد والمسترشد تبعا لطبيعة حاجات المسترشد، والتي تعتبر أهمها جميعا تأكيد وتوضيح الذات بواسطة المسترشد نفسه.
كما يعرفه كل من شرتير وستون Sherteer et Stone عام 1979 هي عملية مساعدة المسترشد على تعلم ما يحيط به حول نفسه وحول علاقاته الشخصية مع الآخرين من أجل تأكيد ذاته. (الزبون، 1990، ص22 )
أما بيـتروفيسا Petrofesa فيعرفه عام 1978 على انه العملية التي يحاول من خلالها المرشد ( وهو شخص مؤهل تأهيلا متخصصا للقيام بالإرشاد) أن يساعد شخصا آخر وهو المسترشد في فهم ذاته واتخاذ القرارات وحل المشكلات، وتتضمن هذه العلاقة مواجهة إنسانية وجها لوجه تتوقف نتيجتها إلى حد كبير على العلاقة بين الطرفين.
وأحدث تعريف للإرشاد قدمته رابطة الطاولة المستديرة العالمية للإرشاد I.R.T.A.C " أن الإرشاد النفسي عملية مساعدة الأفراد نحو التغلب على عقبات نموهم الشخصي التي تعترضهم ، وكذلك تحقيق النمو الأفضل لذواتهم ومصادرهم الشخصية عن طريق توفير خبرات نمائية تعليمية ". (أبو زعيزع، 2009، ص22).
وتاريخيا فإن استخدام كلمة توجيه Guidance أسبق من استخدام كلمة إرشاد Counseling وكان التوجيه يقدم النصح والإرشاد دون الدخول في علاقة تفاعلية بين الموجه والفرد الذي يحتاج إلى التوجيه.
وعندما أصبح ملموسا أن خدمات التوجيه غير كافية لمساعدة الفرد لتحقيق ذاته، أصبحت الحاجة ملحة لعملية الإرشاد التي تتضمن العلاقة وجها لوجه بين مرشد ومسترشد ويعتبر الإرشاد محور عملية التوجيه، أو تتضمنه عملية التوجيه.
وتقوم كل من عملية التوجيه والإرشاد باستغلال خبرات الفرد العملية والعاطفية والجسمية لتحقيق النمو السليم للفرد وحثه باستمرار لمعرفة ذاته، والعمل على تكوين علاقات سليمة وكذا استغلال خبراته ليقي نفسه من الوقوع في الصراع والاضطراب النفسي.
وقد وضح جلانـز 1962 Glanz الاختلاف بين التوجيه والإرشاد، وذكر إن عملية التوجيه تتسم بالاتساع والشمولية، فهي مجموع الخدمات التي تهدف إلى مساعدة الفرد على فهم ذاته ومشكلاته ومحاولة استغلاله لإمكاناته الشخصية من قدرات وميول واستعدادات ومهارات ومواهب، والاستفادة من إمكانات بيئته وتحديد أهدافه، بما يتفق مع هذه الإمكانات، ثم التوجه إلى عملية الاختيار بالحلول التي تمكنه من تحقيق هذه الأهداف، وتحقيق تكيفه مع ذاته ومع مجتمعه مع محاولة بلوغ أقصى مستويات والنمو المتكامل في الشخصية.(س أبو عيـطة، 1997، ص18).
3)- مفهـوم التوجيـه والإرشاد التربـوي (المدرسي):
يقصد بالتوجيه التربوي بأنه تلك المساعدة التي تقدم إلى التلاميذ والطلبة في اختيار نوع الدراسة الملائمة لهم، والتي يلتحقون بها، والتكيف لها، والتغلب على الصعوبات التي تعترضهم في دراستهم وفي الحياة المدرسية بوجه عام.
وقد حاول عدد من الكتاب تعريف التوجيه التربوي واختلفوا في ذلك بسبب وجهات نظرهم، فالبعض ينظر إليه نظرة واسعة بحيث يشمل جميع نواحي التوجيه، والبعض الآخر يقصره على اختيار الدراسات الملائمة، وما يتصل بالنجاح فيها.
- حيث يعرفه مايـرز Myers بأنه العملية التي تهتم بالتوفيق بين التلميذ الفرد بماله من خصائص مميزة له من ناحية، والفرص المختلفة والمطالب المتباينة من ناحية أخرى، والتي تهتم أيضا بتوفير المجال الذي يؤدي إلى نمو الفرد وتربيته. (عطية هنا،1959،ص 45)
- كما يعرفه بـروير Brewer بأنه الجهد المقصود الذي يبذل في سبيل نمو الفرد من الناحية العملية، وإن كل ما يرتبط بالتدريس أو التعليم يمكن أن يوضع تحت اسم التوجيه التربـوي.
- ويعرفه كيـلي Kelly فيعرفه بأنه وضع أساس علمي لتصنيف طلبة المدارس الثانوية، مع "وضع الأساس الذي يمكن بمقتضاه تحديد احتمال نجاح الطالب في دراسة من الدراسات، أو مقرر من المقررات التي تدرس له".
أما لوسيان لوفيفر فيرى بأن توجيه تلميذ ما هو إلا عبارة عن اكتشاف المواهب والميول وسمات الطباع، وذلك يكون في آن واحد أو في تتابع ومقارنة ذلك بالنتائج المدرسية بغية التنبؤ بالنجاح في الدراسة أو في الحياة، وكل توجيه يكون في نفس الوقت توجيها مدرسيا ومهنيا. (لوفيفر ترجمة فودة، 1973، ص57).
- كما يعرفه أيضا بركات وزيـدان أنه" مجموع الخدمات التي تهدف إلى مساعدة الفرد على أن يفهم نفسه ويفهم مشاكله، وأن يشغل إمكانياته الذاتية من قدرات ومهارات واستعدادات وميول، وأن يشغل إمكانات بيئته. وأن يحدد أهداف تتفق وإمكانياته من ناحية، وإمكانيات هذه البيئة من ناحية أخرى نتيجة لفهمه لنفسه وبيئته ويختار الطرق المحققة لها بحكمة وتعقل. فيتمكن بذلك من حل مشاكله حلولا عملية وتؤدي إلى تكيفه مع نفسه ومجتمعه، فيبلغ أقصى ما يمكن أن يبلغه من النمو والتكامل في شخصيته" (الحلبوسي وآخرون،2002،ص87)
- ومن خلال هذا التعريف الأخير نجد بأنه أقرب إلى الإرشاد النفسي.
ومن التعاريف السابقة الأخرى يتضح بأنه لا مجال للتوجيه التربوي إلا في حالة وجود أكثر من دراسة أو مقرر يستطيع التلميذ أو الطالب أن يتابعها، كما أنه يفترق عن التربية والتعليم في أنه يساعد الفرد على انتقاء أنسب المجالات التربوية له في حين التربية والتعليم ترمي إلى إفادة الفرد- في مجال تربوي معين- أقصى فائدة ممكنة.(عطية هنا، 1959، ص45).
4-وظائف التوجيه التربوي:
أما من ناحية وظائف التوجيه التربوي فإننا نجد أن البعض يحصرها في وظائف محدودة، حيث ترى سترانج Strang في كتابها Educational Guidance بأنه هناك ثلاث وظائف عامة بالنسبة للتوجيه التربوي وهي:
- اختيار نوع الدراسة وما يتصل بذلك من تقديم البيانات والمعلومات اللازمة بأنواع الدراسة الممكنة. والعوامل المؤدية إلى النجاح في الدراسة سواء كانت عقلية أو انفعالية أو اجتماعية. وما قد يكون بينها من تعارض مثل التعارض بين الاستعداد والميل أو القدرة والواقع أو الميل الشخصي والعوائق الاجتماعية.
- الاستمرار في الدراسة أو التحول إلى العمل، وما يتصل بذلك من عوامل اجتماعية أو عقلية أو انفعالية أو الإعداد لدراسة من الدراسات، أو للدخول في كلية من الكليات.
- النجاح في الدراسة والعوامل المتصلة بالنجاح في الدراسة والتغلب على الصعوبات ونواحي النقص سواء كانت في الاستعدادات أو في المهارات.
* ويتطلب ذلك من التوجيه التربوي ما يلـي:
أ- مساعدة الطالب على أن يقيم استعداداته العقلية وميوله المهنية والدراسية وتحصيله الدراسي وسماته الشخصية المتعلقة بالدراسة والعمل.
ب- مساعدة الطالب على معرفة الإمكانيات التربوية المتاحة له.
جـ- اختيار المدارس والكليات أو المعاهد أو مراكز التدريب التي تتلاءم مع اختياره الدراسي والمهني.
د- مساعدة الطالب في تحديد نواحي النقص لديه والتي تؤدي إلى عدم نجاحه في دراسته والعمل على تلافيها أو إصلاحها.
هـ- مساعدة الطالب على التكيف للجو المدرسي والأسري حتى يستطيع أن يعبئ جميع قواه نحو النجاح في الدراسة. (عطية هنا، 1959،ص47)
- أما كـوس وكيفـوفر Koos and Kefauver فيشيران بأن للتوجيه التربوي ثلاث وظائف عامة وهي:
1- العمل على تزويد الطلبة بالمعلومات والبيانات ذات الصلة بالدراسة أو العمل.
2- العمل على جمع المعلومات والبيانات عن الطلبة.
3- العمل على توجيه الطلبة بصورة سليمة.
ويصنف هذان الباحثان التوجيه إلى عدة أنواع هي:
التوجيه التربوي والتوجيه المهني، والتوجيه الترفيهي، والتوجيه الصحي، التوجيه المدني، والاجتماعي الأخلاقي.
مع التأكيد على أن التوجيه المهني يتضمن التوجيه التربوي،(الحلبوسي و آخرون، 2002، ص84)، لأنه يعتبر كخطوة مبدئية للتوجيه المهني. لأنه من المفترض بأن نوع الدراسة يحدد نوع المهنة ومجالها.
- كما أنه كل من التوجيه المهني والتربوي يتفقان على أنهما يعملان على مساعدة الفرد على أن يدرك وينمي ويحقق ذاته في ميداني الدراسة والعمل، بما يتفق مع إمكانياته الشخصية وظروفه الاجتماعية وأهدافه وقيمه وفلسفته في الحياة. من هنا كان من الصعب بل من المستحيل أن نفصل بينهما. (عطية هنا،1959،ص51)
5)المسلمـات الأساسية للتوجـه التربوي:
يقوم التوجيه التربوي والمهني كغيره من العلوم على مجموعة من المسلمات وهي:
أولا: إن الفروق بين الأفراد ذات دلالة مهمة في سلوكهم سواء في مجال الدراسة أو العمل حيث نجد أن الأفراد يختلفون في صفاتهم الجسمية واستعداداتهم، وقدراتهم العقلية، إضافة إلى ميولهم وقيمهم، وطموحاتهم. وهذا ما يجعلهم يختلفون في أساليب معاملتهم للآخرين، وتبقى أن درجة الاختلاف بين الأفراد تزداد وتنقص بحسب الجهود المبذولة في ميدان التربية والتعليم.
ثانيـا: الفروق التي توجد في الفرد الواحد فروق ذات أهمية ودلالة في سلوكه في مجال الدراسة والعمل.
إن الفرد لا يختلف عن الآخرين فحسب، ولكنه يتميز بخصائص جسمية وذهنية وشخصية تختلف فيما بينها بالزيادة والنقصان، وتتسم بالتغير من يوم لآخر فالفرد الواحد قد يكون شديد الذكاء ولكنه ضعيف الشخصية.
ثالثـا: إن الفرد في نموه الدراسي والمهني يخضع للمبادئ العامة للنمو، كما أنه يخضع في سلوكه الدراسي والمهني، للمبادئ العامة للسلوك.
يعتبر كلا من النمو الدراسي والمهني مظهرين من مظاهر النمو متأثرين في ذلك بالعوامل الوراثية والعوامل الاجتماعية، كما يتأثران بمستوى النضج الذي يصل إليه الإنسان، فنجد مثلا بأن اختيار نوع الدراسة لا يكون بمعزل عن سن التلميذ وظروفه الاجتماعية والاقتصادية.
وأن اختيار مهنة معينة يكون متأثرا بمستوى النضج الانفعالي والاجتماعي الذي وصل إليه الفرد.
وقد توصل العلماء بأن اختيار الفرد للمهنة يكون متأثرا بنفس العوامل التي تتدخل في اختياره لأوجه النشاط المختلفة.
كما يخضع السلوك الدراسي والمهني للمبادئ العامة للسلوك، من تعزيز وثواب وعقاب. ومن أهم مبادئ النمو أنه عملية مستمرة تختلف سرعتها باختلاف الأفراد، وأن عمليات النمو لا تتكرر في الفرد الواحد، وأنها تتمايز في أنماط ونماذج، وأن النمو يتخذ أنماطا معينة، وأنه يتجه إلى التعقيد والتركيب والتمايز والتكامل.(عطية هنا،1959،ص ص57-60)
رابعـا: إن الدراسات والمهن المختلفة تستلزم من الأفراد لكي ينجحوا فيها مطالب مختلفة.
تختلف كل دراسة عن غيرها، كما تختلف كل مهنة عن غيرها، وذلك في الصفات والسمات التي تتطلبها، في الأفراد الذين يودون الالتحاق بها. فكل دراسة تستدعي مجموعة من الاستعدادات. والقدرات، وكل مهنة تتطلب مجموعة من الخصائص والمستلزمات الجسمية والعقلية والشخصية والاجتماعية والأسرية المتعلقة بالفرد.
خامسـا: أن الفرد في حاجة إلى التوجيه في ميدان الدراسة وفي مجال العمل نظرا لتعقد حياة المجتمعات الحديثة ،أين تعددت المدارس وتنوعت الدراسات وتفرعت المهن نتيجة التطور التكنولوجي والاقتصادي الحاصل، غير أن الفرد يبقى في حاجة ماسة للمساعدة حتى يتمكن من الاختيار الأنسب لنوع الدراسة وكذا المهنة المرغوبة والأنجع بالنسبة له ولمجتمعه، وكذا تجنب الانحرافات الناتجة عن سوء التكيف والذي يكون سببه عادة سوء الاختيار. إلا أن الأفراد يختلفون في حجم المساعدة لما لهم من خصائص ومتميزة عن بعضهم البعض... وحاجة الفرد للتوجيه تبقى دائمة غير محددة بفترة زمنية معينة بل هي عملية مستمرة.(عطية هنا،1959،ص ص61-62)
سادسـا: إن المجتمع في حاجة إلى التوجيه التربوي والمهني لكي يحقق أهدافه التي يرجوها لنفسه ولأفراده.
إن لكل مجتمع حاجاته الخاصة والناتجة عن النقص أو العجز في بعض القطاعات الصناعية أو التجارية أو الخدماتية، وهذا لكون أن المجتمع في عملية سيرورة وتغير دائمين مما يجعل من المدرسة كطرف مساير لهذا التغير، ولا يتأتى لها ذلك إلا عن طريق خدمات التوجيه التربوي والمهني، وبالتالي محاولة وضع خطط تتناسب وحاجات المجتمع من جهة وكذا حاجات ورغبات الأفراد من جهة أخرى.
6-)المبـادئ العامة لعملية للتـوجيه والإرشاد التربوي :
اتفق مجموع الموجهين على مجموعة من المبادئ الأساسية التي يحب مراعاتها لدى العاملين في هذا الميدان وتتمثل فيما يأتي:
أولا- ينبغي على الموجه ألا يتجاوز حدود إمكانياته المهنية.
إن عملية التوجيه تتطلب من القائم بها دراية كبيرة بالعديد من المعارف في شتى العلوم وتحكم في الطرق والتقنيات والوسائل التطبيقية،كما أنها تتطلب منه شخصية متـزنة، متحكما في انفعالاتـه، ومسيـطرا على أفكاره. من هذا كان من الضروري أتن لا يلزم نفسه ويحتم عليها شيئا ليست له دراية به. مما يجعله في حالة بحث دائم وإطلاع مستمر مراجعا لبعض العوامل الجزئية التي قد تكون لها دور جوهري في سوء تكيف بعض الحالات،(نفس المرجع السابق، ص ص64،65)
ثانيـا- ينبغي أن لا يفرض التوجيه على العميل.
إن الهدف من التوجيه هو مساعدة الفرد على حل مشكلاته بنفسه وليس التدخل لحل هاته المشكلات بصفة شخصية، وأنه لا يمكننا فرض التوجيه على العميل سواء من الوجهة النظرية أو العملية- لأن ذلك يجعله رافضا ومقاوما للمساعدة المقدمة. وبالتالي تغاير العلاقة بين الموجه والعميل. وليس معنى هذا أن ينتظر الموجه عملاءه لكي يتقدموا إليه طالبين مساعدته، ولكن بإمكانه أن يعرفهم بخدماته، وبإمكانه أن يتواصل معهم ويوطد علاقاته معهم. وبالتالي تختلف الفرص المناسبة أمام عملاءه ليتقدموا إليه ويعرضوا مشاكلهم إليه وعليه كان التوجيه أمرا يستلزم المبادرة من طرف العميل وطلب المساعدة صادرا عنه. وأن يكون ذا رغبة في الاستمرار فيه.
ثالـثا- ينبغي أن يبذل الموجه كل جهده لكي يزيد من فهم العميل لنفسه وللعالم الذي يعيش فيه.
من المفروض على الموجه أن لا يكتفي بالمشكلات السطحية المعروضة عليه من طرف العميل لأنه عادة من نجد بأن المشكلة ذات ترابطات عدة،وعليه فهو ملزم بمعرفة جميع المعطيات الشخصية والاجتماعية، حتى يتسنى له من معرفة صورة العميل الحقيقية أو بالأحرى العميقة، والتي من خلالها يعمل على مساعدته على إدراك نفسه بصورة إيجابية، وكذا العمل على تعديل الأفكار والسلوكات التي تتعرض مع هذه الصورة كما يعمل على مساعدته في إدراك المحيطين به حتى جو التكامل بينه وبين مجتمعه. مما يجعله يحقق ذاته في ميدان الدراسة أو العمل. وهذا من خلال الربط بين المعطيات والمتغيرات.
رابعـا: يجب أن يعكس الموجه أمام العميل صورة مصححة له.
إن تصرفات الأفراد سواء في الدراسة أو في العمل مرتبط ارتباطا وثيقا بصورتهم عن نفسهم وذاتهم. من هذا كان تكيف كل فرد يكون بمقدار صدق نظرته إلى نفسه وغالبا ما نجد أن النظرة السطحية للأمور وللذات هي التي تسيطر على الأشخاص. فكن لزاما على الموجه توضيح الصورة الحقيقية لكل عميل على أن يكون هذا الأمر بالتدريج.
خامسـا: على الموجه أن يساعد العميل على أن يتقبل ذاته كما هي وعلى حقيقتها.
بعد أن يتمكن الموجه من تكوين صورة مجملة عن حقيقة عميله الشخصية الاجتماعية المستقبلي. فإنه لزاما عليه أن يبذل الجهد حتى يمكن العميل من تقبل هاته الصورة بما فيها من إيجابيات وسلبيات. هاته الأخيرة التي تكون سببا في الإحباطات وفي الخبرات الفاشلة التي تعرض لها العميل مما يجعله يحتقر ذاته ويتولد لديه الشعور بالنقص، كما أنه بإمكانه أن يربط الطموح المتزايد لدى بعض الأفراد بقدراتهم وواقعهم.
سادسـا: على الموجه ألا يسد الطريق أمام العميل دون أن يفتح له أبوابا أخرى.
في سبيل محاولة التوفيق بين استعدادات العميل ورغباته وسماته الشخصية فإن الموجه قد يصدمه لعدم توفر مستلزمات الدراسة أو المهنة التي يسعى إلى الوصول إليها. ومن هذا فإنه بإمكانه توضيح له مجالات نجاحه وتفوقه واليت تتناسب وقدراته والتي تجعله ناجحا في عمله وبالتالي ضبط مساره الدراسي أو المهني. ولا تتولد لديه خبرات الفشل التي يصادفها في حالة ما إذا تشبث بآرائه.
سابعـــــا: على الموجه أن يساعد العميل على التفكير في جميع الاحتمالات التربوية والمهنية المتاحة له.
يجب على الموجه أن يضع جميع الاحتمالات التفاضلية سواء التربوية منها أو المهنية بين يدي العميل. ولأنه وبحكم خبرته ودرايته وإطلاعه بإمكانه أن يدل الفرد عن أنجع الاحتمالات أفضل. ويتأتى ذلك دون إصدار أحكام قيمة لصالح احتمال دون الآخر وهذا وفقا لميوله وتفضيلاته هو.(نفس المرجع السابق، ص ص70،71).
ثامنا: يجب أن يكون القرار النهائي في أية عملية توجيهية صادرا عن العميل وتحت مسؤوليته وبناء على اختياره الحر.
عندما ينتهي الموجه من توضيح الصورة أمام الفرد في جميع الاحتمالات الموضوعة أمامه، فإن من واجبه أن يعطي الفرص للعميل ليتخذ القرارات التي يراها صائبة بالنسبة إليه وهذا دون أي ضغط أو إلزام،بمعنى آخر ترك الحرية للفرد للتصرف يف سبيل تحقق مصلحته.
تاسعـا: ينبغي على الموجه أن يبحث مشكلة عميله من جميع زواياها، وأن يستخدم كل ما لديه من إمكانيات ووسائل في مساعدته لحلها.
على الموجه أن لا يركز على المشكلة المصرح بها من طرف العميل أو المطروحة أمامه بل يتعدى إلى المشكلات والعوامل التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمشكلة الأساسية ويعطيها نفس الاهتمام والعناية.
عاشـرا: ينبغي أن تتغير طرق التوجيه وفقا لحاجات العميل.
نظرا لاختلاف الأفراد في شخصياتهم وسماتهم، وكذا اختلاف مشكلاتهم، فإن الموجه ملزم بإتباع الطرق المناسبة لكل مشكلة ولكل فرد، وهذه الطرق تتراوح ما بين وسائل القياس النفسي كالاختبارات وما بين المقابلات، دراسة الحالة.
الحادي عشـر: ينبغي أن يكون التوجيه في أساسه عملية تعليمية.
بمعنى أن تسمح هذه العملية للعميل بالنمو وللموجه في حد ذاته، لأن هدف التوجيه ليس حل المشكلة الراهنة فقط وإنما الوصول بالعميل إلى حل المشكلات المتشابهة بنفسه، كما أنه يتضمن تعديل السلوك والتعرف على المعلومات والتعرف على الذات.(نفس المرجع السابق، ص ص72، 73).