1. الفصل الأول

التعريف بإلإجراءات الجزائية والنظم الإجرائية
أولا: التعريف بقانون الإجراءات الجزائية:
تعتبر الإجراءات الجزائية مجموعة من القواعد الشكلية التي تهدف إلى قمع الجريمة ومتابعة المجرمين. وتهتم بالبحث ومعاينة الجريمة، وجمع الأدلة حولها، كما تهدف إلى تنظيم السلطات والمحاكم الجزائية وتبيان الأشكال
والطرق الواجب اتخاذها أمام هذه السلطات والجهات القضائية 1 .
فهي تبين كيفيات السير في الدعوى الجزائية ابتداء من وقوع الجريمة إلى غاية صدور الحكم الجزائي وطرق
الطعن فيه.
ومن هنا فإن الإجراءات الجزائية تحتل مركزاً هاماً في النظام القانوني ويبين ذلك من ميزتين أساسيتين:
-1 إن الإجراءات الجزائية لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة لقانون العقوبات فالمجرم لا يمكن
أن تطبق بشأنه أي عقوبة بشكل تلقائي لمجرد أنه ارتكب الجريمة. بل يقتضي الأمر إتباع إجراءات محددة
منصوص عليها في القانون للحكم بإدانته.
-2 على خلاف الإجراءات المدنية التي غالباً ما يتضمن موضوع النزاع المطالبة بتعويضات
مالية، فإن موضوع النزاع في الإجراءات الجزائية يتعلق بمصلحة المجتمع التي مس بارتكا الجريمة من جهة
وبشرف وحرية وأحياناً حياة الفرد من جهة أخرى.
إذاً فقانون الإجراءات الجزائية يرعى مصلحتين: مصلحة المجتمع في معاقبة المجرم نظراً لاعتدائه على أمن
واستقرار المجتمع، ومصلحة المتهم في ضمان حقه في الدفاع عن نفسه حتى يتمكن من إثبات براءته. وهو
بذلك يهدف للوصول إلى الحقيقة، دون التعدي على الحرية الفدية للإنسان وفي هذا المعنى يقال. بأن قانون
العقوبات هو قانون المجرمين بينما قانون الإجراءات قانون الشرفاء.
ثاني اا: الأنظمة المختلفة للإجراءات الجزائية:
عرف الإجراءات الجزائية منذ نشأتها تطوراً بتطور الحياة الاجتماعية والسياسية داخل الدولة باعتبار هذه
الإجراءات ذات صلة وثيقة بالأمن والنظام في الدولة وحرية الأفراد.
وفي هذا الصدد فقد ظهر نظامان أساسيان في الإجراءات الجزائية هما: النظام الاتهامي ونظام التحري
والتنقيب 2 .
1 مولاي ملياني بغدادي ، الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري ، المؤسسة الوطنية للكتا ،الجزائر ، 1992 ، ص 9
2 محمد صبحي محمد نجم ، شرح قانون الإجراءات الجزائية ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر، 1988 ،ص 3
3
-1 النظام التهامي) resystème accusatoi :)
يعتبر هذا النظام أقدم الأنظمة التي عرفتها البشرية في عصورها الأولى فقد كان سائدا في العديد من
التشريعات القديمة كالشريعة الفرعونية و البونانية و الرومانية و الجرمانية 1، ويمتاز هذا النظام بأن الدعوى فيه
منافسة بين خصمين هما المدعي والمدعى عليه، إذ كان هو الاتهام حقاً خالصاً للمضرور من الجريمة يباشره
بنفسه ولا يباشره عنه غيره. ويمتاز هذا النظام بالخصائص التالية:
أ عبء الاتهام للمجني عليه أو المضرور من الجريمة أو لمن شاهد الجريمة، فا تتدخل -
السلطات العامة في الاتهام وجمع الأدلة، إذ لم تكن النيابة العامة موجودة.
يفصل في الخصومة الجنائية قاضي يعد بمثابة حكم يختاره الطرفان في بعض الأحيان أو -
يترك أمر اختياره لتقاليد معينة في أح وال أخرى. ويوصف دور القاضي في الدعوى في هذا النظام بانه على
الحياد يمثل في إدارة الجلسة و تلخيص موضوع الدعوى، و من ثمة يعد دور القاضي دوراً سلبي اً إذ يكتفي
بالموازنة بين الإدانة المقدمة من طرف الأطراف فقط.
ج يغلب على إجراءات الدعوى طابع الشفهية والعلنية والحضو رية في مواجهة الخصوم، كما يكفل هذا -
النظام ضمانات الحماية وحرية الدفاع للمتهم. فهناك تساو تام بين الدفاع والاتهام 2 .
إن آثار النظام الاتهامي لا تزال قائمة إلى اليوم في بعض الشرائع الجزائية المعاصرة، خاصة في تشريعات
الولايات المتحدة الأمريكية، و إنجلترا.
ففي إنجلترا مثلا يقع على المجني عليه عبء تحريك الدعوى الجنائية، غير أنه يوجد مع ذلك نائب عام يمثل
المجتمع في مباشره الدعوى كما ينو عنه وكيل الدعاوي العام، لكنه لا يتدخل إلا في القضايا الخطيرة. أو
تلك التي يتخلى عنها المجني عليه لأسبا مادية.
وبهذا تفادى النظام الإنجليزي عيب النظام الاتهامي الذي يترك أمر رفع الاتهام لمطلق حرية الفرد الذي قد
يتخلى عن ذلك لكونه ضعيف الجانب كما أن عملية البحث عن الأدلة عمليه دقيقة و شاقة ليس من حسن
السياسة تركها في يد المجني عليه.
1 رؤوف عبيد ،مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري،دار الجيل للطباعة،مصر،الطبعة 17 ، 1989 ،ص 17 .
2 مأمون محمد سلامة ،الإجراءات الجنائية في التشريع المصري،الجزء ا؟لأول، دار النهضة العربية ،القاهرة ، مصر ،ص 15
4
-2 نظام التنقيب والتحري) toireinquisisystème :)
يعد هذا النظام أحدث من سابقه، ويرجع أصله إلى عهد الإمبراطورية الرومانية وكان هذا النظام يقتصر تطبيقه
في بداية الأمر على فئة المتهمين العبيد فقد كان يمتاز بالقسوة والشدة.
وقد ارتبط ظهور هذا النظام بظهور الدولة وتزايد قوتها ومن مظاهرها بروز ما يسمى باحق الاتهام التلقائي
والقضائي حيث يمكن للقاضي من متابعة المجرم بنفسه بمجرد علمه بارتكابه الجريمة وهذا ما أدى إلى ظهور
نظام الاتهام العام فيما بعد ويتمي زهذا النظام ببعض المميزات منها:
أ إن المبادرة بالاتهام تكون دائماً لسلطة عامةّ، التي تمثل السلطة المركزية فهي التي تتهم -
وتبحث عن الأدلة و لا يترك ذلك للأفراد، فليس للفرد في هذا النظام إلا دوراً ثانوياً في تحريك الدعوى، وينتج
عن هذا عدم توازن في الحقوق بين الاتهام والدفاع وهذا تغلبيا لمصلحة المجتمع على حسا مصلحة الفرد.
يغلب على هذا النظام طابع الأدلة القانونية - 1 ، خاصة في بداية نشوئه، فكان مثلاً الإعدام لاينطق في جرائم
معينة إلا إذا ت وافر اعتراف المتهم. كما ان التعذيب كان يعد وسيلة مشروعة للوصول إليه.
ج يفصل في الخصومة قاض تعينه السلطات العامة، لا إلى حكم يختاره أطراف الدعوى خلافا لما كان -
عليه الوضع في النظام الاتهامي.
د كان الإجراءات فيه كتابية، وكما اشتهر هذا النظام بالسرية في مباشرة إجراءات الدعوى حيث تمتد -
هذه السرية لتشمل حتى الخصوم انفسهم ، حيث يظل التحقيق سرياً إلى نهاية المحاكمة، وهذا ما يشكل
انتهاكا و مساسا و إهدا را للمصلحة الفردية.
وقد أدخل على هذا النظام عدة تعديلات منها جواز الطعن في أحكام القاضي أمام المحاكم الأعلى درجة.
غير أنه لم يكن يحقق ضمانات جدية للمتهمين، بل يفتح البا للتنكيل بخصوم الحاكم السياسين، و ذلك
للسرية التي كان تميز الإجراءات فيه حتى على أصحا القضية، فضلا على اعتماد مشروعية التعذيبفي
الوصول الى الحقيقة .
1 خلافا لما كان عليه الأمر في السابق ، يسود اليوم غالبية التشريعات الجزائية الحديثة و منها التشريع الإجرائي الجزائري نظام
الأدلة المعنوية) نظام الأدلة الحر( و هذا كقاغدة عامة مع بعض الاستثناءات الصيقة حيث يفرض المشرع فيها ضرورة توافر
أدلة معينة بذاتها لاثبات الجريمة و يعد هذا الاستثناء أعمالا و تطبيقا لظام الأدلة القانونية و منها ما كرسة المشرع الجزائري
من صرورة توافر الأدلة التي نص عليها المادة 341 من قانون العقوبات الجزائري في جريمة الزنا .
5
-3 النظام المختلط:
حاول هذا النظام تفادي عيو الأنظمة الإجرائية السابقة، مفضلا الإبقاء على الإيجابيات التي كان
تطبعهما و تميزهما، فلا يوجد اليوم تشريع إجرائي يوصف بأنه اتهامي محض، أو تنقيب وتحري محض، بل كلها
بين بين، أو نظاماً مختلطاً مع تغليب جانب على آخر.
ومن ملامح هذا النظام المختلط هو الفصل بين سلطة الادعاء وسلطة الحكم، ومن التحقيق الابتدائي إلى
التحقيق النهائي. وبصفة عامة فإن النظام المختلط يحاول احترام ضمانات الحرية الشخصية، كما يكفل حق
المجتمع في ذات الوق . وقد أخذت معظم التشريعات المعاصرة به.
ثالثا: موقف المشرع الجزائري:
تأثر المشرع الجزائري بهذه الأنظمة الإجرائية السالفة الذكر، إلا أنه ركز على إيجابيات كلامنهما وتبنى
نظاماً إجرائياً مختلطاً وبالرغم من ذلك فقد سار على نفس نهج المشرع الفرنسي في الإجراءات الجزائية.ويتضح
ذلك مما يلي:
أ تتولى النيابة العامة مهمة الإتهام والمتابعة الجزائية حيث نص المادة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية -
الجزائري على أنه:" الدعوى العمومية لتطبيق العقوبات يحركها و يباشرها رجال القضاء أو الموظفين أو
المعهود إليهم بها بمقتضى القانون.."، وقد نص المادة 29 من نفس القانون على مايلي "تباشر النيابة
العامة الدعوى العمومية باسم المجتمع...".
غير أن النيابة العامة لا تستأثر كلية بتحريك الدعوى العامة بل يمكن للفرد المتضرر من الجريمة أن تحرك الدع وى
وهذا ما أكدته المادة الأولى الفقرة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري:"...كما يمكن للطرف
المضرور أن يحرك هذه الدعوى أيضا طبقاً للشروط المحددة في هذا القانون" وهذا ما يعتبر أثر من آثار النظام
الاتهامي الذي كان يتسم برفع الاتهام الفردي.
وقد تأثر المشرع الجزائري بنظام التحقيق ) التنتقيب و التحري(بشكل جلي في أحوال اخرى، فالتحقيق كتابي
كول الإجراءات فيه مدونة من استجوا للمتهم وسماع الشهود... و هذا ملا بتولاه كاتب التحقيق
الذي يرافق قاضي التحقيق و يدون كل الإجراءات التي يقوم بها، كما ان التحقيق غير علني للجمهور إذ يمتنع
عليه الاطلاع على سير التحقيق ، كما ان القرارات و الأوامر التي يصدرها قضاة التحقيق ليس علنية بل
تصدر في غرفة المشورة كما نص المادة 184 من ق إج ج كما أن المادة 11 من ق إ ج ج نص على انه
:"تكون إجراءات التحري والتحقيق سرية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ودون إضرار بحق الدفاع، كما
أن التحقيق الابتدائي ليس وجاهياً".
6
ويغلب على التشريع الجزائي الجزائري في مرحلة المحاكمة الطابع الاتهامي، فالإجراءات فيه شفافية بحسب
الأصل، وعلنية للجمهور وحض و يرة للخصوم لا يمكن أن تقرر سريتها عنهم مهما كان الظروف. وييمكن أن
تقرر سريتها عن الجمهور فقط لاعتبارات تتعلق بالنظام العام والأد العامة كما هو الحال في بعص الجرائم
الماسة بالأخلاق و غيرها . وفقا لأحكام المادة 285 . من قانون الإجراءات الجزائية .
ومن ثمة فالنظام الإجرائي الجزائري يمكن اعتباره نظاماً مختلطاً أخذ نسبة متفاوتة من النظامين وفي صور شتى.
وقد صدر قانون الإجراءات الجزائية الجزائري بموجب الأمر رقم 66 / 155 المؤرخ في 08 جوان 1966 ، حيث
تضمن 729 مادة موزعة في شكل كتب وعددها سبعة ) 07 ( وتحتوي هذه الكتب على ما يلي:
- الكتاب الأول: و تضمن المواد من ) 1 - 211 (، ويحتوي على مباشرة الدعوى وإجراءات التحقيق
والبحث والتحري عن الجرائم، الشرطة القضائية، النيابة العامة، قاضي التحقيق.
- الكتاب الثاني: و تضمن المواد من ) 212 - 441 ( و فيها جهات الحكم، الأحكام المشتركة، طرق
الإثبات والادعاء المدني، محكمة الجنايات والمداولة، وطرق الطعن العادية.
- الكتاب الثالث:و تضمن المواد من ) 442 - 494 ( و فيه المنحرفون الأحداث
- الكتاب الرابع: و تضمن المواد ) 495 - 531 ( و قيه طرق الطعن غير العادية، قرارات المحكمة
العليا، ترك الخصومة، إعادة السير في الدعوى، الطعن لصالح القانون، التماس إعادة النظر.
- الكتاب الخامس: و تضمن المواد من ) 532 - 591 ( وفيه الإجراءات الخاصة بالتزوير، انتفاء بعض
أوراق الإجراءات،شهادة أعضاء الحكومة وممثلي الدول الأجنبية، تنازع الاختصاص بين القضاة،
الإحالة من محكمة إلى أخرى رد القضاة،جرائم القضاة وبعض الموظفين، الجرائم المرتكبة في الخارج.
- الكتاب السادس: و تضمن المواد ) 592 - 693 ( يتضمن بعض إجراءات التنفيذ، إيقاف التنفيذ،
التحقق من هوية الأشخاص المحكوم عليهم،الإكراه البدني،تقادم العقوبة، صحيفة الس وابق
العدلية،فهرس الشركات، صحيفة مخالفات المرور، رد الاعتبار.
- الكتاب السابع: و تضمن المواد ) 694 - 729 ( و فيه العلاقات بين السلطات الأجنبية، تسليم
المجرمين في العبور،الانابات القضائية وفي تبليغ الأوراق والأحكام، إرسال الأوراق والمستندات.