فرض التزايد المضطرد لحجم القضايا أمام القضاء وتعقيدها المستمر، وتكاثر الطعون التي رسمها القانون من أجل حماية الأفراد ومصالحهم، على المشرع إيجاد حلول قانونية وضع آليات من شأنها فض منازعات الخصوم أمام العدالة بأيسر الإجراءات وبأقل التكاليف، وفي وقت قصير ومعلوم تحقيقا وتدعيما لعدالة المنشودة بين الأفراد والجماعات.
ومن بين الوسائل التي نص عليها المشرع في قانون الإجراءات المدنية والإدارية بغرض المساهمة في تخفيف الضغط على الجهات القضائية واعتبرها حلولا بديلة لفض النزاعات، هي: التحكيم، الصلح، والوساطة. لكن هذه الحلول لا تعني ابدا تخلي الدولة عن ممارسة سلطاتها الدستورية في إصدار الأحكام، وحماية الأفراد، لذلك فقد نظم القانون بكيفية دقيقة اللجوء إلى هذه الطرق البديلة التي تم تحت رقابة القاضي.
وقد نص المشرع على هذه الوسائل البديلة لحل النزاعات في الكتاب الرابع من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، غير أنه خص الكتاب الخامس منه على الإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية الإدارية، حيث نص على الصلح والتحكيم لحل المنازعات الإدارية إجمالا، ولكنه لم يدرج الوساطة ضمن هذه الوسائل وهو ما يجعلنا نتساءل، هل تجوز الوساطة في منازعات الصفقات العمومية، وما مدى نجاعة هذه الآليات في تسوية المنازعات التي تثور عند تنفيذ الصفقات العمومية؟.