2. المطلب الأول : المبادئ العامة للقانون الدولي البيئي

أولا : مبدأ السيادة على الثروات الطبيعية[1]:

    يعتبر هذا المبدأ الأقدم للقانون الدولي و الذي يقضي بسط الدولة لاختصاصها التشريعي، القضائي و التنفيذي على جميع أنشطتها في إقليمها ويعتبر هذا المفهوم مرنا ليس مطلقا، فالدولة عليها أن تقبل أو تلتزم في بعض الأحيان بأن تقيد حريتها مراعاة للمصالح المشتركة للمجتمع الدولي أو لمصالح الدول الأخرى[2]، لقد تطورت قواعد القانون الدولي البيئي ضمن سياق اثنين من الأهداف الأساسية الموجودة في اتجاهات معارضة: أن الدول لديها الحقوق السيادية على مواردها الطبيعية؛ وأن الدول يجب ألا تتسبب الأضرار التي لحقت بالبيئة[3]. وهذا حسب ماورد في البند 21 من اعلان استوكهولم لسنة 1972. تم إعادة تكريس  المبدأ 21 والذي أصبح حجر الزاوية في القانون البيئي الدولي بعد عشرين عاما من اعتماده، أين كانت الدول التي تتفاوض بشأن إعلان ريو غير قادرة على تطوير أو تغيير محتوى المبدأ، وتم إعادته في المبدأ الثاني من اعلان البيئة و التنمية 1992. ويتألف المبدأ 21 والمبدأ 2 من عنصرين واللذان لا يمكن فصلهما دون تغيير جذري في المعنى  و الأثر: حق الدول السيادي في استغلال مواردها الطبيعية؛ و المسؤولية، أو الالتزام، بأن لا تسبب ضررا للبيئة أو دول أخرى أو مناطق خارج حدود الولاية الوطنية.

ثانيا: مبدأ حسن الجوار:  

     لما كانت الأضرار عابرة للحدود، تتجاوز الحدود الإقليمية للدولة مصدر الضرر، ذهب بعض الفقهاء إلى القول بالتمسك بمفاهيم حسن الجوار بوصفها إحدى المبادئ التي تنظم سلوك وعلاقات الدول المتجاورة وكوسيلة للحد من الأضرار التي يمكن أن تمتد إلى أقاليم دول أخرى.

   من الفقه من يؤيد تأسيس المسؤولية الدولية على أساس مبدأ حسن الجوار الفقيه "اندارسي" الذي يؤكد عل أهمية المبدأ كونه يمثل أحد المبادئ العامة للقانون الدولي، وبموجبه يحرم على الدولة أن تأتي على إقليمها ما يعرض إقليم دولة أخرى لأضرار بالغة[4]،  أما الأستاذ "جينكس" فيرى أن مبدأ حسن الجوار يفرض التزاما عاما على الدول هو منع الإضرار والآثار الضارة المحتملة باعتبار أن التطور العلمي والتكنولوجي سمح بإيجاد حالات جديدة لاستعمال الإقليم، ويستند هؤلاء على أن قواعد حسن الجوار معترف بها في التشريعات الوطنية لكافة الدول[5]. كما وردت الإشارة إلى مبدأ حسن الجوار صراحة في ديباجة إعلان الأمم المتحدة، إذ تعهدت شعوب الأمم المتحدة أن تعيش في أمن وسلام وحسن جوار[6].

    قد كان موضوع حقوق الدول الواقعة على الأنهار الدولية من أولى الموضوعات التي أثيرت بشأنها إمكانية تطبيق قواعد قانون الجوار، ومن أهمها القاعدة التي تقرر منع المساس بالظروف الطبيعية للنهر إذا ترتب عن ذلك الإضرار بحقوق دولة أخرى وقد أقرت هذه القاعدة مجموعة من الاتفاقيات والأحكام القضائية وحظيت بتأييد واسع من الفقه الدولي[7].  ورد مبدأ حسن الجوار صراحة في الاتفاقية الأوروبية لحماية المياه العذبة من التلوث الصادرة من مجلس أوروبا 1969، والتي أقرت أنه "من المبادئ العامة للقانون الدولي أنه لا يحق لأي دولة استغلال مواردها الطبيعية بطريقة يمكن أن تسبب ضررا كبيرا في دولة مجاورة". وفي الحكم الصادر من م.ع.د في قضية مضيق كورفو، قررت المحكمة على أنه يجب على كل الدول ألا تستخدم إقليمها، أو تسمح باستخدامه لأغراض أعمال تتنافى وحقوق الدول الأخرى[8].

ثالثا: مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق:

       كان لظهور المذاهب الاجتماعية في نهاية القرن التاسع عشر، تأثيرا عظيما على المفاهيم القانونية والفلسفية، امتد إلى الحقوق، فأصبح تقرير الحق منوطا بتحقيق أهداف اجتماعية، ومحددا بإطار لا يجوز قانونا تجاوزه أو الحيد عنه، نتيجة ذلك ظهر مبدأ عدم( إساءة استعمال الحق) فالمصلحة العامة التي تعود على الجماعة أولى بالحماية من المصلحة الخاصة لصاحب الحق والذي عليه التزام ممارسة حقه في إطار المصلحة العامة.[9] وجد هذا المبدأ جذوره في الأنظمة القانونية الداخلية و كان متأصلا في مختلف النظم القانونية كالشريعة الاسلامية و القانون الروماني و الأنظمة القانونية الأنجلوسكسونية، ثم لقي هذا المبدأ قبولا وتأييدا من جانب المحافل القانونية الدولية، على الرغم من التحفظات والمعارضة التي كان البعض حريصا على إبدائها في مواجهة الاتجاه الغالب والذي ينظر إلى منع التعسف في استعمال الحق اعتباره واحدا من مبادئ القانون الدولي ، ونتيجة لذلك، وبسبب انتشارها الواسع الانتشار في النظم القانونية الوطنية، فإن العديد من الولايات والقضاة والمحكمين والمؤلفين اعتبروا إساءة استخدام الحقوق جزءا من سواء كان ذلك كمبدأ عام من مبادئ القانون أو كجزء من القانون الدولي العرفي[10].

تم النص على هذا المبدأ في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار سنة 1982 والتي تعتبر من أهم الاتفاقيات العالمية الحديثة، فقد أقرت مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق صراحة[11].

 أما القضاء الدولي كرس المبدأ في قضية المصايد النرويجية بين بريطانيا والنرويج الخاصة بتحديد المياه الإقليمية بين الدولتين وذلك بعد إدعاء بريطانيا أن النرويج قد تعسفت في استعمال حقها، قررت محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر سنة1951 أن: تحديد البحر الإقليمي هو عمل إنفرادي، ولكن يجب التحقق من عدم تعرضه مع مصالح الدول الأخرى، على ضوء معايير ومبادئ القانون الدولي وقد تكون هذه المعايير جغرافية أو اقتصادية أو قانونية، أما عن المعايير القانونية والتي يتم عن طريقها تحديد مدى مشروعية ممارسة الدول لحقها في تحديد مياهها الإقليمية، فيأتي على رأسها مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق"، وقد أكدت المحكمة أنه لم يكن هناك تعسف من جانب الحكومة النرويجية وأن تحديد خطوط الأساس للمياه النرويجية لم يكن مخالفا للقانون الدولي[12].

رابعا : مبدأ التعاون الدولي.

انبثقت جميع قواعد القانون الدولي للبيئة من واجب التعاون الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في مادته الأولى[13] كأهم مقصد لتحقيق السلم و الأمن وإدامة العلاقات الإنسانية، وهو ما أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار رقم 2625 بشأن إعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة[14] الذي أوجب على الدول أن تتعاون مع بعضها بغض النظر عن اختلاف أنظمتها السياسية أو الاقتصادية أو الإجتماعية لحفظ الأمن والسلم الدوليين و تعزيز الاستقرار الاقتصادي و تحقيق التنمية . وينص المبدأ 24 من إعلان البيئة استوكهولم 1972 على أن جميع البلدان تتحمل مسؤولية متساوية تجاه حماية البيئة وتحسينها، وتقر بالطابع الأساسي للتعاون من خلال ترتيبات متعددة الأطراف أو ثنائية، ويوسع المبدأ 25 مفهوم التعاون هذا ليشمل مشاركة المنظمات الدولية التي يجب على البلدان أن تضمن "القيام بدور تنسيقي وفعال ودينامي لحماية البيئة وتحسينها"، وفي نفس السياق نص المبدأ 27 على أن تتعاون الدول والشعوب بحسن نية وبروح من الشراكة في الوفاء بالمبادئ المجسدة في هذا الإعلان وفي مواصلة تطوير القانون الدولي في ميدان التنمية المستدامة. وقد تم التأكيد هذا المبدأ تقريبا  في جميع الاتفاقيات المتعلقة بحماية البيئة و كان واجب التعاون من أول الالتزامات التي تفرض في الاتفاقيات الدولية باعتباره عنصرا هاما لا يتحقق من دونه تنسيق الجهود و لا يمكن بلوغ الهدف. كما تجسد في قرارات هامة صادرة عن المحاكم والهيئات القضائية الدولية ، بما في ذلك قضية مصنع موكس لعام 2001، حيث قضت  المحكمة الدولية لقانون البحار:    بأن واجب التعاون مبدأ أساسي في منع تلوث البيئة[15] .



[1]  إن أصل مبدأ السيادة الدائمة ينبع من مبدأ تقرير المصير, وهذا الحق الأخير هو حق للشعوب على نحو واضح وليس حقا للدول. يتضح ذلك من من الصياغات الأولى لتقرير المصير، صدرت من الجمعية العامة للأمم المتحدة مجموعة من القرارات والتوصيات التي رسمت من خلالها الإطار العام القانوني الذي يحقق للدول والشعوب من استثمار الثروات الطبيعية. القرار رقم 523 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السادسة بتاريخ 12 فبراير1952 ينص على ما يلي ( ان الدول النامية لها الحق في أن تحدد بحرية استخدام مواردها الطبيعية ، وأن استخدام هذه الموارد يجب أن يكون من أجل تحسين مركزها). القرار رقم 626 الصادر عن الجمعية العامة للآمم المتحدة في دورتها السابعة بتاريخ 21 ديسمبر 1952 ينص على مايلي (حق الشعوب في أستخدام واستغلال مواردها وثرواتها الطبيعية هو حق مستمد من سيادتها ويطابق أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة). القرار رقم 1314 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثالثة عشرة ( بتكوين لجنة خاصة بالسيادة الدائمة على الثروات والموارد الطبيعية على إعتبار ان هذه السيادة هي إحدى المكونات الاساسية لحق تقرير المصير). القرار رقم1515  الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الخامسة عشرة بتاريخ 15ديسمبر 1962 ينص على ما يلي (اوصى باحترام الحق المطلق لكل دولة في التصرف في ثرواتها ومواردها وفقا لحقوق الدولة وواجباتها كما يقرره القانون الدولي). القرار رقم 1803 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السابعة عشرة بتاريخ 19 ديسمبر 1962 ينص على ان (الجمعية العامة..تعتبر ان اهم اجراء يتخذ في هذا الخصوص( تقصد حق كل دولة ذات سيادة في التصرف بحرية في ثرواتها ومواردها الطبيعية).

[2] Dinah L. Shelton & Alex Kiss, Guide to International Environmental Law, Martinus Nijhoff Publishers. Leiden, Boston, USA, 2007,P 11 .

[3] States have, in accordance with the Charter of the United Nations and the principles of international law, the sovereign right to exploit their own resources pursuant to their own environmental policies, and the responsibility to ensure that activities within their jurisdiction or control do not cause damage to the environment of other States or of areas beyond the limits of national jurisdiction.

[4] قنصو ميلود زين العابدين، المسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية،مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة سيدي بلعباس، سنة 2013، ص 57.

[5] نفس المرجع ، ص 57.

[6] جاء في دباجة ميثاق الأمم المتحدة ".........أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معا في سلام وحسن جوار".

[7] د. محسن أفكيرين، القانون الدولي للبيئة، دار النهضة العربية، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى،سنة 2006.ص193.

[8] نفس المرجع، ص 195.

[9]  صلاح الدين عامر: "مقدمات القانون الدولي للبيئة"، مجلة القانون والاقتصاد، كلية الحقوق، جامعة القاهرة،
عدد خاص 1983م، ص .5

[10] Michael Byers, Abuse of Rights: An Old Principle, a New Age, McGill Law Journal, Vol 47, 2002, P 397.

[11]  نصت المادة 300على أن "تعني الأطراف بحسن نية بالالتزامات التي تتحملها بموجب هذه الاتفاقية و تمارس الحقوق والولايات والحريات المعترف بها في هذه الاتفاقية على نحو لا يشكل تعسفا في استعمال الحق".

 

[12] Michael Byers,  Op.Cit, P 397 . The UK argued that the right to delimit exclusive fisheries zones is balanced by the duty to respect the rights of other states. The FisheriesCase (United Kingdom v. Norway), [1951] I.CJ. Rep. 116 at 150-51

[13]  المادة 1 ــ مقاصـد الأمـم المتحدة هي: تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء.

[14]  إعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة،24  تشرين الأول/أكتوبر 1970) التوصية 2625).

[15] MOX Plant Case (Ireland v United Kingdom (Provisional Measures) (International Tribunal for the Law of the Sea, Case No 10, 3 December 2001) .