4. المطلب الرابع: الواجبات الملقاة على عاتق القاضي والمشرع والسلطة التنفيذية



أولا ً :الواجبات الملقاة على عاتق المشرع :
1) يجب على المشرع عندما يضع النص التشريعي أن يضعه بصورة واضحة ودقيقة لا لبس فيه ولا غموض .
2) ويجب أن يكون النص محدداً أي يحدد الفعل ويحدد العقوبة المقررة لهذا الفعل بشكل واضح ودقيق حتى لا يجد القاضي في الغموض وعدم التحديد منفذاً لتجريم ما هو مباح كما لو حدد المشرع جريمة دون أن يحدد العقوبة أو حدد العقوبة دون أن يبين الفعل المجرم .
مثال حدد القاضي الجريمة دون أن يحدد العقوبة . المادة 26 من قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري ( من شاهد اعتداء على الأمن العام أو على حياة أحد الناس أو على ماله يلزمه أن يعلم بذلك النائب العام المختص ).
فهنا حدد المشرع الجريمة دون أن يحدد العقوبة فالقاضي لا يستطيع أن يبدع عقوبة من عنده و يفرضه من امتنع عن الإخبار ففي هذه الحالات القاضي لا يستطيع تطبيق هذه النصوص إلا بالخروج على مبدأ الشرعية.
3) ويجب أن يصدر هذه النصوص بأثر مباشر أي فوري أي أن حكام هذا النص لا يسري إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها لأن الأصل للقانون الطبيعي هو احترام الحقوق المكتسبة وهذا ما جاء في قانون العقوبات " لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون " .

4) ويجب على المشرع أن يحترم قاعدة عدم رجعية القوانين وعدم الرجعية يعني أن نص التجريم لا يسري إلا على الأفعال المرتكبة بعد لحظة نفاذه وبالتالي فهو لا يسري على الأفعال المرتكبة قبل هذه اللحظة وتستند هذه القاعدة على نصوص صريحة في قانون العقوبات
لا تفرض عقوبة ولا تدبير احترازي أو صلاحي من أجل جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين اقترانه " .
وهذه القاعدة هي نتيجة طبيعية لقاعدة قانونية الجرائم و العقوبات لأن تطبيق القانون على الوقائع المرتكبة قبل نفاذه قضاء على هذه القاعدة لأن مبدأ الشرعية يضمن حقوق الأفراد وحرياتهم وبالتالي انعدام الأثر الرجعي يعتبر من الأصول الجوهرية في النظام القانوني التي يجب على المشرع مراعاتها وبالتالي لا يجوز المخالفة لا بصورة صريحة ولا ضمنية ، ولكن يوجد استثناء على هذه القاعدة وهو القانون الأصلح للمتهم حيث جاءت في الفقرة الثانية في المادة السادسة من قانون العقوبات
" ومع ذلك إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الحكم فيه نهائياً قانون أصلح للمتهم فهو الذي يتبع دون غيره "
ولهذا الاستثناء ما يبرره لأن المشرع عندما يلغي عقوبة أو يقرر عقوبة أخف لأنه وجد في العقوبة السابقة ما لا يتمشى مع العدالة ولا يحقق مصلحة الأفراد ومصلحة المجتمع فيلجأ إلى تخفيفها أو إعفائها لأن المقصود من العقوبة ليس الانتقام وإنما إصلاح المجرم .

5) يجب على المشرع عندما تسن القوانين مراعاة قانونية الجرائم والعقوبات سواء في تعيين العناصر التي تكون هذه الجريمة أو في تعيين العقوبات التي تترتب عليها أو في تحديد القواعد التي تنفذ هذه العقوبات بمقتضاها .

ثانيا ً : الواجبات الملقاة على عاتق القاضي :
إن واجبات القاضي ينحصر في تطبيق القانون و تفسيره و تقيد بمبدأ عدم الرجعية.
تطبيق القانون : يجب على القاضي أن يلتزم بتطبيق القانون كما وضعه السلطة التشريعية و يترتب على ذلك عدة نتائج :
1- لا يجوز للقاضي اعتبار فعل من الأفعال جريمة إلا إذا نص القانون عليه فهو لا يستطيع أن يعتبر الربا جريمة استنادا إلى الشريعة الإسلامية طالما أن المشرع لم ينص عليه .
2 - لا يجوز للقاضي الحكم بعقوبة لم ينص عليه القانون كما هو الحال في المادة 26 من قانون أصول المحاكمات الجزائية
3 - ولا يجوز للقاضي أن يستبدل العقوبة المنصوص عليها في القانون بعقوبة أخرى لم ينص القانون عليها كأن يستبدل عقوبة الغرامة بالحبس والاعتقال بالإشغال الشاقة
تفسير النصوص :فالقاضي حينما يحاكم المدعى عليه في جرم جزائي ويريد تطبيق نص قانوني ليه 4- ثم يجد أن هذا النص غامض فإنه يجتهد في تفسيره ضمن حدود ألفاظه ومعانيه للوصول إلى إرادة المشرع الحقيقية .
5 - عدم رجعية القوانين : يجب على القاضي أن يلتزم بهذه القاعدة بالتالي لا يطبق نص التجريم إلا على الأفعال المرتكبة بعد صدور هذا النص و قاعدة عدم الرجعية هي نتيجة لقاعدة مبدأ الشرعية لأننا إذا طبق النص الجديد على أفعال مرتكبة قبل صدوره نكون قد خرقنا مبدأ شرعية الجرائم و طبقنا القانون الجديد على فترة زمنية لم يكن فيها .

ثالثاً : الواجبات الملقاة على عاتق السلطة التنفيذية :
يجب على السلطة التنفيذية أن لا تلجأ إلى التشريع إلا في الحالات المحددة له وفقاً للدستور لأن اختصاصها في مجال التشريع مقيد واستثنائي ولذلك لا يجوز لها إصدار النظام في غير المجال المحدود لاختصاصها أي لا يجوز للسلطة التنفيذية أن تجرم غير أفعال تدخل في المجال التي تباشر فيه اختصاصها التشريعي المحدود .

هل تدخل التدابير الاحترازية في نطاق مبدأ الشرعية :
على الرغم من أن المشرع يستهدف من التدابير الاحترازية الوقاية الاجتماعية لا الجزاء وهو مجرد إجراء علاجي يستفيد منه المحكوم عليه ، فلا يمكن تجريد التدابير الاحترازية من الإيلام وإن كان غير مقصود ، فبعض التدابير الاحترازية تصل إلى حد سلب الحرية ولذلك يجب على الشارع أن يحدد التدابير ويحدد ماهية كل منها حتى لا يكون وسيلة استغلال بيد القضاة ، ولكن التدابير لا يطبق بالصورة الجامدة التي عرفناها في نصوص التجريم والعقاب ، وذلك لأن المشرع ينص على التدابير الاحترازية دون أن يقرر تدبير محدد لكل جريمة وإنما يترك للقاضي الحرية في أن يختار من بين التدابير التي نص عليها الشارع ما يكون مناسباً للجرم .
ونقول بأن التدابير الاحترازية تدخل في مبدأ الشرعية بحيث لا يستطيع القاضي أن يحكم بغير التدابير المنصوص عليه في القانون