4. النظرية الواقعية الجديدة أو البنيوية

أ- رواد النظرية الواقعية الجديدة(البنيوية):

       من أبرز ممثلي  الواقعية الجديدة، يمكن  ذكر روبيرت كاغان Donald Kagan وكينث والتز Kenneth Waltz، ستيفن كراسنر Stephen Krasner وروبرت كيوهن Robert Keohane وجورج مودلسكي  George Modelski. ولقد كان هدف  رواد هذه المدرسة هو محاولة إخراج الواقعية من المفهوم الكلاسيكي والتحليلي البديهي إلى مستوى من التحليل أكثر علمية للوصول بها إلى نظرية علمية. وتقوم  الواقعية الجديدة على مجموعة من الافتراضات, حاول كل مفكر من رواد هذه المدرسة أن يختصرها في مجموعة  من النقط، يمكن تحديدها في ما يلي:

ب- افتراضات الواقعية الجديدة:

    -النظام الدولي والعالم هو فوضى.

    -النظام الدولي هو المسؤول الأكبر عن سلوك الدولة على المسرح الدولي.

    -الدول تبحث عن الحد الأقصى من القوة والأمن.

    -الشكوكية نحو القوانين الدولية والمؤسسات والمثاليات.

    -القوة هي السمة الأساسية في السياسات الدولية.

    -النظرية لا تخلق التطبيق وإنما التطبيق هو الذي يخلق النظرية.

وعموما يقدم الواقعيون  الجدد تأكيدا على  نحو مميز يقضي بوجود العاطفة الشريرة والحضور الفاجع للشر في كل فعل سياسي  وبسب هذه العواطف غير القابلة للاستئصال يصبح النزاع  أمرا محتوما كما يركزون الواقعيون الجدد على الضرورات السياسية الناتجة عن الفوضى الدولية  ففي غياب حكومة دولية يبقى قانون الأدغال  هو السائد.

فالواقعية الجديدة تفسر العلاقات الدولية من  وجهة نظر بنيوية مناسبة للنظام  الدولي خاصة توزيع  القوى,فالواقعية الجديدة لها نظرة سوداوية للعلاقات  الدولية  انطلاقا من افتراض أن الحرب والنزاع ظاهرتان قابلتان للتجنب بسبب فوضوية النظام الدولي وعدم وجود سلطة دولية عليا فوق الدولة.

من ناحية أخرى افترض الواقعيون الدفاعيين طبعا في إطار الواقعية الجديدة,أن الدول ليس لديها مصلحة حقيقية تذكر في  الغزو العسكري,على خلاف الواقعيين الهجوميين الذين يركزون على تشجيع نماذج معينة من سلوك الدول في  النظام الدولي.

ومن ناحية مفهوم الصراع فان الواقعية الجديدة افترضت أن الدولة يجب أن تتعامل مع أسوأ  الاحتمالات,وأن تبني قراراتها بناءا على تقييم الاحتمالات بالنظر إلى التهديدات الأمنية. وفي سبيل تفسيرها لمفهوم صناعة القرار تطرح  الواقعية الجديدة فكرة نظرية التوقع فهي ترى أن الفاعلين يعطون وزنا معتبرا أكثر للخسارة أكثر  منه للربح. 

وبالتالي فان الواقعيون الجدد  يركزون على إقامة التحالفات المتوازنة والقوة الدفاعية الرادعة التي تتحقق الأمن الدولي.

ج- أهم التعديلات المقدمة من الواقعية الجديدة للواقعية الكلاسيكية.

        لقد تعرضت الواقعية الكلاسيكية لمجموعة كبيرة من الانتقادات من طرف المدرسة الواقعية الجديدة،وتمثلت في مجموعة من الماخذ التي وصلت اليها الواقعية الجديدة تجاه الواقعية الكلاسيكية،ويمكن تلخيص هذه الماخذ في النقاط التالية:

- وجود مفاهيم وحجج غير واضحة ومشوشة ومتزعزعة وعمل الواقعية الجديدة هو تنظيم وترتيب هذه المفاهيم والحجج بشكل علمي.

- عدم اخذ النظرية الواقعية الكلاسيكية بالنظريات العلمية في العلوم الاجتماعية الاخرى التي تساهم في اعطاء صورة شاملة لدراسة السياسة الدولية كالاقتصاد وعلم النفس وعلم الاجتماع.

- لم تستطع الواقعية الكلاسيكية ان تقيم فرقا بين الامور الموضوعية والذاتية في الحياة السياسية الدولية.

اقتصر اهتمام الواقعية الكلاسيكية على الجانب العسكري السياسي في تحليلها لعلاقات الدولية،في حين ان هناك عناصر اخرى مهمة في العلاقات الدولية اهملت في التحليل كالعامل الاقتصادي والاتصالات والاعتماد المتبادل،وبالتالي عدم تلائم افتراضات الواقعية الكلاسيكية مع النظام الدولي المتطور سياسيا واقتصاديا منذ بداية السبعينيات لاسيما مع بروز دور فاعلين جدد من غير من الموضوعات التي احدثت تحولا في النظام الدولي لدرجة لم يعد معها المنظور الواقعي الكلاسيكي قادر على تقديم تفسير صحيح للسياسات الدولية لتركيزه على الدول فقط ،وعلى مفاهيم القوة والصراع اساسا.

كذلك انصب اهتمام الواقعية الجديدة على نقد النظريات السياسية السائدة كالنظرية الليبرالية والراديكالية وفشلهما في اعطاء تفسير صحيح للعلاقات الدولية ،وفي المقابل اهتمت الواقعية الجديدة ببلورة نظرية علمية لتفسير وشرح العلاقات البنيوية او الارتباط النسبي بين الوسائل والاهداف التي تؤدي الى نشوء الهيمنة او الاندثار بمعنى ادخال العامل الاقتصادي في تحليل العلاقات الدولية كعنصر مهم في هيكل العلاقات بين الدول ،كما انها تعطي الاولوية للفعل الفردي في تحليلها للعلاقات الدولية،على اساس ان فعل الفرد هو موجود بشكل مسبق عن المؤسسات الاجتماعية،كما تركز الواقعية الجديدة على أهمية الدولة في تحليل وفهم العلاقات الدولية،وظاهرة التنافس والعوامل المادية بدلا من العوامل الغير مادية كالافكار