ماهية القانون

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: مدخل للعلوم القانونية
Livre: ماهية القانون
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Saturday 23 November 2024, 09:42

1. المبحث الاول: الاطار المفاهيمي للقانون

المحاضرة الأولى : ماهية القانون

 

المبحث الأول : الاطار المفاهيمي للقانون

المطلب الأول : تعريف القانون

الفرع الأول :معاني القانون

         القانون لغة يفيد النظام والإستقرار، وهو لفظ دخيل على اللغة العربية، يرجع أصله إلى الكلمة اليونانية KANUN، و التي تعني العصا المستقيمة، اي أنه في المجال القانوني يتم إستخدام هذه الكلمة لقياس مدى إحترام الأفراد لما تملي به القاعدة القانونية، فإذا ساروا وفقا لمقتضياتها كان سلوكهم مستقيما كالعصا، وإن تمردوا عنها كان سلوكهم منحرفا غير مستقيم.

         تتضمن كلمة قانون في مجال العلوم القانونية معنيين أساسيان يتمثلان في المعنى العام والمعنى الخاص :

أولا : المعنى العام للفظ القانون

         يقصد بالمعنى العام لكلمة قانون، مجموعة القواعد القانونية التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع وتنظم علاقاتهم في المجتمع على نحو ملزم، تسهر الدولة على فرضها، سواءا كانت هذه القواعد مكتوبة أم غير مكتوبة، وذلك دون إعتبار لمصدر هذه القواعد.

        يتم التعبير عن القانون بمعناه العام بعبارة "القانون الوضعي"، التي تقابلها في اللغة الفرنسية عبارة Droit Positif ، أي مجموع القواعد القانونية السارية المفعول في بلد معين وفي زمن محدد، فالقانون الوضعي الجزائري يتمثل في مجموعة القواعد القانونية السرية المفعول حاليا في الجزائر.

ثانيا :المعنى الخاص للفظ القانون

         يتعين التمييز بين حالتين عند التطرق إلى المعنى الخاص للقانون :

-الحالة الأولى : تستعمل كلمة "قانون" في معنى التشريع، و معنى ذلك يتمثل في مجموعة القواعد القانونية المكتوبة التي تضعها السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة في مجال معين من مجالات الحياة الإجتماعية، وعلى سبيل المثال قانون المحاماة، قانون التوثيق...إلخ.

-الحالة الثانية : تستعمل كلمة القانون في معنى التقنين Code، أي على فرع من فروع القانون، ويقصد به مجموعة النصوص القانونية التي تنظم فرعا من فروع القانون، فيقال مثلا التقنين المدني Code Civile، التقنين التجاري Code Commercial...إلخ.

الفرع الثاني: تعريف الفقه للقانون

         اعتمد فقهاء القانون على ثلاثة معايير أساسية لتعريف القانون تتمثل في معيار الغاية، معيار الجزاء، وأخيرا معيار خصائص القاعدة القانونية.

أولا: الغاية كأساس لتعريف القانون

         عرف هذا الإتجاه القانون أنه " مجموعة القواعد الملزمة التي تنظم علاقات الأشخاص في المجتمع تنظيما عادلا يكفل حريات الأفراد ويحقق الخير العام".

         يعاب على هذا التعريف ما يلى :

-أن فكرة الخير العام ليست ثابتة ومحددة، بل نسبية ومتغيرة.

-أن غاية القانون هي فكرة قابلة للنقاش، ومحاولة حصرها في تعريف القانون من شأنها أن تؤدي إلى جدل وتناقض.

ثانيا: الجزاء كأساس لتعريف القانون

         وضع فريق اخر من الفقهاء تعريفا للقانون على أساس الجزاء، فإعتبروا أن " القانون هو مجموعة القواعد العامة الجبرية التي تصدر عن إرادة الدولة وتنظم سلوك الأشخاص الخاضعين لهذه الدولة أو الداخلين في تكوينها".

         يشوب هذا التعريف نقائص جعلت غالبية الفقه يستبعده، وذلك للأسباب التالية :

-لا تصدر كل القواعد القانونية عن إرادة الدولة كالدين.

-القاعدة القانونية موجودة قبل تدخل الجزاء، فهذا الأخير لا يتدخل إلا في حالة مخالفة الأفراد للقاعدة 

المطلب الثاني: أهمية القانون و دور القانون في ضبط نشاط الأشخاص

الفرع الاول: تدخل القانون لضبط نشاط الأفراد في ظل المذهب الفردي

       يمثل هذا المذهب فلاسفة القرن 18، من بينهم E.KANT،J.J.ROUSSEAU ، A.SMITH.

         يرى هذا المذهب أن الفرد هو المحور الأساسي لوجود القانون، فالفرد حسب هذا التوجه لا يستمد وجوده وحقوقه من المجتمع، بل المجتمع هو الذي يستمد وجوده من الفرد، فهذا الأخير مستقل وله حقوق طبيعية لا يمنحها القانون له بل هي موجودة قبل وجود القانون نفسه.

         يتمثل دور القانون حسب هذا الإتجاه في حماية الحرية الفردية للأشخاص عن طريق وضع القواعد الكفيلة بوضع حد للتناقضات بين حريات الأشخاص والتداخل فيما بينها، فالقانون يفرض على الأفراد أحكام تقضي بعدم الإضرار بالغير لكن دون التدخل لفرض منطق التضامن الإجتماعي.

         ساهم هذا المذهب في تقديس الحرية الفردية للإنسان وتحريره من أنظمة الحكم الإستبدادية التي كانت سائدة في أوروبا في القرون الوسطى (Période Médiévale)، مما أدي إلى تشجيع النشاط الفردي وتحرير روح الإبداع والإبتكار لديهم.

         تكمن نقطة ضعف هذا الإتجاه في كونه أنه أنكر ما للمجتمع من حقوق على الفرد، وهذا ما من شأنه أن يؤدي إلى إغلاب المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة، حيث أن المبالغة في تجميد الحريات الفردية يؤدي لا محالة إلى تفاوت طبقي في المجتمع تفرض فيه فئة قليلة منطقها على أغلبية أفراد المجتمع.

الفرع الثاني: تدخل القانون لضبط نشاط الأشخاص في ظل المذهب الإشتراكي

         يمثل هذا الإتجاه المفكر والفيلسوف K.Marx، ويرى هذا المذهب أن المجتمع هو المحور الأساسي لوجود القانون، ولا يرى إلى الفرد إلا كجزء من المجتمع، حيث يكون هذا الفرد متضامنا مع الأفراد الأخرين بهدف تحقيق المصلحة العامة، وذلك بإعتبار الإنسان كائن إجتماعي بالفطرة، وبذلك فإن مصلحة الفرد لا توجد ولا تتحقق إلا من خلال مصلحة الجماعة.

         يتسع دور القانون في إطار هذا المذهب ليشمل ضبط كل مجالات الحياة الإجتماعية، إقتصاديا، سياسيا وثقافيا، وذلك لمنع الظلم والإستغلال الذي قد تفرضه الأقلية المالكة للمال على الأغلبية الممثلة لفئة العمال.

         إن وظيفة الدولة من منظور هذا المذهب يتميز بالشمولية، فدورها يتجاوز الحفاظ على النظام وسيادة الأمن، ليمتد إلى توجيه النشاط الإقتصادي والحد من حرية الأفراد في هذا المجال بالقدر يكون كفيلا بتحقيق العدل الإجتماعي.

         تتمثل محاسن هذا الإتجاه في كونه أنه يقضي على طغيان الأقوياء على الضعفاء، ويصبو إلى التوزيع العادل للثروات عن طريق تدخل الدولة في شتي الميادين، وفرض القانون لمبدأ الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج.

         إن هذا النظام لا يخلو من مساوىء بإعتبار أنه يؤدي إلى إستبداد السلطة العامة التي تجعل من القانون وسيلة لسحق حرية الأفراد وتجريده من مقاومته المعنوية الأساسية، حيث غالبا ما توصف الأنظمة الإشتراكية بالديكتاتورية والسلطوية، وهذا ما من شأنه أن ينعكس سلبا على روح الإبتكار لدى الفرد وخلق الخمول واللامبالاة لديه، بسب إنعدام الحوافز الشخصية، وهذا لا يكون إلا ذات إنعكاس سلبي على المصلحة العامة.

2. المبحث الثاني:القانون وقواعد السلوك الاجتماعي الاخرى

المبحث الثاني: القانون وقواعد السلوك الاجتماعي

المطلب الأول : تمييز القانون عن قواعد السلوك الإجتماعي الأخرى

الفرع الأول : تمييز القانون عن قواعد السلوك الإجتماعي

أولا : تمييز القانون عن الدين

         يقصد بالدين مجموعة الأحكام والأوامر والنواهي التي أقرتها الشرائع السموية والتي أنزلها الله عز وجلى على نبي أو رسول قصد تبليغها إلى الناس للعمل بها.

         يختلف القانون عن الدين في العديد من الأوجه ومن أهمها إختلافهما من حيث المصدر، المضمون، الغاية، وأخيرا الجزاء.

1-الإختلاف من حيث المصدر

         يتمثل مصدر الدين في الله عز وجلى، فهو الذي يبعث الرسائل الدينية لرسوله، في حين أن مصدر القواعد القانونية هو البشر الذي تجتهد لتنظيم العلاقات الإجتماعية.

2-الإختلاف من حيث المضمون

         يتمثل مضمون القانون في مجموعة قواعد تنظم السلوك الإجتماعية للأفراد، في حين أن الدين يتجاوز هذا النطاق ليمتد إلى مجال العبادات والأخلاق، فحتي إن يلتقي كل من القانون والدين في مجال المعاملات، إلا أن الدين يبقي أوسع وأشمل فيما يتعلق بتنظيم الحياة مقارنة بالقانون.

3-الإختلاف من حيث الغاية

         غاية الدين هي مثالية تتمثل في إرساء الإيمان باالله عز وجلى في مجال العبادات، أما في مجال الأخلاق والمعاملات فهدف الدين هو تحقيق غاية نفعية ومادية ليس للنوايا أي مكان، فغاية القانون هي تحقيق الحماية للأفراد وممتلكاتهم وتحقيق المساواة بينهم.

4-الإختلاف من حيث الجزاء

         يختلف الجزاء القانوني عن الجزاء الديني فيما يلى :

-الجزاء القانوني جزاء حال ودنيوي، في حين أن الجزاء الديني يمكن أن يكون عاجلا، أي في الحياة والاخيرة.

-الجزاء الديني يتضمن فكرة الثواب والعقاب، في حين أن الجزاء القانوني غالبا ما لا يتضمن إلا فكرة العقاب.

ثانيا: تمييز القانون عن الأخلاق

         الأخلاق هي التي يجب أن تكون المثل الأعلى للفرد في المجتمع، ويتميز القانون عن الأخلاق على ثلاث مستويات والتي هي كالأتي:

1-من حيث الغرض

غاية الأخلاق مثالية وهي السمو بالإنسان نحو الكمال، بينما القانون يسعى إلى ضبط سلوك الافراد والحفاظ على النظام العام في المجتمع.

 2-من حيث النطاق

         القواعد الأخلاقية أوسع نطاق وشمول من القواعد القانونية، حيث أن الأولى يدخل في إطارها واجب الإنسان نحو نفسه، وهي الأخلاق الشخصية، وواجب الإنسان نحو غيره، أما القانون فلا يتناول إلا الثانية أي واجب الإنسان نحو غيره وهذا هو المجال المشترك بينهما، لذلك نجد أن في أغلب القواعد القانونية هي في نفس الوقت قواعد أخلاقية كتجريم الإعتداء على جسم الغير أو أمواله أو عرضه.

3-من حيث الجزاء

         الجزاء في القاعدة القانونية هو جزاء مادي، حال وفوري تتولى السلطة العامة بتنفيذه بالقوة، في حين الجزاء الأخلاقي يتميز بكونه معنوي أدبي ينحصر في تأنيب الضمير ونفور المجتمع من مرتكبيه.

         تجدر الإشارة إلى أن غالبا ما يجتمع الجزائين في فعل واحد، فالذي يقدم على قتل شخص ما يكون محل جزاء وعقاب قانوني، كما أنه يكون محل تأنيب ضمير وإستهجان وعزل من المجتمع.

المطلب الثاني : علاقة القانون بالعلوم الإجتماعة الأخرى

الفرع الأول: علاقة القانون بعلم الإجتماع

         يتمثل موضوع علم الإجتماع في دراسة الظواهر الإجتماعيىة ومتابعة سلوك الإنسان في المجتمع، فالقانون يعتمد على علم الإجتماع للتعرف على الحقائق والظواهر الإجتماعية ليتمكن من تنظيمها ووضع قواعد سلوك تتلائم و تتماشي مع البيئة الإجتماعية التي وضعت من أجلها.

         إن إستعانة القانون بالعلوم الإجتماعية بهدف تحقيق التوافق بين أحكامه والميول السائدة في البيئة الإجتماعية، غير أن هذه الإستعانة ليست مطلقة بل نسبية، كون أنه في بعض الأحيان يتخذ موقف المقاومة لمظاهر الإنحراف التي تشوب المجتمع عن طريق وضع القواعد القانونية الكفيلة بتجريم الإنحراف، وفي هذا الصدد يلعب قانون العقوبات دورا أساسيا للقضاء على مختلف الأفات التي تمس المجتمع.

الفرع الثاني: علاقة القانون بعلم السياسة

         للقانون صلة وثيقة بعلم السياسة، كون أن القانون هو الذي يوضح طبيعة النظام السياسي للحكم السائد في المجتمع، ويحدد السلطات المختلفة في الدولة من تشريعة، تنفيذية، وقضائية، ويبين العلاقة بينهما، كما أن القانون هو الذي يكرس الحقوق السياسية للأفراد.

         ينعكس الإتجاه السياسي الذي يتخذه أي بلد على المنظومة القانونية السائدة فيه، فالقانون يتأثر بالسياسة عندما يتغير شكل المجتمع، فالأنظمة القانونية تختلف بين النظامين الليبيرالي والإشتراكي، فحق الملكية مثلا يعتبر مطلق في النهج الرأسمالي، في حين أن في النهج الإشتراكي يعتبر ذي وظيفة إجتماعية.

         تجدر الإشارة إلى أنه فيما يتعلق بتطبيق القانون، فإنه يحدث أن يكون تعارض بين الإتجاه السياسي السائد في الدولة وبين نصوص القانون، الأمر الذي يضع القضاة في موقف حرج، فإما أن يحترموا هذه النصوص أو ينحرفوا عنها مراعاة للإعتبارات السياسية، وفي هذه الحالة يتعين أن يكون القاضي موضوعيا لأنه رجل قانون لا رجل سياسي.

الفرع الثالث : علاقة القانون بعلم الإقتصاد

         علم الإقتصاد هو مجموعة النظم التي تحكم النشاط الإقتصادي في مظاهره المختلفة من إنتاج وتوزيع وإستهلاك أو هو العلم الذي يهتم بخلق وتداول الثروة في المجتمع، فهو بذلك وثيق الصلة بالقانون الذي يهدف إلى تنظيم علاقات الأفراد في المجتمع.

         إن للنزعة الإقتصادية السائدة في المجتمع أثار على القواعد القانونية المختلفة الضابطة للمجتمع، فمذهب الإقتصاد الحر يؤدي إلى إطلاق حق الملكية وحرية التداول، في حين أن المذهب الإشتراكي يؤدي إلى التضييق من حق الملكية وفرض قواعد صارمة تنظم العقود بمختلف أنواعها.

         يأثر القانون على الإقتصاد من خلال تدخل الدولة عبر سن نصوص قانونية لتوجيه العملية الإنتاجية بما يخدم المصلحة الوطنية، إضافة إلى أن القانون يدخل لتنظيم العملية الإستهلاكية كتشجيع إستهلاك المنتوج الوطني على حساب المنتوج المستورد، وللقانون أيضا دور في توزيع الثروة، ويظهر ذلك حينما تقدم الدولة إلى رفع الأجر الوطني الأدنى المضمون SNMG، حفاظا على القدرة الشرائية للمواطن، وأخيرا فإن القانون يتدخل في جميع المجالات الإقتصادية عن طريق فرض الضرائب والرسوم.

         إن عملية التداخل بين القانون والإقتصاد لا تقف عند هذا الحد بل مثلما يؤثر القانون على الإقتصاد فإن هذا الأخير أيضا يؤثر في القانون، بإعتبار أن التقدم العلمي والتكنولوجي أدى إلى تنوع أوجه النشاط الإقتصادي، الأمر الذي يستدعي وضع القواعد القانونية الكفيلة تحكمه وتنظمه، ومن أمثلة ذلك عقود التأمين، مجال الإتصالات السلكية واللاسلكية...إلخ