2. نشأة و تطور القانون الدولي للبيئة.

تطور القانون الدولي منذ بداية النصف الأخير من القرن العشرين تطورا واسعا و مهما سواء فيما تعلق بالأشخاص المخاطبين به أو ما تعلق بموضوعاته و مجالاته، إذ أنه ساير تنظيم المشكلات التي تهم المجتمع الدولي المعاصر فلم يعد يقتصر في موضوعه على معالجة المسائل التقليدية لذلك المجتمع مثل السيادة، الإقليم، التنظيم الدولي،التمثيل الدبلوماسي و القنصلي ، الحرب و الحياد ، وإنما تفاعل مع جديد ما طرأ من المشكلات التي تهم المجتمع الدولي قاطبا في شتى المجالات الاقتصادية، التنموية، الإنسانية و الاجتماعية، فظهرت فروع عديدة للقانون الدولي تعنى بتنظيم وضع معين فأصبحنا نرى وجود قواعد القانون الدولي الإنساني و القانون الدولي الاقتصادي، و القانون الدولي للبحار و كذا القانون الدولي للبيئة[1].

     في أواخر الستينات، ومع ظهور حركة الدفاع البيئية، طلب الوفد السويدي من الأمم المتحدة عقد مؤتمر بشأن البيئة، حيث احتاج ذلك جهد تنسيقي هائل من أجل هذا المؤتمر، حيث تم ذلك بمشاركة الكندي موريس سترونج Maurice STRONG [2] و هو ما أدى بالجمعية العامة للأمم المتحدة في 3 ديسمبر1968 الى تبني قرارها رقم 2398 في دورتها 32 والتي قررت فيها عقد مؤتمر حول البيئة الإنسانية[3].أكد القرار على طبيعة علاقة حقوق الإنسان بالبيئة و منه ظهرت الحاجة إلى حماية البيئة و المحافظة عليها، كما أدرك المؤتمر العلاقة بين البيئة و التنمية[4].        

 إن علاقة البيئة بموضوع حقوق الإنسان تمتد جذوره إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة في 10 ديسمبر 1948، حيث أشارت ديباجة الإعلان إلى أن الاعتراف بالكرامة المتأصلة لكامل الأسرة البشرية و بحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية و العدل و السلام. ونص المبدأ الثالث على أنه لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه. وانسجاما مع ذلك أكد إعلان استوكهولم  أنه لكن إنسان حق أساسي في الحرية و المساواة و في ظروف عيش مناسبة تسمح نوعيتها بالحياة في ظل الكرامة و بتحقيق لرفاه[5] وما الاعتراف بالبيئة كحق مستقل إلا تعزيز للحقوق الأخرى التي يمكن منها كل فرد و تدعيم لكرامة الإنسان (العيش الكريم) .

أما عن علاقة البيئة بالتنمية فانه كان من الصعب إدراكها في بادئ الأمر، حيث أن للتنمية كحق علاقة بالدول النامية وهو فرع من الفروع الاقتصادية العامة، أما البيئة فهي (مجموعة النظم الطبيعية والاجتماعية و الثقافية التي يعيش فيها الإنسان و الكائنات الأخرى)[6]. وقد كان لمؤتمر استوكهولم فضل طرح القضية و معالجة العلاقة حين تم الإشارة إلى إمكانية تحقيق تنمية اقتصادية مع المحافظة على البيئة، إذ أن فكرة التنمية تمسكت بها جميع الدول النامية كاعتبار ذا أولوية مطلقة للخروج من الأوضاع المزرية التي ورثتها عن الاستعمار والتي ترغب في أن تصبح دولا ذات توجه اقتصادي.

 أخذت قضايا البيئة كذلك بعدا استراتجيا، و أصبحت علاقتها بالأمن الدولي مطروحة حيث بات الارتباط بين مشاكل البيئة و الأمن الدولي في تزايد، إذ تعتبر مشاكل التلوث العابرة للحدود مصدر تهديد حقيقي لأمن الدول و هو مايمكن أن يهدد العلاقات بين الدول مصدر النشاط الضار و الدول التي حدث بها الفعل الضار أو التي تضرر مصالحها، ومن جهة أخرى يمكن أن يكون سببا للنزاع والحروب شح الموارد الطبيعية و محدوديتها وهذا من أجل السيطرة على منافذ المياه أو الطاقة مثلا.



[1]   معمر رتيب محمد عبد الحافظ، القانون الدولي للبيئة و ظاهرة التلوث، دار النهضة العربية، القاهرة، ب.ط، 2007 ، ص 45.

[2]  أصبح ( موريس سترونج) أول رئيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة سنة 1972.

[3] Elli LOUKA, International environmental law, Cambridge university press, Cambridge, New York, 2006, P 30.

[4]  القرار 2398 : الجمعية و ادراكا منها لما للبيئة من آثار على وضعية الانسان وعلى راحته البدنية و العقلية والاجتماعية، وعلى كرامته و تمتعه بالحقوق الأساسية، و اقتناعا منها بضرورة الاهتمام بمشاكل البيئة الانسانية من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية صحية فإنها قررت تنظيم مؤتمر حول البيئة الإنسانية.

[5]  المادة   من مؤتمر استوكهولم 1972.

[6]  صلاح عبد الرحمن عبد الحديثي، النظام القانوني الدولي لحماية البيئة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، ط1، 2010، ص 24.