2. نظام الرقابة على دستورية القوانين في الجزائر

2.2. نظام الرقابة على دستورية القوانين في دستور 1996

فيما يخص دستور 1996، فالملاحظ أنه قد حافظ على تجربة الرقابة على دستورية القوانين بموجب مجلس دستوري، وإن كان التعديل الدستوري الجديد لسنة 2016 قد عمل على إدخال عدة تحسينات يبدو أنها ستعطي نفسا آخر لهذه التجربة.

       بحيث قد أكدت المادة 182 على مدى الاستقلال الذي يتمتع به المجلس الدستوري حاليا؛ ذلك لأنها نصت بشكل صريح ولا لبس فيه على أن المجلس الدستوري هيئة مستقلة مهمتها السهر على احترام الدستور، كما وقد أكدت على تمتعه بالاستقلال الإداري والمالي. ولضمان هذه الاستقلالية أكثر فقد نصت المادتين 183 و185 على التوالي على أن الانتساب للمجلس ينتفي مع ممارسة أية عضوية أو وظيفة أو تكليف أو مهمة أخرى وأي نشاط آخر أو مهنة حرة، وأن أعضاء المجلس يتمتعون خلال مدة عضويتهم بالحصانة القضائية في المسائل الجزائية، ولا تحرك ضدهم المتابعات الجزائية إلا بتنازل صريح من المعني أو بترخيص من المجلس الدستوري. كما وقد أصبح أعضاء المجلس الدستوري لأول مرة في تاريخ الرقابة الدستورية في الجزائر منصوص دستوريا على أنهم محلفين بموجب آدائهم لنص اليمين الوارد ذكره بالمادة 183 أمام رئيس الجمهورية. ولتأكيد استقلاليته كذلك بينت المادة 189 بأن المجلس الدستوري هو من يحدد قواعد عمله. 

       وبالنظر إلى ذلك النقص الذي كان قائما على عدم وجود معايير موضوعية في انتقاء أعضاء المجلس الدستوري، وعلى عدم تمتع الكثير منهم بالتأهيل والتكوين القانوني فضلا عن الدستوري الذي يعد شرطا أساسيا لنجاح الرقابة الدستورية وتحقيقها الهدف المرجو منها، فإن المادة 184 قد اشترطت في أعضاء المجلس الدستوري بالإضافة إلى شرط السن، وهو بلوغ الأربعين سنة كاملة يوم التعيين أو الانتخاب، التمتع بخبرة مهنية مدتها خمس عشرة (15) سنة على الأقل في التعليم العالي في العلوم القانونية أو في القضاء أو في مهنة محام لدى المحكمة العليا أو لدى مجلس الدولة أو في وظيفة عليا في الدولة.   

       هذا ولإضفاء نوع من المساواة على تمثيل السلطات الثلاث في المجلس الدستوري، فإن المادة 183 قد نصت على أن تشكلية المجلس تتكون من اثني عشر (12) عضو: أربع (04) أعضاء من بينهم رئيس المجلس ونائبه يعينهم رئيس الجمهورية، واثنان (02) ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني، واثنان (02) ينتخبهما مجلس الأمة، واثنان (02) تنتخبهما المحكمة العليا، واثنان (02) ينتخبهما مجلس الدولة. والعضوية في المجلس الدستوري تكون لمرة واحدة مدتها ثمانية (08) سنوات على أنها تمارس كاملة بالنسبة للرئيس ونائبه فقط، بينما بالنسبة لباقي الأعضاء فيجب تجديد نصفهم كل أربع (04) سنوات.

       وفيما يخص النصوص الخاضعة لرقابة المجلس الدستوري فإنها لم تعرف تغييرا؛ ذلك لأن المادة 186 قد أبقت على اختصاص المجلس الدستوري برقابة مدى مطابقة القوانين العضوية والنظام الداخلي لغرفتي البرلمان للدستور من جهة، وعلى اختصاصه من جهة أخرى برقابة دستورية كل من المعاهدات والقوانين والتنظيمات.    

       ولكن التغيير حدث بالنسبة إلى الجهات المخولة بإخطار المجلس الدستوري؛ فبالإضافة إلى: رئيس الجمهورية، رئيس المجلس الشعبي الوطني، ورئيس مجلس الأمة، فإن الحق في الإخطار قد توسع، بحسب المادة 187، ليشمل أيضا الوزير الأول وكلا من: خمسين (50) نائبا أو ثلاثين (30) عضوا في مجلس الأمة. هذا وقد تضمنت المادة 188 لأول مرة في الجزائر ما يعرف بالمسألة الأولية الدستورية التي نص عليها أيضا الدستور الفرنسي لسنة 1958 من قبل بموجب المادة (61 -1) فيه. فقد جاء في المادة 187 بأنه:( يمكن إخطار المجلس الدستوري بالدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة، عندما يدعي أحد الأطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية أن الحكم التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور )  

وفي الواقع من خلال قراءة أولية لنص هذه المادة يمكن إبداء الملاحظات الآتية، والتي تعتبر أولية كذلك حتى صدور القانون العضوي المحدد لشروط وكيفيات تطبيق هذه المادة:

- الدفع بعدم الدستورية ليس من النظام العام، ولذا لا يجوز لجهات القضاء العادي والإداري إثارته من تلقاء نفسها.

- الدفع بعدم الدستورية مقرر لمصلحة أطراف الخصومة فقط، وعليه فلا يجوز لمن لم يكن محل متابعة قضائية و/أو طرفا في خصومة قضائية أن يحرك هذا الدفع أمام القضاء.

- الدفع بعدم الدستورية يمكن القول مبدئيا بأنه يمكن إثارته أمام قاضي الموضوع فقط، وهذا لأن نص المادة 187 قد اشترط أن يكون مآل النزاع متوقفا على تطبيق الحكم التشريعي المعني من عدمه، وبما أن هذا الأمر متوقف بدوره على عملية تقدير الوقائع موضوع الدعوى وتكييفها التكييف القانوني الصحيح للوصول لتحديد القانون (القانون الموضوعي) الواجب التطبيق لفض النزاع، ولما كان من جانب آخر قاضي النقض (ممثلا في المحكمة العليا ومجلس الدولة) بالأساس قاضي قانون وليس قاضي موضوع، فإن مآل النزاع لا يتحدد من حيث الأصل أمامه حتى ولو قضى بالنقض لأنه سيعيد الأطراف إلى قاضي الموضوع من جديد ليعيد الفصل في النزاع وفقا لتوجيهاته فيما يخص تطبيق القانون وليس فيما يخص تقدير الوقائع موضوع النزاع، وعليه فدور قاضي النقض في النزاع يقتصر مبدئيا على مراقبة مدى حسن تطبيق قاضي الموضوع للقانون، سيما من حيث التكييف والتفسير والتسبيب، ولا يمتد بشكل مباشر إلى تحديد مآل الخصومة ونتيجتها.  

- مصطلح إحالة الوارد ذكره في نص المادة أعلاه لا يتعلق في تقديرنا بنقل ملف القضية بأكمله إلى المجلس الدستوري ليفحصه، وإنما يتعلق فقط بالدفع بعدم الدستورية لكي يتأكد المجلس من مدى جديته وتأسيسه دستوريا حتى يتمكن فيما بعد من مناقشته والرد عليه في الأجل الممنوح له لهذا الشأن، والذي هو بموجب المادة 189 أربعة (04) أشهر من تاريخ الإخطار، ما لم يتبين للمجلس ضرورة تمديده إلى مدة أقصاها أربعة (04) أشهر أخرى، وهذا بواسطة قرار مسبب يبلغه إلى الجهة القضائية صاحبة الإخطار. وللإشارة فإنه إذا تبين للمجلس الدستوري بأن النص التشريعي محل الرقابة غير دستوري، فإن يفقد أثره ابتداء من اليوم الذي يحدده قرار المجلس الدستوري (المادة 191)     

- استعمال المؤسس الدستوري الجزائري لمصطلح ''حكم تشريعي'' في نص المادة 187 يستدعي في الواقع تدخلا من المجلس الدستوري نفسه لتحديد المقصود به، وهذا لأن ذلك ضروري جدا لتحديد مجال الإخطار بهذه الطريقة ونطاقه؛ بمعنى: هل يتعلق فقط بالنصوص التشريعية، العضوية منها والعادية، الصادرة عن البرلمان، ومن هي في حكمها كالأوامر التشريعية التي يصدرها رئيس الجمهورية ؟ أم أن مصطلح التشريع هنا يفسر بمعناه الواسع ليشمل كذلك المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتشريع الفرعي (التنظيمات) ؟

- يطرح نص 187 التساؤل أيضا عن مدى سلطة المجلس الدستوري في مراقبة الحكم التشريعي المدفوع بعدم دستوريته ؟ وذلك لأن هذا النص قد جاء فيه بأن صاحب الدفع يستند في إبدائه إلى كون هذا الحكم التشريعي ينتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، فهل معنى ذلك بأن المجلس الدستوري يكتفي في ممارسة رقابته هنا عند هذه المسألة فقط، أو بتعبير آخر هل يقتصر المجلس في ممارسة رقابته هنا على التأكد من مسألة خرق هذا الحكم التشريعي للحقوق والحريات المضمونة دستوريا أم لا ؟ وذلك من خلال إثارته أوجها أخرى لعدم الدستورية يمكن أن تتبين له عند فحصه للنص التشريعي، والتي بلا تشك تظهر أهميتها عندما يتضح للمجلس عدم انتهاك الحكم التشريعي للحقوق والحريات المضمونة دستوريا، وإنما لأحكام وقواعد دستورية أخرى كقواعد الاختصاص مثلا.

       هذا وكما هو معلوم، فإن الرقابة الدستورية التي يتمتع المجلس الدستوري بممارستها على نوعين، رقابة سابقة وجوبية وهي التي تتم بناء على إخطار من رئيس الجمهورية فقط عندما يتعلق الأمر بالقوانين العضوية والنظام الداخلي لغرفتي البرلمان، وتسمى كذلك برقابة المطابقة لأنها رقابة صارمة يتأكد المجلس الدستوري فيها من مدى احترام هذه النصوص للدستور وتطابقها معه نصا وروحا قبل إصدارها ونشرها في الجريدة الرسمية لدخولها حيز النفاذ، وذلك لأنها نصوص مكملة له. وهناك النوع الثاني وهي الرقابة الاختيارية، وتعرف كذلك برقابة الدستورية، وقد سميت كذلك لأن لجهات الإخطار السابق ذكرها أعلاه كامل السلطة التقديرية والاختيار في ممارستها من عدمه. وهي بدورها تنقسم إلى نوعين، رقابة اختيارية سابقة لأنها تمارس قبل التصديق على المعاهدات وصدور القوانين والتنظيمات، ورقابة اختيارية لاحقة لأنها تمارس بعد سريان مفعول القوانين والتنظيمات (المادتين 144، 186، 190 و191)

       وفيما يخص سير إجراءات الرقابة فقد بينت المادة 189 بأن المجلس الدستوري يتداول في جلسة مغلقة، ويعطي رأيه أو يصدر قراره في ظرف ثلاثين (30) يوما من تاريخ الإخطار. وفي حالة وجود طارئ يخفض هذا الأجل بطلب من رئيس الجمهورية إلى عشرة (10) أيام.

       وأما فيما يتعلق بالنتائج التي يمكن أن تخلص إليها رقابة المجلس الدستوري، فإنها تتخذ إحدى الفرضيات الآتية:

- تثبت المجلس الدستوري من دستورية النص المعروض عليه؛ فيبدي بحسب الحالة رأيه أو قراره بدستوريته.

- تأكد المجلس الدستوري بشكل قطعي من عدم دستورية النص المعروض عليه بالكامل، فإنه يقضي بعدم دستوريته.

- تأكد المجلس الدستوري بشكل قطعي من عدم دستورية النص المعروض عليه جزئيا، فإنه يقضي بعدم دستورية هذا الجزء فقط دون باقي الأجزاء، ما لم يتبين له أن ارتباطها به ارتباطا وثيقا لا يمكن من تطبيق النص بدونه، فإنه يحكم بعدم دستورية كامل النص.

- وقوع المجلس الدستوري في حالة شك بين دستورية وعدم دستورية النص، فإنه في هذه الحالة، وباستبعاد النصوص الخاضعة لرقابة المطابقة، يقضي بدستوريته إعمالا لقرينة الدستورية، ويكون ذلك عادة مقترنا بتفسير يعطيه هو يرى فيه أنه يمكن أن يجعل النص دستوريا بتحفظ. 

       وللعلم إذا ارتأى المجلس الدستوري عدم دستورية معاهدة أو اتفاق او اتفاقية، فإنه لا يتم التصديق عليها (المادة 190) وإذا ارتأى أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري، فإن هذا النص يفقد أثره ابتداء من يوم قرار المجلس (المادة 191)

       ونشير في الأخير بأن آراء المجلس الدستوري وقراراته نهائية أي باتة ولا تقبل الطعن بأي من طرق الطعن، كما وتعد ملزمة لجميع السلطات العمومية والسلطات الإدارية والقضائية، أي أنها ذات حجية مطلقة وتسري على الكافة (المادة 191)