2. موضوع الاقتصاد السياسي

2.2. المشكلة الاقتصادية

    نقول أن هنالك مشكلة اقتصادية بالمعنى العام اذا استخدمت وسائل نادرة نسبيا في تحقيق أهداف متعددة من بين الأهداف الممكن تحقيقها ، و على ذلك توجد مشكلة اقتصادية اذا قامت الندرة في الوسائل مما يقتضي اختيار للأهداف واجبة تحقيق .

  و بما أن الاقتصاد السياسي هو علم يدرس كما رأينا سلوك الانساني في علاقته الاجتماعية  لذلك فانه يجب أن ننظر كيف تظهر هذه المشكلة الاقتصادية في نشاط الانسان الاجتماعي هذا ما يجرنا الى موضوع الحاجات (الأهداف) و الموارد  ( الوسائل نادرة نسبيا ).[1]

أ/ الحاجات الاقتصادية و الانسانية :

  كانت مسألة الحاجات الإنسانية محور اهتمامات الفكر الاقتصادي في حركته الدائبة ، وهكذا صارت الحاجات جوهر علم الاقتصاد ومحور المشكلة الاقتصادية فيه .

  تعددت تعريفات الحاجات و فق كل تخصص و ميدان علمي ، و لكن مهما اختلفت تدور حول معنى عام مفاده : أن الحاجة هي كل ما يحتاجه الفرد من أجل الحفاظ على حياته ، و اشباع رغباته المتنوعة و توفير ما هو مفيد لتطوره و نموه.[2]

و لبد من تميز الحاجات الاقتصادية عن الحاجات الانسانية الأخرى ، فالحاجة الاقتصادية تختلف عن الحاجة الطبيعية وعن الحاجة الاجتماعية وعن الحاجة الأخلاقية  .

 فالحاجة الاقتصادية تختلف عن الحاجة الطبيعية التي تعبر عن عدد السعرات الحرارية اللازمة للفرد .

وتختلف أيضاً عن الحاجة الاجتماعية التي تأخذ في الحسب ان المستوى الحضاري والأوساط التي ينتمي إليها الفرد ،  كما تختلف عن الحاجة بمعناها الأخلاقي والتي تعتمد على معيار النافع والضار وعن بعض القيم الخلقية أو الدينية .

- حقيقة أن الحاجات التي يشعر بها الإنسان تحكمها عوامل طبيعية ونفسية وأخلاقية، ولكنها تعتمد قبل كل شىء على المتطلبات الخاصة لصاحب الحاجة، فلا يوجد - كما زعم بعض الكتاب - حاجات حقيقية وحاجات خيالية .

والحاجات الإنسانية متعددة بعضها مادى وبعضها غير مادى، بعضها جسدى وبعضها نفسى. وهى تتزايد وتتشعب دون توقف لأن طموحات الإنسان ليس لها حد . فالإنسان يكتشف دائما أهدافاً جديدة ووسائل جديدة،كما أن حياة نظرائه تعطيه دوافع متجددة للانتقال من نمط من أنماط الحياة إلى نمط آخر .

 

 تقسيم الحاجات  الاقتصادية :

وتقسم الحاجات الاقتصادية إلى الحاجات الضرورية والحاجات الكمالية، والحاجات الفردية والحاجات الجماعية، والحاجات الحاضرة والحاجات المستقبلية.

-  الحاجة الضرورية و الكمالية : الأولى هي الحاجة التي تتوقف حياة الفرد على إشباعه كالحاجة إلى الشراب والعلاج والطعام . أما الحاجة الكمالية، فهى تلك التي تزيد من متعه الحياة ولذتها كالاستماع إلى الموسيقى والتنويع في الملابس والمعرفة .

- الحاجة الفرد ية الجماعية : الأولى  فهى تلك التي تتصل مباشرة بشخصية الإنسان وحياته الخاصة كالحاجة إلى المأوى وتأسيس المسكن والعلاج . أما الحاجة الجماعية، فهى التي تولد وتظهر بوجود الجماعة وحياة الفرد وسط هذه الجماعة، مثل الحاجة إلى الأمن والدفاع عن الجماعة وممتلكاتها ومكافحة الأمراض وغيرها من الحاجات التي تباشرها الدولة عادة بواسطة أجهزة تمثل الصالح العام .

- الحاجة المستقبلية و الحاضرة : المستقبلية  هي تلك المتوقع ظهورها مستقبلاً كما لو قامت الدولة باستصلاح الأراضي وإقامة السدود وذلك بغية إشباع حاجة مستقبلية وهى خلق أو زيادة الرقعة الزراعية اللازمة لإشباع الحاجة إلى الطعام أو إقامة المساكن وغيرها من استخدامات الأرض العديدة

أما الحاجة الحالية أو الحاضرة فهى تلك الإحساس أو الشعور الحال بالألم ، مثال ذلك : استهلاك المزارع ما ينتجه من غلة.

علماً بأن التقسيمات المختلفة السابقة للحاجات والفروق بينها جميعاً نسبية إلى حد بعيد بل ولفظية إلى حد ما .

 خصائص الحاجات الاقتصادية:

وتتسم الحاجات الإنسانية الاقتصادية بتقسيماتها المتعددة السابق ذكرها،بمجموعة من الخصائص، والتي يمكن إجمالها فيما يلي :

- قابلية الحاجة للإشباع :

إذا كانت الحاجة هي الشعور بالضيق أو الألم فهذا الإ حساس تتراوح حدته ونوعه وفقاً لظروف الحال، وتقل حدة هذا الشعور إذا أشبع الإنسان حاجاته، فكلما استرسل في الإشباع تناقصت حدة الألم حتى  يتلاشى أو يزول آل ضيق أو ألم، على الأقل في حدود الفترة الواحدة، وهذا ما يعبر عنه علم الاقتصاد

بظاهرة تناقص المنفعة الحدية .

- لا نهائية الحاجات :

إن حاجات الإنسان لا تنتهي، فإذا ما أشبع حاجة، سرعان ما تظهر له حاجة أخرى، وإذا ما أشبع الأخيرة سرعان ما تجد له ثالثة وهكذا، في سلسلة لا تنتهي . من أهم دوافع الرقى والتقدم الاجتماعي، فلولاها لبقى الإنسان في مستويات غير مقبولة من المعيشة، قنوعا بما لديه ما دام قادراً على إشباع حاجاته البسيطة .

- نسبية الحاجات:

إن الحاجات التي يسعى الإنسان إلى إشباعها اليوم ليست هي التي كانت بالأمس، وهذه الخاصية انعكاس لضرور ات حيوية أو نفسية بقدر ما هي تعبير عن أوضاع اجتماعية تحكمها ظروف الزمان والمكان التي يشعر بها الإنسان في مجتمع متمدين، أو في تعبير آخر ليست حاجات الأجداد مثل حاجاتنا والتي سوف تختلف بالطبع عنها حاجات الأحفاد

ب/ الموارد النسبية :

   الموارد هي كل ما يصلح لاشباع الحاجات الانسانية ، و الاقتصاد لا يهتم بجميع أنواع الموارد هذه فعلى الرغم من أهمية الهواء القصوى لحياة الانسان الى أن الاقتصاد لا يهتم به و يعتبره مورد حر غير نادر و يهتم فقط  بالموارد النادرة نسبيا .

فالإنسان يعيش في عالم ندرة، فالموارد التي يتصرف فيها إما أن تكون غير كافية لإشباع كل حاجاته في وقت معين، وإما أن تكون موزعة توزيعاً مكانياً سيئاً حيث تتوافر في أماكن معينة وتشح في أماكن أخرى.  وحتى لو كانت الموارد التي يتمتع بها الإنسان وفيرة للغاية فإن الإنسان يظل محصوراً بعامل

الوقت، وهو أكثر نعم الله على الإنسان ندرة.

وترجع ندرة الأشياء إلى أسباب طبيعية كندرة ، المعادن النفيسة، أو إلى أسباب إدارية كوضع قيود على صيد الحيوانات أو صيد الأسماك ، أو إلى عوامل دينية كقدسية الأبقار في الهند .

ولما كان من الصعب على الإنسان أن يحصل على كل شىء يحتاجه مرة واحدة، وعمل كل شىء نافع له في وقت واحد كان عليه أن يختار ، فللوصول إلى هدف معين فإن عليه أن يضحي بغاية أخرى حيث لا تكفي الوسائل المتاحة له لتحقيق كل أهدافه ، وكل اختيار يتضمن في نفس الوقت تضحية أو تكلفة الفرصة  فعندما تشترى قميصاً فإنك تتنازل عن الإشباع الذي كان من الممكن أن يحققه لك شراء سلعة أخرى بالمورد الذي اشتريت به القميص .

 تكلفة الفرصة بتعبير مادى هي التضحية التي يتحملها الشخص حين يختار بين عدد من الأفعال الممكنة . فعندما يقوم الشخص بنشاط معين (إنتاج سلعة معينة مثلاً) فإن التكلفة التي يتحملها تتمثل في الفرص التي لم يحصلها ( قيمة السلعة والخدمات التي لم يتمكن من إنتاجه ا) لأن الموارد المستخدمة لم تعد متاحة

لاستخدام آخر .

فندرة الوسائل، والاختيار بين الغايات، والتكلفة هي الأفكار الرئيسية التي تسمح بفهم جوهر النشاط الاقتصادي، أو المشكلة الاقتصادية حيث إن حياتنا الاقتصادية تتكون من مجموعة من القرارات المتشابهة التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين الوسائل والحاجات . وانطلاقاً من هذه الوجهة من وجهات النظر نستخدم دخلنا، وندير صفقاتنا، وننظم انتاجنا، ونوزع وقتنا بين العمل والفراغ وبين اليقظة والنوم .

فمقاومة الندرة هي جوهر النشاط الاقتصاد ى، ومن أساسيات المشكلة الاقتصادية ، سواء تعلق الأمر  بشخص معين يعيش منعز لاً في الصحراء أو كان  يتعلق بشخص يعيش في جماعة يتخصص آل عضو من أعضائها في عمل معين ويرآز جهوده في نشاط واحد لمصلحة الآخرين بحيث توزع الموارد الإجمالية على الجميع عن طريق التبادل .

وتتم مقاومة الندرة بالعمليات الإنتاجية. فالأفراد حين يشعرون بالحاجات يبحثون عن تحسين ظروف معيشتهم بممارسة عمليات إنتاجية ومبادلات موضوعها سلع وخدمات تخصص في النهاية للاستهلاك



[1] حازم الببلاوي ، اصول الاقتصاد السياسي ، منشأة المعرف ، مصر ، 1975 ، ص 21

[2][2] عبد الوهاب جودة الحايس ، تقدير الاحتياجات الأساسية للسكان المحليين كمدخل لتنمية ، جامعة عين الشمس ، مصر ، ص 4