محتوى المحاضرة

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: التنظيم الإداري
Livre: محتوى المحاضرة
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Friday 26 April 2024, 03:50

1. المبحث الأول الرقابــة على الهيئــة البلدية

لعلّ من أخطر مظاهر الرقابة الممارسة على المجلس الشعبي البلدي وفي إطار المحافظة على مبدأ المشروعية وسيادة القانون وحماية المصلحة العامة هو حل هذا المجلس الشعبي البلدي.

1.1. المطلب الأول/ مفهوم الـحــــل

يُعتبر حل المجلس الشعبي البلدي أخطر ما يمكن أن تصل إليه حدود رقابة سلطة الوصاية، ويُقصد بالحل كإجراء رقابي هو القضاء على المجلس الشعبي البلدي وإنهاء مهامه بإزالته قانونيا مع بقاء الشخصية المعنوية للبلدية قائمة بطبيعة الحال.

 كما يُقصد أيضا بحل المجلس الشعبي البلدي إجراء عزل جماعي لأعضاء المجلس، وهو آلية وصائية يتم بموجبها إنهاء مهام المجلس الشعبي البلدي وتجريد أعضائه من الصفة التي يحملونها.

كما يُقصد بالحل أيضا إنهاء حياة المجلس الشعبي البلدي إنهاءً قانونيًا وتجريد أعضائه من الصفة التي يحملونها، فإجراء حل المجلس الشعبي البلدي يعد أخطر وسائل الرقابة التي تتخذها سلطة الوصاية تجاه المجلس، وعلى إعتبار أن المجلس الشعبي البلدي من أهم أركانه هو الإستقلالية كونه يتكوّن ويتشكّل من أعضاء منتخبين بطريقة ديمقراطية، وأن اللجوء إلى إتخاذ إجراء الحل يظهر كمساس بإستقلالية المجلس.

 إلا أن المشرّع الجزائري عندما أجاز مثل هذا الإجراء فقد أحاطه بمجموعة من الضمانات القانونية.

 

1.2. المطلب الثاني : حالات الحل

ونظرا لخطورة هذا الإجراء فأغلب القوانين تنص عليه بطريقة واضحة، ولقد نصّ عليه المشرّع الجزائري في قانون البلدية (11/10) وذلك بموجب نص المادة (46) حيث جاء فيها: «يتم الحل والتجديد الكلي للمجلس الشعبي البلدي:

-       في حالة خرق أحكام دستورية.

-       في حالة إلغاء انتخاب جميع أعضاء المجلس.

-       في حالة الإستقالة الجماعية لأعضاء المجلس.

-       عندما يكون الإبقاء على المجلس مصدر إختلالات خطيرة تم إثباتها في التسيير البلدي أو من طبيعته المساس بمصالح المواطنين وطمأنينتهم.

-       عندما يُصبح عدد المنتخبين أقل من الأغلبية المطلقة بالرغم من تطبيق أحكام المادة 41 أعلاه.

-       في حالة خلافات خطيرة بين أعضاء المجلس الشعبي البلدي تُعيق السير العادي لهيئات البلدية، وبعد إعذار يوجهه الوالي للمجلس دون الإستجابة له.

-       في حالة إندماج بلديات أو ضمّها أو تجزئتها.

-       في حالة حدوث ظروف إستثنائية تحول دون تنصيب المجلس المنتخب. »

يتبين من خلال نص المادة المذكورة أعلاه أن المشرع قد عمد إلى حصر الحالات التي يتم فيها اللجوء إلى مثل هذا الإجراء، حتى لا تُهيمن السلطة المركزية على المجالس الشعبية البلدية، خاصة وأن حل المجلس الشعبي البلدي وهو هيئة منتخبة عن طريق إنهاء وجوده وذلك قبل النهاية الطبيعية لمدته يُعد أخطر مظاهر تدخل السلطة المركزية في الهيئات المحلية اللامركزية على الإطلاق، الأمر الذي إقتضى من المشرّع أن يُحيطه بعدة ضمانات حتى لا تتعسّف السلطة في إستخدامه، مع العلم أن المشرّع قد إستحدث بعض الحالات في قانون البلدية (11/10) لم يكن منصوصا عليها في قانون البلدية السابق (90/08) ، ويعود ذلك بطبيعة الحال إلى الحقبة السياسية التي مرّت بها الجزائر، وتتمثّل الأسباب التي تؤدي إلى حل المجلس الشعبي البلدي في:

أولا/ خرق أحكام دستورية

إن مبدأ سيادة القانون يقتضي خضوع الدولة بهيئاتها وأفرادها للقانون وإحترام مبدأ المشروعية، ويُعتبر الدستور أسمى قوانين الدولة لذلك لابد على المجلس الشعبي البلدي أن يخضع في جميع أعماله وتصرفاته للقانون والدستور، وأن لا يخرق القواعد الدستورية، لأنه في حالة أي تجاوز أو خرق للدستور تلجأ السلطة إلى إعمال أحكام المادة (46) من قانون البلدية، وتعمل على حل المجلس الشعبي البلدي حفاظا على سيادة الدولة. وتعتبر حالة خرق الأحكام الدستورية من بين الحالات المستحدثة في قانون البلدية (11/10)، وحسناً فعل المشرّع بالنص على هذه الحالة حتى لا يتجاوز المجلس مبادئ الدستور، وتكون أعماله وفق ما ينص عليه القانون.

ثانيا/ حالة إلغاء إنتخاب جميع أعضاء المجلس

ففي حالة ما إذا تمّ إلغاء إنتخاب جميع أعضاء المجلس الشعبي البلدي، تقوم الجهة الوصيّة بحل المجلس الشعبي البلدي، ويتم إلغاء إنتخابات جميع أعضاء المجلس بناءً على وقوع مخالفة جسيمة لقانون الإنتخابات، أما في الإلغاءات الجزئية للإانتخابات فإنه لا يقع حل المجلس الشعبي البلدي ،أما في حالة الإلغاء الكلي فإنه يترتب عليه حل المجلس، حتى لا تفقد العملية الإنتخابية مصداقيتها، ومثل هذه الحالة مستحدثة في قانون البلدية (11/10) حيث لم ينص عليها المشرّع في قانون البلدية (90/08)، إلا أنه كان معمولا بها في قانون الولاية.

 إلا أن المشرّع لم يبيّن في نص المادة (46) من قانون البلدية (11/10) الأسباب التي قد تؤدي إلى إلغاء الإنتخابات المحلية، والتي تتعدّد أحيانا مما أبقى نوع من الغموض على هذه الفقرة من المادة، وهذا ما يستدعي بالضرورة إلى القول بأن إلغاء إنتخابات المجلس الشعبي البلدي  يعود إلى وجود مخالفة جوهرية وجد جسيمة لقانون الانتخابات، وأن الحل هنا ووفق هذه الحالة جاء لإصلاح الوضع وإعادة الأمور لنصابها.

ثالثا/ حالة الإستقالة الجماعية لأعضاء المجلس

إذا تقدّم أعضاء المجلس الشعبي البلدي بإستقالة جماعية، فإن المجلس في هذه الحالة يكون قد أُفرغ من محتواه وزال بزوال صفة العضوية عن أعضائه من جرّاء تقديم إستقالتهم والتي تجيز وتمنح الرخصة للسلطة المركزية من أن تلجأ لحل المجلس، فاعتبر المشرّع أن مثل هذه الحالة تُوجب العمل بأحكام المادة (46) من قانون البلدية (11/10).

 غير أنه ومن إستقرائنا لنص المادة (46) نجد أنها لم تُبين طريقة تقديم الإستقالة الجماعية، بمعنى هل يقدّم كل عضو إستقالته على حدى، أم تُقدّم بصفة جماعية، كما لم يُوضّح النص الجهة التي تقدم لها الإستقالة، فإن كانت الإستقالة تقدم بصفة فردية فإنها فصلت فيها نص المادة (42) من قانون البلدية (11/10) وإن حل المجلس أمام هذه الوضعية، خاصة حالة الشغور التي يصبح يتخبّط فيها، أمر وإجراء جد معقول ويتماشى مع الواقع إذ كيف للمجلس من أن يقوم بما أوكل له من مهام واختصاصات ومن يقوم بهذه المهام مستقيل غير موجود؟

وهنا كان لابدّ من تدخل السلطة لأجل إصلاح الوضع والخروج من مثل هذه الوضعية حفاظا على المصلحة العامة وعد تعطيل المصالح و الشؤون المحلية، إلا أن حالة إستقالة جميع أعضاء المجلس الشعبي البلدي، هي حالة عرضية وقلما تحدث، خاصة وأن المجلس يجمع بين العديد من التيارات السياسية ولكل تيار وجهة نظر، مع العلم أن المشرّع أبقى على نفـس الحالة والتي كان منصوصا عليها في قانـون البلـدية    (90/08) وذلك من خلال نص المادة (34) منه.

رابعا/ عندما يكون الإبقاء على المجلس مصدر إختلالات خطيرة تم إثباتها في التسيير البلدي أو من طبيعتها المساس بمصالح المواطنين وطمأنينتهم

فعندما يكون هناك إختلالات خطيرة داخل المجلس الشعبي البلدي، والتي تتجلّى وتظهر من خلال تسيير البلدية، وقد تؤدّي هذه الإختلالات إلى المساس بمصالح الأفراد والمواطنين وتمس بطمأنينتهم، فهنا تتدخّل السلطة المركزية وتحل المجلس الشعبي البلدي نظرا لأنه حاد عمّا أنشأ من أجله، فغاية وجود المجلس الشعبي البلدي هو العمل على تحقيق التنمية المحلية من خلال تلبية حاجيات ومصالح السكان ورعاية الشؤون المحلية والعمل على إرساء الطمأنينة والسكينة والأمن العام في أوساط المواطنين، فإذا خرج عن هذا المسار وأصبح هو في ذاته يُعطل حركة التنمية وعدم رعاية مصالح السكان ويتجلّى ذلك من خلال سوء التسيير والتي تؤدي بدورها إلى المساس بالمصالح الخاصة وطمأنينة المواطنين، فأمام هذه الوضعية لا يكون سبيل إلا حلّه.ويتم حل المجلس من أجل المحافظة على الهدف الذي تمّ إنشاء الهيئة اللامركزية من أجله، فالهيئة اللامركزية التي تُصبح عاجزة عن تحقيق الأهداف تستحق الحل.

وحتى تحلّ السلطة المجلس الشعبي البلدي يجب أن تتصف الإختلالات التي تعتريه بالخطيرة ، وأن تكون مؤكدة ومثبتة، وتتأكد وتُثبت من خلال التسيير البلدي أي أن يظهر هناك عجز في التسيير أو حتى سوء في التسيير، وجعلها إحتمالية من حيث المساس بمصالح المواطنين وطمأنينتهم.

وللإشارة أن هذه الحالة تمّ العمل بها بموجب الأمر(05/03) المؤرخ في 18 يوليو2005 المتمم للقانون (90/08) المتعلق بالبلدية، حيث مست إضافة نص المادة (34) منه وهذا ما نشر في الجريدة الرسمية العدد (50) لسنة 1990.

 وإقرار المشرع لهذا الأجراء، هو نتيجة للتجربة التي مرّت بها البلاد، حيث أثبت الواقع أن الكثير من البلديات أصابها خلل كبير في التسيير، ممّا أدّى بها إلى العجز المالي التي أصبحت تتخبّط فيه مما إنجرّ عنه تعطيل للمصالح العامة وتوقف لعجلة التنمية،مما استدعى حلها .

خامسا/ عندما يُصبح عدد المنتخبين أقل من الأغلبية المطلقة

لقد أجاز المشرّع للسلطة المركزية حل المجلس الشعبي البلدي، وذلك عندما يُصبح عدد أعضاء المجلس أقل من الأغلبية المطلقة، ويُصبح عدد أعضاء المجلس أقل من الأغلبية المطلقة جرّاء الاستقالات أو التوقيفات أو الإقصاءات أو الوفاة أو بحدوث أي مانع قانوني آخر، وفي هذه الحالة تلجأ السلطة إلى حل المجلس بالرغم من تطبيق أحكام نص المادة(41) من قانون البلدية (11/10) والمتعلّقة بالإستخلاف، فمن غير المعقول أن يستمر المجلس في العمل وعقد الجلسات وهو يفتقد للأغلبية المطلقة، فبثبوت هذا المانع يرفع الوالي تقريره إلى وزير الداخلية والذي بدوره يعد تقريره ويحيله إلى مجلس الوزراء لأجل إصدار مرسوم الحل، ويعتبر حل المجلس أمام هذه الوضعية أمرا طبيعيا جدا، طالما أن المجلس عندما يتداول بشأن مسألة ما فالتصويت يكون بالأغلبية حتى تمرر المداولة، وعندما يُصبح عدد الأعضاء أقل من الأغلبية المطلقة بالرغم من تطبيق أحكام نص المادة (41) والتي تتعلق بالاستخلاف، ويكون المجلس بذلك فاقداً للآلية القانونية للتداول وهي الأغلبية التي بموجبها يفصل فيما لديه من مسائل.

سادسا/ حالة خلافات خطيرة بين أعضاء المجلس الشعبي البلدي

إن الخلافات التي قد تنشأ بين أعضاء المجلس الشعبي البلدي، وهذا نظرا لتباين وجهات النظر واختلاف التوجهات السياسية أمر وارد وطبيعي، لكن أن تصل هذه الخلافات إلى مستوى يُوصف بالخطير يعيق معه السير الحسن والعادي لهيئات البلدية، فهذا أمر غير مقبول، لأن العضو بمجرد إكتسابه العضوية داخل المجلس الشعبي البلدي ينصهر مع جميع الأعضاء لأجل تحقيق المصلحة العامة، وإذا ما وصل الأمر إلى درجة الخطورة فيتدخّل الوالي بإعتباره جهة وصية، ويوجه إعذاراً للمجلس لأجل تسوية الخلافات الحاصلة فإذا لم يستجب المجلس لهذا الإعذار، يقوم الوالي برفع تقريراً إلى وزير الداخلية لإستصدار مرسوم بحل المجلس.

 

إلا أن الواقع العملي أثبت لجوء الولاة ورؤساء الدوائر في كثير من الأحيان إلى القيام بمحاولات صلح بين أعضاء المجلس في حالة الإختلافات المستعصية، وذلك حتى لا يؤدي طول أمد هذه الخلافات إلى تعطيل سير عمل المجلس، والذي ينجر عنه عرقلة حركة التنمية ومصالح المواطنين وحتى لا يُلجأ إلى حل المجلس.

والجدير بالذكر أن هذه الحالة كان منصوصا عليها في قانون البلدية (90/08) في نص المادة (34) منه.

سابعا/ حالة إندماج بلديات أو ضمّها أو تجزئتها

وتعتبر هذه الحالة من ضمن الحالات التي يتم فيها حل المجلس الشعبي البلدي، وهذا أمر طبيعي يستدعي حل المجلس، لأن عدد البلديات تتحكم فيه عدة عوامل سياسية وإدارية وجغرافية واقتصادية، فإذا ما تم تجزئة بلدية إلى عدة بلديات أو ضمّ واندماج عدة بلديات في بلدية واحدة، فإنه يتم في هذه الحالة حل المجلس الشعبي البلدي الذي تم ضمّه أو إندماجه أو تجزئته لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسيّر البلدية بعدّة مجالس أو أن تسير عدة بلديات بمجلس واحد، ومثل هذه الوضعية التي تستدعي حل المجلس قد تم التنصيص عليها في قانون البلدية (90/08) بموجب نص المادة (34).

ثامنا/ حالة حدوث ظروف إستثنائية تحول دون تنصيب المجلس المنتخب

إن الهدف من انتخاب المجلس الشعبي البلدي هو تنصيبه وتسيير هيئات البلدية وإدارة الشؤون المحلية ورعاية مصالح الأفراد، فإن تم إنتخاب المجلس وحالت ظروف إستثنائية دون التمكن من تنصيب هذا المجلس فإن السلطة المركزية تعمل بموجب نص المادة  (46/ فقرة أخيرة) وتحل المجلس الشعبي البلدي وهذا نظرا لعدم تحقق الغاية من إنتخاب المجلس وهو تنصيبه ومباشرة إختصاصاته، وتعتبر مثل هذه الوضعية مستحدثة في قانون البلدية (11/10)، إذ لم يكن منصوصا عليها في قانون البلدية (90-08).

 إلا أنه ما يؤخذ على هذه المادة أنها جاءت بمصطلحات مطلقة وفضفاضة، حيث أن عبارة ظروف إستثنائية هي عبارة صيغت على الإطلاق، حيث لم يوضّح المشرّع ما هي هذه الظروف الإستثنائية، كما أنه لم يضبطها بحالات محدّدة، وكان الأجدر به توضيحها وضبطها حتى لا تتعسّف السلطة الوصائية في إستعمال هذا الحق ضد هذه المجالس الشعبية البلدية ، وعليه فعدم التمكن من تنصيب المجلس يؤدي إلى حله لأن العبرة ليست بإنتخاب المجلس بل بمباشرة إختصاصاته المنوطة به من أجل تحقيق ما يمكن تحقيقه من برامج تنموية تُسهم في تطوير وتحسين المستوى المعيشي للمواطن.

أما عن الصيغة والآلية القانونية التي يتم بها حل المجلس الشعبي البلدي، فقد نصّت عليها المادة (47) من قانون البلدية (11/10) حيث يتم حل المجلس بإصدار مرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء ويصنف هذا المرسوم في خانة المراسيم الرئاسية، ذلك لأن الجهة التي تتولّى الإصدار هو رئيس الجمهورية.

 والجدير بالذكر أن نفس المرسوم الذي ينص على حل المجلس ينص كذلك على تجديده، وقد تم العمل بمثل هذه الحالة من خلال المرسوم الرئاسي (05/254) المؤرخ في 20 جويلية 2005 والمتضمن حل مجالس شعبية بلدية بكل من ولايتي بجاية وتيزي وزو على سبيل المثال وذلك تطبيقا لنص المادة (34) من قانون البلدية (90/08).

إلا أنه وبالرجوع إلى قانون البلدية (90/08) وفي نص مادته (35) التي تنص على أن يتم حل المجلس الشعبي البلدي بموجب مرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء، إلا أنها لم تحدّد هذه المادة طبيعة المرسوم هل هو مرسوم تنفيذي أم رئاسي، إلا أنه خلال هذه الفترة قد عمدت السلطة إلى حل بعض المجالس المحلية عن طريق مراسيم تنفيذية، وهذا نظرا للمرحلة العصيبة التي كانت تمر بها البلاد والتي تميّزت بإقرار الدولة لحالة الحصار وحالة الطوارئ، وهذا بموجب المراسيم الرئاسية التي أصدرها رئيس الجمهورية آنذاك.

ومن خلال إستقراء نص المادة (47) من قانون البلدية (11/10) يتبيّن أن قرار حل المجلس الشعبي البلدي، ينبني على تقرير يُرفع من الوزير المكلف بالداخلية بناء على تقرير من الوالي إلى رئيس الجمهورية ليتّخذ بشأنه مرسوم الحل، فوصاية وزير الداخلية لا تتم إلا بناء على مبادرة الوالي بموجب التقرير كونه مراقب للجماعات المحلية أكثر من كونه خاضع لرقابتها، فهو يمثل الدولة على مستوى الولاية ومندوب الحكومة والممثل المباشر والوحيد لكل وزير من الوزراء.

وعليه فتقرير وزير الداخلية يسبقه تقرير الوالي الذي يبين له فيه وضعية المجلس الذي يستدعي الحل في حدود ولايته.

 إلا أنه ومن خلال تفحص المراسيم التي تم بموجبها حل المجالس الشعبية، نجدها لا تذكر أسباب الحل، وبذلك تكون المجالس قد فقدت لأهم ضماناتها وهو التسبيب الذي يضمن عدم تعسف السلطة المركزية، وذلك من خلال ممارسة حق الطعن في مرسوم الحل، غير أنه وبالرجوع إلى قانون البلدية (11/10) نجد أن المشرّع لم ينص فيه على إمكانية رئيس المجلس الشعبي البلدي لممارسة حق الطعن في مراسيم الحل وفي نفس الوقت لا يوجد نص يمنع ممارسة هذا الحق، إلا أن المادة (61) من قانون البلدية (11/10) تحث على أنه

« يمكن لرئيس المجلس الشعبي البلدي وفقا للشروط والأشكال المنصوص عليها قانونًا، أن يرفع إمّا تظلما إداريا أو دعوى قضائية أمام الجهات المختصة ضد قرار الوالي الذي يثبت بطلان أو رفض المصادقة على مداولة».

ومن خلال قراءتنا لنص هذه المادة يتبين أن المشرّع أجاز لرئيس المجلس الشعبي البلدي أن يطعن في قرار الوالي فقط دون ذكر المراسيم، وبما أن نصوص قانون البلدية خلت من ذكر حق رئيس المجلس الشعبي البلدي من الطعن في مرسوم حل المجلس، كما أنها في نفس الوقت لم تنص على عدم قابليته للطعن، لذا فالأصل في المسائل الإجازة ما لم يرد نص قانوني يقيّد هذه الإجازة، مما يعني قابلية مرسوم الحل للطعن ما دام لا يوجد نص قانوني يقضي بخلاف ذلك، زيادة على ذلك أن حالات الحل محددة قانونًا مما يُعطي للمجلس من خلال رئيسه أن يطعن في مرسوم الحل، وعلى الرغم أنه من الناحية العملية ثبت عدم تسجيل أي طعن ضد مراسيم حل المجالس الشعبية البلدية، إلا إن ذلك لا يعني عدم جواز الطعن.

وتتمثل نتائج وآثار حل المجلس الشعبي البلدي في سحب وسقوط عضوية جميع أعضاء المجلس وبذلك تنتهي عهدة المجلس بمجرد حلّه، وفي هذه الحالة يقوم الوالي باعتباره جهة وصاية بتعيين متصرّف ومساعدين، وذلك عند الاقتضاء وذلك في غضون 10 أيام التي تلي مرسوم الحل، وتوكل إليهم مهمة تسيير شؤون البلدية وبمجرّد أن يتم تنصيب المجلس الجديد تنتهي مهمة المتصرف والمساعدين الذين عينهم الوالي بقوة القانون، غير أن آثار ونتائج حل المجلس تتحكم فيها العديد من العوامل، وذلك بالنظر إلى الظروف القائمة داخل إقليم البلدية، وفي غضون الستة (06) أشهر التي تلي مرسوم الحل يُعاد إجراء إنتخابات لأجل تجديد المجلس الشعبي البلدي، إلا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إعادة إجراء إنتخابات المجلس خلال السنة الأخيرة من العهدة الانتخابية، وبالرغم من حل المجلس الشعبي البلدي إلا أن البلدية تبقى محتفظة بالشخصية القانونية، بالرغم من أن من  الناحية العملية سوف تُصاب بنوع من العجز نظرا لعدم وجود نائب قانوني يعبّر عنها.

وخلافا لما كان عليه الوضع في قانون البلدية (90/08) فقد نص قانون البلدية (11/10) على أنه في حالة ما إذا حالت هناك ظروف استثنائية تُعيق إجراء الانتخابات البلدية لأجل تجديد المجلس، يقوم الوزير المكلف بالداخلية بإعداد تقرير حول هذه الوضعية يعرضه على مجلس الوزراء ويعمل الوالي بعد ذلك على تعيين متصرّف لتسيير شؤون البلدية ويكون خاضعا في ذلك لسلطة الوالي ومتمتعا في نفس الوقت بسلطات المجلس الشعبي البلدي ورئيسه المخوّلة له بموجب التشريع والتنظيم على أن تنتهي مهامه بقوة القانون بمجرد تنصيب المجلس الشعبي البلدي الجديد عندما تسمح الظروف بذلك.

وتعود كيفيات تطبيق هذه المادة للتنظيم، إلا أن فحوى هذه المادة تدفع إلى التساؤل عن طبيعة الرقابة التي يمارسها الوالي على المتصرّف، هل هي رقابة إدارية وصائية، أم سلطة رئاسية.

إلا أننا نرى من خلال التمعن في نص المادة أن الوالي هو من يعيّن المتصرّف، ومن قال عين قال عزل، ومن ثمة تكون علاقة الوالي بالمتصرّف هي علاقة رئيس بمرؤوس، كما يطرح التساؤل أيضا بخصوص سلطة المتصرّف، هل يعمل على تصريف شؤون البلدية العالقة أم له حتى سلطة إصدار قرارات جديدة؟

بالرجوع إلى نص المادة (51) من قانون البلدية (11/10) نجد أن المشرّع منحه سلطات المجلس والرئيس المخولة بموجب التشريع والتنظيم مما يجعل المتصرّف يصدر قرارات جديدة ولكن تحت رقابة الوالي.

ومن خلال إستقرائنا للمواد القانونية المتعلقة بحل المجلس الشعبي البلدي نستنتج بعض الملاحظات والتي يمكن إجمالها في:

- بالرغم من ذكر المشرّع وتحديده لحالات حل المجالس الشعبية البلدية وحصر هذه الحالات، حتى لا تتعسف السلطة المركزية في اللجوء إلى مثل هذا الإجراء إلا أن جميع المراسيم الصادرة بحل المجالس الشعبية البلدية، لم تذكر في متنها أسباب الحل خاصة وأن التسبيب يعد من أهم الضمانات وأنجعها ضد التعسف، وحتى إن كان القانون قد منح للإدارة حرية تسبيب قراراتها من عدمه، إلا أن الإدارة تجد نفسها مجبرة على ذكر الأسباب في حالة ما إذا تم الطعن في قرار الحل أمام جهات القضاء المختصة، خاصة وأن التسبيب يعد أحد أركان القرار الإداري، إلا إذا تم إستبعاد الطعن على أساس أن مثل هذه القرارات تمثل عمل من أعمال السيادة. 

ومن خلال ما سبق ذكره يتبين مدى خطورة إجراء الحل كأحد مظاهر الرقابة الإدارية التي تمارسها سلطة الوصاية على المجلس الشعبي البلدي، لذا يتوجب على سلطة الوصاية وهي تمارس رقابتها أن تحتكم إلى القانون وتُراعي القواعد والإجراءات المنصوص عليها قانونًا وذلك إحتراما لإستقلالية هذه المجالس

2. المبحث الثاني الرقابة على أعمال المجلس البلدي

لقد منح المشرّع للبلدية إختصاصات واسعة وفي شتى المجالات سواء في المجال الاجتماعي أو المجال الثقافي أو الاقتصادي أو في مجال التربية والتعليم، وتمارس البلدية هذه الإختصاصات عن طريق المجلس الشعبي البلدي ويتم ذلك بموجب المداولات إلا أن هذه المداولات لا تنفذ إلا بعد مرورها على سلطة الوصاية والتي تتمثل في الوالي، فمن هذه المداولات ما يُصادق عليه ومنها ما يتم إبطاله سواءً بطلانًا مطلقًا أي بقوة القانون أو بطلانًا نسبيًا، كما تطال هذه الرقابة أعمال المجلس في حالة تقاعسه عن أداء الإختصاصات المنوطة به، فتحلُّ محل المجلس في القيام بتلك الإختصاصات وهذا ما يسمى بسلطة الحلول

2.1. المطلب الأول/ التصديـق

يُعتبر التصديق من بين مظاهر الرقابة الإدارية التي تمارسها سلطة الوصاية على أعمال المجلس الشعبي البلدي.

  • ·       مفهومه

 ويُقصد به العمل القانوني الصادر من السلطة الوصائية والذي تقرر بمقتضاه أن مداولة المجلس الشعبي البلدي لا تخالف القانون ولا تتعارض مع المصلحة العامة، ومن ثمة يجوز تنفيذها.

كما يُقصد بالتصديق أيضا أنه إجراء قانوني لاحق للعمل الذي قامت به الهيئة المحلية، وهو في نفس الوقت سابق على التنفيذ أي أن التصديق يعطي للعمل صلاحية التنفيذ، وقد عرّفه الدكتور/ "صالح فؤاد" بأنه الإجراء الذي بمقتضاه يجوز لجهة الوصاية أن تقرّر بأن عمل معين صادر عن جهة إدارية لا مركزية يمكن أن يوضع موضع التنفيذ أي قابل للتنفيذ، على أساس عدم مخالفة أي قاعدة قانونية أو المساس بالمصلحة العامة، وعليه فالتصديق كإجراء تقوم به سلطة الوصاية يلعب دورا هاما في تنفيذ قرارات المجلس الشعبي البلدي، لذلك فقرارات المجلس تعتبر قرارات مكتملة العناصر، إلا أنها تبقى تحتاج إلى تصديق السلطة الوصيّة والمتمثلة في الوالي، ويأخذ التصديق في التشريع الجزائري أحد الصورتين إما تصديق ضمني أو تصديق صريح:

أولا/ التصديق الضمني

جاء في نص المادة (56) من قانون البلدية (11/10): «مع مراعاة أحكام المواد             (57)و(59) و(60) أدناه، تُصبح مداولات المجلس الشعبي البلدي قابلة للتنفيذ بقوة القانون بعد 21 يوما من تاريخ إيداعها بالولاية» حيث يتبيّن من خلال نص المادة أن المشرّع جعل كقاعدة عامة أن مداولات المجلس الشعبي البلدي قابلة للتنفيذ فلا تحتاج إلا لمصادقة ضمنية وذلك بإستيفاء الأجل القانوني وهو 21 يوما من تاريخ إيداعها بالولاية، فبعد مرور هذه المدة تُصبح هذه المداولة نافذة وكأن سلطة الوصاية قد صادقت على تلك المداولة ضمنيًا، مع مراعاة في كل الحالات أحكام المواد المذكورة أعلاه، أي بإستثناء المداولات التي تتطلب مصادقة صريحة أو التي تكون باطلة أو قابلة للإبطال.

وتعني المصادقة الضمنية في هذه الحالة هو سكوت جهة الوصاية، وعدم إتخاذها لأي موقف بخصوص المداولة المعروضة عليها، فهذا السكوت من طرف الوالي يُعتبر موافقة على عمل المجلس الخاضع لرقابته، حيث بعد إنتهاء المجلس الشعبي البلدي من المداولات يقوم بإيداعها بالولاية حتى تقوم سلطة الوصاية والممثلة في الوالي بتفحص هذه المداولات والتمعّن في مدى مطابقتها للقانون ومن ثمة إبداء رأيه فيها، فإن إنتهى الأجل القانوني الممنوح لسلطة الوصاية وهو حسب نص المادة (56) منه محددا بـ 21 يومًا من دون التصديق أو الرفض تعتبر المداولة نافذة ويُعتبر سكوت الوالي مصادقة ضمنية، وعليه فالتصديق الضمني هو التزام جهة الوصاية السكوت حتى نهاية الأجل، وبذلك يكون المشرّع قد وضع قاعدة عامة تتمثل في جعل المداولة قابلة للتنفيذ بقوة القانون بعد إستيفاء آجال التصديق المقررة بـ 21 يوما من تاريخ إيداعها بالولاية، وما يُمكن أن نستنتجه من نص المادة (56) هو:

إن وضع المشرّع لقيد زمني لسلطة الوصاية لأجل المصادقة على المداولة فيه ضمانة للمجلس البلدي، ذلك أن مرور الأجل القانوني المحدّد دون أي إجراء من الوالي يكسب هذه المداولة حصانة ويجعلها قابلة للتنفيذ، وهي نتيجة تعتبر كجزاء على عدم قيام سلطة الوصاية بمهامها، وحسنا فعل المشرّع بتحديد هذا القيد الزمني لمدة معينة وهي 21 يوما إذ لا يُعقل أن يبقى الأجل مفتوحا من دون حصر وإلا بقيت المداولات معلقة رهن التصديق.

كذلك جاءت المادة (56) من قانون البلدية (11/10) مختلفة بعض الشيء عما كانت عليه في نص المادة (41) من قانون البلدية (90/08)، وخاصة من حيث ميعاد التصديق، حيث كانت مدّة التصديق في قانون البلدية السابق 15 يوما، أما في القانون الحالي هي 21يوما، ويُلاحظ أن المشرّع قد زاد من المدة ولعل العبرة في ذلك هو حتى يمنح لسلطة الوصاية الوقت الكافي لأجل مراقبة مدى شرعية ومطابقة المداولة للقانون.

والجدير بالذكر أن نص المادة (56) من قانون البلدية (11/10) كان محل تعديل من طرف لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات بالمجلس الشعبي الوطني، حيث كانت صيغة النص لأول مرة كما يلي:« مع مراعاة أحكام المواد (60) و(62) و(63) أدناه، تُصبح مداولات المجلس الشعبي البلدي قابلة للتنفيذ بقوة القانون بعد 21 يوما من تاريخ إيداعها بالولاية. خلال هذه الفترة يُدلي الوالي برأيه أو قراره فيما يخص شرعية وصحة المداولات».

إلا أن هذه الصياغة تم إسقاطها واعتمد نص المادة (56) بصيغتها الجديدة في قانون البلدية الحالي، ويلاحظ أن صيغة المادة التي تم إسقاطها مماثلة لنص المادة (41) في القانون (90/08) والتي طُرحت في وقت سابق عن الجدل القائم حول صلاحيات الوالي في إعطاء رأي أو إصدار قرار، وما القيمة القانونية لكل منهما، ومن ثمة اعتمدت المادة (56) وحسنا فعل المشرّع بحذف عبارة الرأي والقرار.

إلا أنه وعند التمعن وقراءة نص المادة (56) قراءة ثانية نتساءل حول مدى سلطة الوالي في رقابة مداولات المجلس من خلال التصديق أي بمعنى هل سلطته مقيّدة أم تقديرية؟ فبالرجوع إلى نص المادة (41) من قانون البلدية (90/08) نجدها قد قيّدت سلطة الوالي في مراقبة مداولات المجلس الشعبي البلدي حيث جاء فيها: «... يدلي الوالي برأيه أو قراره فيما يخص شرعية القرارات المعنية وصحتها».

تعتبر صياغة هذه المادة أكثر ضبطا في بعض جوانبها خاصة من حيث مدى سلطة الوالي في رقابة شرعية المداولة، من نص المادة (56) من قانون البلدية (11/10)، والتي ترك فيها المشرّع كامل السلطة للوالي في اتخاذ ما يراه مناسبا تجاه مداولات المجلس، ومن ثمة فإذا رأى الوالي أن مداولات المجلس الشعبي البلدي مخالفة للقانون فإنه يطبق بشأنها أحكام نص المواد (59) و(60).

ثانيا/ المصادقة الصريحة

كقاعدة عامة إن مداولات المجلس الشعبي البلدي نافذة إلا ما إحتاج منها إلى تصديق من طرف سلطة الوصاية أو الجهة المشمولة بوصايتها، وهو ما يُعبّر عنه بالتصديق الصريح وهو أن تصرّح جهة الوصاية و الممثلة في شخص الوالي بقبول تنفيذ قرارات المجالس المحلية البلدية، فالأصل في قرارات المجلس البلدي أنها نافذة بذاتها بإستثناء القرارات التي أخضعها المشرّع لتصديق صريح من طرف سلطة الوصاية الإدارية.

وهذا ما ذهب إليه المشرّع الجزائري في قانون البلدية (11/10) من خلال نص المادة (57) والتي جاء فيها «لا تُنفّذ إلا بعد المصادقة عليها من الوالي:

-       الميزانيات

-       قبول الهبات

-       اتفاقيات التوأمة

-       التنازل عن الأملاك العقارية البلدية»

وعليه فالمشرّع جعل من بعض مداولات المجلس الشعبي البلدي لا تنفذ مباشرة إلا بعد أن يتم التصديق عليها بشكل صريح من طرف الوالي الذي يعتبر صاحب الإختصاص في التصديق على مثل هذه المداولات.

 وحسنا فعل المشرّع عندما قام من خلال نص المادة (57) بحصر المجالات والمواضيع التي تخضع مداولاتها للمصادقة الصريحة من طرف الوالي، وهذا نظرا لأهمية هذه المواضيع مثل الميزانية والهبات والأملاك العقارية البلدية، فأخضعها بذلك لرقابة الوالي وإشترط في تنفيذها المصادقة الصريحة.

وعليه فالتصديق لا يعدو إلا أن يكون عملا إداريا متميزا ومنفصلا عن العمل المركزي المشمول بتصديق جهة الوصاية، بمعنى أن الجهة الوصية لا تعتبر شريكة في إصدار العمل اللامركزي، ومن ثمة فإن قرار التصديق لا يُتخذ ولا يندمج مع قرار الجهة اللامركزية، ولا يجوز إعتبار جهة الوصاية جزءً لا يتجزأ من إرادة الهيئة اللامركزية، فالتصديق الصريح بهذا المعنى هو مجرد موافقة جهة الوصاية على مداولات المجالس المحلية، أي أنه أمر بالتنفيذ لما صدر عن هذه المجالس من قرارات.

وتبقى سلطة الوالي وهو يمارس إجراء الرقابة تتوقف على التصديق أو عدم التصديق أي الإلغاء، فلا تتعداها إلى تعديل في قرار المجلس لأن قرار المجلس مكتمل العناصر أي أن القرار قائم وتام ولا يحتاج إلا للتصديق من قِبَل الوالي، أي لا يحتاج إلا إلى الصيغة التنفيذية منه. كما لا تملك سلطة التصديق إلا أن تصادق على هذا القرار جملة وتفصيلا وإن رفضت المصادقة فيجب أن يكون قرار الرفض مسبّبا.

وكما سبق الذكر أن المواضع التي أخضع المشرّع مداولاتها للمصادقة الصريحة من قبل الوالي تكتسي أهمية بالغة، فالبلدية بإعتبارها جماعة قاعدية لا مركزية هدفها رعاية الشؤون المحلية، وذلك من خلال تقديم الخدمة للجمهور وتحقيق المصلحة العامة وتلبية الحاجات الأساسية للسكان، وهذا ما يتطلّب منها وجود أموال تُضبط في إطار ما يسمى الميزانية، وهي عبارة عن كشف توقعات خاصة بالنفقات والإيرادات السنوية، لذا اشترط المشرّع لتنفيذ المداولة الخاصة بالميزانية والحسابات مصادقة صريحة من الوالي لأن مسألة الميزانية تتعلق بالمال العام، ولعل الهدف من ذلك حتى يتم صرف النفقات أو بمعنى آخر أن يتم إعداد الميزانية طبقا للقانون ووفقا لما هو مسطر من برامج وأهداف، ونفس الشيء بالنسبة لقبول الهبات والوصايا الأجنبية، لأن هذا الأمر يستوجب التحقيق من مصدر الهبة حتى يتم التأكد من أي شبهة قد تطال المجلس الشعبي البلدي، خاصة وأن الهبات والوصايا تعتبر من مصادر التمويل الخارجية للبلدية، وبذلك يكون المشرّع أصاب عندما أخضع مثل هذه المداولة لمصادقة الوالي الصريحة، بالإضافة إلى الموافقة المسبقة من طرف الوزير المكلّف بالداخلية، لأن هذه الوصايا والهبات سوف تدخل في ميزانية البلدية، وتُصبِح ضمن الأموال العمومية وهذا ما يستدعي المحافظة عليها وحمايتها من كل أوجه الفساد، خاصة وأن الواقع العملي أثبت زيادة عدد قضايا الفساد الذي طال المال العام.

أما فيما يتعلق بإتفاقيات التوأمة فيقصد بها إتفاقا يُبرَم ما بين البلديات لأجل تضافر الجهود والتعاون في مختلف المجالات، الإقتصادية، الثقافية، الإجتماعية وغيرها من المجالات، وعادة ما تشمل هذه الإتفاقيات على بعض النقاط التي تحدّد مدى وشكل التعاون من حيث تبادل الخبرات والحلول المناسبة، وترمي إلى تحقيق التنمية المحلية مع الأخذ في الحسبان الانسجام مع السياسة العامة للبلاد.

أما بالنسبة للتنازل عن الأملاك العقارية البلدية فيشترط لأجل تنفيذ مداولاتها المصادقة الصريحة للوالي، وهذا أمر جد طبيعي عندما يتعلق الأمر بأملاك البلدية.

وتجدر الإشارة إلى أن نص المادة (57) من قانون البلدية (11/10) قد تم تعديلها بعد ملاحظات واقتراحات اللجنة القانونية والإدارية والحريات بالمجلس الشعبي الوطني قد ورد في نص المادة (60) من مشروع القانون: «لا تنفذ إلا بعد المصادقة عليها من طرف الوالي، المداولات المتضمنة ما يلي:

-       الميزانيات والحسابات وكل النفقات بما فيها تلك الممولة بمساهمة نهائية للدولة.

-       القروض.

-       التنازل عن ممتلكات البلدية.

-       مخطط تسيير المستخدمين.

-       إنشاء المصالح والمؤسسات العمومية البلدية.

-       المناقصات والصفقات.

-       عقود البرامج أو الصفقات.

-       الطلبيات المتعلقة بتفويض تسيير المرافق العامة.

-       منح إمتيازات المرافق العامة البلدية وتقويضها.

-       قبول الهبات والوصايا الأجنبية وسحب الثقة».

ومن خلال إستقرائنا لنص هذه المادة، نلاحظ أنه قد تم إسقاط بعض المواضيع التي كانت في مشروع القانون خاضعة للمصادقة الصريحة لجهة الوصاية والتي تتمثل في الوالي.

وبالرجوع إلى نص المادة (42) من قانون البلدية (90/08) ومقابلتها بنص المادة (57) من قانون البلدية (11/10) نجد أن المشرّع قد زاد من صلاحيات سلطة الوصاية ووسّع من دائرة الرقابة من خلال عدد المواضيع الخاضعة للمصادقة الصريحة من طرف الوالي، لأنه في ظل قانون البلدية (90/08) كانت المداولات التي تتطلب مصادقة صريحة من سلطة الوصاية تتمثل في:

-       الميزانيات والحسابات.

-       مسألة إحداث مصالح أو مؤسسات عمومية بلدية.

إلا أنه قد يسأل سائل عن مصير المداولات التي أودعت لدى الولاية لأجل أن تتم المصادقة عليها من طرف سلطة الوصاية والمتمثلة في الوالي، ونقصد هنا بالمصادقة الصريحة غير أن الوالي لم يصدر قرار المصادقة بشأنها !

في هذه الحالة وطبقا لنص المادة (58) من قانون البلدية والتي جاء فيها:«عندما يخطر الوالي قصد المصادقة الحالات المنصوص عليها في المادة (57) أعلاه، ولم يعلن قراره خلال مدة ثلاثين (30) يوما ابتداءً من تاريخ إيداع المداولة بالولاية، تعتبر هذه الأخيرة مصادق عليها».

وعليه فإذا لم يصادق الوالي على المداولات التي تتطلب منه مصادقة صريحة حتى يتم تنفيذها، وذلك خلال مدة زمنية محددة بـ 30 يوما يبدأ سريانها من يوم إيداعها بالولاية، فإن هذه المداولة تعتبر نافذة أي مصادق عليها، ويعني هذا أن المداولة تنفذ بقوة القانون، وحسنا فعل المشرّع عندما ضبط الوالي بمدة زمنية محددة لأجل المصادقة على هذا النوع من المداولات، ويعتبر القيد الزمني الذي فرضه على سلطة الوصاية أحد الضمانات الهامة ضد أي تعسّف من الوالي، لأنه إذا لم يقيّد المشرّع الوالي بهذه المدة والمقدرة بـ 30 يوما وترك آجال التصديق مفتوحة قد يؤدي هذا إلى طول أمد تنفيذ المداولة، مما يدخلها طي النسيان، وكذلك يعتبر فوات 30 يوما من دون أن تتخذ السلطة الوصية أي إجراء تجاه المداولة يجعلها نافذة بقوة القانون كجزاء على هذا السكوت.

وما يستشف مما سبق ذكره أن المشرّع الجزائري جعل من المصادقة قاعدة عامة وليس استثناءً، ذلك أن مداولات المجلس الشعبي البلدي سواءً التي نصّت عليها المادة (56) أوالمادة (57) تخضع لمصادقة الوالي سواءً عن طريق التصديق الضمني أو الصريح وهذا ما قد يؤثر على استقلالية المجلس الشعبي البلدي.

2.2. المطلب الثاني/ الإلغـاء

بالإضافة إلى مجموع السلطات التي منحها القانون لجهة الوصاية لأجل ممارسة رقابتها الإدارية على المجالس الشعبية البلدية وذلك من خلال مدى مطابقة أعمال هذه المجالس للقانون والتنظيم، فقد خول لها أيضا حق إلغاء أو إبطال هذه المداولات متى رأت سلطة الوصاية أن هذه القرارات أو المداولات معيبة ومشوبة بعيب عدم المشروعية.

  • ·       مفهومه

يُعرّف الإلغاء على أنه الإجراء الذي يمكن لجهة الوصاية بمقتضاه إلغاء آثار قرار صادر عن جهة لا مركزية لأنه خالف قاعدة قانونية، أي يخالف المشروعية، على أن يستند الإلغاء بالضرورة إلى نص قانوني يُخولها هذه السلطة، وأن يكون ذلك خلال مواعيد محددة وذلك من أجل ضمان إستقرار الأوضاع القانونية.

ويُقصد أيضا بالإلغاء أنه إجراء بمقتضاه تزيل جهة الوصاية قرار صادر عن جهة لا مركزية، كونه مخالف للقانون وفيه مساس بالمصلحة العامة على أن يستند في جميع الحالات إلى نص قانوني يخولها هذه السلطة، وأن يتم ذلك في مواعيد محددة.

وهو وسيلة لاحقة لأن سلطة الوصاية تتدخل بعد إكتمال عناصر القرار، ومن ثمة تعمل على تفحّص عمل المجلس من المداولات فإذا ما رأت أن هذه المداولة تستحق الإلغاء فتلغيها طبقا للقانون.

إذا فرقابة الإلغاء تعتبر من الرقابة الخطيرة التي تمارسها جهة الوصاية وذلك بهدف حماية المصلحة العامة، والتحقق من مدى شرعية هذه المداولات وإلتزامها بالقوانين والتنظيمات المعمول بها، إلا أن هذه الوسيلة ليست مطلقة بل مقيدة بالغرض الذي تهدف إليه، والمتمثل في احترام القانون وإحترام مبدأ المشروعية، فلا يمكن للوالي مثلا إلغاء مداولة المجلس الشعبي البلدي، والتي تكون قد تمت وفقا للقانون محترمة للأشكال والإجراءات والتنظيمات  وتهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، فإن عَمل على إلغائها يكون قد تعسف في إستعمال السلطة مما يجعل قراره عرضة للطعن.

كما لا يجوز لسلطة الوصاية أن تُعدّل في مداولة تم إيداعها لأجل المصادقة عليها، فللوصاية حق الإلغاء من دون التعديل وهذا إحتراما لإستقلالية المجلس، خاصة وأن القضاء عمل على التخفيف من حدة وشدة هذه القاعدة بسن قاعدة عدم جواز التعديل حيث ميز بين التعديل البسيط الذي تدخله جهة الوصاية على قرارات المجلس وهذا في نظر البعض مقبول، وبين التعديل الذي من شأنه أن يُحدث تغييرا جوهريا في القرار وهذا أمر غير مقبول، لأنه مخالف للقواعد القانونية.

وقد ذهب العديد من فقهاء القانون إلى وضع بعض الشروط حتى لا تتعسف جهة الوصاية في استخدام هذه السلطة المتمثلة في الإلغاء والتي هي جد قاسية وصارمة.

ومن بين هذه الشروط هو أن يكون القرار مكتوبا وصريحا ومسببا، مع تحديد آجال قانونية لسلطة الوصاية لأجل إصدار قرارها بشأن هذه المداولات، فإن تجاوزت هذه الآجال ولم تُفصح عن قرارها تصبح المداولة محصنة ضد الإلغاء، وعليه فإذا عمدت جهة الوصاية إلى إلغاء مداولة ما فإنها تلغيها جملة وتفصيلا، فلا تحتفظ بجزء وتلغي الجزء الآخر، لأنه إذا سمح لها بهذا الإجراء فمعنى ذلك أننا اعترفنا لها بحق تعديل قرارات الهيئة المحلية.

ولقد جسّد المشرّع الجزائري لمثل هذا النوع من الرقابة من خلال قانون البلدية (11/10)، كما كان مجسّدا من قبل في قانون (90/08)، وقد ميّز المشرّع بين نوعين من الإلغاء أو كما يسميها في قانون البلدية بالإبطال أو البطلان، حيث يوجد من المداولات ما يكون باطلا بطلانا مطلقا أي بقوة القانون، وما يكون منها باطلا بطلانا نسبيا أي قابلة للإبطال، ومن خلال هذا التمييز نجد أن المشرّع قد كرّس هذه الرقابة من خلال نص المادة (59) و(60) من قانون البلدية (11/10) وسنبين ذلك من خلال:

أولا/ البطلان المطلق

جاء في نص المادة (59): «تبطل بقوة القانون مداولات المجلس الشعبي البلدي:

-       المتخذة خرقا للدستور وغير المطابقة للقوانين والتنظيمات.

-       التي تمس برموز الدولة وشعاراتها.

-       غير المحررة باللغة العربية.

-       يعاين الوالي بطلان المداولة بقرار».

من خلال إستقرائنا لنص المادة المذكورة أعلاه، يتبيّن أن كل مداولة صادرة عن المجلس الشعبي البلدي تكون مخالفة للأحكام الواردة في المادة (59) يكون مصيرها الإلغاء، وتقع باطلة بقوة القانون، وهذا يعكس مدى حرص المشرّع على احترام مداولات المجلس الشعبي البلدي للدستور والقانون والتنظيم.

والجدير بالذكر أن المشرّع في قانون البلدية (11/10)، قد قام ببعض الإسقاطات وعمد إلى بعض الإضافات في المادة 56 مقارنة بالمادة 44 في قانون البلدية (90/08)، حيث اكتفى بإخضاع المداولات المخالفة للدستور وللقوانين والتنظيمات لرقابة الوالي على غرار ما كان عليه الأمر في المادة (44) من قانون البلدية (90/08) حيث خص بالتحديد المواد الدستورية (02) و(03) و(09) وهي المداولات التي تمس بدين الدولة ولغتها الرسمية، أو تلك التي ترسخ الممارسات الإقطاعية والجهوية والمحسوبية وأن تقيم علاقات الإستغلال والتبعية أو أن تمس بالخلق الإسلامي أو قيم ثورة نوفمبر، وهذه الضوابط في مجملها تشكل ثوابت وطنية لا يُلزم المجلس الشعبي البلدي وحده بالتقيد بها بل مختلف الهيئات والمجالس.

ومن هنا يظهر مدى إرادة المشرّع في الحد من مخاطر الإستقلالية التي منحها للهيئات المحلية ومن بينها المجلس الشعبي البلدي، لأن أي عمل من شأنه أن يخرق القاعدة الدستورية يشكل خطرًا على وحدة الدولة سواء السياسية أو الإدارية، لذا أحاطها المشرّع بهذه الأحكام والضوابط حتى يحافظ على وحدة وكيان الدولة.

ومن بين الإضافات أيضا التي لم يتم التنصيص عليها في القانون البلدي السابق، المداولات التي تمس برموز الدولة وشعاراتها وكذلك المداولات التي يتم تحريرها بغير اللغة العربية، وحسنًا فعل المشرّع حتى يتم الحفاظ على رموز الدولة وشعاراتها.

إلا أن المشرّع قام بإسقاط الفقرة الأخيرة التي كانت في المادة (44) من قانون البلدية   (90/08)، وهي المداولات التي تُجرى خارج الاجتماعات الشرعية للمجلس الشعبي البلدي، فكأن بالمشرّع عند إسقاطه لهذه الفقرة في القانون الحالي أراد أن يبين أنه لا طائل من إعادة التنصيص عليها، طالما أن دورات وإجتماعات المجلس الشعبي البلدي منصوصا عليها في قانون البلدية، وأن أي خرق لهذه القواعد هو خرق للقانون يترتّب عليه إلغاء المداولة.

وعليه فأي مداولة خارج أحكام المادة (59) تقع باطلة بطلانا مطلقا، والهدف من ذلك هو احترام مبدأ المشروعية و مبدأ تدرج القواعد القانونية في الدولة.

أما عن الأداة القانونية التي يتم بموجبها إبطال مداولات المجلس الشعبي البلدي، فتكون بقرار من الوالي باعتباره الجهة الوصية على المجلس طبقا لنص المادة (59).

إلا أنه ما يؤخذ على نص المادة (59) أنها جعلت إختصاص الإبطال يعود بصورة نهائية للوالي، وذلك بموجب إصدار قرار الإلغاء من دون أن تلزمه بتسبيب هذا القرار خاصة وأن التسبيب هو ضمانة ضد التعسف، وهذا عكس ما كانت عليه المادة (44) من قانون البلدية (90/08) والتي كانت توجب على الوالي عندما يُصرّح ببطلان مداولة المجلس الشعبي البلدي أن يكون هذا القرار معللاً ومسببًا، إلا أن المشرّع في القانون الحالي تراجع عن إلزامية تسبيب قرار الوالي، ولعل قصد المشرّع بذلك أن المداولة الباطلة تكون مخالفة صريحة للدستور والقوانين والتنظيمات، أي أنها ولدت ميّتة فلا ينتج أثرها، وبالرغم من ذلك كان الأجدر بالمشرّع أن ينص على تسبيب القرار.

وإن كان المشرّع لم ينص صراحة عن المدة القانونية التي يجب على سلطة الوصاية إحترامها لإصدار قرارها بالإلغاء، إلا أنه يفترض في جهة الوصاية والمتمثلة في سلطة الوالي أن تراعي الآجال القانونية وأن يصدر قراره طبقا للمواعيد، غير أنه بالرجوع إلى نص المادة (99) من قانون البلدية (11/10) نجد أنها أرست قاعدة عامة بمقتضاها تعتبر قرارات البلدية المتعلقة بالتنظيمات العامة قابلة للتنفيذ بعد مرور (01) شهر من تاريخ إرسالها إلى الوالي، أي تصبح محصنة ضد الإلغاء من طرف جهة الوصاية المتمثلة في الوالي، بحيث لا يستطيع الوالي أن يبطلها بعد فوات الآجال التي منحها إياه القانون، وهذا ما إستقر عليه القضاء الإداري، والذي جاء في أحد قراراته:«وقد إستقر قضاء الغرف الإدارية بالمحكمة العليا على أنه لا يجوز إبطال المداولات من قبل الوالي متى وقع خارج الآجال القانونية».

ويكمن الهدف من ذلك في استقرار المراكز القانونية في المجتمع، وتتجلى أهمية هذه المواعيد أيضا من خلال نصوص المواد (56) و(57) و(58) من قانون البلدية (11/10).

ثانيا/ البطلان النسبي

يُعتبر البطلان النسبي من بين مظاهر الرقابة الإدارية التي تمارسها السلطة الوصية على أعمال المجلس الشعبي البلدي، حيث أجاز لها المشرّع بموجب قانون البلدية إبطال مداولات المجلس التي تعتريها بعض العيوب، والتي نصّت عليها المادة (60) من قانون البلدية (11/10) حيث جاء فيها: «لا يمكن لرئيس المجلس الشعبي البلدي أو أي عضو من المجلس في وضعية تعارض مصالحه مع مصالح البلدية، بأسمائهم الشخصية أو أزواجهم أو أصولهم أو فروعهم إلى الدرجة الرابعة أو كوكلاء، حضور المداولة التي تعالج هذا الموضوع وإلا تُعًدُّ هذه المداولة باطلة» يثبت بطلان هذه المداولة بقرار معلل من الوالي.

يتضح من خلال نص المادة المذكورة أعلاه، أن المشرّع قد منح لسلطة الوصاية حق إبطال مداولات المجلس الشعبي البلدي التي يشارك فيها رئيس المجلس أو أي عضو من أعضاء المجلس الشعبي البلدي، وتتعارض مصالحهم مع مصالح البلدية، فالغرض من إنتخاب المجلس الشعبي البلدي هو السهر والعمل على تحقيق المصلحة العامة ورعاية شؤون سكان المنطقة، بالإضافة إلى تحقيق التنمية المحلية، ولا تنصرف مداولاته إلى تحقيق مصالح شخصية لرئيس المجلس وأعضائه على حساب المصلحة العامة، لذا أوجب القانون على سلطة الوصاية عندما ممارستها لرقابتها على هذه المداولات أن تعمل على إبطالها متى ثبت لديها أنه حضر هذه المداولة رئيس المجلس أو أحد أعضاءه وكان موضوع المداولة يعارض مصالحهم سواء بأسمائهم الشخصية أو كوكلاء، ولم يقتصر المشرّع على هذا الحد بل تعدّاه إلى أزواجهم وأصولهم أو فروعهم إلى غاية الدرجة الرابعة.

وحسنا فعل المشرع لأنه قد يُشارك العضو في المداولة ولا تكون له فيها مصلحة مباشرة تتعارض مع مصلحة البلدية ولكن قد تتعارض مصالح زوجه أو أحد أصوله أو فروعه إلى الدرجة الرابعة أو قد يستتر هو وراء هذه المصلحة، لذا تفطّن المشرع لهذا الأمر حتى يسد جميع الأبواب والمنافذ أمام الجميع.

والملاحظ أن قانون البلدية (11/10) من خلال نص المادة (60) منه قد جاء أكثر وضوحا ودقة وتفصيلا من ناحية بيان مدى درجه قرابة العضو خلافا لقانون البلدية (90/08) في نص مادته (45).

ولعل الغاية التي توخاها المشرّع من خلال هذا الإجراء هو المحافظة على شفافية عمل المجلس الشعبي البلدي، ومن جهة أخرى العمل على دعم نزاهة التمثيل الشعبي ومصداقية أعضاء المجلس، وذلك من خلال الإبتعاد عن كل شبهة قد تطال الأعضاء، وحتى تكون الغاية من المداولات هو المصلحة العامة وتحقيق التنمية المحلية.

أما عن أداة إلغاء هذا النوع من المداولات فإنه يتم عن طريق قرار معلل من طرف الوالي، فهو جهة الإختصاص بإعتباره سلطة الوصاية وهذا ما نصّت عليه الفقرة الثانية من نص المادة (60) من قانون البلدية (11/10).

ولعل ما يميز هذه المادة عن سابقاتها أنها فرضت على سلطة الوصاية والمتمثلة في الوالي تسبيب وتعليل قرار الإلغاء، وحسنا فعل المشرّع حتى لا يتعسّف الوالي ويزال الغموض عن قرار الإلغاء.

إلا أنه ما يلاحظ من نص المادة (60) أنها لم تقيد الوالي بمدة زمنية محددة يتم خلالها إلغاء هذه المداولة، وقد يرجع السبب في عدم تقييد الوالي بقيد زمني إلى كون أن جميع مداولات المجلس تحتاج إلى مصادقة ضمنية كانت أو صريحة، ومن ثمة تحتسب الآجال وهي 21 يوما بالنسبة للمداولة التي تعتبر مصادق عليها ضمنيا، و(01) شهر بالنسبة للمداولات التي تحتاج للمصادقة الصريحة.

إلا أنه وبالرجوع إلى قانون البلدية (90/08) ومن خلال نص المادة (45) منه نجدها قد وضعت آجال قانونية لإصدار قرار الإلغاء وحدد هذا الأجل (01) بشهر وهذا ما لم يتم التنصيص عليه في قانون البلدية (11/10) في نص المادة (60) منه.

ويرى الدكتور/ "عمار بوضياف" أن ترك المشرّع الآجال مفتوحة لسلطة الوصاية والممثلة في شخص الوالي، يعود بالدرجة الأولى إلى غلق أبواب الفساد من جميع الجوانب وبكل الوسائل والطرق القانونية.

وما يؤخذ على نص المادة (60) من قانون البلدية أنها أسقطت أكبر ضمانة والتي تتمثل في الرقابة الشعبية من خلال ممارسة المواطن لحق الطعن في هذه القرارات، لأن الفرد في الأول والأخير هو المستفيد أو المتضرر من قرارات المجلس، وهذا خلافا لما كان عليه الوضع في قانون البلدية (90/08) حيث كان يجيز لكل من له مصلحة أن يتقدم بطعن في قرارات المجلس الشعبي البلدي متى رأى أنها غير قانونية وسببت له ضررا.

ضف إلى ذلك أن الرقابة التي يمارسها الوالي على المجلس الشعبي البلدي من خلال نص المادة (60) أنها تعتبر رقابة ملائمة أكثر منها رقابة مشروعية، وهذا خلافا لنص المادة (59) والتي تعتبر فيها رقابة الوالي رقابة مشروعية، إذ أن الوالي بإصداره لقرار الإلغاء يكون بناءً على سلطته التقديرية في مدى وجود تعارض بين مصلحة العضوية مع مصلحة البلدية، إلا أن رقابة الملائمة وإن كانت لابد منها فيجب أن تبقى من الاختصاصات الأصيلة للهيئة اللامركزية التي لا تمتد لها رقابة السلطة المركزية من هذا النوع تأسيسا على أنها هيئات أصلا مستقلة، تتمتع بأهلية تصريف شؤونها بنفسها، ومن ثمة فإن قرار الوالي الذي ينبني على السلطة التقديرية قد يمس بإستقلالية المجلس خاصة وأن هذه المصالح، قد لا تظهر بصورة جلية وواضحة، إلا أن رقابة الملائمة من ناحية أخرى قد تسهم في غلق أبوب الفساد فالذي قد لا تصيبه رقابة المشروعية قد تصيبه رقابة الملائمة.

ولقد خول المشرع للبلدية ممثلة في رئيسها حق الطعن في القرارات الصادرة عن السلطة الوصائية، وهذا بموجب نص المادة (61) من قانون البلدية (11/10)،والتي جاء فيها:

»  يمكن لرئيس المجلس الشعبي البلدي وفقا للشروط و الأشكال المنصوص عليها قانونا، أن يرفع إما تظلما إداريا، أو دعوى قضائية أمام الجهات المختصة ضد قرار الوالي الذي يثبت بطلان أو رفض المصادقة على المداولة«.

ويستشف من نص المادة المذكورة أعلاه، أن من حق المجالس البلدية اللجوء إلى الطعن في قرارات جهة الوصاية، سواءً عن طريق الطعن الإداري المتمثل في التظلم الإداري والذي هو الطلب أو الشكوى المرفوعة من طرف المتظلم إلى السلطة الإدارية المختصة لفض خلاف أو نزاع ناتج عن عمل قانوني أو مادي إداري.

كما يعرفها الدكتور/ "عمار عوابدي" بأنها الطلبات أو الشكاوى التي يتقدم بها الأفراد ذوي المصلحة والشأن، ويتظلمون من قرار أو عمل إداري غير مشروع قد مس أو أخل بمراكزهم القانونية أو بمصالحهم الجوهرية المعتبرة أو بحقوقهم الثابتة، ويلتمسون أويطلبون من السلطات الإدارية المختصة مراجعة العمل المطعون فيه بتصحيحه أو سحبه أو تعديله أو إلغائه بصورة تجعله أكثر ملائمة لمبادئ ومقتضيات المرافق ومتطلبات الوظيفة الإدارية.

إذا فالتظلم الإداري حسب نص المادة (61) من قانون البلدية (11/10) هو الوسيلة الإدارية التي يلجأ إليها المجلس الشعبي البلدي لأجل جعل جهة الوصاية تراجع قراراتها سواء الصريحة أو الضمنية والعمل على تصحيحها وفق ما يقرره القانون.

وقد يكون هذا التظلم الذي يرفعه رئيس المجلس الشعبي إما رئاسيا أو تدرُّجيا.

كما أجاز المشرع أيضا للمجلس الشعبي البلدي اللجوء إلى القضاء الإداري لأجل مخاصمة جهة الوصاية من خلال رفع طعنه أمام الجهة القضائية المختصة ووفقا للشروط والأشكال المحددة قانونا، عن طريق دعوى إدارية.

إن إقرار المشرع الجزائري لمثل هذا الإجراء، والمتمثل في لجوء المجلس البلدي إلى القضاء والطعن في قرار جهة الوصاية، الهدف منه التخفيف من حدة الرقابة الإدارية ومنع التجاوز والتعسف في إستعمال السلطة من قبل السلطة الوصائية، وتمكين المجلس الشعبي البلدي من تحصين قراراته وتنفيذ برامجه طبقا للقانون، كما تعتبر هذه الرقابة القضائية ضمانة أساسية من الناحية القانونية، إلا أنه من الناحية العملية لم يتم إستعمالها إلا نادرا، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن أغلب الخلافات أو النزاعات قد تسوى وديا عن طريق التظلمات الإدارية لذا نص عليها المشرع في قانون البلدية (11/10)، أضف إلى ذلك أن اللجوء إلى القضاء سوف يزيد من حدة الخلاف ويطيل أمد النزاع، كما يدخل جهة الوصاية والمجلس الشعبي البلدي في صراع تنعكس نتائجه على المواطن.

2.3. المطلب الثالث/ الحـلــول

يُعتبَر إجراء الحلول من أخطر مظاهر الرقابة الإدارية التي تلجأ إليها سلطة الوصاية، تجاه المجلس الشعبي البلدي.

  • ·       مفهومه

 كقاعدة عامة فإن المجالس الشعبية البلدية تتمتع بإستقلالية عن السلطة المركزية إلا أنه وفي حدود معينة أجاز المشرع للسلطة المركزية من أن تتدخل وتقوم بما لم تقم به هذه المجالس الشعبية البلدية، أي عندما تمتنع أو تتراخى في القيام بالمهام الموكلة إليها بموجب القانون.

وتدخًّل السلطة المركزية في هذا الوضع هو ما يعرف بالحلول، والذي تقوم السلطة الإستثنائية بموجبه الإحالة لسلطة التقرير إلى الوصاية، بدل من الشخص الخاضع للوصاية كجزاء على إمتناعه وتعنته رغم تنبيهه وإعذاره، وهي أخطر أنواع الرقابة التي تمارسها سلطة الوصاية، وأشدها تأثيرا على حرية وإستقلال الأشخاص العامة.

كما يُعرّف أيضا الحلول على أنه قيام سلطة الوصاية –بمقتضى سلطتها الإستثنائية المحددة قانونا- محل الجهة اللامركزية بتنفيذ بعض إلتزاماتها القانونية التي لم تقم بها بقصد أو بعجز أو عن إهمال.

ويقصد به أيضا وإن كان يعد خاصية أساسية تميز السلطة الرئاسية، إلا أنه سلطة إستثنائية يعمل بها في نظام الوصاية الإدارية،وذلك بحلول جهة الوصاية للقيام بإلتزامات إمتنعت عن أدائها الهيئة المحلية اللامركزية، وهذا إحتراما لمبدأ المشروعية والمصلحة العامة.

وعليه فمن خلال هذه المفاهيم لإجراء الحلول يتبين مدى خطورته، وذلك نظرا لأن جهة الوصاية قد تتدخل وتقوم ببعض الإختصاصات التي هي في الأصل تعود إلى الهيئة المحلية وهذا في حالة تقاعسها عن القيام بهذه الإختصاصات وهذا حفاظا على سيرورة المرافق العامة بإنتظام واطراد، وكذلك عدم تعطيل مصالح الأفراد، وذلك كأن يحل الوالي محل المجلس الشعبي للقيام ببعض إلتزاماته مع بقاء مثل هذا الإجراء أمرًا استثنائيًا.

لقد نصّ المشرّع الجزائري على سلطة الحلول في قانون البلدية (11/10) في نص المادة (101) و(102) منه، حيث جاء في نص المادة (101): «عندما يمتنع رئيس المجلس الشعبي البلدي عن إتخاذ القرارات الموكلة له بمقتضى القوانين والتنظيمات، يمكن الوالي، بعد إعذاره، أن يقوم تلقائيا بهذا العمل مباشرة بعد إنقضاء الآجال المحددة بموجب الإعذار».

يتبين من خلال نص المادة مدى تكريس وتجسيد المشرّع لسلطة الحلول، وذلك إذا إمتنع رئيس المجلس الشعبي البلدي عن القيام بما أوكل له القانون والتنظيم من إختصاصات ومهام، ففي هذه الحالة أجاز القانون للوالي أن يحل محل رئيس المجلس لتنفيذ ما امتنع عنه، بالرغم من أن الوالي جهة وصاية ويمثّل السلطة المركزية، غير أنه وبالرجوع إلى نص المادة (100) والتي أجازت للوالي اتخاذ جميع الإجراءات على مستوى جميع البلديات بحفظ النظام العام والسكينة العامة والنظافة وديمومة المرافق العامة عندما تتماطل وتقصّر سلطات البلدية في اتخاذها. 

غير أن تدخل الوالي في هذا الوضع وحلوله محل البلدية إنما هو حلول أصيل، أي ليس إستثنائيا، وذلك بناءً على ممارسته لسلطته الرئاسية، على إعتبار أن رئيس المجلس الشعبي البلدي ممثلاً للدولة في هذه الحالة وليس هيئة تنفيذية للمجلس الشعبي البلدي، ومن ثمة يخضع للسلطة الرئاسية للوالي.

ومما سبق يتبين مدى خطورة إعمال سلطة الحلول، كونه يمنح لسلطة الوصاية حق التقرير مما يتبين أن فيه إعتداء على إستقلالية المجلس، لذلك أحاطه المشرّع ببعض الضوابط والضمانات تتعدد من خلال مدى لجوء سلطة الوصاية إليه بإعتباره إجراءً إستثنائيًا.

ومن بين الشروط التي لابد أن تتوفر حتى يحل الوالي محل المجلس الشعبي البلدي ما يلي:

-    أن تكون البلدية ملزمة بالتحرك بموجب نص صريح وذلك للقيام ببعض الإختصاصات الممنوحة لها بموجب القانون والتنظيم.

-    أن تمتنع البلدية وتتمرّد عن القيام بما أنيط بها من هذه الإختصاصات وتتخذ موقفا سلبيا سواء أكان هذا الموقف امتناعا أو تقاعسا.

-    لابد من وجود نص قانوني، يمنح للجهة الوصية سلطة الحلول فلا حلول دون نص، لأن الحلول على خلاف بقية التدابير قد يؤدي إلى الإخلال بمبدأ توزيع الإختصاص.

-    وجوب إنذار المجلس الشعبي البلدي من خلال رئيسه، وتنبيهه إلى وجوب إتخاذ الإجراءات اللازمة، على أن يمنحه في نفس الوقت آجالا قانونية لذلك، ومثل هذا الإعذار يعتبر من بين الإجراءات الشكلية الوجوبية لإعمال سلطة الحلول.

فهذه هي الضوابط التي وضعها المشرّع لممارسة حلول الوالي محل رئيس المجلس الشعبي البلدي، وقيامه تلقائيا بما لم يقم به رئيس المجلس، وحتى لا يتعدّى الوالي على إستقلالية المجلس بتدخله.

ومن خلال إستقرائنا لنص المادة (101) من قانون البلدية (11/10) نجدها قد جاءت على الإطلاق، إذ لم يحدد المشرع ما هي القرارات التي يمتنع رئيس المجلس البلدي عن إتخاذها حتى يتيح تدخل سلطة الوصاية من خلال صلاحيات الوالي، لأجل ممارسة سلطة الحلول محل رئيس المجلس، في إتخاذ هذه القرارات، خاصة وأن المشرع قد أطلق الاختصاص للبلدية اقتداءً بالمشرع الفرنسي.

إضافة إلى أن المشرع لم يحدد آجال معينة للإعذار الذي يوجهه الوالي لرئيس المجلس الشعبي البلدي الذي يمتنع أو يرفض القيام بما أوكل له من إختصاصات.

وكان حليا على المشرع تحديد آجال لهذا الإعذار حتى لا يتعسف الوالي في إعمال إجراء الحلول، ومن ناحية أخرى حتى لا يتراخى رئيس المجلس الشعبي البلدي في القيام بما ألزمه به القانون.

أما الصورة الثانية لسلطة حلول الوالي محل المجلس الشعبي البلدي، هو ما جاء في نص المادة (102) من قانون البلدية (11/10) والتي جاء فيها: «في حالة حدوث إختلال بالمجلس الشعبي البلدي يحول دون التصويت على الميزانية، فإن الوالي يضمن المصادقة عليها وتنفيذها وفق الشروط المحددة في المادة (186) من هذا القانون».

ففي هذه الحالة عندما لا يصوت المجلس الشعبي البلدي على ميزانية البلدية، بسبب وجود إختلال يعتلي المجلس يقوم الوالي بإعتباره سلطة وصاية على ضمان المصادقة على الميزانية وتنفيذها.

حيث يعمل على إستدعاء المجلس الشعبي البلدي في دورة غير عادية لأجل المصادقة على الميزانية، مع مراعاة أحكام نص المادة (185).

غير أنه لا تنعقد هذه الدورة إلا إذا انقضت المدة القانونية للمصادقة على الميزانية، وهذا عندما يتعلق الأمر بالميزانية الأولية.

وفي حالة ما إذا لم يتم المصادقة على الميزانية في هذه الدورة من طرف المجلس الشعبي البلدي، يعمل الوالي على ضبطها بصفة نهائية.

فالهدف من مثل هذا الإجراء هو أن لا تبقى الأموال العامة قيد التعطيل لأنه سوف يؤدي إلى تعطل جميع المصالح، لذا كان لزاما على المشرع أن يمنح لسلطة الوصاية حق الحلول محل المجلس الشعبي البلدي حتى يتم المصادقة على الميزانية، وذلك لضمان سيرورة وإستمرار المرافق العامة في تقديم الخدمات بإنتظام واطراد خاصة وأن المال هو عصب الحياة.

كذلك من بين مظاهر حلول الوالي محل رئيس المجلس الشعبي البلدي هو ما نصت عليه المواد (183) و(184) و(186) من قانون البلدية (11/10)، وتتعلق هذه الحالات أيضا بالميزانية، فإذا ما قام المجلس الشعبي البلدي بالتصويت على الميزانية، ثم تبين بعد ذلك من خلال عملية الرقابة من طرف سلطة الوصاية والمتمثلة في الوالي، أن هذه الميزانية غير متوازنة فيما يتعلق بالنفقات والإيرادات، أو أنها لم تنص على النفقات الإجبارية فإن الوالي يعيدها خلال 15 يوما التي تلي استلامها، ليتداول المجلس بشأنها، وذلك خلال 10أيام لإعادة ضبطها والنص على النفقات الإجبارية وإعادة التوازن إليها.

غير أنه إذا صوت المجلس على الميزانية من دون أن يعيد لها التوازن أو ينص فيها على النفقات الإجبارية، يقوم الوالي بإعذاره لإعادة التصويت على الميزانية وتكون متوازنة ومدرجًا بها النفقات الإجبارية، وذلك خلال 08 أيام من الإعذار، وإذا لم يقم المجلس الشعبي البلدي بضبط الميزانية خلال هذا الأجل فإن الوالي يقوم بضبطها تلقائيا.

أما الحالة الثانية فقد نصت عليها المادة (184) من قانون البلدية، وهو عند تنفيذ الميزانية، حيث عندما ينتج عن تنفيذ الميزانية عجز، فإنه لابد على المجلس الشعبي البلدي التدخل في هذه الحالة ويعمل على إمتصاص هذا العجز ويعيد ضبط الميزانية وإعادة التوازن إليها.

فإذا لم يتدخل المجلس الشعبي البلدي أمام هذا الوضع، وترك الميزانية البلدية على حالها دون توازن ودون إتخاذ التدابير اللازمة لإمتصاص هذا العجز، فإن سلطة الوصاية والتي تتمثل في الوالي، تتدخل لإعادة ضبط الميزانية وإمتصاص العجز على (02) سنتين ماليتين أو أكثر.

ويتمثل العجز الذي يصيب ميزانية البلدية في التقدير الخاطئ للإيرادات مقابل النفقات المتوقعة، أو يكون بسبب ظهور نفقات طارئة، خاصة وأنه في الحالة الثانية تعتبر إعمال فكرة الحلول مجرد مبرر لإبقاء التنفيذ المباشر للشؤون المحلية من قبل السلطة المركزية.

وبذلك ترك المشرع المجال واسعًا للسلطة التقديرية لجهة الوصاية، مع العلم أن إحتمال ظهور نفقات طارئة بسبب توسيع صلاحيات البلدية، وهذا أمر لا يستقيم خاصة وأن المشرع في قانون البلدية الحالي نص على أن أي صلاحيات جديدة يعهد بها للبلدية لا بد لها من توفير الموارد المالية الضرورية.

وعليه فأي عجز يصيب الميزانية البلدية يستدعي تدخلاً سريعًا من المجلس الشعبي البلدي لإتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لإمتصاص هذا العجز وتصحيح مثل هذا الوضع، فإن لم يتدخل المجلس تدخل الوالي بموجب إجراء الحلول لإتخاذ الإجراءات اللازمة.

وعليه فإن سلطة الحلول تختلف عن بقية مظاهر الرقابة الأخرى كالتصديق أو الإلغاء أوالحل حيث يصدر القرار في حالة الحلول من طرف سلطة الوصاية أي الوالي باسم الهيئة اللامركزية ولحسابها، والقيام بواجب أهملته وإمتنعت عن أدائه رغم إلتزامها به قانونا.

كما أن أي ضرر قد يلحق بالغير من جراء حلول سلطة الوصاية فإن نتائجه تتحملها الهيئة اللامركزية، وذلك بالرغم من أن سبب هذه المسؤولية ناجم عن تصرفات جهة الوصاية.

وعلى الرغم من أن إجراء الحلول وإن كان يشكل أحد الإجراءات الخطيرة على إختصاصات المجلس الشعبي البلدي، حيث قد يمس بإستقلاليته، إلا أنه من ناحية أخرى يعكس مدى التوفيق أو التعاون بين المجلس الشعبي البلدي وجهة الوصاية الممثلة في الوالي، وذلك من خلال التوفيق بين الحريات المحلية التي إستلزمت إعطاء الشخصية المعنوية لهذه الهيئة، وبين فكرة الصالح العام الذي يجب أن يبقى بمعزل عن الخلافات المحلية، والتي كثيرا ما ينشأ عنها إهمال في العمل الإداري، مما يؤدي إلى شلل في المرافق العامة، في الوقت الذي ينتظر منها أن تلبي الحاجات الأساسية والضرورية للمواطنين.

وعليه نستنتج أن الحلول بإعتباره سلطة خطيرة تمارسها جهة الوصاية على المجلس الشعبي البلدي، لا تعدو إلا أن تصبّ في إطار واحد وهو التعاون من أجل تحقيق المصلحة العامة بتجاوز جميع الخلافات ووضعها بمعزل عن أي إضطرابات من شأنها أن تمس بحركية التنمية المحلية أو تمس بإستقلالية المجلس الشعبي البلدي.