2. المبحث الثاني الرقابة على أعمال المجلس البلدي

2.1. المطلب الأول/ التصديـق

يُعتبر التصديق من بين مظاهر الرقابة الإدارية التي تمارسها سلطة الوصاية على أعمال المجلس الشعبي البلدي.

  • ·       مفهومه

 ويُقصد به العمل القانوني الصادر من السلطة الوصائية والذي تقرر بمقتضاه أن مداولة المجلس الشعبي البلدي لا تخالف القانون ولا تتعارض مع المصلحة العامة، ومن ثمة يجوز تنفيذها.

كما يُقصد بالتصديق أيضا أنه إجراء قانوني لاحق للعمل الذي قامت به الهيئة المحلية، وهو في نفس الوقت سابق على التنفيذ أي أن التصديق يعطي للعمل صلاحية التنفيذ، وقد عرّفه الدكتور/ "صالح فؤاد" بأنه الإجراء الذي بمقتضاه يجوز لجهة الوصاية أن تقرّر بأن عمل معين صادر عن جهة إدارية لا مركزية يمكن أن يوضع موضع التنفيذ أي قابل للتنفيذ، على أساس عدم مخالفة أي قاعدة قانونية أو المساس بالمصلحة العامة، وعليه فالتصديق كإجراء تقوم به سلطة الوصاية يلعب دورا هاما في تنفيذ قرارات المجلس الشعبي البلدي، لذلك فقرارات المجلس تعتبر قرارات مكتملة العناصر، إلا أنها تبقى تحتاج إلى تصديق السلطة الوصيّة والمتمثلة في الوالي، ويأخذ التصديق في التشريع الجزائري أحد الصورتين إما تصديق ضمني أو تصديق صريح:

أولا/ التصديق الضمني

جاء في نص المادة (56) من قانون البلدية (11/10): «مع مراعاة أحكام المواد             (57)و(59) و(60) أدناه، تُصبح مداولات المجلس الشعبي البلدي قابلة للتنفيذ بقوة القانون بعد 21 يوما من تاريخ إيداعها بالولاية» حيث يتبيّن من خلال نص المادة أن المشرّع جعل كقاعدة عامة أن مداولات المجلس الشعبي البلدي قابلة للتنفيذ فلا تحتاج إلا لمصادقة ضمنية وذلك بإستيفاء الأجل القانوني وهو 21 يوما من تاريخ إيداعها بالولاية، فبعد مرور هذه المدة تُصبح هذه المداولة نافذة وكأن سلطة الوصاية قد صادقت على تلك المداولة ضمنيًا، مع مراعاة في كل الحالات أحكام المواد المذكورة أعلاه، أي بإستثناء المداولات التي تتطلب مصادقة صريحة أو التي تكون باطلة أو قابلة للإبطال.

وتعني المصادقة الضمنية في هذه الحالة هو سكوت جهة الوصاية، وعدم إتخاذها لأي موقف بخصوص المداولة المعروضة عليها، فهذا السكوت من طرف الوالي يُعتبر موافقة على عمل المجلس الخاضع لرقابته، حيث بعد إنتهاء المجلس الشعبي البلدي من المداولات يقوم بإيداعها بالولاية حتى تقوم سلطة الوصاية والممثلة في الوالي بتفحص هذه المداولات والتمعّن في مدى مطابقتها للقانون ومن ثمة إبداء رأيه فيها، فإن إنتهى الأجل القانوني الممنوح لسلطة الوصاية وهو حسب نص المادة (56) منه محددا بـ 21 يومًا من دون التصديق أو الرفض تعتبر المداولة نافذة ويُعتبر سكوت الوالي مصادقة ضمنية، وعليه فالتصديق الضمني هو التزام جهة الوصاية السكوت حتى نهاية الأجل، وبذلك يكون المشرّع قد وضع قاعدة عامة تتمثل في جعل المداولة قابلة للتنفيذ بقوة القانون بعد إستيفاء آجال التصديق المقررة بـ 21 يوما من تاريخ إيداعها بالولاية، وما يُمكن أن نستنتجه من نص المادة (56) هو:

إن وضع المشرّع لقيد زمني لسلطة الوصاية لأجل المصادقة على المداولة فيه ضمانة للمجلس البلدي، ذلك أن مرور الأجل القانوني المحدّد دون أي إجراء من الوالي يكسب هذه المداولة حصانة ويجعلها قابلة للتنفيذ، وهي نتيجة تعتبر كجزاء على عدم قيام سلطة الوصاية بمهامها، وحسنا فعل المشرّع بتحديد هذا القيد الزمني لمدة معينة وهي 21 يوما إذ لا يُعقل أن يبقى الأجل مفتوحا من دون حصر وإلا بقيت المداولات معلقة رهن التصديق.

كذلك جاءت المادة (56) من قانون البلدية (11/10) مختلفة بعض الشيء عما كانت عليه في نص المادة (41) من قانون البلدية (90/08)، وخاصة من حيث ميعاد التصديق، حيث كانت مدّة التصديق في قانون البلدية السابق 15 يوما، أما في القانون الحالي هي 21يوما، ويُلاحظ أن المشرّع قد زاد من المدة ولعل العبرة في ذلك هو حتى يمنح لسلطة الوصاية الوقت الكافي لأجل مراقبة مدى شرعية ومطابقة المداولة للقانون.

والجدير بالذكر أن نص المادة (56) من قانون البلدية (11/10) كان محل تعديل من طرف لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات بالمجلس الشعبي الوطني، حيث كانت صيغة النص لأول مرة كما يلي:« مع مراعاة أحكام المواد (60) و(62) و(63) أدناه، تُصبح مداولات المجلس الشعبي البلدي قابلة للتنفيذ بقوة القانون بعد 21 يوما من تاريخ إيداعها بالولاية. خلال هذه الفترة يُدلي الوالي برأيه أو قراره فيما يخص شرعية وصحة المداولات».

إلا أن هذه الصياغة تم إسقاطها واعتمد نص المادة (56) بصيغتها الجديدة في قانون البلدية الحالي، ويلاحظ أن صيغة المادة التي تم إسقاطها مماثلة لنص المادة (41) في القانون (90/08) والتي طُرحت في وقت سابق عن الجدل القائم حول صلاحيات الوالي في إعطاء رأي أو إصدار قرار، وما القيمة القانونية لكل منهما، ومن ثمة اعتمدت المادة (56) وحسنا فعل المشرّع بحذف عبارة الرأي والقرار.

إلا أنه وعند التمعن وقراءة نص المادة (56) قراءة ثانية نتساءل حول مدى سلطة الوالي في رقابة مداولات المجلس من خلال التصديق أي بمعنى هل سلطته مقيّدة أم تقديرية؟ فبالرجوع إلى نص المادة (41) من قانون البلدية (90/08) نجدها قد قيّدت سلطة الوالي في مراقبة مداولات المجلس الشعبي البلدي حيث جاء فيها: «... يدلي الوالي برأيه أو قراره فيما يخص شرعية القرارات المعنية وصحتها».

تعتبر صياغة هذه المادة أكثر ضبطا في بعض جوانبها خاصة من حيث مدى سلطة الوالي في رقابة شرعية المداولة، من نص المادة (56) من قانون البلدية (11/10)، والتي ترك فيها المشرّع كامل السلطة للوالي في اتخاذ ما يراه مناسبا تجاه مداولات المجلس، ومن ثمة فإذا رأى الوالي أن مداولات المجلس الشعبي البلدي مخالفة للقانون فإنه يطبق بشأنها أحكام نص المواد (59) و(60).

ثانيا/ المصادقة الصريحة

كقاعدة عامة إن مداولات المجلس الشعبي البلدي نافذة إلا ما إحتاج منها إلى تصديق من طرف سلطة الوصاية أو الجهة المشمولة بوصايتها، وهو ما يُعبّر عنه بالتصديق الصريح وهو أن تصرّح جهة الوصاية و الممثلة في شخص الوالي بقبول تنفيذ قرارات المجالس المحلية البلدية، فالأصل في قرارات المجلس البلدي أنها نافذة بذاتها بإستثناء القرارات التي أخضعها المشرّع لتصديق صريح من طرف سلطة الوصاية الإدارية.

وهذا ما ذهب إليه المشرّع الجزائري في قانون البلدية (11/10) من خلال نص المادة (57) والتي جاء فيها «لا تُنفّذ إلا بعد المصادقة عليها من الوالي:

-       الميزانيات

-       قبول الهبات

-       اتفاقيات التوأمة

-       التنازل عن الأملاك العقارية البلدية»

وعليه فالمشرّع جعل من بعض مداولات المجلس الشعبي البلدي لا تنفذ مباشرة إلا بعد أن يتم التصديق عليها بشكل صريح من طرف الوالي الذي يعتبر صاحب الإختصاص في التصديق على مثل هذه المداولات.

 وحسنا فعل المشرّع عندما قام من خلال نص المادة (57) بحصر المجالات والمواضيع التي تخضع مداولاتها للمصادقة الصريحة من طرف الوالي، وهذا نظرا لأهمية هذه المواضيع مثل الميزانية والهبات والأملاك العقارية البلدية، فأخضعها بذلك لرقابة الوالي وإشترط في تنفيذها المصادقة الصريحة.

وعليه فالتصديق لا يعدو إلا أن يكون عملا إداريا متميزا ومنفصلا عن العمل المركزي المشمول بتصديق جهة الوصاية، بمعنى أن الجهة الوصية لا تعتبر شريكة في إصدار العمل اللامركزي، ومن ثمة فإن قرار التصديق لا يُتخذ ولا يندمج مع قرار الجهة اللامركزية، ولا يجوز إعتبار جهة الوصاية جزءً لا يتجزأ من إرادة الهيئة اللامركزية، فالتصديق الصريح بهذا المعنى هو مجرد موافقة جهة الوصاية على مداولات المجالس المحلية، أي أنه أمر بالتنفيذ لما صدر عن هذه المجالس من قرارات.

وتبقى سلطة الوالي وهو يمارس إجراء الرقابة تتوقف على التصديق أو عدم التصديق أي الإلغاء، فلا تتعداها إلى تعديل في قرار المجلس لأن قرار المجلس مكتمل العناصر أي أن القرار قائم وتام ولا يحتاج إلا للتصديق من قِبَل الوالي، أي لا يحتاج إلا إلى الصيغة التنفيذية منه. كما لا تملك سلطة التصديق إلا أن تصادق على هذا القرار جملة وتفصيلا وإن رفضت المصادقة فيجب أن يكون قرار الرفض مسبّبا.

وكما سبق الذكر أن المواضع التي أخضع المشرّع مداولاتها للمصادقة الصريحة من قبل الوالي تكتسي أهمية بالغة، فالبلدية بإعتبارها جماعة قاعدية لا مركزية هدفها رعاية الشؤون المحلية، وذلك من خلال تقديم الخدمة للجمهور وتحقيق المصلحة العامة وتلبية الحاجات الأساسية للسكان، وهذا ما يتطلّب منها وجود أموال تُضبط في إطار ما يسمى الميزانية، وهي عبارة عن كشف توقعات خاصة بالنفقات والإيرادات السنوية، لذا اشترط المشرّع لتنفيذ المداولة الخاصة بالميزانية والحسابات مصادقة صريحة من الوالي لأن مسألة الميزانية تتعلق بالمال العام، ولعل الهدف من ذلك حتى يتم صرف النفقات أو بمعنى آخر أن يتم إعداد الميزانية طبقا للقانون ووفقا لما هو مسطر من برامج وأهداف، ونفس الشيء بالنسبة لقبول الهبات والوصايا الأجنبية، لأن هذا الأمر يستوجب التحقيق من مصدر الهبة حتى يتم التأكد من أي شبهة قد تطال المجلس الشعبي البلدي، خاصة وأن الهبات والوصايا تعتبر من مصادر التمويل الخارجية للبلدية، وبذلك يكون المشرّع أصاب عندما أخضع مثل هذه المداولة لمصادقة الوالي الصريحة، بالإضافة إلى الموافقة المسبقة من طرف الوزير المكلّف بالداخلية، لأن هذه الوصايا والهبات سوف تدخل في ميزانية البلدية، وتُصبِح ضمن الأموال العمومية وهذا ما يستدعي المحافظة عليها وحمايتها من كل أوجه الفساد، خاصة وأن الواقع العملي أثبت زيادة عدد قضايا الفساد الذي طال المال العام.

أما فيما يتعلق بإتفاقيات التوأمة فيقصد بها إتفاقا يُبرَم ما بين البلديات لأجل تضافر الجهود والتعاون في مختلف المجالات، الإقتصادية، الثقافية، الإجتماعية وغيرها من المجالات، وعادة ما تشمل هذه الإتفاقيات على بعض النقاط التي تحدّد مدى وشكل التعاون من حيث تبادل الخبرات والحلول المناسبة، وترمي إلى تحقيق التنمية المحلية مع الأخذ في الحسبان الانسجام مع السياسة العامة للبلاد.

أما بالنسبة للتنازل عن الأملاك العقارية البلدية فيشترط لأجل تنفيذ مداولاتها المصادقة الصريحة للوالي، وهذا أمر جد طبيعي عندما يتعلق الأمر بأملاك البلدية.

وتجدر الإشارة إلى أن نص المادة (57) من قانون البلدية (11/10) قد تم تعديلها بعد ملاحظات واقتراحات اللجنة القانونية والإدارية والحريات بالمجلس الشعبي الوطني قد ورد في نص المادة (60) من مشروع القانون: «لا تنفذ إلا بعد المصادقة عليها من طرف الوالي، المداولات المتضمنة ما يلي:

-       الميزانيات والحسابات وكل النفقات بما فيها تلك الممولة بمساهمة نهائية للدولة.

-       القروض.

-       التنازل عن ممتلكات البلدية.

-       مخطط تسيير المستخدمين.

-       إنشاء المصالح والمؤسسات العمومية البلدية.

-       المناقصات والصفقات.

-       عقود البرامج أو الصفقات.

-       الطلبيات المتعلقة بتفويض تسيير المرافق العامة.

-       منح إمتيازات المرافق العامة البلدية وتقويضها.

-       قبول الهبات والوصايا الأجنبية وسحب الثقة».

ومن خلال إستقرائنا لنص هذه المادة، نلاحظ أنه قد تم إسقاط بعض المواضيع التي كانت في مشروع القانون خاضعة للمصادقة الصريحة لجهة الوصاية والتي تتمثل في الوالي.

وبالرجوع إلى نص المادة (42) من قانون البلدية (90/08) ومقابلتها بنص المادة (57) من قانون البلدية (11/10) نجد أن المشرّع قد زاد من صلاحيات سلطة الوصاية ووسّع من دائرة الرقابة من خلال عدد المواضيع الخاضعة للمصادقة الصريحة من طرف الوالي، لأنه في ظل قانون البلدية (90/08) كانت المداولات التي تتطلب مصادقة صريحة من سلطة الوصاية تتمثل في:

-       الميزانيات والحسابات.

-       مسألة إحداث مصالح أو مؤسسات عمومية بلدية.

إلا أنه قد يسأل سائل عن مصير المداولات التي أودعت لدى الولاية لأجل أن تتم المصادقة عليها من طرف سلطة الوصاية والمتمثلة في الوالي، ونقصد هنا بالمصادقة الصريحة غير أن الوالي لم يصدر قرار المصادقة بشأنها !

في هذه الحالة وطبقا لنص المادة (58) من قانون البلدية والتي جاء فيها:«عندما يخطر الوالي قصد المصادقة الحالات المنصوص عليها في المادة (57) أعلاه، ولم يعلن قراره خلال مدة ثلاثين (30) يوما ابتداءً من تاريخ إيداع المداولة بالولاية، تعتبر هذه الأخيرة مصادق عليها».

وعليه فإذا لم يصادق الوالي على المداولات التي تتطلب منه مصادقة صريحة حتى يتم تنفيذها، وذلك خلال مدة زمنية محددة بـ 30 يوما يبدأ سريانها من يوم إيداعها بالولاية، فإن هذه المداولة تعتبر نافذة أي مصادق عليها، ويعني هذا أن المداولة تنفذ بقوة القانون، وحسنا فعل المشرّع عندما ضبط الوالي بمدة زمنية محددة لأجل المصادقة على هذا النوع من المداولات، ويعتبر القيد الزمني الذي فرضه على سلطة الوصاية أحد الضمانات الهامة ضد أي تعسّف من الوالي، لأنه إذا لم يقيّد المشرّع الوالي بهذه المدة والمقدرة بـ 30 يوما وترك آجال التصديق مفتوحة قد يؤدي هذا إلى طول أمد تنفيذ المداولة، مما يدخلها طي النسيان، وكذلك يعتبر فوات 30 يوما من دون أن تتخذ السلطة الوصية أي إجراء تجاه المداولة يجعلها نافذة بقوة القانون كجزاء على هذا السكوت.

وما يستشف مما سبق ذكره أن المشرّع الجزائري جعل من المصادقة قاعدة عامة وليس استثناءً، ذلك أن مداولات المجلس الشعبي البلدي سواءً التي نصّت عليها المادة (56) أوالمادة (57) تخضع لمصادقة الوالي سواءً عن طريق التصديق الضمني أو الصريح وهذا ما قد يؤثر على استقلالية المجلس الشعبي البلدي.