1. مفهوم الدستور

1.1. تعريف الدستور

لقد لقي تعريف الدستور اختلافا وتباينا شديدا بين الفقه. ومرد ذلك عدم اتفاقهم على المعيار الواجب الاعتماد عليه في تعريف الدستور، هل هو: المعيار اللغوي أم المعيار الشكلي، أم هو المعيار الموضوعي ؟   

يستند التعريف اللغوي للدستور على تحديد المعنى اللغوي لمصطلح الدستور. الذي وبإجماع الفقه يعتبر مصطلحا فارسي الأصل دخل إلى اللغة العربية عن طريق الأتراك. ويقصد به التأسيس أو التكوين أو النظام. وهو ذات المدلول اللغوي لمصطلح constitution في اللغتين الفرنسية والانجليزية، ولمصطلح Constituzione في اللغة الإيطالية، ولمصطلح constitucion   في اللغة الإسبانية، وكذا لمصطلح verfassung في اللغة الألمانية.

وبناء على ذلك، فقد عرف الدستور وفقا لهذا المعيار (اللغوي) بأنه: '' مجموعة القواعد التي تنظم أسس الدولة وتحدد تكوينها '' 

غير أن ما يعاب على هذا المعيار هو أنه أعطى للدستور تعريفا واسعا يتعارض والتقاليد الأكاديمية التي استبعدت الكثير من الموضوعات التي تعتبر وفقا للمعيار اللغوي داخلة في مفهوم الدستور، على غرار مثلا: السلطة الإدارية التي تدرس ضمن القانون الإداري، والسلطة القضائية التي تدرس إجرائيا ضمن القوانين الشكلية، والجنسية التي تدرس ضمن برنامج القانون الدولي الخاص... الخ. 

ونتيجة لذلك، فإن النقاش الفقهي حول تعريف القانون الدستوري قد بات محصورا أكثر على ترجيح أحد المعيارين: الشكلي أو الموضوعي ؟ 

والدستور وفقا للمعيار الشكلي قد عرف بأنه: '' وثيقة أو مجموعة من الوثائق الرسمية الصادرة تحت هذا المسمى والمطبقة فعلا في دولة ما وفي زمن ما ''

وعلى الرغم من وضوح هذا التعريف وبساطته إذ يسهل التعرف على الدستور والرجوع إليه في هذه الحالة، إلا أنه قد عيب عليه بأنه:

- يتعارض وكون القواعد التي تتضمنها عادة الوثائق الدستورية أسبق منها في الظهور والوجود، كما هو الحال مثلا بالنسبة للقواعد المتعلقة بتحديد شكل الدولة ونظام الحكم فيها.

- لا ينطبق إلا على الدول التي لها دساتير مكتوبة دون الدول ذات الدساتير العرفية.

- يجعل القواعد التي تضمنتها وثيقة الدستور هي وحدها التي تعتبر قواعد دستورية، وهذا منتقد لأن الدستور حاليا يتضمن في الغالب قواعد غير متعلقة مباشرة بكيان الدولة ونظام الحكم فيها، وإنما تتصل بموضوعات الأصل فيها أنها خارجة عن نطاق القانون الدستوري، وإنما أريد لها أن تحظى بالسمو وأكبر حماية، سيما في مواجهة المشرع لذلك يلجأ إلى إدراجها في وثيقة الدستور، وكمثال عنها في الدستور الجزائري لسنة 1996 المعدل والمتمم نذكر: التوقيف للنظر (المادة 60) ، وواجب الآباء في العناية بأبنائهم والعكس (المادة 79).

- يخرج الكثير من القواعد التي لا تجد مصدرها في وثيقة الدستور من مصف القواعد الدستورية، وهذا على الرغم من أنها قد تنظم موضوعات ذات صلة مباشرة بإسناد السلطة السياسية وممارستها، على غرار مثلا: القواعد القانونية والتنظيمية المؤطرة لعمليات الانتخاب، وقواعد الأنظمة الداخلية للبرلمان... الخ

       وأمام هذه الانتقادات المتعددة اضطر الكثير من الفقهاء للتراجع عن الأخذ بالمعيار الشكلي، ورجحوا بدلا عنه المعيار الموضوعي.

       وذلك لأن الدستور وفقا لهذا المعيار عرف بأنه: '' مجموعة القواعد القانونية المتعلقة بالدولة والسلطة السياسية فيها، من حيث إنشائها، وتنظيمها، وإسنادها، وكيفية انتقالها وممارستها، سواء كانت تلك القواعد مكتوبة أو غير مكتوبة ''   

       وعليه، فهذا المعيار ينظر ويهتم فقط بموضوع القاعدة ومادتها ليحكم عليها بأنها قاعدة دستورية أو لا، وهذا بغض النظر عن مكان تواجدها في وثيقة الدستور أم خارجه.

       لكن ورغم ما حظي به هذا المعيار من قبول وتأييد من قبل الفقه الدستوري إلا أنه لا يزال تعترضه صعوبات في التطبيق مردها عدم اتفاق الفقهاء على ماهية الموضوعات التي يمكن القول وأنها دستورية بطبيعتها، وهذا لأنه بدون ذلك لن يكون يسيرا الحكم على قاعدة ما هل هي دستورية أم لا. 

       وعلى كل، فإن هناك موضوعات يعتبرها الفقهاء على اختلاف مذاهبهم دستورية بطبيعتها، ولذلك نجد عادة معظم دساتير العالم تنص عليها بشكل أو بآخر، وهي أساسا القواعد المتصلة:

- بشكل الدولة وممارسة سيادتها.

- بتحديد النظام الدستوري للدولة، وهذا من خلال تنظيم مؤسساتها الدستورية، وتوزيع الاختصاصات بينها، ورقابتها، وضبط العلاقات المتبادلة فيما بينها من جهة وعلاقاتها بالمواطنين من جهة أخرى.

- بحقوق وحريات المعترف بها للأفراد في الدولة، وضماناتها.

- الأسس والمبادئ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي يقوم عليها المجتمع