2. المبحث الثاني:القانون وقواعد السلوك الاجتماعي الاخرى

المبحث الثاني: القانون وقواعد السلوك الاجتماعي

المطلب الأول : تمييز القانون عن قواعد السلوك الإجتماعي الأخرى

الفرع الأول : تمييز القانون عن قواعد السلوك الإجتماعي

أولا : تمييز القانون عن الدين

         يقصد بالدين مجموعة الأحكام والأوامر والنواهي التي أقرتها الشرائع السموية والتي أنزلها الله عز وجلى على نبي أو رسول قصد تبليغها إلى الناس للعمل بها.

         يختلف القانون عن الدين في العديد من الأوجه ومن أهمها إختلافهما من حيث المصدر، المضمون، الغاية، وأخيرا الجزاء.

1-الإختلاف من حيث المصدر

         يتمثل مصدر الدين في الله عز وجلى، فهو الذي يبعث الرسائل الدينية لرسوله، في حين أن مصدر القواعد القانونية هو البشر الذي تجتهد لتنظيم العلاقات الإجتماعية.

2-الإختلاف من حيث المضمون

         يتمثل مضمون القانون في مجموعة قواعد تنظم السلوك الإجتماعية للأفراد، في حين أن الدين يتجاوز هذا النطاق ليمتد إلى مجال العبادات والأخلاق، فحتي إن يلتقي كل من القانون والدين في مجال المعاملات، إلا أن الدين يبقي أوسع وأشمل فيما يتعلق بتنظيم الحياة مقارنة بالقانون.

3-الإختلاف من حيث الغاية

         غاية الدين هي مثالية تتمثل في إرساء الإيمان باالله عز وجلى في مجال العبادات، أما في مجال الأخلاق والمعاملات فهدف الدين هو تحقيق غاية نفعية ومادية ليس للنوايا أي مكان، فغاية القانون هي تحقيق الحماية للأفراد وممتلكاتهم وتحقيق المساواة بينهم.

4-الإختلاف من حيث الجزاء

         يختلف الجزاء القانوني عن الجزاء الديني فيما يلى :

-الجزاء القانوني جزاء حال ودنيوي، في حين أن الجزاء الديني يمكن أن يكون عاجلا، أي في الحياة والاخيرة.

-الجزاء الديني يتضمن فكرة الثواب والعقاب، في حين أن الجزاء القانوني غالبا ما لا يتضمن إلا فكرة العقاب.

ثانيا: تمييز القانون عن الأخلاق

         الأخلاق هي التي يجب أن تكون المثل الأعلى للفرد في المجتمع، ويتميز القانون عن الأخلاق على ثلاث مستويات والتي هي كالأتي:

1-من حيث الغرض

غاية الأخلاق مثالية وهي السمو بالإنسان نحو الكمال، بينما القانون يسعى إلى ضبط سلوك الافراد والحفاظ على النظام العام في المجتمع.

 2-من حيث النطاق

         القواعد الأخلاقية أوسع نطاق وشمول من القواعد القانونية، حيث أن الأولى يدخل في إطارها واجب الإنسان نحو نفسه، وهي الأخلاق الشخصية، وواجب الإنسان نحو غيره، أما القانون فلا يتناول إلا الثانية أي واجب الإنسان نحو غيره وهذا هو المجال المشترك بينهما، لذلك نجد أن في أغلب القواعد القانونية هي في نفس الوقت قواعد أخلاقية كتجريم الإعتداء على جسم الغير أو أمواله أو عرضه.

3-من حيث الجزاء

         الجزاء في القاعدة القانونية هو جزاء مادي، حال وفوري تتولى السلطة العامة بتنفيذه بالقوة، في حين الجزاء الأخلاقي يتميز بكونه معنوي أدبي ينحصر في تأنيب الضمير ونفور المجتمع من مرتكبيه.

         تجدر الإشارة إلى أن غالبا ما يجتمع الجزائين في فعل واحد، فالذي يقدم على قتل شخص ما يكون محل جزاء وعقاب قانوني، كما أنه يكون محل تأنيب ضمير وإستهجان وعزل من المجتمع.

المطلب الثاني : علاقة القانون بالعلوم الإجتماعة الأخرى

الفرع الأول: علاقة القانون بعلم الإجتماع

         يتمثل موضوع علم الإجتماع في دراسة الظواهر الإجتماعيىة ومتابعة سلوك الإنسان في المجتمع، فالقانون يعتمد على علم الإجتماع للتعرف على الحقائق والظواهر الإجتماعية ليتمكن من تنظيمها ووضع قواعد سلوك تتلائم و تتماشي مع البيئة الإجتماعية التي وضعت من أجلها.

         إن إستعانة القانون بالعلوم الإجتماعية بهدف تحقيق التوافق بين أحكامه والميول السائدة في البيئة الإجتماعية، غير أن هذه الإستعانة ليست مطلقة بل نسبية، كون أنه في بعض الأحيان يتخذ موقف المقاومة لمظاهر الإنحراف التي تشوب المجتمع عن طريق وضع القواعد القانونية الكفيلة بتجريم الإنحراف، وفي هذا الصدد يلعب قانون العقوبات دورا أساسيا للقضاء على مختلف الأفات التي تمس المجتمع.

الفرع الثاني: علاقة القانون بعلم السياسة

         للقانون صلة وثيقة بعلم السياسة، كون أن القانون هو الذي يوضح طبيعة النظام السياسي للحكم السائد في المجتمع، ويحدد السلطات المختلفة في الدولة من تشريعة، تنفيذية، وقضائية، ويبين العلاقة بينهما، كما أن القانون هو الذي يكرس الحقوق السياسية للأفراد.

         ينعكس الإتجاه السياسي الذي يتخذه أي بلد على المنظومة القانونية السائدة فيه، فالقانون يتأثر بالسياسة عندما يتغير شكل المجتمع، فالأنظمة القانونية تختلف بين النظامين الليبيرالي والإشتراكي، فحق الملكية مثلا يعتبر مطلق في النهج الرأسمالي، في حين أن في النهج الإشتراكي يعتبر ذي وظيفة إجتماعية.

         تجدر الإشارة إلى أنه فيما يتعلق بتطبيق القانون، فإنه يحدث أن يكون تعارض بين الإتجاه السياسي السائد في الدولة وبين نصوص القانون، الأمر الذي يضع القضاة في موقف حرج، فإما أن يحترموا هذه النصوص أو ينحرفوا عنها مراعاة للإعتبارات السياسية، وفي هذه الحالة يتعين أن يكون القاضي موضوعيا لأنه رجل قانون لا رجل سياسي.

الفرع الثالث : علاقة القانون بعلم الإقتصاد

         علم الإقتصاد هو مجموعة النظم التي تحكم النشاط الإقتصادي في مظاهره المختلفة من إنتاج وتوزيع وإستهلاك أو هو العلم الذي يهتم بخلق وتداول الثروة في المجتمع، فهو بذلك وثيق الصلة بالقانون الذي يهدف إلى تنظيم علاقات الأفراد في المجتمع.

         إن للنزعة الإقتصادية السائدة في المجتمع أثار على القواعد القانونية المختلفة الضابطة للمجتمع، فمذهب الإقتصاد الحر يؤدي إلى إطلاق حق الملكية وحرية التداول، في حين أن المذهب الإشتراكي يؤدي إلى التضييق من حق الملكية وفرض قواعد صارمة تنظم العقود بمختلف أنواعها.

         يأثر القانون على الإقتصاد من خلال تدخل الدولة عبر سن نصوص قانونية لتوجيه العملية الإنتاجية بما يخدم المصلحة الوطنية، إضافة إلى أن القانون يدخل لتنظيم العملية الإستهلاكية كتشجيع إستهلاك المنتوج الوطني على حساب المنتوج المستورد، وللقانون أيضا دور في توزيع الثروة، ويظهر ذلك حينما تقدم الدولة إلى رفع الأجر الوطني الأدنى المضمون SNMG، حفاظا على القدرة الشرائية للمواطن، وأخيرا فإن القانون يتدخل في جميع المجالات الإقتصادية عن طريق فرض الضرائب والرسوم.

         إن عملية التداخل بين القانون والإقتصاد لا تقف عند هذا الحد بل مثلما يؤثر القانون على الإقتصاد فإن هذا الأخير أيضا يؤثر في القانون، بإعتبار أن التقدم العلمي والتكنولوجي أدى إلى تنوع أوجه النشاط الإقتصادي، الأمر الذي يستدعي وضع القواعد القانونية الكفيلة تحكمه وتنظمه، ومن أمثلة ذلك عقود التأمين، مجال الإتصالات السلكية واللاسلكية...إلخ