1. مفهوم الدستور

1.2. الطبيعة القانونية لقواعد الدستور

       يلعب الدستور دورا مهما في حياة الدول والأفراد على السواء، ولا أدل أكثر في توضيح ذلك مما جاء في ديباجة الدستور الجزائري الحالي لسنة 1996 المعدل والمتمم من أن:( الدستور فوق الجميع، وهو القانون الأساسي الذي يضمن الحقوق والحريات الفردية والجماعية، ويحمي مبدأ حرية اختيار الشعب، ويضفي الشرعية على ممارسة السلطات، ويكفل الحماية القانونية، ورقابة عمل السلطات العمومية في مجتمع تسوده الشرعية، ويتحقق فيه تفتح الإنسان بكل أبعاده )

       هذا ومع ما للدستور من أهمية إلا أن هناك من حاول أن ينكر بأن قواعده هي قواعد قانونية، وذلك بالقول أنها مجرد قواعد آداب مرعية تحميها جزاءات أدبية بحتة. بحيث يذهب جون أوستن إلى أن افتقار قواعد الدستور للجزاء المادي يجعلها لا تشكل قواعد قوانية، وهذا لأن القانون الوضعي في نظره هو عبارة عن أمر أو نهي يصدره الحاكم إلى رعيته الملزمين باحترامه وإلا تعرضوا لجزاء مادي يوقعه على المخالفين منهم. وعلى هذا الأساس، يرى أوستن بأن العمل الذي يخالف فيه الحاكم الدستور يكون عملا غير دستوري وليس عملا غير قانوني.

       وفي الواقع إن هذا الرأي من أوستن لقد لقي نقدا شديدا من قبل الفقه، وذلك لأن جون أوستن:

-  كان متأثرا إلى حد بعيد بآراء توماس هوبز الذي عمل على كسب التأييد للنظام الملكي المطلق في انجلترا.

- كان متأثرا بما كان سائدا في وقته من أن الحاكم هو مصدر السيادة وهو صاحبها، في حين أن السيادة قد أصبحت في وقتنا إما ملكا للشعب أو للأمة. ومن ثم فقد أضحى دور الحاكم مقتصرا على مباشرة جملة من الصلاحيات السياسية والقانونية المحددة بالأساس في الدستور، والتي في الواقع لم تعد في منأى عن الرقابة والمحاسبة، مما جعل إمكانية تسليط  الجزاءات التي ينص عليها الدستور أمرا واقعا في العديد من الدول.

- يتجاهل دور قواعد الدستور في حفظ السلم الاجتماعي داخل الدولة، ولذلك فإنه إذا تمادى الحاكم في خرق قواعده وعدم احترامها، فإن الجزاء على ذلك قد ينتقل من الجزاء المنظم دستوريا إلى جزاءات أخرى غالبا ما تكون أعنف من الإكراه المادي الذي يعتد به هو (أوستن)، كما في حالة وجود هيجان للرأي العام وسخطه من الوضع السائد الذي قد يصل إلى حد محاولة تغييره بالقوة من خلال الثورة أو الانقلاب على الحاكم وإبعاده من الحكم.  

       وعلى النقيض، هناك اتجاه يرى بأن قواعد الدستور هي قواعد قانونية بأتم معنى الكلمة.  إلا أنه يلاحظ على هذا الاتجاه بأنه منقسم إلى فريقين، هما:

1. فريق يعتبر قواعد الدستور قواعد قانونية رغم عدم توافرها على عنصر الجزاء، وذلك لأن هذا الأخير بحسبهم غير ضروري لاكتساب القاعدة صفتها القانونية، وهذا طالما أن المخاطبين بها يشعرون بوجوب احترامها.

2. فريق يعتبر الجزاء أمرا لا يمكن الاستغناء عنه في القاعدة القانونية، غير أنه لا يشترط فيه أن يكون دوما من قبيل الإكراه المادي؛ إذ يمكن أن يكون جزاء معنويا، وهذا لأنه لما كان توقيع الجزاء المادي منوطا فقط بالسلطة العمومية من جهة، ولما كان من جهة أخرى القانون أسبق في الوجود من السلطة العمومية، فإن العبرة تكون بوجود الجزاء لا بالجهة التي توقعه أكانت السلطة العمومية أم من غيرها.

       وأما الرأي الراجح فقها فإنه يرى بأن قواعد الدستور هي قواعد قانونية لأنها تحتوي على جزاء يتماشى وطبيعتها حتى وإن كان يختلف عن الجزاء المادي الذي تتوافر عليه باقي فروع القانون. ومن صور هذا الجزاء نذكر: الجزاء السياسي الذي يترتب على إقرار المسؤولية السياسية، ويكون بالنسبة لرئيس الجمهورية بعدم تجديد الثقة فيه عند ترشحه لعهدة أخرى، ويكون بالنسبة للحكومة بوجوب تقديم استقالتها لرئيس الجمهورية في حالة مصادقة (3/2) نواب المجلس الشعبي الوطني على ملتمس الرقابة، أو في حالة عدم موافقة النواب على لائحة الثقة التي يطلبها الوزير الأول من المجلس الشعبي الوطني. وأما بالنسبة لهذا الأخير فتكون بحل رئيس الجمهورية له مباشرة أو من خلال دعوته لانتخابات تشريعية مسبقة. ومن صور الجزاءات الدستورية نذكر أيضا:

- تدخل رئيس الجمهورية لإصدار مشروع قانون المالية في حالة تقاعس البرلمان عن المصادقة عليه في أجل (75) يوما من تاريخ إيداعه بمكتب المجلس الشعبي الوطني.  

- سقوط حق رئيس الجمهورية في إصدار القوانين التي لم يبادر بإصدارها في الآجال المحددة لذلك، ويتولى إصدارها بدلا عنه رئيس المجلس الوطني (المادة 51 من الدستور الجزائري لسنة 1963).

- إذا ارتأى المجلس الدستوري أو قرر عدم دستورية معاهدة أو نص تشريعي أو تنظيمي، فإنه لا يسمح بتطبيقه، وذلك بالامتناع عن المصادقة على المعاهدة المعنية، أو بالامتناع عن إصدار التشريع أو التنظيم المعني، وفي حالة إصداره فإنه يعتبر لاغيا بقوة الدستور ابتداء من يوم قرار المجلس الدستوري