3. المطلب الثاني : المبادئ الخاصة بالقانون الدولي البيئي:

    قال السكريتير العام لمؤتمر استوكهولم للبيئة سنة 1972في الجلسة الافتتاحية )علينا أن نضع قواعد جديدة للقانون الدولي لتطبيق المبادئ الجديدة للمسؤولية والسلوك الدولي الذي يتطابق وعصر البيئة وأساليب جديدة لتنظيم المنازعات الخاصة بالبيئة .[1] ومن أهم المبادئ الحديثة والخاصة بحماية البيئة نذكر مايلي:

أولا:  مبدأ الملوث الدافع:

يقصد به أن يتحمل الشخص المسئول عن النشاط المضر بالبيئة كافة التكاليف الضرورية لمنع حدوث هذه الأضرار، وعلى ذلك فإن مبدأ الملوث الدافع محاولة لنقل عبء تكاليف مكافحة التلوث إلى عاتق الدول التي تقوم بأعمال تلوث البيئة، بل وإجراءات السيطرة عليه من المنبع[2]. حيث لم يعد هناك ما يسمى "بالحرية المطلقة للتلوث" فلا بد أن تتحمل الدولة المولدة للنفايات الخطرة كل التكاليف اللازمة لمنع حدوث أضرار للدول التي تمر بها تلك النفايات.

ورد النص على هذا المبدأ في العديد من الوثائق الدولية والتي تناشد الدول بتطبيقه كمبدأ توجيهي وإلزامي: ففي وثيقة إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية سنة 1992ورد في المبدأ 16أنه "ينبغي أن تسعى السلطات الوطنية إلى تشجيع الوفاء بالتكاليف البيئية داخليا، واستخدام الأدوات الاقتصادية، أخذه في الحسبان المنهج القاضي بأن يكون المسئول عن التلوث هو الذي يتحمل –من حيث المبدأ- تكلفة التلوث، مع إيلاء المراعاة على النحو الواجب للصالح العام، دون الإخلال بالتجارة والإستثمار الدوليين"[3].أما المبدأ 13 فنص على مايلي: أنه يجب التوصل إلى إرساء قانون دولي لتحديد المسؤوليات والتعويضات عن الأضرار التي تلحق بالبيئة[4].

ثانيا:  مبدأ الحيطة:

وقد برز مبدأ الاحتياط في المجال البيئي في أوائل الثمانينيات، نتيجة لتزايد الوعي حول خطورة الضرر البيئي غير القابل للإصلاح و لا للتوقع[5]، يرى أوليفييه غودار Olivier Godard، مدير الأبحاث في مركزCNRS، أن مبدأ الحيطة انعكس على تطور مفهوم الحذر، حيث شهدت المجتمعـات ثلاث أنظمة رئيسية  للحذر: نظام المسؤولية على أساس الخطأ الذي هيمن حتى القرن التاسع عشر ، ونظام التضامن على أساس المخاطر الذي تطور خلال القرن العشرين، والوقاية والسلامة التي شهدت اليوم على الاعتراف بميلاد مبدأ الحيطة[6].

ارتبط ظهور مبدأ الحيطة و تم تدويله من خلال مؤتمر قمـة الأرض الـذي عقـد فـي ريـو دي جـانيرو فـي 13يونيـو1992 مـؤتمر الأمـم المتحـدة المعنـي بالبيئـة والتنميـة حيث نص في مبدأه الخامس عشر 15على أّنـه " من أجل حماية البيئة ، تتّخذ ّ الدول على نطاق واسع تدابير احتياطية حسب قـدراتها وفـي حالـة ظهور أخطار ضرر جسيم أو أخطار ضرر لا سبيل إلى عكس اتجاهه ، لا يستخدم الافتقار إلى ّ اليقـين العلمـي الكامـل، سـببا لتأجيـل اتّخـاذ تـدابير ّ تتسـم بفعاليـة التكـاليف لمنـع تـدهور البيئة ".

هـذا الإعـلان الـذي يؤكد علـى إجـراء دراسـات مـدى التـأثير قبـل ّ أي عمـل مـن شـأنه أن يؤدي إلى آثـار ّ مضـرة بالبيئـة، والـذي يسـرد أهـم عناصـر مبـدأ الحيطـة، مـن احتمـال حـدوث ضرر الخطير و غير رجعي وغياب اليقين العلمي، و ضرورة اتّخاذ إجراءات فورية.

     يمكن تلخيص ذلك في أنه : "يجب اتخاذ تدابير عندما يكون هناك سببا كافيا للاعتقاد بأن النشاط أو المنتج قد يسبب أضرارا خطيرة لا رجعة فيها على الصحة أو البيئة. وقد تشمل هذه التدابير في حالة النشاط، التقليل منه أو وقفه، أما في حالة وجود المنتج الملوث فإن التدابير تشمل حظر هذا المنتج، حتى وإن لم يكن هناك دليل صريح يثبت وجود علاقـة سببية بين هذا النشاط الملوث أو المنتج، والعواقب التي لا تدع مجالا للشك".[7]

ثالثا:مبدأ المسؤوليات المشتركة لكن المتباينة:

 أعلن مؤتمر البيئة البشرية الذي عُقد في ستوكهولم في عام 1972 أن حماية البيئة تعد "مسؤولية مشتركة" لكافة البشرية؛ وأشار المؤتمر إلى أن مشاكل البيئة في الدول النامية "تعود لحد كبير إلى التنمية غير الكافية"، وذلك يعتبر الشكل الأولي لمفهوم "المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة". في عام 1992 تم تكريس مفهوم المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة (CBDR)[8] بوصفه المبدأ 7 من ريو إعلان في قمة الأرض ريو[9] في عام 1992، كما  أوضح البند الرابع من ((الإتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن التغيرات المناخية)) هذا المبدأ بشكل رسمي. ودعا هذا المبدأ الدول المتقدمة إلى ضرورة المبادرة أولا في تخفيض الانبعاثات، وتقديم الدعم المالي والفني للدول النامية؛ بينما على الدول النامية أن تعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والقضاء على الفقر وتعتبر ذلك الشغل الشاغل لها، وتتخذ إجراءات لتخفيف تغير المناخ أو التكيف معه في حالة حصولها على الدعم الفني والمالي من الدول المتقدمة.

رابعا: مبدأ الوقاية:

    تتصف قواعد القانون البيئي بكونها قواعد وقائية، أي أنها قواعد تضبط الشأن البيئي على نحو سابق عن التلوث وحدوث الضرر، وبالتالي تهدف هذه القواعد إلى المحافظة على البيئة قبل الإضرار بها من طرف الأشخاص والمؤسسات لكون ما يمكن أن يصيب البيئة يكون من الصعب تداركه في ما بعد. ذلك أن مبدأ الوقاية يحقق في الأصـل غايتين: فأما الغاية الأولـى فتتعلق بتفادي الأضـرار التي قد يصعب تداركها بعد حدوثها؛ أما الغاية الثانية فتتعلق بتخفيف الكلفة الاقتصادية لمعالجة التلوث البيئي[10]. قد طبع النهج الوقائي معظم القواعد البيئية في السبعينات والثمانينات، فيما يتعلق  بالتنبؤ بالمخاطر والحد من التلوث البيئي، و الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية. كما وضع مبدأ المنع في صلب عمل لجنة القانون الدولي المعنية بالمسؤولية الدولية عن النتائج الضارة الناجمة عن أفعال لا يحظرها القانون الدولي، وكرس كأساس لهذه المسؤولية في مختلف مجموعة المبادئ المقترحة. ويمكن تصنيف الواجبات المتعلقة بمبدأ الوقاية إلى نوعين هما: واجب من جانب واحد من العناية الواجبة و واجبات إجرائية، و هذه الأخيرة
تنقسم كذلك إلى فئتين رئيسيتين: واجب الإعلام والإخطار، و واجب تقييم الأثر[11].

خامسا : مبدأ المشاركة العامة البيئية:

     انطلاقا من اعتبار أن البيئة هي حق من حقوق الإنسان الجماعية ذات خصوصية تتطلب العمل الجماعي و توفر الحس لدى جميع الفواعل ( دول، منظمات دولية، جمعيات، مواطنون...) من جهة، و إنفراده بطابعه الإجرائي عن باقي منظومة حقوق الإنسان الأخرى ،إذ يلزم من أجل مبادرة و تحرك  الشركاء (الأفراد و الجمعيات) للدفاع عن حقهم في بيئة صحية و سليمة أن يكون لهم القدر الكافي من المعلومات و أن يحيطوا  بما تنطوي عليه بيئتهم من تهديدات و أخطار، و تمكينهم بناء على ذلك– العلم المسبق- من المشاركة والمساهمة بخبراتهم ومداركهم في صناعة القرارات والتدابير المتعلقة بالإدارة المستدامة للبيئة و الحد من الأخطار، مع تمكينهم من الوصول إلى الهيئات القضائية لتفعيل هذه الحقوق  و ضمان مساهمتهم الجدية و المؤسسة قانونا، من خلال تقرير صلاحياتهم للجوء إلى القضاء عبر منحهم الصفة لرفع الدعاوى، و وضع أطر قانونية إجرائية تسمح لهم بالطعن أمام مختلف جهات القضاء الموجودة سواء في القرارات الإدارية أو القضائية درءا لأي تعسف أو مساس بحقهم. جاء في الفصل الثامن من إعلان قمة الأرض )1992ينبغي على الحكومات و المشرعين رسم إجراءات قضائية و إدارية لغرض الإصلاح القانوني و معالجة الأنشطة التي تؤثر على البيئة و التنمية ، و التي ربما تكون غير قانونية أو هناك تعسفا في استعمال الحق بموجب القانون و ينبغي أن توفر سبيلا إلى الأفراد و المنظمات و المجموعات ذات المصلحة القانونية المعترف بها).

المشاركة العامة بعبارات بسيطة تعني إشراك أولئك الذين يتأثرون بالقرار في عملية صنع القرار، وهي تقوم على فكرة أن مشاركة الجمهور يمكن أن تساعد في اتخاذ قرارات أفضل تعكس اهتمامات  المتضررين من الأشخاص والكيانات المعنية، ويقوم مفهوم المشاركة العامة[12] على ثلاثة المبادئ تعتبر ركائز أساسية: الحق في المعلومات، الحق في المشاركة في عملية صنع القرار والحق في العدالة.[13]

أ ــ الحق في المعلومة : يجب أن يمكن للجمهور من الوصول إلى جميع المعلومات  ذات الصلة التي يحتاجونها بسهولة حتى يتمكنوا من المشاركة بطريقة هادفة، هذه تقع المسؤولية مع سلطة اتخاذ القرار. تم تكريس هذا الحق دوليا فيما جاء في إعلان استوكهولم 1972 في مبادئه الأساسية ولا سيما المبدأين 19و ،20 والذين أقرا بضرورة تمتع كل فرد في المجتمع بإعلام بيئي يكفل له حق الإطلاع على المعلومات والتدابير المتعلقة بالمجال البيئي، مع التأكيد بالمقابل على دور الهيئات العامة في تكريس هذا الحق وضمان الالتزام الفعلي باحترامه، عن طريق التزامها بإتاحة الفرصة أمام كل فرد للإطلاع والوصول للمعلومة والمعطيات البيئية التي بحوزتها[14].

ب ـــ الحق فى المشاركة عمليات صنع القرار: المشاركة العامة هي فقط ممكنة حين يتم  وضع الآليات المناسبة لتحقيق ذلك، أهمها توفير المعلومات بقدر كاف، و  يجب إعلام الجمهور في مرحلة مبكرة لتمكينهم من حقهم في المشاركة في صنع القرار .

تم النص على هذا الحق في إعلان "ريو" سنة 1992أين تم التأكيد على أهمية إقرار هذا المفهوم ضمن مختلف السياسات والتدابير البيئية وبأبعادها الدولة والوطنية، حيث أكد البند العاشر منه على أن الطريقة المثلى لمعالجة قضايا المحيط البيئي، لن تتحقق إلا من خلال ضمان إشراك الأفراد المعنيين بها ووفقا للمستوى المحدد لهاته المشاركة، ليتعزز هذا التأكيد وفي نفس الإطار– مؤتمر ريو- من خلال ما تضمنه وثيقة "الأجندة  21في الفصل السابع والعشرون منها، والذي أشار للآليات العملية التي تتحدد وفقها مشاركة تنظيمات المجتمع المدني المحلية (OSC) والدولية (ONG) ، ليدرج مبدأ المشاركة ونظرا لأهميته على مستوى العديد من النصوص والاتفاقيات الدولية المتعلقة قضايا البيئة، كاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشان تغير المناخ، وبرتوكول قرطاجنة المتعلق بالسلامة الأحيائية .

ج ــ الحق في العدالة: ينص هذا المبدأ على أن يكون للجمهور الحق في مباشرة الطعون ضد القرارات الإدارية أو القضائية في المسائل. ويشمل كذلك الوصول إلى المحاكم أو المحاكم المختصة، كضمان مهم أين يكون للمتضررين من القرار وسيلة للدفاع عن حقوقهم. ذلك بالنظر لما تحظى به هيئات القضاء وتحقيق العدالة من استقلالية ولما لها من  دور أساسي في كفالة الحقوق والحريات المقررة في المجتمع، وضمان الالتزام الفعلي والصحيح بمختلف الأطر والقواعد المسيرة للحياة العامة فيها.

 



[1]  شعشوع

 [2]  ورد تعريف "مبدأ الملوث الدافع" وفقا لتوصيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سنة 1972كالتالي:

Polluter pays principle means: « that the polluter should bear the expense of carrying out the above Mentioned ‘’pollution prevention and control’’ measures decided by public authorities to ensure that the environment is in an acceptable state" .

[3] Rio Declaration: United Nations confence on Environment and development":  National authorities should endeavor to promote internationalization of environmental costs and the use of economic instruments, taking into account the approach that the polluter should, in principle, bear the cost of pollution m with due regard to the public interest and without distorting international trade and investment’’.

[4]  قد تم النص على هذا المبدأ في نطاق القانون الدولي العام في عدة اتفاقيات دولية مثل الاتفاقية المتعلقة بحماية جبال الألب لعام    1991 ، اتفاقية صوفيا لعام 1994المتعلقة بحماية والاستخدام الدائم لنهر الراين، اتفاقية لندن لمنع التلوث البحري عن طريق إغراق النفايات والمواد الأخرى لعام 1972 اتفاقية لندن لعام 1990 حول مقاومة التلوث الهيدروكربوني.

[5] Isabelle Fellrath, A study of selected principles of international environmental law in the light of 'sustainable development , Submitted for the Degree of Doctor of Philosophy , University of Nottingham, 1998 , P 118 .

[6] N. de SADELEER , Les principes de pollueur-payeur , de prévention et de précaution, Essai sur la genèse et la portée juridique de quelques principes du droit de l’environnement, Bruylant, Bruxelles, Universités Francophones,-1999,p.21 .

[7]  - عمارة نعيمة، الاتجاه نحو التأسيس للمسؤولية المدنية على أساس مبدأ الحيطة، مجلة دفاتر السياسة و القانون، كلية الحقوق و العلوم السياسية، جامعة ورقلة، العدد 13، سنة 2013، ص 180.

[8] (CBDR) Common But Differentiated Responsibilities .

[9] تتعاون الدول بروح من المشاركة العالمية، في حفظ وحماية واستعادة صحة وسلامة النظام الإيكولوجي للأرض، وبالنظر إلى المساهمات المختلفة في التدهور العالمي للبيئة، يقع على عاتق الدول مسؤوليات مشتركة وإن كانت متباينة. وتسلم البلدان المتقدمة النمو بالمسؤولية التي تتحملها في السعي على الصعيد الدولي إلى التنمية المستدامة بالنظر إلى الضغوط التي تلقيها مجتمعاتها على كاهل البيئة العالمية، وإلى التكنولوجيات والموارد المائية التي تستأثر بها.

[10]  يوسف العزوزي، أي دور لمبدأ الوقاية في تعزيز فرص الاستدامة البيئية؟، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد451 ،أيلول/ سبتمبر 2016، ص 104.

[11] Isabelle Fellrath, Op.Cit , P 127 .

[12] The International Association for Public Participation (IAP2) is the “preeminent international organisation advancing the practice of public participation.”According to the IAP2, underpinning this concept of public participation is a number of core values .These are that public participation:

  • § is based on the belief that those who are affected by a decision have a right to be involved in the decision making process.
  • § includes the promise that the public’s contribution will influence the decision.
  • § promotes sustainable decisions by recognising and communicating the needs and interests of all participants, including decision makers.
  • § seeks out and facilitates the involvement of those potentially affected by or interestedin a decision.
  • § seeks input from participants in designing how they participate.
  • § provides participants with the information they need to participate in a meaningful way.
  • § communicates to participants how their input affected the decision.

[13] Sumudu A. Atapattu ,  Emerging Principles of International Environmental LawTransnational Publishers Inc, New York, US, 2006, P 359 .

[14]  كريم بركات ، حق الحصول على المعلومة البيئية وسيلة أساسية لمساهمة الفرد في حماية البيئة، المجلة الأكاديميـة للبحـث القانوني، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة "عبد الرحمان ميـرة "، بجايـة- الجزائـر ، العدد 01 لسنة ، 2011، ص38.